بقلم أحمد فخري
قصة قصيرة -الحِمية القاتلة
- شجن، شجن، اين انت يا شجن؟
- انتظري يا امي، ما زلت اغير ثيابي. سانزل حال ما افرغ.
- الضيوف سيصلون باي لحظة، حاولي ان تستعجلي يا ابنتي. اريدك ان ترتدي ملابس فضفاضة، افهمت؟
الضيوف الذين تتحدث عنهم السيدة جنان والدة شجن سيصلون بعد قليل كي يطلبوا يد شجن لابنهم سمير. سمير هو الابن الوحيد لعائلته وهو طالب بالمرحلة المنتهية من كلية الهندسة لكن لم يسبق له ان التقى شجن. لأنه يعتمد فقط على سمعتها وسمعة والدها الذي استشهد في حرب ايران والذي كان من الضباط الاكفاء اللوامع. كان والد شجن آمر مدرعات ولديه باع كبير بالقتال. شارك بعدة حروب في السابق واستشهد في نهاية حرب ايران عام 1988 عندما انفجر لغم تحت عربته التي كانت تقله الى بغداد من ارض المعركة. كانت ابنته الوحيدة المدللة شجن طفلة صغيرة وقتها ولم يتجاوز عمرها السنتين. لذلك فهي لم تتمكن من التعرف على والدها ولم يكن لديها معه ذكريات جميلة. الا انها كبرت يتيمة وهي تتذكر كل القصص التي حُكيتْ لها عن والدها وكم كان يحبها ويهتم بها عند عودته من الجبهة، لكن ذكراه كانت ضبابية بمخيلتها. فاحياناً كانت تتخيله رجلاً طويل القامة بالرغم من ان والدتها اخبرتها عن اوصافه مراراً وتكراراً. اكدت لها انه كان متوسط القامة الا ان الرجل الطويل كان دائماً بذاكرتها. وكل الصور والدلائل التي كانت لديها لم تمكنها من ان ترسم له صورة واضحة تمكنها من التمتع بهيأته في احلامها. عندما بلغت الثامنة عشرة تقدم لخطبتها احد الخريجين العائدين الى الوطن من بريطانيا. لكنه غير رأيه حالما شاهد شجن. فشجن فتاة فائقة الجمال لكنها بدينة بافراط. والسبب طبعاً هو حب والدتها لها ومحاولتها التعويض عن فقدانها لاباها باطعامها اكثر من اللازم مما جعلها تعاني من البدانة الزائدة. هذه السمنة التي اصبحت عائقاً بل جداراً كونكريتياً بحياتها تسبب لها بالصدمات الواحدة تلو الاخرى. كان رفض ذلك الخطيب بمثابة صدمة شديدة اثرت على نفسيتها وحطمت معنوياتها بشكل كبير مما دفعها لتناول المزيد من الطعام كي تتغلب على احزانها.
واليوم وبعد اربع سنوات من تلك الخطبة الفاشلة سيأتي سمير كي يخطبها وهي في غاية السرور خاصة وان والدة سمير تحدثت بالهاتف عدة مرات مع والدتها واخبرتها بان الخطبة بحكم المنتهية وليس هناك مجال للتراجع باي شكل من الاشكال. نزلت شجن من غرفتها وسألت والدتها،
- هل جائت سهاد يا امي؟
- لا يا ابنتي، سهاد لم تأتي بعد. بامكانك الاتصال بها تلفونياً. ولكن...
- ولكن ماذا يا امي؟
- لماذا انت مصرة على احضار سهاد. فانت تلتقيها عدة مرات باليوم، وهي زميلتك بالجامعة وهي كذلك جارتنا ولا يبعد بيتها عن بيتنا سوى بضعة امتار. فلماذا تريدينها ان تكون حاضرة لمراسيم خطبتك؟
- لانها افضل صديقة لي يا امي وقد وقفت معي باحلك الظروف. هي تحبني كثيراً وانا اريدها ان تكون بجانبي بالخطبة كي لا ارتبك لاني سعيدة جداً. سأكون اسعد عندما ارى خطيبي سمير. وبحسب كلامك فانه وسيم جداً كما وصفته لك امه.
- الا تعلمين ان المثل يقول "الشادي بعين امه غزال" ؟
- اعلم ذلك لكن لدي شعور انه فعلاً وسيم فقد حلمت به بالامس وهو يزورنا وانا عملت له الكيك وقد اعجب كثيراً بعملي. والبسني خاتماً من الالماس. وحتى لو لم يكن وسيماً فانا سارضى به مهما كان شكله.
بهذه الاثناء دخلت سهاد وهي ترتدي فستاناً عادياً جداً يكاد يكون جلباب نوم "دشداشة"
- ما هذا يا سهاد؟ هل جننت؟ لماذا ترتدين هذا الفستان؟ الا تعلمين ان اليوم سيأتون لخطبتي واريد الجميع ان يكونوا باحسن حلتهم وخصوصاً صديقتي المقربة؟
- اسمعي يا شجن، اقترحت امي ان لا احضر الخطوبة هذه وقالت انها شيء عائلي وهي تخصكم انتم فقط.
- لا لا لا هذه ليست خطوبة رسمية يا سهاد. انه اللقاء الاول فقط. ثم اني اريد رأيك بخطيبي! فاذا اعتمدنا على رأيي فقط فانا ساجعل منه (توم كروز) الا ان رأيك يهمني لان الله لم يرزقني باخت وانت اختي الوحيدة يا سهاد.
- حسناً، إذا كان ذلك مهم لهذه الدرجة بالنسبة لك فانا ساعود لبيتنا واغير ملابسي الى فستان افضل من هذا.
- حاولي ان تستعجلي يا سهاد فهم سيكونوا على الابواب باي لحظة. ولا تنسي ان تصففي شعرك فانت ما تزالين اشبه بالخادمات المنزليات.
خرجت سهاد مسرعة الى بيتها كي تغير ملابسها بينما واصلت شجن تغيير وتعديل ملابسها وتصفيف شعرها حتى بدت فعلاً كالاميرات الجميلات. تأخر ركب الخاطبين فصارت شجن تقلق وتأفَّفَ، الا ان دخول سهاد للبيت هون عليها مرارة الانتظار. عادت سهاد من بيتها وقد صففت شعرها ولبست فستان سهرة يليق بتلك المناسبة المميزة. وبما انها رشيقة جداً ففستانها جعل منها كالاميرات هي الاخرى. وما ان دخلت وجلست بجانب صديقتها شجن حتى رن جرس الباب فهب الجميع بالوقوف. الا ان والدتها طلبت منها ان تتواراى وتغادر الصالة وان لا تظهر الا عندما تأذن لها والدتها. دخل سمير الذي كان يرتدي بدلة رمادية وربطة عنق حمراء وسار مع والده الذي كان يرتدي بدلة سوداء وربطة عنق زرقاء اما الوالدة فقد كانت ترتدي فستاناً جميلاً مورداً يوحي بانها سيدة مجتمع. استقبلتهم السيدة جنان والدة شجن وجلس الجميع في الصالة. بعد قليل اومأت الدة شجن لسهاد، فدخلت سهاد حاملة صينية فيها كاسات من العصائر الحمر والصفر وقدمتها للزائرين. وعندما وصل الدور لسمير نظر اليها وابتسم ظناً منه انها شجن، خاصة وان سهاد كانت رشيقة القامة وجميلة الوجه ولانه سبق واخبروه بانها فائقة الجمال. تابعها بنظراته حتى غادرت الصالة. همس سمير باذن والدته فدنت من مسمعه وردت عليه. لم تعلم السيدة جنان ماذا كان يجري ولكن يبدو ان الامور تسير بخير. افتتحت ام سمير الحديث إذ قالت،
- اليوم جئنا كي نتعرف عليكم لاننا سمعنا انكم عائلة شريفة محافظة ومن اعيان بغداد. علماً ان المرحوم ابو شجن كان ضابطاُ مرموقاً وقد وافته المنية مبكراً وكرمه الله بالشهادة. لذلك جئنا اليوم وكلنا امل ان ترتبط العائلتين بوشيجة النسب ونصبح عائلة واحدة. انا لا املك سوى ابني سمير وهو الآن في سن الزواج وقد وصل الى المرحلة المنتهية في الجامعة قسم الهندسة المدنية.
ام شجن : ان هذا يسعدنا كثيراً ويشرفنا ان تأتي عائلة من وزن عائلتكم ونسبكم كي يخطبوا ابنتي الوحيدة شجن. فهي كما تعلمون طالبة في الجامعة بالسنة الثانية وتدرس الادب الانكليزي. وسنكون سعداء لو اننا ربطناهم برباط الزواج المقدس.
وبهذه الاثناء دخلت سهاد الصالة وبيدها صينية كي تجمع الكؤوس الفارغة. فنظرت اليها ام سمير وقالت لها،
- تعالي يا شجن يا ابنتي، اتركي عنك الكؤوس واجلسي بالقرب مني اريد ان اتعرف عليك اكثر.
تدخلت ام شجن فوراً وقالت،
ام شجن : ولكن يا ام سمير، هذه ليست شجن. انها سهاد ابنة جارنا عبد الكريم الجبوري، جائت كي تكون بصحبة صديقتها شجن. فشجن هي هذه التي تجلس بجانبي.
نظر سمير اليها باستياء وهمس باذن والدته. همست والدته بدورها لابنها واسكتته ثم قالت،
ام سمير: يبدو اننا اخطأنا، انا آسفة جداً. شكراً لك على حسن الضيافة وارجو منكم ان تسامحونا.
ام شجن: مهلاً، مهلاً، يا اختي ام سمير. ما الذي يجري هنا؟ هل صدر منا ما يزعجكم لا سامح الله؟
ام سمير: كلا ابداً. انا اشعر بدوار بسيط واود ان ارجع بيتي، يبدو ان ضغطي قد ارتفع.
ام شجن : كما تشائين اختي ام سمير. اتمنى لك الشفاء العاجل.
وقف الجميع وقفة واحدة وخرج الضيوف وهم على عجل. بقيت شجن وامها وصديقتها سهاد محتارين مشدوهين لما حصل. فما هو سر هذا الموقف الغريب والغير لائق والسريع؟ كيف انتهت الزيارة بهذه السرعة؟ ولماذا قررت العائلة الغاء الخطوبة؟ الكل حائر والكل يؤول الامور حسب تقديراته وتقييمه للموقف. الا ان شجن كانت تعرف تماماً ماذا حصل. هي تعرف ان نظرة واحدة لها من خطيبها اشمأز منها ونفر. وان جسمها البدين كان السبب الاساسي في رفضه لها، وتلك لم تكن المرة الاولى. ان هذا الموضوع سيدفعها كي تنتحر لانها لن تحظى بشخص يحبها وينوي ان يقضي معها بقية عمره.
بقيت سهاد معهما لمدة ساعتين وهي تشاركهما التأويلات وتهون عليهما المصاب الاليم وتقول لهما لولا ذلك لحصل النصيب ولوقعوا ببراثن عائلة لا تعرف الاصول ولا الاخلاق. رجعت سهاد الى بيتها وهي حزينة على صديقة عمرها شجن وحكت لوالدتها ما حصل. الا ان والدتها فاجأتها بخبر مهم. اخبرتها ان شيء غريباً قد وقع، وهو ان امرأة تدعى ام سمير اتصلت بها هاتفياً قبل قليل وطلبت ان تتحدث معها بخصوص سهاد وقالت،
- سألتني إذا كنتِ مخطوبة او مرتبطة، فاخبرتها بانك لستِ كذلك. واخبرتني بانها تود زيارتي باقرب فرصة فرحبت بها.
- ماذا تقولين يا امي؟ هذه هي نفس العائلة التي جائت لخطبة شجن. كيف ترحبين بهم؟
- ولما لا يا ابنتي؟ فالزواج قسمة ونصيب، وإذا كان الله قد قسم لك ان تتزوجي من سمير بدلاً من صديقتك شجن فمن نحن كي نعترض على مشيئة الله؟ وهل ستزعل شجن لو علمت ان نصيبك قد جاء بدلاً منها؟ الم تكوني سعيدة اليوم عندما علمتِ ان صديقتك ستُطلَب للزواج؟
- اجل يا امي ولكن هذا شيء مختلف. شجن هي اقرب صديقة عندي ولا يمكنني ان اخطف خطيبها منها. هذا شيء معيب يا امي.
- ابداً يا ابنتي ابداً. فالنصيب يحدده الله ويقسم لكل عبد قسمته، وارادة الله هي فوق ارادة الجميع. بهذه الحالة، اراد الله ان يراكِ العريس ويُغَيرَ رأيه لانه أعجِبَ بك بدلاً منها. وكما يقول المصريون (تبقى اللقمة ببقك وتنقسم لغيرك).
- إذاً دعيني استشيرها اولاً يا امي. فانا لا اريد ان اخسرها كصديقة.
- لا يا ابنتي، لا تفعلي ذلك، فقد تغشي الغيرة قلبها فتقوم بتخريب الزيجة. ارجوك لا تخبريها بشيء حتى يخطبوك وتنتهي الخطبة كاملة ويصبح العريس بالجيب.
- كما تشائين يا امي.
باليوم التالي التقت سهاد بصديقتها شجن بالجامعة وكادت تخبرها بكل شيء لولا ان بعض الظروف تدخلت بشكل لا ارادي مما اسكت سهاد ولم تتمكن من اخبار صديقتها بالموضوع. ولكن بداخلها، كانت سعيدة، سعيدة؟ بل ستطير من الفرح. فهي لم تتخيل يوماً ان يأتي نصيبها بهذه السرعة. كيف أعجِبَ بها عريس الغفلة؟ هل كانت نظراتها التي اسطادته بها كافية لان يقع بشباك حبها؟ هل الامر بهذه البساطة؟ وإذا كان كذلك، فعليها ان تُدَرّس اسلوبها بالجامعات وتؤلف كتاباً تسميه "كيف توقع بالرجال بستة ايام من دون معلم"
على العموم عليها ان تطرد الافكار الشريرة من رأسها فهي سعيدة بسمير وسوف يتزوجها وستصبح سيدة مجتمع وستحقق احلامها بتأسيس عائلة وتنجب اطفالاً. واذا كانت شجن تحبها فانها ستفرح لفرحها، وهذا معنى الصداقة الحقة.
- هل لديك محاضرات اليوم يا شجن؟
- اجل ولكن بعد ساعة من الآن. وماذا عنك؟
- انا كذلك، لدي متسع من الوقت. لماذا لا نذهب الى مقصف الجامعة ونتحدث قليلاً اريد ان افاتحك بموضوع معقد وشائك قليلاً.
- تفضلي يا اختي. ولماذا قيل عنا اخوات؟ فانا دائماً مستعدة لمساعدتك، هيا بنا.
جلست الصديقتان على طاولة واحدة وتلعثمت سهاد قليلاً ثم سمعت صديقتها تقول.
- هيا، أخبريني يا سهاد، ماذا وراء جلستنا هذه؟ هل عثرت على فارس احلامك؟
شعرت سهاد ان حلقها قد اصبح جافاً كالتراب فترشفت من قدح الشاي الذي امامها وقالت،
- اسمعيني يا شجن، ان الموضوع ليس كما تعتقدين، فهو مرتبط بكثير من الامور التي هي خارجة عن ارادتنا وما نريده شيء وما يحصل فعلاً شيء ثاني فما هو رأيك؟
- انت يا سهاد لم تقولي جملة مفيدة واحدة استطيع فهمها. ما الامر؟ تحدثي!
- انه سمير.
- اي سمير هذا؟ اتقصدين عريس الغفلة؟ الذي حضر الى دارنا بالامس؟
- هو بعينه. بالامس اتصلت والدته بامي وطلبت ان تزورنا.
- تزوركم؟ لماذا تزوركم؟ وهل سبق لكم التعرف عليهم؟ هل... اتقصدين انه... تمهلي، تمهلي، هل تقصدين ان سمير... هل غير رأيه بي عندما رآك؟ يا الهي، لا اصدق! وهل وافقت والدتك؟ هل وافقتِ انت على ذلك ايضاً؟ اتطعنيني بخنجر في ظهري يا سهاد؟ انت اقرب واعز صديقة عندي! انا التي اعتبرتك الاخت التي وهبها لي الله!
- اسمعيني يا شجن للآخر، كل شيء قسمة ونصيب وإذا لم يقسم الله لك...
انتفضت شجن واطاحت بقدح الشاي الذي كان امامها وقالت بكل حزم.
- لا تأتي الى بيتي ثانية. لا تتصلي بي ثانية. لا تكلميني. فانت خرجت من حياتي الى الابد.
- انتظري يا شجن. انتِ صديقتي وانا احبك واريد ان...
خرجت شجن مسرعة الى خارج الجامعة واشارت لسيارة اجرة كي تقف لتقلها الى منزلها. في الطريق بحثت عن اي طعام بحقيبتها فلم تجد شيئاً سوى اللبان فالتهمت واحداً ثم علمت انه صغير فالتهمت الثاني والثالث حتى صار يملاً فمها. صارت تمضغ اللبان بشراهة وكأنه قطعة لحم دسمة. وتفكر بسهاد وكيف طعنتها من الخلف بخنجر مسموم. حالما وصلت دارها دخلت مسرعة الى غرفتها واغلقت عليها الباب. سمعت والدتها الصوت فتبعتها لكنها لم تتمكن الدخول فنادتها من خلف الباب،
- لماذا رجعت يا ابنتي؟ هل ألغيتْ محاضراتك لليوم؟ اخبريني يا ابنتي! هل اصابك مكروه؟ افتحي الباب لو سمحتِ.
الا ان شجن لم تجيب بشيء. كانت تبكي وهي جالسة على سريرها وقد قطّعت ثيابها التي كانت ترتديها. بالظهيرة نادتها امها كي تشاركها وجبة الغداء الا انها لم ترد، بقيت بغرفتها معتصمة تحاول ان تتحمل صدمتين بآن واحد. الاولى هي رفض خطيبها لها، والثانية هي ضياع اعز صديقة لها والسماح لنفسها كي تخطف منها خطيبها. كل ذلك بسبب بدانتها المفرطة. ولكن لماذا هي بدينة؟ لماذا لا تفقد الوزن؟ كل ذلك يعتمد على الارادة. ولماذا لا تمتنع عن الطعام كي تفقد الوزن؟ لقد جرب الكثير من الناس ان يخوضوا تجربة الحمية ونجحوا فيها فلماذا لا تجرب هي الاخرى؟ ثم تذكرت انها جربت الحمية كثيراً بحياتها ولم تفلح. ما الذي يمنع ان تحاول مرة اخرى؟ "ساحاول ولكن سانجح هذه المرة. ساغلق هذا الفم الذي يمرر الطعام لمعدتي كما تمرر القمامة الى المزابل. سافقد الوزن وسانتصر. ها هي امي تدعيني للطعام. هاهاها كلا يا امي، انا لن ااكل بعد اليوم"
بالمساء شعرت ان معدتها صارت تقطعها ارباً ففتحت باب غرفتها كي تذهب الى المطبخ، هرعت امها نحوها وقالت،
- ابنتي، حبيبتي، هل انت بخير؟
ابتسمت بوجه امها وببرود تام قالت،
- انا بخير يا امي. انا جائعة واريد ان اتناول بعض الطعام.
- اجلسي وحسب، ساعد لك افضل طعام بالدنيا.
- كلا يا امي، انا التي ساعد طعامي بنفسي. لقد ولى ذلك الزمان.
- كما تشائين يا حبيبتي.
فتحت شجن الثلاجة واخرجت جزر وخيار وقطعة من الطماطم وبدأت تقطعها حتى عملت منها صحناً ثم لم تضف اليه سوى القليل من الليمون والملح وصارت تتناوله بشهية. وعندما فرغت من ذلك توجهت الى غرفتها وقالت، "انا متعبة يا امي، سانام مبكرة اليوم". اغلقت على نفسها الباب وقالت "ارأيت يا شجن؟ الامر ليس صعباً؟ اذا استمريت على هذا المنوال فستنجحين لا محال. كل ما هو مطلوب منك الصبر والاصرار. وانا الآن شجن الجديدة. انا لا انصاع لشهوات معدتي بعد الآن. سنرى من الذي سيفوز بالنهاية يا سهاد.
كان القرار الذي اتخذته شجن حازماً وكان غير قابلاً للرجعة ابداً. ولكي تتابع تطور خطتها فإن عليها ان تزن نفسها يومياً. في اليوم التالي خرجت الى منطقة الكرادة وصارت تبحث بين المحلات عن ميزان الكتروني رقمي يمنحها قرائة دقيقة وصحيحة لوزنها. وعندما وجدت ميزاناً جيداً وقفت عليه لتجربه فوجدته يشير الى 95 كغم. هي تعلم ان وزنها وطولها يعطيها مؤشر جسم 37. وهذا يدل على الافراط بالسمنة. وبما ان طولها هو 160 سم فيجب ان يكون وزني اقل من 55 كغم بقليل. إذاً لديها ما يقرب من 40 كغم زائدة عن حاجتها كي تتخلص منه. "ساشتريه"
دفعت ثمن الميزان وعادت ادراجها الى البيت. وضعت الميزان بجانب سريرها وقالت، "سيكون هذا الميزان رفيق دربي وشاهد على نضالي من اجل النصر. وسانتصر، انا متاكدة من ذلك. سترين ايتها القردة سهاد يا خطافة الرجال"
كانت عزيمتها قوية إذ كانت تتابع وزنها كل يوم. فالميزان اصبح محور حياتها. صارت تتناول الخضار بشكل كبير وابتعدت عن الكثير من الاطعمة الاخرى. ابتدأت تجني ثمار كفاحها بعد شهر كامل. بالبداية هبط وزنها بشكل سريع ثم توقف بعد ان فقدت 5 كغم. لكنها اصرت وواصلت الحمية لانها تعلم ان الخمسة كيلوغرامات الاولى هي مجرد سوائل يحتفظ بها الجسم. ثم يبدأ الصراع ما بين الخير والشر، ما بين الفقدان والاحتفاظ بالوزن. فمرحلة السوائل تنتهي ثم تتبعها مرحلة فقدان الشحوم بحيث يبدأ الجسم باستهلاك كل ذلك الخزين من الشحوم الذي خبأه الجسد لليوم الاسود. حاول جسدها ان يحتال عليها بأن يوهمها بالصداع. لكنها لم تعير له اهمية واهملت كل الحيل التي اراد جسدها خداعها بها كي يدفعها لتناول الطعام كما في السابق. هي تعلم جيداً ان الامر يتطلب الصبر، بل المزيد منه، والد اعداء الحمية هو فقدان الصبر. وتعلم كذلك ان الاستعجال بانتظار نتائج ايجابية هو امر يفشل الحمية لانه يدخل الشخص في حالة احباط مبكر. بقيت لعدة اشهر تصارع وزنها حتى بلغ 70 كغم. كان ذلك مؤشراً لها بانها على الطريق الصحيح. لكن امها كانت تقول لها،
- كفاك هبوطاً يا ابنتي. فقد اصبحت رشيقة وكل ملابسك اصبحت فضفاضة وواسعة، لذلك يجب ان تتوقفي عن الحمية.
- على جثتي يا امي، على جثتي. سوف لن يهدأ لي بال حتى ابلغ الوزن المطلوب.
- وما هو الوزن المطلوب؟
- 55 كغم كي يصبح مؤشر جسمي 19.5
- لا يا حبيبتي، انا اخاف عليك من ذلك. فسوف تصبحين مجرد جلد وعظم.
- لا تخافي يا ام شجن، ابنتك تعرف ماذا تعمل. ثقي بي وسوف احقق جميع احلامي.
بالاضافة الى هبوط الوزن فقد صارت تعاني من الدوار بعض الاحيان. استشارت طبيبها الخاص الدكتور لؤي عبد هادي فاخبرها ان هبوط الوزن تسبب في هبوط ضغطها. لذا كتب لها قطرات تدعى ايفورتيل. اما باقي امورها الصحية فكانت على ما يرام. في الجامعة، اصبحت شجن حديث كل الطلبة والاساتذة. فقد صاروا يسمونها الامرأة الحديدة لشدة اصرارها وعزيمتها. في الجامعة التقت عيناها بعيني سهاد عدة مرات وحاولت الثانية التحدث معها، الا انها لم تنظر بوجهها ولو للحظة واحدة. بل تركتها وسارت في طريقها.
كان جمال شجن لافتاً للانظار، والآن اصبح وزنها يتجه نحو الاعتدال فصارت تشع جذابية اكثر فاكثر والرقاب كلها صارت تستدير عندما تدخل عليهم فتخطف الاضواء من جميع النساء بجمالها ورشاقتها وطول شعرها الاسود المتدلي حتى كعب قدميها. كان شغلها الشاغل كل يوم هو الدخول على الانترنيت والبحث في المواقع التي تعني بالحمية وانقاص الوزن. استوقفتها مقالة بعنوان "سرعة تناول الطعام والثوان العشرة" لاحد الكتاب العراقيين على الگاردينيا، فقرأتها بتمعن واكتشفت انها مقالة ثمينة جداً وانها ستغير حياتها الى الابد فقد كانت في السابق تتميز عن جميع اقاربها واصدقائها كونها سريعة في تناول الطعام. كانت الوجبة الواحدة لا تتطلب منها سوى اربع او خمس دقائق قبل ان تسرط اللقمات سرطاً. وكانت دائماً تصطحب طعامها بتناول المشروبات الغازية التي كانت تسبب لها شعوراً بالتخمة فيما بعد. لكن المقالة علمتها غير ذلك وساعدتها في ابطاء تناولها للطعام. بمعنىً آخر هذبتها وعدلت من سلوكياتها بتناول الطعام. كانت تلك النقطة الحاسمة في عملية التغيير بالحمية. علمت كذلك ان كلمة "ريجيم" هي كلمة لاتينية تعني النظام. ففهمت ان حميتها هي حقاً تغيير بالنظام، لانه غير كل حياتها واسلوب تعاملها مع الطعام والملابس والسيطرة على شهواتها. فمعدتها ما فتئت تبعث لها الرسائل بالحاجة لتناول الطعام لكنها كانت تبتسم وتقول، "وهل جننت كي انصاع لتلك النداءات؟ ساواصل كفــــــاحي حتى يستيقظ هتلر ويهنئني على ما فعلت"
بعد مرور 11 اشهراً على بدأ حميتها القاسية وبالتحديد في الصباح الباكر استيقظت شجن كعادتها متوجهة نحو الميزان كي تزن نفسها فانتابتها فرحة عارمة وصرخت،
- امي، يا امي لقد صار وزني 50 كغم.
- الحمد لله. يجب عليك ان تتوقفي الآن عن الحمية القاسية وتعطي نفسك المجال كي تتناولي بعض الطعام الطبيعي، لان حالة هبوط الضغط عندك اصبحت مسألة تتكرر يومياً وقد سبق وان اغمي عليك اكثر من مرة. لذلك يجب ان تغيري من اسلوبك في الطعام.
- لا تشغلي بالك يا امي. فالامور تحت السيطرة.
لم تشأ شجن ان تدخل امها في عملية القرار بما يخص حميتها. فقد حققت انجازاً لم يسبق لاحد ان حققه من قبل. لقد خرج انسان كامل من جسدها لذلك فهي غير مستعدة كي تحطم ذلك الانجاز وتخرب الحلم الذي حلمته طوال حياتها. فهي تلبس ما تريد والكل يتحدث بجمالها ورشاقتها.
استمر ذلك الحال لبضعة اشهر اخرى حتى رن هاتف الدار باحدى الايام فرفعت السيدة جنان والدة شجن السماعة وقالت،
- الو، من الطالب؟
- انا رضاب زميلة شجن يا خالتي.
- يا ساتر يا ربي. ماذا حصل؟ هل شجن بخير؟
- كلا يا خالتي. شجن اصيبت بالاغماء بالجامعة اثناء احدى المحاضرات ونقلتها فوراً الاسعاف الى مدينة الطب. نحن الآن هناك في قسم الطوارئ. ارجوك خالتي تعالي، اسرعي.
- ساكون عندكم فوراً.
غيرت جنان ملابسها وخرجت مسرعة الى الشارع، ركبت سيارة اجرة وطلبت من السائق ان يقلها الى مدينة الطب. وهناك بحثت عن قسم الطوارئ ودخلت فوجدت ابنتها فاقدة للوعي وبقربها طبيبها الدكتور لؤي واثنان من زميلاتها. تحدث معها الدكتور لؤي قائلاً،
- حالة شجن حرجة يا مدام جنان. ضغطها هابط جداً فقد وصل الى 70 / 45 والآن انا احاول ارجاعه الى الطبيعي. هي الآن فاقدة للوعي واحاول ان لا ادعها تدخل بكوما.
- وما العمل يا دكتور؟ هل تنصحني ان انقلها الى لندن لغرض العلاج؟
- كلا، ان الامر لا يتطلب السفر ابداً. وبالامكان علاجها هنا.
- فقط اخبرني عن اي علاج تقترحه واي دواء يناسبها وسوف اقتنيه مهما كلف الامر يا دكتور.
- علاجها ليس بالادوية يا مدام. ان ابنتك شجن مريضة بمرض الريجيم.
- مرض الريجيم؟ وهل هناك مرض يدعى مرض الريجيم؟
- اجل سيدتي. علمياً يسمى انوريكسيا نرڤوسا. هو مرض نفسي يعاني منه أولئك الذين يُنقصون اوزانهم بشكل كبير. ثم يخافون من العودة للاوزان الاصلية لذا فهم لا يتوقفون عن الحمية القاسية حتى بعد ان يبلغوا الوزن المطلوب.
- لكن شجن لم تتعدى حدود كبيرة في انقاص وزنها فهي الآن 50 كغم. وهذا وزن ليس بخطير.
- بل هي 45 كغم يا سيدتي. لقد قمنا بوزنها حالما وردت الينا هنا. وهذا ينذر بالخطر. هناك الكثير من مرضى الانوريكسيا يموتون من اثر استمرارهم بالهبوط.
- يا ساتر يا ربي. وهل ستموت ابنتي يا دكتور؟
- هذا امر وارد إن لم نتدارك الامر على جناح السرعة. يجب ان تتصلي بزميلي المدعوا دكتور قصي الخياط الذي درس علم النفس بسويسرا والآن لديه عيادة بالمنصور. وهذا هو رقم هاتفه.
- ساتصل به فوراً ولكن متى تستيقظ شجن؟
- لا اعلم، وضعنا لها المغذي الآن ونأمل من الله ان يعيننا ويأخذ بيدها.
خرج الدكتور لؤي وبقيت مدام جنان مع ابنتها وصديقتيها.
تعافت شجن قليلاً باليوم التالي واستعادت وعيها وصارت تتعرف على امها. لكن منظرها كان مخيفاً، فقد كانت تبدو كالمومياء لان وجهها كان يميل للصفرة. تحدثت معها والدتها كثيراً بخصوص الطبيب النفسي حتى وافقت بالنهاية وقررا ان تزور شجن ذلك الطبيب بعد خروجها من المستشفى.
في اليوم الثالث من رجوع شجن للبيت اتصلت مدام جنان بالدكتور قصي فحدد لها موعداً كي تكون اول جلساتها صباح يوم الخميس. لكنه طلب ان تحضر شجن الى العيادة بمفردها، فوافقت والدتها.
استيقظت شجن يوم الخميس صباحاً كالعادة وتوجهت مباشرة نحو الميزان. اقلقها ما رأت فيه فقد يبدو انها ازدات 200 غم عن الايام السابقة وهذه كارثة كبيرة يجب ان تتفاداها. عليها ان تتوقف عن الطعام نهائياً لمدة يومين او ثلاثة كي تتخلص من ذلك الوزن الزائد. اخذت حمّاماً سريعاً ثم ارتدت ملابسها وذهبت الى المطبخ حيث وجدت امها مشغولة ببعض الامور فسألتها،
- صباح الخير، ماذا تعملين يا امي؟
- انا اعد بعض المخلل. انه (طرشي شلغم) يا ابنتي. هل اشتقت اليه؟
- كلا يا امي. فهو يحفز على الطعام وانا لا احب الطعام. خصوصاً وان وزني قد ازداد بشكل كبير عندما كنت بالمستشفى. يبدو انهم كانوا يضعون لي بعض السكر في المغذي الذي كان يمرر بعروقي.
- هل ستذهبين للجامعة اليوم؟
- اجل ولكن بعد الظهر. ساذهب في الصباح لذلك الطبيب النفسي الذي فرضتيه عليّ.
- انت تعلمين ان ذلك لمصلحتك يا ابنتي. ارجوك لا تترددي في الذهاب.
- كلا، انا لست مترددة يا امي فانا اطيعك وانفذ كل اوامرك.
- هل ستذهبين بعد ان تتناولي وجبة الافطار؟
- ليس لدي الوقت للافطار. ساذهب مباشرة، يجب ان اخرج الآن، وداعاً.
- انتظري يا شجن، كلي بعض الـبيـ...
خرجت شجن من البيت مسرعة كي لا تعرض نفسها لمزيد من الضغوط. فهي تعلم ان والدتها ستبقى ورائها حتى تحشر الطعام بفمها عنوة، لذلك قررت الاسراع بالخروج. وصلت العيادة تمام التاسعة صباحاً. تحدثت مع السكرتيرة فطلبت منها الانتظار حتى تأذن لها بالدخول. بقيت شجن جالسة لمدة نصف ساعة حتى نفذ صبرها فقررت ان تغادر العيادة. وحالما وقفت كي تهم بالخروج، نادتها السكرتيرة وقالت، "حان دورك يا آنسة، تفضلي بالدخول"
فتحت شجن باب الغرفة ودخلت فوجدت رجلاً بالاربعين من العمر جالساً وراء مكتبه، لكنها لم تنظر بوجهه للوهلة الاولى. وعندما دنت منه، رفع رأسه نحوها فرأت والدها يجلس امامها. وبدون شعورها قالت،
- ابتي؟ ماذا تفعل هنا؟
ابتسم الدكتور قصي بوجهها وقال،
- انا الدكتور قصي. بامكانك ان ترفعي اللقب وتناديني قصي.
- انا آسفة يا دكتور. ظننتك شخص آخر.
- والدك؟ هل ظننت اني والدك؟ هل هناك شبه بيننا؟
- اجل، مع اني لا اتذكره جيداً الا اني رأيت صوره عندما كان حياً. وفيه شبه كبير منك.
- متى توفى يا شجن؟
- عندما كان عمري سنتين. توفي في الحرب. كان ضابطاً بالجيش.
- هل تحنين لذكراه؟
- هذا شيء طبيعي يا دكتور، اليس كذلك؟
- لا، هناك الكثير ممن يشعرون بالغضب من آبائهم المتوفين لانهم تركوهم ورحلوا.
- كلا انا لست كذلك. لماذا تصر على معاملتي كمجنونة؟
- انت مخطأة يا شجن. انت لست مجنونة بتاتاً. نحن فقط نتحدث بامورك العائلية ولم نبدأ حصتنا بعد.
- وماذا تعتقد لحد الآن؟ هل انا حالة ميؤوس منها؟
- ابداً يا شجن. تفضلي واجلسي.
اشار الدكتور قصي بيده الى اريكة مريحة كي تجلس عليها شجن، فجلست. فتح علبة تحتوي على سجائر. عرضها عليها ثم سألها،
- هل تدخنين السجائر؟
- كلا يا دكتور، اقصد يا قصي.
- لدي تقرير هنا يقول انك نقلت الى المستشفى بسبب هبوط حاد بضغط الدم. برأيك لماذا هبط ضغطك؟
- ربما لاني نسيت ان أخذ الدواء الذي كتبه لي الطبيب.
- هل تتبعين الحمية؟
- اجل، يجب ان انقص من وزني، لاني بدينة.
- لكني لا اراك بيدنة. يبدو لي ان وزنك ممتاز جداً. هل بامكاني ان اعرف وزنك؟
- انه 50 كغم.
- هل تأذني لي بأن اقيسه هنا؟ فانا املك ميزاناً.
وقفت شجن على الميزان فاشار الى ان وزنها 43 كغم. ابتسمت شجن وقالت،
- ان ميزانك خاطئ. فان وزني الحقيقي هو 45 كغم.
- حتى لو فرضنا ان وزنك 45 كغم فهل سمعت بمسطلح (مؤشر جسم)؟
- اجل انه نسبة معينة لتناسب الوزن مع الجسد.
- وما هو مؤشر جسمك يا شجن؟
- انه طبيعي يا قصي. لا تشغل بالك بذلك.
- بل انت اقل من الطبيعي بكثير. هل تقومين بوزن جسمك يومياً؟
- اجل.
- كم مرة باليوم؟
- مرة او مرتين؟
- مرتين يا شجن؟
- طيب احياناً ثلاث او اربع مرات باليوم.
- وهل تتناولين الطعام الاعتيادي؟
- الطعام الاعتيادي غير صحي، وهو يؤدي الى زيادة بالوزن. انا اتناول المواد الصحية كالخضار والفواكه.
- وماذا عن اللحوم؟
- اجل احياناً اتناول لحم الدجاج والاسماك.
- ومتى تناولت اللحوم آخر مرة؟
- اجل... بالحقيقة... لا اذكر.
- هل سمعت بمرض يدعى انوريكسيا نرڤوسا؟
- كلا، هل هناك علاقة ما بينه وبين اكل اللحوم؟
- كلا انه يسمى بالاوساط الشعبية (مرض الريجيم). يا شجن انت تعانين من هذا المرض.
- هذا هراء يا قصي. انا ساتوقف عن الحمية حالما اصل الى الوزن المطلوب. لازلت اريد ان انقص المزيد من وزني. فانا اعاني من السمنة المفرطة.
- حسناً لو فرضنا جدلاً انك بدينة كما تقولين. فما هو الوزن الذي تريدين الوصول اليه؟
- لا اعلم ولكن اقل مما انا عليه الآن.
- انت قلت لي قبل قليل ان وزنك الآن هو 45. فما هو الهدف؟ اهو 40؟ 35؟ 30؟
- لا اعلم.
- يجب ان تعلمي يقيناً انك تعانين من الانوركسيا يا شجن. واذا لم تعترفي بذلك فان مصيرك الموت بدون شك.
- لكني تعبت كثيراً حتى بلغت الوزن الذي وصلت اليه، فكيف تريدني ان احطم ذلك الانجاز واعود ثانية للسمنة.
- انا لا اريدك ان تعودي للسمنة يا شجن بتاتاً. اريدك ان تتوقفي عن الهبوط وحسب. فهل انت مستعدة ان تطيعيني؟
- ساحاول.
- كلا، المحاولة لا تنفع. يجب ان تصممي على ايقاف هبوط وزنك والا فانت هالكة لا محال.
- حسناً.
خرجت شجن من عيادة الدكتور قصي وهي مستاءة جداً فمن ناحية، زرع في قلبها الخوف من الموت المحتم. ومن ناحية اخرى فانها لا تريد العودة الى شجن البدينة او الـ (دبة حميسة) المصطلح القاسي الذي كان الاطفال يرمونها به في صغرها ولازمها حتى كبرت وهي تسمعه من بعض الشباب عندما يحاولون معاكستها فتصدهم. فكيف تعود اليه الآن بعد ان صارت تصنف من النحيفات؟ بالآخر اتخذت قراراً حاسماً. "ساواصل الجلسات مع دكتور قصي لكني سوف لن افعل ما يقوله لي لان ارادتي اقوى منه".
بقيت شجن تحضر الجلسات مع دكتور قصي الواحدة تلو الاخرى وهي تتصرف كي توهمه بانها متعاونة معه الا انها كانت تعمل ما يحلو لها. كان الدكتور قصي يعرف تماماً ستراتيجيتها وكذبها لكنه كان يستعمل اسلوباً نفسياً معيناً يتبع بمثل حالة المراوغة هذه حتى مرت ستة اشهر على الجلسات عندما جائت شجن الى عيادته وجلست في صالة الانتظار. وبعد مرور دقائق قليلة دخل الى الصالة شاب وسيم، نظرت الى وجهه فعرفته على الفور. انه سمير الشاب الذي رفضها واختار صديقتها سهاد. جلس سمير الى جانبها وحياها قائلاً،
- مرحباً يا شجن. هل تتذكريني؟
- وكيف انساك؟ فان افعالك تجعل منك انسان من الصعب نسيانه.
- انا اعرف اني تسببت لك بأزمة عاطفية لانك كنت معجبة بي كثيراً. لكني كنت ابحث عن انسانة رشيقة ولم اكن اعرف انك بدينة بذلك الوقت. انا آسف.
- معجبة بك؟ يبدو ان لديك الكثير من الثقة بالنفس. انا لم اكن معجبة بك بتاتاً لكنك جئت الى دارنا لغرض خطبتي بالطريقة التقليدية ثم غيرت رأيك متى ما شاهدت صديقتي سهاد، وكأنك ذهبت لتشتري سلعة من السوق فوجدت ما هو اكثر مناسب لك.
- انت تعرفين ان خطوبتي مع سهاد قد فشلت بعد شهرين، اليس كذلك؟
- اجل سمعت، ولو ان ذلك لا يهمني الآن، لا من قريب ولا من بعيد.
- والآن، بامكاني ان اخطبك بما انك الآن قد اصبح لديك جسد لائق بي. وانا اريد ان تكون زوجتي جميلة وانيقة ورشيقة. ما رأيك ان نفاجئ اهلنا ونخبرهم بقرارنا؟ بامكاننا ان نأتي لخطبتك قريباً؟ انا مستعد ان اجلب لك اي شيء تطلبينه.
- انت حقاً وقح وعديم الاخلاق. من الذي ضحك عليك وواوهمك اني سارضى بانسان سطحي تافه مثلك؟ يجب ان تدع الدكتور قصي يعالج امراضك النفسية يا سمير.
- انا هنا لابيع له سيارتي لا لغرض العلاج. انت فقط التي تتعالجين من جنونك يا معتوهة. انظري الى نفسك! فقد اصبحت هيكلاً عظمياً فقط لاني رفضتك. لقد عملتي المستحيل كي تنزلي وزنك حتى اعود فارضى عنك ولكن هيهات.
وقفت شجن فجأة وخرجت من العيادة وهي تغلي غضباً ولانها لم تشأ ان ترتكب جريمة قتل بهذا الصعلوك المتعجرف. ركبت سيارة اجرة وجلست تحاور نفسها، "هذا القرد الوضيع المنحط، يعتقد اني قمت بالحمية من اجل ان اكسبه فيحن عليّ ويعود فيطلبني للزواج ثانية. كم هو غبي؟ وانت يا شجن، لماذا خضت تلك التجربة؟ اصحيح لكسب سمير واعادته لك؟ اهو كي تغيضي سهاد وتخبريها بانك اجمل منها؟ كلا والف كلا. انا فعلت كل ذلك كي امسك الفرس من لجامه. كي اكون سيدة نفسي. كي اثبت للعالم ان لا شيء مستحيل. وقد فكرت وخططت ونفذت. والآن دكتور قصي يطلب مني التوقف عن الحمية. ربما هو يقصد ايقاف الحمية وليس العدول عنها، فالفرق بين الطريقتين كبير. لكي اوقف الحمية فهذا يعني ان احافظ على وزني وان لا ادعه يزداد او ينقص وان يكون طعامي صحي متوازن. اما العدول عنها فيعني الرجوع الى تلك الايام الخوالي التي كنت اترك الابواب على مصراعيها بحيث ائكل ما اريد دون ان انتبه الى نوع وكمية الطعام. آن الاوان لان اتخذ قراري. سيكون قراري هو الصحيح على الارجح. ساوقف الحمية ولكن سيكون طعامي بانتظام واقول للحياة مرحباً بكِ"
دخلت شجن البيت فاستقبلتها امها بقبلة جميلة وقالت،
- اليوم عملت لك دجاج مشوي بالفرن. ما رأيك يا شجن؟ الا جربت ان تتذوقيها؟
- بالتأكيد يا امي، انا ساموت من الجوع. ابتسمت شجن ابتسامة عريضة وغمزت لنفسها. وقالت:
"ها قد أوقفنا الهبوط"
1173 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع