الدكتور محمود الحاج قاسم
العلاج باستنزاف الدم
نشر الزميل الدكتور نبيل نجيب يوم 01/16/ 2019 على صفحات الفيس بوك مقالاً علمياً جميلاً بعنوان (( الدم الفاسد من يدلني عليه )) . وقد حفزني مقاله لأتناول مسألة (( إستنزاف الدم )) الذي إنشغل به الأطباء عبر القرون الماضية .
العلاج باستنزاف الدم
لقد جاء أول إشارة لاستنزاف الدم في الطب المصري القديم كأحد الوسائل العلاجية الهامة للتخلص من الدم الفاسد ، فقد جاء ذكر ذلك في بردية إيبرز التي يعود تاريخها إلى عام( 1550 ق , م ) . وظهرت وسائل استنزاف الدم كوسيلة علاجية في طب أبقراط ( 460 - 370 ق.م) لإزالة الدم الزائد وإعادة التوازن إلى أخلاط الجسم الأربعة( وهي الدم والبلغم والصفراء والسوداء). وعندما ظهر جالينوس ( 130 – 200 ميلادية ) الذي تعلم الطب في الإسكندرية – مصر ثم استقر في روما تحمس لعملية استنزاف الدم كوسيلة لشفاء العديد من الأمراض .
وقد جاء ذكر استنزاف الدم ( فصد الدم والحجامة واستعمال ديدان العلق ) كوسيلة علاجية في كتاب التلموذ ( أحد الكتب المقدسة عند اليهود) .
استنزاف الدم في الطب العربي : مارس الأطباء العرب القدامى في العصر الجاهلي استنزاف الدم كوسيلة علاجية للعديد من الأمراض وكانت أهم وسيلة الاستنزاف عندهم ( الحجامة = تشريط الجلد ) وكان غالبية من يقوم بها الحجامون . [ لقد أوجزنا هذه المعلومات عن بحث مطول للدكتور مصطفى شحاته : تاريخ العلاج باستنزاف الدم ].
وعندما بدأ الرسول محمد ( صلى الله عليه وسلم ) في عام 611 م كانت له نصائح وتوجيهات طبية وكان يستحسن العلاج باستنزاف الدم وله حديث مشهور يقول فيه (( الشفاء في ثلاث شربة عسل وشرطة محجم وكية نار وانا انهي أمتى عن الكي ))
إلا أنه لا بد من الإشارة هنا إلى أن قوله هذا ليس ملزماً وذلك حسب رأي بعض الفقهاء حيث يقولون : أنه صلى الله عليه وسلم عندما كان يمرض يستشير الأطباء ، وأنه ( لم يُبعث طبيباً يداوي أسقام الأبدان . فإن هذه الوظيفة قد أوكلها الله إلى خلق ينظرون في قوانين الكون وسنن الله في الصحة والمرض . والرسول صلى الله عليه وسلم بوصفه بشراً كأذكى وأنبه ما يكون إنسان على وجه البسيطة قد باشر العلاج وأشار بصفته هذه – أعني البشرية لا الرسالة – أشار ببعض الأدوية حسب المستوى العرفي الذي كانت عليه الإنسانية في ذلك العصر .) [السلامي ، محمد المختار : الطب النبوي – أبحاث المؤتمر العالمي الرابع عن الطب الإسلامي – الكويت ص 93 – 94 ].
وفي العصر الأموي والعباسي وما بعده قام العرب بترجمة كتب اليونان ( خاصة الطبية ) إلى العربية ، فاقتبسوا كل ما جاء فيها من نظريات واساليب طبية ، واهمها استنزاف الدم وكل التفاصيل المرتبطة بها ، ثم أضافوا لها ما لديهم من خبرة وتجارب .
وكان الأطباء العرب يستعملون ثلاثة وسائل لإستنزاف الدم ، ولكل وسيلة دواعيها وشروطها ومواضعها :
1- الفصد : وهو استنزاف الدم بقطع أحد الأوردة الصغيرة أو احد الشرايين الفرعية .
2- الحجامة :وهي على نوعين
الأول :الحجامة الجافة بغير التشريط ، والثاني: الحجامة بالتشريط :استنزاف بعض الدم عن طريق شق الجلد بالتشريط وهي اسلم الوسائل .
3- الامتصاص وهو استنزاف الدم عن طريق امتصاصه من سطح الجلد باستعمال ديدان العلق التي تثقب الجلد وتمتص الدم منه .
استنزاف الدم في عصر النهضة الأوربية : انتقلت العلوم الطبية العربية من العالم العربي إلى دول أوربا وترجمت الكتب العربية إلى اللاتينية واللغات الأوربية الأخرى وبذلك تعرف الغرب على وسائل العرب الطبية والعلاجية ومنها استنزاف الدم بأنواعه الثلاث .
ومع مجيْ القرن السابع عشر وزيادة المعرفة الطبية بدأ الأطباء يراجعون استنزاف الدم ووسائله والتعرف على فوائده ومضاره ولذلك انحصر استعماله في حالات محدودة .
وفي بداية القرن العشرين كانت أسباب الأمراض قد عرفت مع زيادة كبيرة في المعرفة الطبية والوسائل العلاجية ، لذلك تعرف الأطباء على الأخطاء والإختلاطات الكبيرة التي ارتبطت باستنزاف الدم ووسائله ودواعي إجرائه .
ومع استمرار التقدم الطبي في القرن العشرين وظهور وسائل علاجية فعالة لشفاء الأمراض إنحصر استعمال العلاج باستنزاف الدم إلى علاج مرض واحد وهو مرض كثرة كريات الدم الحمراءVera Policyhtemia . وبذلك انتهى عصر العلاج باستنزاف الدم الذي استمر لأكثر من ألفين وخمسمائة سنة .
919 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع