الأستاذ المساعد الدكتور
صلاح رشيد الصالحي
تخصص تاريخ قديم
الأزياء السومرية في حضارة العراق القديم
شكل طراز التنورة ذات اهداب وأيضا ملابس الإلهة عشتار لبوشتي عشتار (lubušti dIštar) (اليمين)، تماثيل آلهة سومرية ترتدي تنورة ذات اهداب (الصورة الثانية)، شكل إله سومري يرتدي بدلة يغطي الشال الكتف الايسر وتصل التنورة إلى القدمين وتغلب على الزي الأهداب (الصورة الثالثة)، شكل صورة خيالية ثوب عصري حديث بكامله من الاهداب (الصورة اليسار)
نشأت الحضارات في بلاد الرافدين بالقرب من نهري دجلة والفرات بين (3000 و 300) ق.م ، وقد أوضحت وجود مهارات تثير الإعجاب عن الملابس وتنوعها، والتي غالبا ما نجدها على المنحوتات، والفخار، والاختام الاسطوانية، وما ذكرته النصوص المسمارية، وكذلك ما عثر عليه في مقابر أور الملكية، وكلها تدل على أن الملابس كانت متنوعة وأن صناعة النسيج كانت مزدهرة وموجودة منذ فترة القرى الزراعية الأولى في شمال بلاد الرافدين، وحتى العهود السومرية (3000-2000 ) ق.م، والأكاديين (2350-2218) ق.م، والبابليين (1894-1595) ق.م، والآشوريين (1380 -612) ق.م، ونظرا لازدهار صناعة النسيج فقد نشطت تجارة المنسوجات مع بلاد الاناضول وبلاد الشام منذ أوائل الالفية الثانية ق.م، كما وان صناعة الملابس الزاهية كانت ضمن الهدايا التي قدمت للملوك والملكات، إضافة لكون شكل الملابس يوحي الطبقات الاجتماعية، ومناصبهم، ونوعيات تخصصاتهم، ولهذا هناك ملابس خاصة للاحتفالات الدينية وملابس الحرب والصيد والتنزه.
استخدم سكان العصور الحجرية التي مرت ببلاد الرافدين جلود الحيوانات لحماية أنفسهم من البيئة المحيطة بهم سواء في اتقاء البرد أو لإخافة الأعداء لان ما يرتديه الفرد كانت جلود حيوانات مفترسة تحتاج إلى جهد كبير في صيدها، وقد عثر على الكثير من الابر والمخارز المصنوعة من عظام الحيوانات في مواقع العصور الحجرية القديمة، ومع بداية العصر الحجري الحديث كان الانسان قد قطع شوطا طويلا في تدجين الخراف والماعز والابقار للاستفادة من لحومها واصوافها واحشائها، وسرعان ما تعلم كيفية غزل صوف الاغنام واستخدام شعر الماعز (الصوف بالأكدية شباتيم) (šipātim) وخياطة الملابس، وكان الصوف الأكثر شيوعا لصنع الملابس في وقت مبكر من (3000) ق.م، أما المادة الثانية والتي عثر على بعض شظاياها في المقابر الملكية السومرية فهو الكتان (بالأكدية كيتانو) (kutanu) ويكاد يكون منسوجا كنسيج الكتان الحديث، وكان يصنع منه ملابس الأثرياء والكهنة وتزين تماثيل الآلهة، وفي عهد سنحاريب الملك الاشوري جلب نبات القطن من بلاد السند وأطلق عليها (شجرة الصوف) وتم زراعته في آشور حوالي (700) ق.م وأطلق عليه فيما بعد بالأكدية قطنُ قطنو (qatnu) (يعتقد ان لفظة قطنُ متأثرة بالفظ الارامي كيتان (kitan) لان كلاهما منتوج زراعي وليس حيواني)، أما الحرير فقد عرفه العراقيين القدماء بعد عام (115) ق.م في عهد الدولة الفرثية عندما كانت التجارة مع الصين تمر عبر العراق ومن ثم نهر الفرات إلى انتوشيا (انطاكيا) ومنها إلى روما.
ما وصلنا من الاثار المتوفرة الان في المتاحف لا تظهر ألوان الملابس المصنوعة في بلاد الرافدين، ولكن الآثاريين ومعهم العلماء المسماريات الذين درسوا الحضارات الرافدية، اكتشفوا نصوص تذكر استخدام الأصباغ، والتطريز، والخرز لتجميل الملابس في وقت مبكر قبل عام (1200) ق.م، ومن بين الألوان التي وردت في النصوص الأبيض بيصوم (peṣum) والأسود صللامو(ṣallamu) والاخضر ورقو(warqu) والازرق اوقنياتوم (uqniātum) والاحمر صامو (sāmu) أو روششو(ruššu) أو خوششو(ḫuššu)، وأيضا لونت المنسوجات بالصبغة الذهبية بمعنى لونها ذهبي، أو استخدمت في بعض الملابس خيوط من ذهب وتكون مزينة بإتقان، ونوع آخر من الاصباغ نادر وثمين هو اللون الأرجواني الذي لونت به القطع الأثرية الموجودة في المقابر الملكية في أور، ومصدر هذا اللون الساحل السوري واللبناني حيث برع في انتاجه الفينيقيين.
1- ملابس لبوسُ (lubūssu) أو لبوشتي (lubušti) العصر السومري
كان الزي عند السومريين عبارة عن نوع من الحزام يحيط بوسط الجسم ولم يتخذ لستر العورة بل كرمز للقوة بالنسبة للرجل حيث يعلق آلاته وأدواته الضرورية للعمل وللصراع والحرب وتطور إلى ان اخذ شكل أزار أو تنورة قصيرة تغطي وسط الجسم واعلى الفخذين واختلف هذا الملبوس في طوله إلى ما فوق وتحت الركبتين، أما الكهنة فقد ظهر العديد من الرجال عراة أو شبه عراة وبدافع ديني وظل العديد من الكهنة السومريين يبدون عراة الاجسام وحتى عراة شعر الرأس والجسم ولأسباب خاصة بتأدية الطقوس الدينية.
وهكذا كان المظهر الخارجي العام وخاصة الرجال منسجم مع وضع المناخ الحار ومع طبيعة الظروف الاقتصادية الذين يمثلون العامة من الشعب، وفي وقت مبكر ارتدى السومريون رداء يبدأ من الخصر والتي توفر بالكاد تغطية من الخصر حتى الركبتين، ومع ذلك ظهرت تنورة ملفوفة تصل إلى الركبة وربطت بحزام يعقد في الظهر ويترك الكتف والذراع اليمنى عاريين تقريبا، هذا وتم تزيين التنانير عادة بقطع من القماش عرفت بالأهداب أو (شراريب من القماش) (الشراشيب) ويبدو أن جميع فئات الرجال كانت تلبس هذه التنانير، ويبدو أن النساء السومريات في وقت مبكر لم يرتدين سوى (شال) (shawl) بلغة الاوردو (shāl) ملفوفة حول أجسادهن. وأيضا ارتدى السومريين جلود الخراف الحقيقية وحتى جلود الماعز كملابس بعد جعلها ملائمة كملبوس أطلق عليه (الكوناكيس)، إضافة إلى ملابس معروفة مفتوحة من الامام. وكانت الشالات تزين بإتقان في كثير من الأحيان، وفي وقت مبكر ارتدت النساء السومريات شال ملفوفة حول أجسادهن ومن ثم فيما بعد ملابس مخيطيه مغطاة بطبقات من الاهداب أو حواش مرتبة بأشكال مختلفة مثل هذه الأهداب تغطي كامل القطعة الملبوسة، وفي أحيان أخرى تغطي الاهداب الاقسام السفلية من الثوب، وشملت التنانير والشالات التي يرتديها الرجال وكانت أيضا ذات اهداب، وبحلول نهاية الحكم السومري حوالي عام (2000) ق.م ارتدى كل من الرجال والنساء التنانير والشالات مزينة الحافة التي تصل تقريبا إلى الكاحلين، وقد ثبتت معظم الشالات والتنانير بواسطة أحزمة مزخرفة، وتذكر أحد النصوص البابلية ان الثوب الاحتفالي بالإلهة إنانا بلغ وزنه ما يعادل احد عشر ونصف كيلوغرام من الزينة المتكونة من (700) وردة من الذهب، وأيضا ذكر ملابس المزينة بقطع من الذهب على شكل أوراد ونجوم ودوائر واشكال مربعة، وتذكر النصوص لبوسُ سومري مخصص لسيدة مدينة الوركاء (الإلهة إنانا) بانه كان مزخرفا بـ (703) نجمة من الذهب و (688) حلية أخرى.
جوديا ملك لكش (2144-2124) ق.م وهو يرتدي العمامة (اليمين)، اور نمو ملك سلالة اور الثالثة (2047-2030) ق.م برتدي العمامة (الوسط)، القسم الأعلى من مسلة قوانين حمورابي يظهر الملك حمورابي (سلالة بابل الاولى) (1810-1750) ق.م يرتدي نفس العمامة (اليسار)، ولا زالت هذه العمامة ترتدى لحد الان.
2- العمامة (اگولوم (agulum):
العمة باللغة الأكدية بلفظ يقارب اللفظ العربي اگولوم (agulum) وهو العقال أو ربطة الرأس المألوفة عند عرب اليوم، واستنادا إلى المنحوتات فان العمامة يرتديها الملوك والآلهة، وهي طاقية (عرقجين) سميكة والقماش يلف عليها عدة مرات حتى تحيط بالرأس وتربط خلف العمامة، ويعتقد المؤرخون ان العمامة كان يرتديها لأول مرة السومريين في بلاد الرافدين القديمة حوالي (2600) ق.م، فقد ارتداها الملك جوديا أو كوديا سلالة لكش وأيضا الملك اور نمو (سلالة أور الثالثة) كذلك ارتدى حمورابي نفس شكل العمامة في مسلته الشهيرة على الرغم من طول المسافة الزمنية بين الملوك الثلاث، ويرى الباحث ليو أوبنهايم بان هذا النوع من العمامة له طابع ديني في الشرق الأدنى القديم، أن اشكال العمائم تختلف حسب مكانة الشخص سواء كان ملكا او كهنة أو قادة الجيش او المقاتلين، واصبح من الممكن تميز الشخص من حيث مكانته الاجتماعية أو السياسية من ملابسه أو العمامة، أما الآلهة فهم يرتدون غطاء عليه قرون دليل الالوهية.
3- الأحذية (نعلُ)
الصندل الاشوري يدعى باللغة الأكدية نعلُ (Na’ul) وهو نفس اللفظ العربي ويكون الكعب رقيق جدا، وأنواع أخرى من الصنادل اطلق عليها شينو (šēnu) أو ميشينو(mešēnu) وصانع الأحذية بالآشوري إيبيش شيني (ēpiš šēni) ، وتكون الصنادل مزينة بحلقة دائرية (العصر السومري)، هناك إشارات عن الحرف عند السومريين ومنها الاسكافو (الاسكافي) ، وكان الناس يرتدون احذية صنعت من الجلود، واعتقد سابقا بأن السومريين يسيرون حفاة الاقدام ولكن كشفت التنقيبات حذاء ملكي يغطي الكعب وباطن القدم ويعود تاريخيا إلى حوالي (3000) ق.م، وكانت الأحذية في وقت لاحق يرتديها الناس في المراسيم الرسمية وخاصة كبار الشخصيات، وحظي الحذاء السومري بالاهتمام وحقق انتشارا واسعا، وهو مصنوع من الجلد ومطلي وذو كعب مرتفع، والأكثر انتشارا منذ فترة مبكرة الصنادل التي تحمي الكعب وباطن القدم مع حلقات واشرطة تحيط بمشط القدم، وتشمل الأحذية في وقت مبكر الصنادل مع حلقات تحيط بأصبع القدم وحماية كعب، وجاءت أحيانا الأشرطة على مشط القدم، والأحذية التي يرتديها الأثرياء تكون مزينة ومطلية دائما.
الأستاذ المساعد الدكتور
صلاح رشيد الصالحي
تخصص تاريخ قديم
2174 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع