ضرغام الدباغ
المراسلات :
Dr. Dergham Al Dabak : E-Mail: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
بوخنفالد درس قاس للبشرية
مقدمة
تقع مدينة فايمار(Weimar) في ولاية تورنغن (Thüringen وعاصمتها أيرفورت Erfurt) والمدينة تقع نحو 400 كم إلى الجنوب من برلين ويبلغ عد سكانها اليوم 65 ألف نسمة، ويعود أقدم تقدير لسكانها إلى 1850 بعدد يناهز 5 ألاف نسمة في ذلك الوقت. المدينة تحتضنها الجبال (حوض تورنغن) التي تبلغ حتى 478 متر ارتفاعاً، وتتمتع المدينة بمناظر خلابة، وتحيطها الغابات لذلك هي في خضرة دائمة.
قمت في خريف عام 2013 بزيارة إلى مدينة فايمار. وللمدينة أرث ثقافي واسع، فهنا تأسست المدرسة المعمارية الألمانية المشهورة باوهاوس (Bauhaus)، وفايمار تتوسط المسافة بين مدينتان: ايرفورت (Erfurt ــ عاصمة الولاية)، ومدينة يينا ــ Jena، التي تشتهر عالمياً بإنتاجها أفضل العدسات في العالم (كارل زايس) وتبعد فايمار عن كل منهما 20 كم، وللمدينتان (فايمار ويينا) ثراء ثقافي، ويكفي المنطقة بأسرها (تورنغن) بعاصمتها أيرفورت وتحديداً فايمار ويينا أن كانتا مستقراً للشاعران الكبيران/ يوهان فولفغانغ غوتة، وفردريك شيللر. وفي عام 1919. وبعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، شهدت فايمار أجتماعات هامة وحاسمة بين القوى السياسية الألمانية، تم على أثرها الاتفاق على تحويل ألمانيا من ملكية / إمبراطورية، إلى جمهورية، والنظام الجمهوري أشتهر في الثقافة السياسية والدستورية لألمانيا كنظام بأسم جمهورية فايمار.
إلا أن هذه المدينة الرائعة، بكل شبئ فيها، بشوارعها وأحيائها التقليدية التي لها طابعها وشخصيتها الخاصة عبارة عن متحف كبير، تحتضنها طبيعة جميلة بسهولها وجبالها ووديانها وغاباتها، كل شيئ في هذه المدينة الساحرة جميل ينشد الحياة، ومن سوء حظ هذه المدينة التاريخية التي على صغر حجمها، المهمة جداً في رصيدها ثقافي، والعلمي، والسياسي، وجمال طبيعتها، أن يختارها النظام الهتلري ليؤسس فيها معتقلاً يندر أن يماثله معتقل آخر في وحشيته وتجاهله التام لكل القيم الإنسانية، في هذا المعتقل سيئ الصيت ( Buchenwald ـــ بوخنفالد) ولا يفوقها وحشية إلا معسكر اعتقال (أوشفتز ــ Auschwit) المقام ضمن الأراضي البولونية وربما عدد محدود (نحو أربعة أو خمسة) من المعتقلات التي تصنف كمعتقلات إبادة .
ويصنف معتقل بوخنفالد وكذلك ومعسكر أوشفتز من بين معسكرات الإبادة، ففي هذين المعسكرين، تمت تصفية مئات الألوف من البشر، (مليون ومائة ألف إنسان) في أوشفتز فقط. جمال المدينة وأرثها الثقافي لم يشفع لها، إذ شاءت النازية أن تلوث جمال وروعة هذه المدينة فأسست على مبعدة خمسة أميال (8 كم) منها معتقلاً رهيباً هو معتقل بوخنفالد (Buchenwald)، ومن يزور فايمار لابد له أن يعرج على زيارة بوخنفالد ومن المؤكد أن هذه الزيارة ستترك انطباعات كثيرة في ذهن أي زائر.
ورغم إقامتي الطويلة في ألمانيا، وزيارتي لمعتقل سابق، وقراءتي للكثير من هذه الأحداث، ومشاهدة لأفلام وبرامج تلفازية، إلا أنني وبعد زيارة لمعتقل بوخنفالد، خرجت وأنا بالغ التأثر، حتى أني كنت أكاد أسمع (بدون مبالغة) أنين المعذبين وأسمع أنفاسهم، أعيش عذاباتهم، وأشعر بأن أرواحهم تحلق فوق بوخنفالد. كانت معايشة رهيبة، استغرقت بضعة ساعات، وعندما خرجت بقيت أياماً أفكر وأشعر بأحاسيس ومشاعر تتناهبني، تجربة كبيرة، وضرورية. ليست هناك فائدة كبيرة من حضور دعوات وولائم وعزايم وما شابه ... فهي تملأ البطن وقلما تترك فيك أثراً في فكرك، وربما ستنساها في اليوم الثاني، ولكن مشاهدة كهذه سوف تترك أثراً في نفسك لا يمكن أن تنساها مطلقاً طالما حييت.
فقد سبق لي وأن زرت لعدة مرات معتقلاً يعتبر من المعتقلات الكبيرة، سكسونهاوزن (Sachsenhausen) حوالي 50 كم شمال برلين (وفيه قتل أبن ستالين)، وشاهدنا فضائع لا يمكن أن تصدر عن بشر، ولكن مشاهدة بوخنفالد تعني شيئاً آخر تماماً، فقد خرجت من المعتقل بعد ساعات من التجوال، وأنا شخص آخر رغم أنني أعرف ألمانيا والألمان وهذا التاريخ المروع، ولكن رؤية بوخنفالد شيئ آخر، جعلتني أعيش لفترة طويلة صور ومعاناة مئات الألوف البشر الذين قضوا في هذا المعتقل، حتى أنك عندما تزور هذا المكان تشعر بشكل مادي، كأن أرواح البشر تحلق فوق سماء المعتقل، بل أنك تكاد تسمع صرخاتهم، أنينهم .... إنها تجربة رهيبة، ورغم كونها مؤلمة ومتعبة، إلا أنها ضرورية.
ولعل القارئ العزيز يتساءل ما هي هذه الضرورة، وهل من فائدة ترجى لزيارة هذه الأماكن المشبعة برائحة الموت. نقول نعم، أولاً احتراماً للذين فقدوا أرواحهم في هذه الأماكن، أرواحهم حرة الآن، ينبغي احترامها، نقف نؤدب لهم التحية في استذكار لتضحياتهم للإنسانية بأسرها، وليتذكر الجميع، أن صرخات المضطهدين لا تضيع في صخب الثرثرة والمناقشات الفارغة. وأن لا أحد يفلت من الإدانة، اليوم تسجل أسمائهم بحروف منقوشة على الصخر البشر الذين قتلوا في هذه المعسكرات، تذكر نقف أمام أسماءهم بأحترام.
كل إنسان مطالب بشجب الظلم، والتضامن مع المضطهدين والمقموعين .. لا يحق لأي قوة في الكون أن تعذب البشر، وأن تتصرف به لأنها تمتلك القوة، كل إنسان له الحق بالحياة الحرة الكريمة، عندما يخطأ الإنسان يمكن أن يحاسب، ولكن لا يحق لأي سلطة أن تهين الإنسان أو تعذبه. لقد دفعت الإنسانية ثمناً باهضاً لترتقي إلى مستوى بلغته، لا يجوز التنازل عنه.
النظام النازي، أنشأ سلسلة طويلة من المعتقلات بدأها في ألمانيا قبل الحرب العالمية الثانية، فأنشأ معتقل داخاو (بالقرب من مدينة ميونيخ)، ومعتقل سكسونهاوزن، ثم بوخنفالد، وغيرها كثير، إلا أنه (الحاجة) استدعت تأسيس العديد منها بعد نشوب الحرب، فأسسوا المعتقلات في النمسا، وإيطاليا، وفرنسا، وبولونيا التي شهدت احد أوسع وأشهر هذه المعتقلات، أوشفتس(Auschwiz) ومعتقل التصفية ميدانيك (Majdanek)، وسلسلة هذه المعتقلات كانت تسمى (Konzentretionlager) وأختصاراً بحرفي (KZ) حتى بلغ عدد المعتقلات ربما بالمئات، في شبكة واسعة النطاق. (لاحظ الخارطة، وهي تشير لأشهر تلك المعتقلات).
(الخارطة: الدوائر الحمراء، معتقلات إبادة وعددها 8، المربعات السوداء معتقلات كبيرة، الدوائر السوداء معتقلات حدثت فيها مجازر، الحلقات السوداء معتقلات تسفير)
ورغم أني قد تعرفت على حياة السجون تماماً، فقد سبق لي وأن أمضيت 18 عاماً في السجون والمعتقلات في كافة العهود والأحوال وفي مختلف السجون العراقية، إلا أنها مقارنه ببوخنفالد هي مصائف وفندق شيراتون بخمس نجوم. فالموت تحت التعذيب أو قلة الغذاء، أو الإعدام لأتفه الأسباب، أو بسبب الإرهاق الشديد شأناً أعتيادياً (كانوا يشتغلون في المصانع سخرة) كان الموت حادث يومي وبالعشرات، العناية الصحية والغذاء والكساء كان شيئاً أشبة باللاشيئ ... هناك بشر تعذبوا حتى الموت لأسباب لا علاقة لهم بها، اللهم لأنه غجري مثلاً، أو يهودي، أو شاذ جنسياً، أما الأسرى من الجيوش المتحاربة، وخاصة الضباط والجنود السوفيت، فكانت ظروف أعتقالهم أسطورة عذاب لا تصدق لهولها. وآخرون أجريت عليهم تجارب طبية وكيمياوية، الموت كان حدث يومي للعشرات بسبب نقض الغذاء، والعلاج.
تغادر هذه الأصناف من المعتقلات وقد تأثرت بعمق، وأنت ساهم، تفكر بعيداً، تنظر إلى الأفق، تفكر ... تلعن القتل والحروب، وتلعن الاضطهاد ومن يضطهد، ولا تقبل بتصفية الإنسان لأي سبب، تعيش محنة داخلية مع نفسك، وعذاباً سيتواصل معك لأيام طويلة، فرغم مرور أربعة سنوات على زيارتي لبوخنفالد، إلا أنني أستطيع استعادة كل دقيقة فيها. تجربة متعبة معذبة، لكنها ضرورية، وإني أجد لابد لكل إنسان أن يشجب الاضطهاد، والتعذيب، والإساءة لكرامة الإنسان، وأستطراداً شجب العنصرية والاستبداد الديني، والعرقي، والآيديولوجي، وأن يكون موقفه هذا معلناً. وشخصياً لن أستطيع أن أحترم أي اطروحة قائمة على التميز العنصري أو الديني، أو الآيديولوجي، وأدعوا كل قارئ لها، وأن يعلنها واضحة. من يشاهد بوخنفالد، ويقرأ رواية الساعة الخامسة والعشرين لكونستانتان جورجيو، لا يستطيع إلا إدانة التعذيب والتصفية. الإنسان قيمة كبيرة، ينبغي أن يعامل كذلك، والحياة منحة لا يحق لفرد أو جهة أن تستولي عليها وتصادرها ...
(الصورة :البوابة الرئيسية لمعتقل بوخنفالد)
( الصورة : اإحدى مهاجع المعتقلين ، صورة من الأرشيف)
سؤال يطرق بالحاح ذهن القارئ، كيف يستطيع إنسان يقرأ الأدب، ويشاهد الأوبرا، ويستمع للموسيقى، أن يعذب حيواناً حتى الموت (فما بالك بإنسان)، بل كيف يقدر رجل دين يمثل إرادة الخالق أن يكون معذباً دموياً لا رحمة في قلبه ....؟
ضرغام الدباغ
(صورة الغلاف : نصب تخليد ضحايا بوخنفالد)
بوخنفالد (BUCHENWALD)
ترجمة : ضرغام الدباغ
كانت ألمانيا موعودة بأن تعيش إرهاباَ لمدة إثنا عشر عاماً وثلاثة شهور، عانت فيها تحت ظل نظام حكم ديكتاتوري، أطلق العنان للعنف في الداخل، ثم أستطال حكمه وإرهابه ليصل البلدان المجاورة، (النمسا / جيكوسلوفاكيا / بولونيا).
في 15 / كانون الثاني / 1933 كانت نتائج الانتخابات قد أسفرت عن فوز كبير للحزب النازي، (NSDAP) تؤهله لنيل أغلب مقاعد البرلمان (الرايخستاغ) بنسبة 39.5%، وكان هذا يعني حتماً أن ينال مرشح الحزب المتقدم في النتائج منصب مستشار الرايخ (رئيس الوزراء). وبسهولة حصل زعيم الحزب أدولف هتلر الجنسية الألمانية بوصفه من المقاتلين المكرمين بالأوسمة لشجاعته وإقدامه، في الحرب العالمية الأولى، وخف إلى برلين، وقلده الرئيس باول فون هندنبيرغ مهام المستشارية بتاريخ 30 / كانون الثاني / 1933 كمستشار للرايخ الثالث.
وصول الحزب النازي للسلطة الذي لم يكن يخفي أهدافه بالتحرر من معاهد فرساي وقيودها التي فرضت على ألمانيا في أعقاب الحرب العالمية الأولى، والتي كانت جائرة في الكثير من فقراتها، وبقيادة هتلر الجموحة تحديداً، كان يعني أن يخيم التوتر في العلاقات بين الدول الأوربية، دون استبعاد الصدامات المسلحة.
وبعد وفاة الرئيس هندبيرغ بعد عام واحد من تولي هتلر المستشارية، وشغور منصب الرئيس، أغتنم الحزب النازي الفرصة فأستولى على السلطة والسلطان، ووضع البلاد تحت قبضته الحديدية، فأصبح هتلر يمثل المناصب العليا في البلاد: الرئيس والمستشار، والقائد العام للقوات المسلحة، ومضى بلا هوادة في عمليات تصنيع وتهيئة البلاد لبرامج التوسع، أفتتح ذلك بضم النمسا، ثم أستعاد أجزاء كبيرة من تشيكوسلوفاكيا (السوديت) التي تقطنها أغلبية ألمانية ضمت إلى تشيكوسلوفاكيا بعد الحرب العالمية الأولى، ثم أراد أن ينهي الوضع الشاذ لبروسيا الشرقية ومدينة دانزنغ (في شمال بولونيا) ولكن هذه الخطوة الكبيرة كانت ستنهي بولونيا ككيان دولة، وكانت بريطانيا وفرنسا قد تعهدتا سيادة وأستقلال بولونيا، لذلك فإن غزو بولونيا في 1 / أيلول / 1939، كان يعني على الفور: اليوم الأول في الحرب العالمية الثانية التي ستستمر حتى 1 / أيار / 1945، بسقوط العاصمة برلين، ونهاية الرايخ الثالث.
حتى قبل نشوب الحرب، كان هتلر قد أفتتح عهد العنف والإرهاب، بشنه حملات الاعتقال والتصفية ضد من أعتبرهم خصوماً للأمبراطورية الألمانية وطموحاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكان ذلك يضع: الشيوعيين، والاشتراكيين، والقوى المتحررة عموماً، تحت مطرقة الإرهاب، ومن خلال إطلاقه للنزعة العنصرية كان ذلك يضع: اليهود، والغجر، والشاذين جنسياً وحتى بعض القوى الدينية، على سندان أجهزته الأمنية التي انطلقت تحصد من البشر دون رقيب أو حسيب.
(الصورة : صورة للمعتقل من الجو. خمسة صفوف تضم نحو 40 مهجع للسجناء. البيوت نصف دائرية أعلى الصورة سكن الضباط وحراس السجن. البناية ذات السقف الأحمر يسار الصورة حديثة كمتحف مقابلها بضعة قاعات هي مستشفى، ومحرقة للموتى، وغرف للإعدام،. بضعة مهاجع أسفل يسار الصورة سجن خاص للضباط السوفيت)
تأسيس بوخنفالد (Buchenwald)
تأسس معتقل بوخنفالد على ضوء هذه التطورات الداخلية في حزيران / 1937، وتصاعد عمليات القمع. والمعتقل عبارة عن مساحة هائلة تضم ملاحق عديدة، للحراس والقائمين على إدارة المعتقل، ومرافق داخل السياج العالي المكهرب التي يستحيل أن يفكر أحد بأجتيازه، والمحروس بعناية شديدة، وبكلاب حراسة شرسة. وحراس يطلقون النار ويردون أي معتقل صريعاً حتى عند مجرد الأشتباه به، وكانت هناك مشانق أيضاً، ومحارق لجثث القتلي والموتى، بوخنفالد تأسس ليكون مؤسسة للموت والقهر.
في البدء كان نزلاء المعتقل من الألمان، من الفئات التي ذكرناها، وبعد 1938 جيئ إلى هذا المعتقل دفعة واحدة 10 ألاف معتقل يهودي، تعرضوا إلى معاناة قاسية جداً، وكذلك الغجر والشاذين جنسياً، وبعد نشوب الحرب، جاؤا بأسرى عسكريين من كافة الدول، وخاصة الاتحاد السوفيتي. وعند تحرير المعتقل كان 95 % من المعتقلين من غير الألمان. وهنا كان أيضاً رئيس الوزراء الفرنسي ديلاديه الذي تفاوض مع هتلر حول تقاسم النفوذ في أوربا وعقد معه أتفاقية ميونيخ الرباعية الشهيرة 30 / أيلول / 1938. (ألمانيا ـ إيطاليا ـ بريطانيا ـ فرنسا)، وأيضاً الاشتراكي الفرنسي ليون بلوم (رئيس وزراء فرنسا).
وقد شهد المعتقل تدهوراً مضاعفاً في الحالة الإنسانية والقمع والقتل بعد نشوب الحرب، وجلب مئات الألوف من الأسرى من الدول المتحاربة، وخاصة من الاتحاد السوفيتي، وبدأت عمليات إجراء برامج التجارب الطبية على المعتقلين، وتسبب هذا البرنامج بمقتل المئات من المعتقلين، كما مثل المعتقلوم مصدراً مهماً للعمال المجانية (السخرة) فكانت هناك مصانع تنتج العتاد الحربي ومشايع البناء، حتى بلغ عدد العمال (السخرة) 112 ألف معتقل. وبنتيجة الهزال كان الكثير من المعتقلين يفقدون قواهم، وبالتالي تقوم إدارة المعتقل بإبادتهم بالغاز السم، أو بحقن قاتلة. ولكن الأرقام المرجحة أن المعتقل أستقبل بين أعوام 1937 ــ 1945 نحو ربع مليون شخص (250 ألف)، وفي هذا المعتقل فقد نحو 50 ألف شخص حياته.
وعندما اقتربت القوات الامريكية من منطقة بوخنفالد في أوائل نيسان 1945، ، شرع الألمان بإجلاء حوالي 28000 سجين من بوخنفالد والمحتشدات الفرعية لها. توفي حوالي ثلث هؤلاء السجناء من الإرهاق جراء النقل أو قتلوا على يد قوات الأمن الخاصة، ودار صراع بين تنظيم المعتقلين وإدارة معتقل بوخنفالد، وفقدت العديد من الأرواح بسبب محاولات السجناء عرقلة وتأخير أوامر النازية في الاخلاء. وفي 11 نيسان 1945، في انتظار التحرير اقتحم السجناء أبراج مراقبة والسيطرة على المخيم. في وقت لاحق من ذلك اليوم نفسه، دخلت القوات الأمريكية إلى معتقل بوخنفالد.
بالطبع هناك أرقام ووثائق، حول بوخنفالد، إلا أن من المرجح أن الأرقام النهائية تبقى غير دقيقة بسبب الأعداد الهائلة التي كانت ترد إلى المعتقل، والموتى والمعدومين، والمتوفين بالتجارب الطبية. وفي الأشهر الأخيرة للحرب كانت قوات الحلفاء تقترب من المعتقل، وبدا واضحاً أن الصراع سيحسم لصالح الحلفاء، أخذ المعتقلين يعدون العدة للمساهمة بتحرير أنفسهم، لإحباط مخططات الإدارة النازية الفاشية للسجن التي كانت تخطط لنقل أعداد منهم، أو قتل فسم آخر منهم، فبدأت أعمال منظمة من المعتقلين في تحدي الإدارة، وكانت المعارك تقترب من المنطقة، والطيران الأمريكي يحلق فوق سماء المعتقل الذي كان يضم معتقلين عسكريين أمريكان أيضاً، فحاولت إدارة المعتقل تفريغه (رغم مقاومة النزلاء) ونقل أعداد كبيرة منهم إلى أماكن أخرى، وقد تم فعلاً نقل 28 ألف معتقل مات معظمهم كما أسلفنا، وعند تحرير المعتقل (11 / نيسان / 1945) على يد جنود من الفرقة المدرعة السادسة الأمريكية لم يكن قد يقي سوى 21,000 ألف معتقل من بينهم 900 طفل أو يافع. وقد مات نحو 400 إنسان فور إطلاق سراحهم لشدة ضعفهم وعدم استطاعتهم الحركة، أو ربما لصدمة الحرية.
بين تموز 1937 وأبريل 1945، أودع نحو266,000 شخص من مختلف أنحاء أوروبا في بوخنفالد. وقد تكون الأرقام غير دقيقة ولكن يمكن تقدير معدل وفيات، وسلطات المعسكر لم تكن تحتفظ بسجلات كاملة. ويرجح قتل ما لا يقل عن 56000 سجينا من الذكور في نظام معسكر بوخنفالد، ومن بينهم 15,000 سوفيتي، 7,000 بولوني، 6000 هنغاري، 300 فرنسي، 11000 يهودي.
(الصورة : فايمار / أمام نصب أرنست تيلمان زعيم الحزب الشيوعي الذي أعدم في المعتقل نهاية عام 1944)
2192 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع