العراقيون (نريد وطن)

                                              

                       الدكتور مهند العزاوي*

العراقيون (نريد وطن)

شكل العراق على مدى عقود مضت الرقم الرابع في معادلة التوزان الإقليمي في الشرق الأوسط وفقا لقاعدة (توازن التوافق والاضداد) نظرا لما يمتلكه العراق من مؤهلات جيوبليتيكية تضمن استقرار الإقليم وتحقيق الامن والسلم الدوليين, وتبرز في اللوحة الاستراتيجية ظاهرة الفوضى المركبة وتنامي الدول الفاشلة والجماعات الفاعلة الغير حكومية ( المليشيات) مما وسع ظاهرة (الحرب المركبة) في مناطق الاهتمام الدولي كالعراق وسوريا واليمن , وقد نجحت سياسة الوصول الروسية للشرق الأوسط باستخدام المخالب الإقليمية والقوة المفرطة في قطف ثمار سياسة الفوضى , واصبح وجودها عامل ثابت وليس متحرك في التحولات السياسية بالمنطقة , وقد تمكنت من تحقيق شراكات اقتصادية وعسكرية وتسليحية مع عدة دول عربية وإقليمية بما يوازي التواجد الأمريكي بل يتفوق عليه في جوانب أخرى .

يبرز في الأفق تحول واضح في السياسات الامريكية تجاه الشرق الأوسط وفي خطى بطيئة نسبيا لكنها تشكل ملامح الاستراتيجية الامريكية ذات الاستدارة المتأنية بعد الانعطافة الامريكية التي قادها الرئيس الأمريكي السابق “باراك أوباما” الذي تركه يغرق في وحل الإرهاب والنزاعات واتساع التغول الإقليمي لمناطق تعد محظورة استراتيجيا ضمن معايير الامن والسلم الدوليين , وشهدنا التغيرات التي حصلت في الكابينة الرئاسية للبيت الأبيض التي تشير الى ان الولايات المتحدة قد تحولت من سياسة النأي بالنفس الى التدخل الحذر ورسم المسارات الفعلية لتحقيق التأثير المباشر للسياسات التفاعلية في حوض المتوسط والشرق الأوسط الذي اضحى مسرح لحرب مركبة[1] (حرب هجينة) عالمية يصعب التكهن بما تفضي اليه مالم يكن هناك تغير حقيقي في المسارات السياسية والصلبة .

برزت متغيرات جوهرية في الجيوبلتيك العراقي ولعل ابرزها مسالة القضم الجيوبلتيكي للعراق وحرب المشاطئة وتدمير الثروات المائية العراقية وتفكيك المجتمع الى مكونات واعراق متناحرة على السلطة وفقا للمحاصصة السياسية التي ارساها الحاكم المدني “بول برايمر” ومبعوث الأمم المتحدة “الأخضر الابراهيمي” اللذان رسخا فكرة لبننة العراق مما افقده الكثير من عناصر الجغرافيا السياسية والقدرة على التأثير, حيث استنزفت موارده وقدراته فضلا عن غياب السلوك الديمقراطي وبروز ظاهرة الاستئثار السياسي بالسلطة دون إنجازات سياسية ملموسة لصالح العراق وشعبه .

شهد العراق في الأيام الأخيرة تحولا سياسيا ناعما وفاعلا من خلال خروج المظاهرات السلمية للمحافظات الجنوبية والفرات الأوسط وبعض من مناطق بغداد , وقد رفع المتظاهرون شعارات متعددة ومطالب حرجة للسلطة بتوفير الخدمات وتامين حقوق المواطنة ومحاسبة الفاسدين , ولعل اذكى مشروع طرحه المتظاهرون واجمع عليه الجميع هو العودة للوطن بدلا من الطائفة والعرق والحزبية والفئوية وقد طرحوا شعار (نريد وطن) هذا الطرح يعد مشروعا كاملا متكاملا فان الوطن المسلوب من قبل أحزاب الإسلام السياسي و مليشياته قد اغرق العراق في دوامة الإرهاب والفساد والجريمة المنظمة والحروب المتسلسلة ولم ينعم المواطن العراقي بحقوق المواطنة في ظل استئثار هذه الأحزاب بالسلطة وتقاسمهم لموارد الدولة وفق قسمة الغرماء مع شياع ظاهرة المؤسسة العائلية حيث يشغل الوظائف أقارب وعوائل قيادات الأحزاب من المكلفين بالمسؤولية دون مراعاة المؤهل الوطني والعلمي والتطبيقي والتاريخ الوظيفي , مما جعل مؤسسات الدولة بمثابة دوائر عائلية حزبية غير منتجة ومخضبة بالفساد فضلا عن غياب الإحساس بالوطن والمواطن الذي افتقر ا للحكومة والمسائلة والعدالة والديمقراطية الحقيقية .

شهد العراق حراك شعبي متعدد طيلة السنوات الماضية وقد تعاملت معه الحكومات بشكل صلب وباستخدام القوة المفرطة دون معالجة حقيقية نظرا لثقافة العنف التي تسود الطبقة السياسية وهشاشة النظام السياسي وتفاقم التجاوزات على أموال الدولة وثروات الشعب العراقي, فضلا عن الانتهاكات العظمى للدستور والقانون في ظل نمو الكيان الموازي المسلح وانتشار وتناسل وانشطار الجماعات المسلحة الغير حكومية ( المليشيات) في ظل التلويح الدائم بورقة الإرهاب الذي اضحى ورقة سياسية يتم تفعيلها عن حدوث الخلافات السياسية الدولية والإقليمية وحتى المحلية داخل العراق .

اذ يتطلب من الشعب العراقي السير قدما نحو مشروع (نريد وطن) وعلى المجتمع الدولي تفعيل مبدا المسؤولية الدولية والوعي الاستراتيجي وتقييم المخاطر , والحد من الاضرار واطفاء الحرائق الحالية التي تعد بمثابة مخاطر وليس تهديدات , وهناك فرق شاسع بين ثلاثية التقييم الاستراتيجي ( المخاطر ,التهديدات ,التحديات) كل حسب درجات الاسبقية والاولية , ولابد من مساعدة العراقيين على النهوض من ركام الحروب وحل النزاعات وممارسة الديمقراطية بشكل واقعي محترف , ويتم ذلك من خلال تعديل الدستور وإعادة صياغته بما يضمن حقوق المجتمع العراقي بعيدا عن الممارسات الطائفية السياسية والمسلحة كما اختزل العراقيون الغاضبون مشروعهم ومطالبهم بــ (نريد وطن) , وقد اصبح من الضروري العودة للشعب مصدر السلطات وترسيخ قيم المواطنة العراقية وتحقيق الجودة في الأداء المؤسسي والسياسي وفق معايير الحوكمة, فضلا عن تشكيل محكمة دستورية مستقلة تتابع عمل الجهات التشريعية والتنفيذية بعيدا عن الطائفية السياسية الدينية التي استنزفت العراق كثيرا , والعمل على محاربة الفساد وتعزيز دور الدولة في حماية الحدود السياسية وإيقاف الظواهر المسلحة تحت أي مسمى كان , وفي ظل الفراغ الدستوري وتطور الاحداث ورفض الشارع العراقي الصلب للأحزاب السياسية الفاعلة ضمن الواقع السياسي العراقي الحالي اذ من النظر تشكيل حكومة مؤقتة بشخصيات سياسية محترفة قادرة على رسم خارطة طريق لمطالب العراقيين وتنفيذها والعمل على تحول سياسي ناعم سلمي يحقق مطالب الشارع العراق في استعادة الوطن العراقي (نريد وطن) والتحول نحو دولة المواطنة وليس دولة المكونات كما فرضت على العراقيين , وقد اصبح مطلب شعبي ملح يتمسك به كل المتظاهرون وهم الكتلة الحيوية للنظام السياسي في العراق مع الاخذ بنظر الاعتبار ضرورة تقييم المرحلة السابقة وتقويم المسارات السياسية بأدوات سياسية فاعلة تتسم بالمهنية والقدرة على ترجمة أرداه وتطلعات الشارع العراقي

[1] . انظر مهند العزاوي “الحرب المركبة “مقال منشور في موقع مركز صقر للدراسات الاستراتيجية

*مواطن عراقي

‏ ‏الثلاثاء‏، 22‏ تموز‏، 2018

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

825 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع