القس لوسيان جميل
هل للأساطير فائدة
ان جوابي الأول يقول: نعم للأساطير فائدة وإلا لما كانت موجودة من الأصل. غير اني اعتقد ان هذا الجواب ناقص ايضا وغير واضح، وكأني به فسرت الجليد بالماء. غير ان جوابي هذا سوف يصير واضحا عندما اقدم بعض الشرح الذي اريده واضحا ومختصرا، ولكن معمقا. فالانسان بالحقيقة كائن ناطق. وكما قال ارسطو الانسان حيوان ناطق عندما اراد ان يميزه تمييزا ماهويا Essentiel عن الحيوان. اما الوجه الآخر للانسان الجوهري فيه( الجوهر هو الماهية المحددة بمادة معينة. ولذلك يتكلمون عن المادة والصورة ايضا كأحد مركبات الانسان البنيوية الأربعة المادة- الصورة العلة الفاعلة والعلة الغائية. علما بأن الصورة هي حقيقة روحية وتعني معنى المادة المحددة. فإذا تساءلنا عن احوال هذه العلل الأربع، وإذا اقتصرنا الكلام عن العلة المادية الحياتية Biologique سوف نرى ان المادة الجسدية تبدأ كذريرة وتتطور تطورا محددا وغير عشوائي كما يبدو، حتى تصير حيوانا ثم انسانا.
وبما اننا قلنا ان روح المادة الانسانية، مثل كل مادة، هي في معناها. فإننا نجد ايضا ان الروح يكبر ويتطور في معناه مواكبا لتطور مادته. وهكذا،ن وضمن هذا المختصر سوف نعرف ايضا ان الروح سوف يمر بحالات بدائية كثيرة. فالروح سوف يعرف اولا المواد التي حوله، ثم المواد التي هي ابعد منه ويعطي لها اسما. هذا الاسم لن يكون دقيقا جدا، لكنه سوف يكون كافيا لإنسان ذلك الزمن البدائي جدا. ثم سوف نجد معتقدات كثيرة يحاول الانسان ان يعرف من خلالها تفسيرا لما تقع عليه حواسه. وهنا اقولها بحذر بأن قد يكون وجود العالم الآخر احدى هذه المعتقدات الكبرى. كل هذا على ضوء العلامة والفيلسوف الأب تيار ده شاردن. ثم عندما تتطور مع تطور الانسان وذكائه وحاجاته تظهر الأساطير ايضا التي هي اكمل من مجرد معتقدات.
وهنا يمكننا القول: اذا كانت المعتقدات الغيبية كافية لإقناع الانسان البدائي فكم تكون الأساطير التي تترح مشاكل انسانية معقدة مثل الموت واصل الانسان وحقيقة السماء والأرض وما فيهما وسلوكية البشر الانسانية او المخالفة للانسان. مثل مكانة القوة في حل بعض المستعصيات حيث نجد في بعض الأساطير صراع الآلهة وغلبة احدهم على الآخر، او غلبة اله الخير النهائي على اله الشر ، كما نجد ذلك في صراع آهورميزدا مع اله الشر وغلبته النهائية عليه. فالأساطير بالحقيقة هي عبارة قصة تعد بمثابة اطروحة Thèse تطرح مشكلة ثم تحلها عن طريق صراع الآلهة. او طريق آخر بتدخل الشياطين على شكل حية كما في اسطورة آدم وحواء وأسطورة سرقة الحية ( الشيطانية ) العشبة التي كانت تعدُ كلكاميش بالخلود.
هذا هو مختصر اول فائدة مهمة للأساطير، حيث كانت تعلم الانسان البدائي بطريقتها الخاصة امورا مهمة عن الواقع وعن الحياة وعن بعض اسرار الكون والأرض المهمة وبعض الأسرار عن الحياة والموت والإنجاب والولادة وعن الخصوبة والكوارث الكونية وكوارث عالمنا الانساني. فكل هذه الأمور كانت ضرورية وبالتدرج لمعرفة الانسان ولربما لا زال يأخذها عن طريق المعتقدات الخيالية والأساطير.
اما من جهة اخرى فالمعتقدات يمكن ان تكشف عن مكامن النفس الأنثروبولوجية الخاصة ببني آدم، كما يقول الكتاب المقدس. فبعض المعتقدات تكشف عن حالات القلق عند الانسان وبعضها يكشف عن حالات الكآبة، وبعضها يكشف عن نوازع الفوبيا عند الانسان. والبعض يكشف عن حالات خوف الانسان من الظلام والخوف من المرتفعات والخوف من الأماكن المغلقة، اذ لكل علة من هذه العلل النفسية وغيرها الكثير تفسير نفسي Psychologique، ولاسيما فيما يخص الخير والشر وما يخص الصراع بين الأنا والأنا العليا او ما يسمى الضمير.
وأخيارا، وليس آخر تفيد المعتقدات الغيبية كشاهد تاريخي يكاد يكون استقرائيا على طبيعة الانسان المعرفية وقربه او بعده من هذه الطبيعة. ولكن ربما يفيد من هذه الناحية في معرفة القوى الانسانية Facultés التي التي كان يستخدمها الانسان البدائي والإنسان القديم والإنسان في العصور التاريخية ولآية قوى كان يعطي الأهمية، طبعا دون تعمد ودون شعوره باختياره فيما كان يعمل فيه، فهل مثلا كان الخيال يعمل ام العقل، وعل كانت المشاعر تعمل اكثر ام الحواء الموضوعية . كما يمكن ان يرينا مقدار الحياة الأخلاقية في نفس ذلك الانسان، ومكان التجربة في حياة ذلك الانسان. كما يمكن انن نرى مفهوم الالهة في نفوس البشر القدماء في مختلف مراحلها الحضارية. ومكان التعويذات والسحر في حياته، ومكان الكهانة في تلك الحياة وتأثيرها في حياة الانسان القديم، وفي مناطق معينة وازمنة حضارية معينة. وايضا يمكن دراسة مكانة العالم الآخرر في نفوس تلك الجماعات. كلل هذا وغيره ممكن ان يجده الباحثون عن حياة الانسان من خلال معارفه البدائية، ربما لكي يخف هذا النوع من البحث مع الفلسفات التي تعد معرفة وسطا بين المعرفة العقلية الموضوعية وبين المعرفة العلمية البرهانية.
ثم من يدري، قد يستطيع علماء النفس الاستفادة من دراساتهم للمعتقدات ان يستفيدوا ايضا من تطبيق هذه الدراسات بشكل متماثل Analogique على مجموع المتعلمين من الصغار والمراهقين والبالغين والشيوخ، لكي يأتي تعليمهم مناسبا لحقيقة حياتهم التي تتعلق بالعمر والثقافة والبيئة الاجتماعية التي يعيش فيها الانسان والطبقة الاجتماعية التي ينتمي اليها: فلاح – مزارع كبير – عامل – رأسمالي – تاجر الى آخره... غير انا من يعمل هذه الدراسات لن يكون القس لوسيان ولا اي رجل دين متعلق بأهداب غيبياته وعقائده. وانما يعملها متخصص في احدى مجالات هذه الدراسات او بالبعض منها. مما يعني ان من يقوم بدراسة مثل هذه المواضيع يجب انن يكون مجموعة منن علماء لم يتركوا دراساتهم بمجرد انهم حصلوا على الشهادة الكبرى، وانما نخبة من هواة العلم ومحبيه وليس من دارسيه فقط. غير اننا في ورقة اخرى، عندما نتكلم عن قصة او اسطورة آدم وحواء واسطورة الخطيئة الأصلية، سوف ندخل عنصرا جديدا بقمل هذه الدراسة المبسطة المتواضعة.
2018
1487 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع