حسن حاتم المذكور
المكونات العراقية من خارج الأغلبيات الدينية والقومية, تشكل 5 % من المجتمع العراقي تقريباً ...هذا اذا اضفنا اليها او اضفناها الى المكون النسوي الذي يشكل نصف المجتمع , والذي يتعرض كما هي المكونات غير الرئيسية الى مظالم وتغييب , اذا ما اجتمعت كل تلك الملايين داخل اطار المنطق السليم لممارسة الحريات الديمقراطية ــ الأنتخابية ـــ , لاصبح الأمر مدعاة للخجل ازاء تلك الكوتا الكسولة غير الفاعلة والمؤممة اصلاً .
التركمان يشكلون ثالث قومية عراقية , امتصت ممثليهم اسفنجة الأطراف الكبيرة التي يتشكل منها برلماني المركز والأقليم , الكورد الفيلية , الشريحة الذكية تتجاوز المليون نسمة والمميزة بوعيها الوطني, انشطرت وتشظت معها قضيتها ومصالحها ومظلوميتها بين الطائفة والقومية , فأصبحت جغرافيتها التاريخية مناطق متنازع عليها , الكلدواشوريين السريان ــ المسيحيين ــ , لم يكونوا افضل حالاً من حيث انشطاراتهم بين المركز والأقليم , لقد امتصت المنافع الشخصية والعائلية والفئوية الضيقة كامل مبررات تمثيلهم , الأيزيديون , ربما من يمثلهم لا يتجاوز وزنهم اكثر من موظف في برلمان الأقليم واكثر قليلاً في المركز , لكنهم كشريحة عراقية تاريخية اصيلة , تتعرض الآن الى اقسى الضغوط القومية والدينية, يرافقها عزل اجتماعي وبرامج تهجير واجتثاث مخجلة, الصابئة المندائيين وبعض المكونات الأخرى , فأمرهم مرعب , حيث لم تبق عليهم تقافة العزل والأجتثاث ثمة جذور يمكن ان يمسكوا بها ارض وحضارات وتاريخ اجدادهم .
تلك المكونات اضافة للكتلة النسوية لا يتجاوز تمثيلها المفتعل داخل نظام التحاصص والتوافقات الطائفية القومية اكثر من 31 % داخل مجلس النواب واقل منها في مجالس المحافظات , انه خلل قاتل ومظلومية محسنة برتوشات ديمقراطية دستورية ستعطل وتلغي ادوار ثلثي المجتمع العراقي, انها حالة تراجع مخيفة, وعثرات جدية في طريق الأصلاح والتغير والتقدم للمجتمع العراقي, هنا تصبح قضية تحررها من قيود مظلومية ( الكوتـا ) امر ضروري , انها ملزمة ان تتخلى عن ان تكون سبباً لسير المجتمع على قدم واحدة , وتعيد التوازن له عبر التعبير الصحيح عن ذاتها ضمن تيار وطني ديمقراطي متماسك حول مركزية المشروع العراقي , ترفض تحجيم دورها داخل قمقم كوتا بائسة , سوف لن تأخذ بيدها على طريق مستقبلها العراقي .
المرأة العراقية مثلاً , والتي تشكل الآن اكثر من نصف المجتمع , مزقت وحدتها وادوارها في كوتا الــ ( 25 % ) داخل مجلس النواب , منشطرة داخل صراعات وازمات اطراف العملية السياسية, تواجه بعضها وتتراشق بالشحيح المتبقي من حقوقها , انها تتحرك كسولة ضمن مكرمة ذكورية تلغي وظائفها وادوارها الوطنية والأجتماعية .
المرأة العراقية , تواجه صعوبة في ان تفتح ثغرة في جدار مألوفاتها الماضوية , تنقصها جراءة التحرر من ركود عواطفها وسبات ميولها وتحجر سلوكها المؤدلج , مستسلمة لضغط قوة العادات وتأثير روتين التوجيهات والتعليمات والحراك الآلي الذي سلب منها روح الأبداع وخلق المبادرات والتعامل ديمقراطياً مع الحراك المؤثر من خارجها, ان الأحزاب والمنظمات والتيارات والبرامج المؤدلجة , ولاكثر من خمسة عقود , هتكت وحدتها وغيبت وعيها وتقاسمت ادوارها , انها الآن امام الخطوة الشجاعة التي تأخذ بيدها مستقلة واعية فاعلة تناقش وتقتنع بعدها تنفذ من داخل حراك المجتمع العراقي, لتصبح جزءً فاعلاً ايجابياً من الرأي العام والمشروع الوطني المشترك, والا تراجعت اكثر وتكلست اكثر داخل تقاليد واعراف وسلوكيات احزاب الماضي التي تجاوزت ايديولوجياتها وبرامجها واساليبها عمر الأستهلاك والسكربة .
اننا هنا لا ندعوا الى اضافة كيانات جديدة الى حالة التمزق والتشرذم الحاصلة داخل المجتمع, بعكسه, اننا اصحاب دعوة صريحة الى حراك جماهيري واسع, ينبثق عنه تيار وطني ديمقراطي مستقل , معافا من اصابات الأدلجة وضيق الأفق الطائفي القومي العشائري الحزبي , ندعوا الى تيار واع يؤكد فاعليته ضمن منظمات مجتمع مدني مستقلة, يتسع افقها لأستيعاب المشتركات الوطنية , حراكها يتجاوز حالة التحجر والأنغلاق الأيديولجي , تنبع مبادئها وقيمها ودليل عملها من حب الأرض والأنسان , خاصة بعد ان اثبت الواقع , على ان الأحزاب الطائفية المؤدلجة غير مؤهلة لأعادة بناء وطن دمرته ايديولوجية التيارات القومية , انها مهمة شعب عابر الهويات الفرعية ايماناً منه بهوية الأنتماء للوطن الواحد .
المكونات التي يشهد التاريخ لطليعتها في بناء حضارات ما بين النهرين , وحبها وصدق ولائها للعراق , وادوارها في توطيد ثقافة التعايش والمحبة والتوحد , ورغم موجات التنكيل ووحشية المظالم , لا زالت تمتلك طاقاتها لأستعادة دورها كما كانت قبل ازمنة الأنفلات الطائفي القومي , ان المؤدلجين قومياً وطائفياً وعشائرياً وحزبياً استهلكوا اغلب اوراق لعبة التضليل والتجهيل والأستغفال ولم تعد هرطقاتها مقبولة شعبياً , ان الخطوة التي يجب ان تبدأها تلك المكونات الحضارية والحركة النسوية والخيرين من داخل الدولة المجتمع , هي العودة الى نقطة الروابط الوطنية والأمساك بعروة الهوية العراقية ثم الأغتسال من اوحال التطرف الطائفي القومي والتحجر العشائري الحزبي .
في نهاية هذا العام, ستبدأ الأنتخابات التشريعية , ثم تأتي غيرها وغيرها , فهامش الحريات الديمقراطية المتوفر , هو الفرصة التي يجب اعتمادها والأمساك بها ثم اغنائها وتطويرها واعادة صياغتها وتطبيقها على الواقع العراقي , طريق امثل لأصلاح حاضرنا وضمان مستقبل اجيالنا , هنا من الضروري حمايتها عبر تحديد المكان الأصلح الذي ينبغي ان نضع فيه اصواتنا , وفرز الشخصيات والأطراف التي تستحق ثقتنا , ويجب ان تكون دروس العشرة سنوات الأخيرة عبرة ودليل عمل , فأوراق المدعين انقلبت على ظهرها , وعلينا اعادة قراءة الوجه الأخر لعملة الطائفيين .
بالتأكيد , ستحاول اطراف الأتجار بالأحقاد والكراهية والخوف المفتعل من الآخر ممارسة لعبتها , وربما لا زالت تمتلك اوراقاً اضافية للشحن الطائفي العرقي , لكن يجب اعاقة حريتها في ادارة اللعبة الى ما لا نهاية , ويجب ان يكون للتجربة والوعي حضوره للفرز بين الصالح والطالح , خاصة ونحن نقترب من موعد الأنتخابات التشريعية , وعند ابواب صناديقها يجب ان نمنح ثقتنا واصواتنا للوطن والناس والمستقبل المشترك .
نقطة في غاية الأهمية, ان الأكثريات في حقيقتها تشكل الحلقة الأضعف في المعادلة الوطنية , ان التفاعل وطنياً من داخل حراك المجتمع العراقي , واعتماد الهوية الوطنية المشتركة وليس الفرعيات , هي القوة الجاذبة للأنسان العراقي الى حاضره ومستقبل اجياله عبر تماسك وحدته السياسية والثقافية والأقتصادية والجغرافية , ليصبح العراق بيئة مشتركة تستطيع فيه جميع مكوناته مهما كان حجمها , ممارسة حريتها في اعادة تشكيل خصوصياتها والتعبير عن ذاتها الى جانب غيرها لتعيد بناء الذات العراقية المشتركة , انه البناء الطوعي الذي ستشترك فيه جميع المكونات المتحررة من عقدة الخوف من بعضها والهروب الى الأمام ثم الأرتماء في احضان الكوتا التي لا تثمر مستقبلاً, انذاك يمكن القول , اننا على سكة المستقبل العراقي .
العراقيون لا يمكن لهم ان يعيدوا بناء وطنهم موحداً , ان لم يستعيدوه اولاً من قبضة الطائفيون بوجهي عملتهم , بدأً بتحرير العقل والأرادة .
1135 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع