بقلم لواء الشرطة الحقوقي
محي الدين محمد يونس
خزين ذاكرتي وطريف الحكايات -الصلح سيد الأحكام
في أحد أيام من أحد أشهر سنة 1977 وبعد مضي ساعة على استلامي مسؤولية واجب ضابط خفر مديرية شرطة محافظة أربيل حيث دخل غرفتي رجل في العقد الخامس من عمره ويحمل بيده صخرة وهو بحالة توتر شديد مدعياً اعتداء شخص عليه بالكلمات النابية وقذفه بالصخرة التي أبرزها امامي وطلبت منه وضعها فوق المنضدة، استفسرت منه عن نوع علاقته بالمشكو منه فأجابني بأنهم أصدقاء منذ فترة طويلة وجيران ولا تقتصر علاقة الصداقة بينهما فقط بل تمتد إلى عوائلهما، وعندما استفسرت منه عن سبب المشاجرة ذكر لي بأنهما كانا يتمازحان ظهر هذا اليوم وقبل حضوره بنصف ساعة وتطور مزاحهما إلى شجار وعندما سألته عن المسافة التي كانت تفصله عن غريمه عندما قام بقذفه بالصخرة المبرزة ذكر لي بأن المسافة كانت تقدر بخمسة أمتار أو ستة.
طلبت من أحد مراتب الشرطة مصاحبة المشتكي للدلالة منه على مكان تواجد المشكو منه وتبليغه بالحضور امامي وفور خروجهما لفت انتباهي وجود صخرة أكبر حجماً وأكثر وزناً عند باب الغرفة من الصخرة التي جلبها المشتكي معه وضعتها على المنضدة وأخفيت الصخرة الأولى.
بعد دقائق عاد الشرطي مستصحباً معه المشتكي والمشكو منه حيث دخلا الغرفة وعندما سألت الأول: ((هل هو نفس الشخص الذي اعتدى عليك -ومؤشراً على الصخرة فوق المنضدة - وهل هي نفس الصخرة التي قذفك بها؟))
أجابني: ((نعم هو نفس الشخص وهي نفس الصخرة ولولا قيامي بالتنحي عن مسارها جانباً لكانت أصابتني في مقتل)).
خرجت من الغرفة وطلبت من المشتكي والمشكو منه متابعتي إلى الساحة أمام الغرفة كما طلبت من الشرطي جلب الصخرة معه وتسليمها إلى المشتكي وطلبت منه أن يرميها باتجاه خصمه بعد أن أوقفتهما أحدهما مقابل الأخر وبمسافة تقدر بخمسة أمتار وكنت على ثقة بأنه لن يستطيع ذلك بسبب حجمها ووزنها وفعلاً حاول ذلك مراراً إلا أن رميته لم تكن تتجاوز المترين في أحسن الأحوال، أخبرته بأن ادعائه غير صحيح بالدليل والبرهان وسط ضحك الحاضرين ومنهم المشكو منه والشاكي الذي كان يشك في كون الصخرة هي نفسها التي استخدمها غريمه في الاعتداء عليه، عندما استفسرت منه هل تتهمنا نحن الشرطة قيامنا بتبديل الصخرة، رد ضاحكاً:(( لا استغفر الله)).
عندما أصبحت الأجواء مهيئة لإجراء المصالحة بينهما وزوال حالة التوتر بين الاثنين بادرت إلى معاتبتهما وتوجيه اللوم إليهما لتصرفهما بشكل غير مسؤول ودون أي اعتبار لعلاقات الصداقة كل هذه المدة الطويلة وعدم احترامهما لحقوق الجيرة والزاد والملح.
تسابقا في التوجه أحدهما تجاه الآخر والتشابك واحتضان أحدهما للآخر بالقبلات ودموع الفرح لتجاوزهما هذه النكسة في العلاقة الأخوية وأبديا الاعتذار عما حصل كما شكرونا على جهودنا في اصلاح ذات البين بينهما.
خرجا من الدائرة مودعين إلا أن الشاكي عاد بعد مسيرة خطوات وهو يقبلني ويسألني: ((الله عليك هل كانت الصخرة هي نفسها))
أجبته ضاحكاً: ((هه شتريد هاك الصخرة الصغيرة والكبيرة أخذها الك أخاف تحتاجها))
أجابني: ((لقد تصالحت وانا سعيد جداً ولست بحاجة إلى أي صخرة والله يلعن ساعة الشيطان))
في نهاية سردي لهذه الواقعة رأيت من الضروري أن اتطرق إلى البحث في صلاحيات ضباط الشرطة في مجال التحقيق في الجرائم في مراكز الشرطة وأن نفرق بين واقع الحال وما يفرضه الواقع القانوني من صلاحيات ضئيلة في هذه المجال لرجل الشرطة فمن بين مواد قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 والتي يبلغ عددها 373 مادة خص القانون المذكور للحديث عن هذه الصلاحيات في المواد 47 و49 و50 و51 منه وبشكل مقتضب يخالف الواقع وما متعارف عليه وما يمكن ملاحظته من خلال العمل في مراكز الشرطة في كافة انحاء العراق ودور ضباط الشرطة المتميز في الإجراءات التحقيقية من بداية وقوع الإخبار عن الجريمة والتعامل المباشر للمواطنين وذوي العلاقة بهذه الإجراءات في هذه المراكز جعل البعض منهم يعتقد بوجود صلاحيات قانونية لضباط الشرطة على خلاف ما هو مقرر في القانون عندما يذكر أحدهم بأن الضابط الفلاني قد أوقف ولده أو أطلق سراحه في حين أن كافة أعمال ضباط الشرطة في مجال التحقيق تخضع لإشراف قاضي التحقيق المختص وقراراته.
المادة 47 من القانون المذكور تنص في الفقرة (1) منه على صلاحية مراكز الشرطة في قبول الإخبار عن الجريمة.
المادة 49 منه اختصت في التطرق إلى التحقيق الذي تقوم به الشرطة ففي الفقرة (أ) والتي نصها ((على أي مسؤول في مراكز الشرطة عند وصول إخبار إليه بارتكاب جناية أو جنحة أن يدون على الفور أقوال المخبر ويأخذ توقيعه عليها ويرسل تقريراً بذلك إلى قاضي التحقيق أو المحقق وإذا كان الاخبار واقعاً عن جناية أو جنحة مشهودة فعليه أن يتخذ الإجراءات المبينة في المادة 43))
أما الفقرة (ب) والتي نصها ((إذا كان الاخبار واقعاً عن مخالفة فعليه تقديم تقرير موجز عنها إلى المحقق وقاضي التحقيق يتضمن اسم المخبر وأسماء الشهود والمادة القانونية المنطبقة على الواقعة))
وفي الفقرة (ج) ((يجب على المسؤول في مركز الشرطة في جميع الأحوال أن يدون في دفتر المركز خلاصة الاخبار عن كل جريمة والوقت الذي وقع فيه الاخبار))
المادة (50) منه تنص على: ((الفقرة (أ) – استثناء من الفقرة الأولى من المادة (49) يقوم المسؤول في مركز الشرطة بالتحقيق في أية جريمة إذا صدر اليه أمر من قاضي التحقيق أو المحقق أو إذا اعتقد أن إحالة المخبر على القاضي أو المحقق تؤخر به الإجراءات مما يؤدي إلى ضياع معالم الجريمة أو الإضرار بسير التحقيق أو هرب المتهم على أن يعرض الأوراق التحقيقية على القاضي أو المحقق حال فراغه منها))
الفقرة (ب): ((يكون للمسؤول في مركز الشرطة في الأحوال المبينة في هذه المادة والمادة (39) سلطة محقق))
المادة (51) وفي الفقرة (هـ) نصت على: ((يعين المحقق بأمر من وزير العدل على أن يكون حاصلاً على شهادة في القانون معترف بها أو حاصلاً على شهادة دبلوم الإدارة القانونية من هيئة المعاهد الفنية ويجوز منح ضباط الشرطة ومفوضيها وموظفي وزارة العدل القانونيين سلطة محقق بأمر من وزير العدل)) علماً بأن هذه السلطة كانت تمنح لضباط ومفوضي الشرطة سابقاً دون اشتراط حصولهم على شهادة القانون، وفي مرحلة لاحقة منحت هذه السلطة فقط لضباط الشرطة وكذلك دون اشتراط كونهم قانونيين، إلا أن تخرج عدد كبير من ضباط الشرطة ومفوضيها مع بداية السبعينيات من القرن الماضي أدى إلى الحاجة لتعديل المادة واشتراط أن يكون ضابط ومفوض الشرطة قانونياً.
في نهاية المقال يتضح للقارئ الكريم من خلال اطلاعه على المواد أعلاه المدرجة في قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971الصلاحيات المخولة لضباط الشرطة في المراكز في مجال التحقيق في الجرائم، وأملي ورغبتي في إدخال السرور إلى نفوس أعزائي القراء والفائدة مما ذكرت من معلومات ومن الله التوفيق.
970 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع