موفق نيسكو
البطريرك ساكو، يُنكر بتولية مريم العذراء
كنت قد سمعت كلاما أكثر من مرة من رجال دين وعلمانيين مسيحيين ومنهم كلدان، أن البطريرك ساكو له أفكار وتوجهات نسطورية، ولكني لم أكن مهتماً بذلك، معتبراً أنه من باب الخلافات الشخصية العادية بين رجال الدين، ثم لفت انتباهي أن البطريرك ساكو عندما طبع الطقس الجديد لكنيسته سنة 2014م، ثبتَّ عبارة أم الله أو أم المسيح، ولوَّنها بالأحمر، ومع ذلك قلتُ، إذا كان المطران أدي شير سنة 1912م اخترع عبارة كلدو- وأثور لأغراض سياسية، مستعملاً الجزء الأول، أي الاسميين المنتحلين حديثاً لكسب أبناء كنيسة المشرق النساطرة (الآشوريين) دينياً وسياسياً إلى الكنيسة الكاثوليكية الكلدانية، فلعل البطريرك ساكو يريد استعمال الجزء الثاني وأيضاً لاغراض سياسية، بإدخاله بعض التعابير التي تشجع النساطرة للانضمام إلى كنيسته الكاثوليكية وتشكيل الأمة الكلدو آشورية، خاصة بروز كنيسة جديدة اسمها، الكلدانية- الآشورية، كما في استراليا، والى هذا الحد لم أكن مهتماً كثيراً بالموضوع واعتبره عابراً من جهة، ومن جهة أخرى لم يكن لدي دليل قاطع على أن البطريرك ساكو له أفكار نسطورية. (النسطورية، نسبةً لنسطور +451م المحروم من كل الكنائس سنة 431م، وتبنَّت كنيسة المشرق السريانية عقيدته إلى سنة 1553م، ثم انفصل قسم منهم واعتنق الكثلكة، فسمتهم روما كلداناً، وبقي القسم الآخر نسطورياً إلى اليوم، وسمَّاهم الإنكليز، آشوريين).
وبعد مطالعتي مصادر عديدة لكتابات البطريرك ساكو، وجدتُ دليلاً واضحاً على أنه يحمل أفكار نسطورية واضحة، بل أنه أكثر من النساطرة الذين لا ينكرون بتولية العذراء بوضوح، بل تلميحاً أو استنتاجاً، والحقيقة أن أفكار البطريرك ساكو قريبة من أفكار اليهود عن مريم، وهو دائماً يؤكد إن كنيسته يهو- مسيحية، وتحدثنا عن هذا الموضوع، وموضوعنا الآن، أن البطريرك ساكو يُنكر بتولية مريم العذراء بشكل واضح لا يقبل الجدل، إذ يقول في كتاب "آباؤنا السريان" وفي فقرة "مريم، ص48، 49":
تحتل مريم، شريكة الخلاص، مكانة كبيرة في كتابات كنيسة المشرق، وبالرغم من أن بعضهم، كافرام، يتغنى بألقابها وصفاتها، إلاَّ أنهم معتدلون عموماً، (لا مغالاة في كتاباتهم كما الحال في اللاهوت المريمي الغربي)، ولا تهميش كما يفعل اللاهوت البروتستاتنتي، دورها لا يتخطى الدور الذي يعكسه الإنجيل، لأن المركز هو المسيح، وبالإمكان إيجاز اللاهوت المريمي في ثلاث نقاط: 1: بتوليتها: يُثبت الآباء بتولية مريم، أثناء الحبل والولادة وبعدها
(وباعتقادي أنهم لا يقصدون المفهوم المادي الضيق، بل يُشيرون إلى المفهوم الروحي العميق والخصب).
وللإيضاح، وأنا لا أنقل رأى الشخصي، بل رأي الكنيسة الكاثوليكية التي ينتمي لها البطريرك ساكو، فأقول:
رغم أن الكنائس التقليدية الأرثوذكسية الخلقيدونية (اليونان، روسيا، رومانيا، صربيا..ألخ)، والأرثوذكسية اللاخلقيدونية (السريان الأقباط، الأرمن، الأحباش)، تعتبر مريم العذراء بتولاً قبل وأثناء وبعد الولادة، وتُعظِّمها أكثر من جميع الأنبياء والملائكة والقديسين في الكتاب المقدس، باستثناء السيد المسيح، ولكن بغض النظر عن وجهة نظر الكنائس الأخرى، أو أي آراء أي شخص آخر بمريم العذراء.
فالثابت أن الكنيسة الكاثوليكية تنفرد بتعظيم مريم العذراء لتجعلها: شريكة في الخلاص، بل أنها المُخلِّص، فالضمير (هو) الذي يشير للمسيح في جملة (هو يسحق راسك في سفر التكوين 15:3)، الموَّجه للحية التي تمثل رمز الشيطان والخطيئة، حسب الترجمة اللاتينية الكاثوليكية الرسمية (الفولجاتا حوالي سنة 384م)، وكذلك التفسير المريمي: (هي تسحق رأسك)، أي أن العذراء تسحق رأس الحية وليس المسيح، وفي الكنيسة الكاثوليكية عقائد وألقاب وأعياد وصلوات خاصة لمريم، مثل: عبادة مريم، سلطانة السماء والأرض، سيدة المطهر، الشهر المريمي، الجيش المريمي، التفسير المريمي، عقيدة الحبل بلا دنس، ومعناها أن مريم حُبِلَ بِها (من أبويها) بِلا دَنَس، عقيدة انتقال العذراء بالنفس والجسد إلى السماء، وجسد العذراء مُمجد، أي غير قابل للفساد، صلاة الوردية وأسرارها التي يُقرأ فيها "السلام الملائكي"، وتبدأ: السلام عليك يا مريم..إلخ"، عشر مرات، مع مرة واحدة صلاة "أبانا الذي في السماوات"، التي أوصى السيد المسيح تلاوتها، وهذه الوردية مضروبة في عشرة أسرار، أي يُتلى تسعين مرة السلام الملائكي، وعشرة مرات أبانا الذي، ويُردد في صلاة الوردية: يا بتولاً حكيمة، يا بتولاً مكرّمة، يا بتولاً مَمدوحة، يا بتولاً قادرة، يا بتولاً حنونة، يا بتولاً أمينة، وغيرها.
فهل بعد كل هذا الكلام يحق لبطريرك كاثوليكي أن يقول: باعتقادي أنهم لا يقصدون المفهوم المادي الضيق، بل يُشيرون إلى المفهوم الروحي العميق والخصب؟.
ومع أن القرآن الكريم للمسلمين يقر ببتولية مريم ويكرمها كثيراً، ولكن ربما (وأقول ربما)، يُنكر بتولية العذراء شخص، مسلم، أو شخص غير مسيحي، أو مسيحي غير كاثوليكي، أو حتى كاثوليكي علماني، ولكن أن يُنكر ذلك بطريرك كاثوليكي، فهذا هو العجب بعينه، فليس من حقه حتى وإن كان مع نفسه يؤمن بذلك، فالبطريرك ساكو كبطريرك كاثوليكي، ليس مُخيراً بين إنكار بتولية العذراء أم لا، فهو مُجبر أن يؤمن ببتوليتها، بل أنه مُجبر أن يرد على من يعتقد خلاف ذلك، وأن ينقل لمؤمني رعيته والعالم عقيدة كنيستهُ الكاثوليكية، وليس آرائه الشخصية الفردية.
يقول الدستور العقائدي للكنيسة الكاثوليكية الذي صدر في المجمع المسكوني الثاني 21/11/ 1964م، والذي خصص من 80 صفحة، 10 صفحات لمريم العذراء، وأكّد على بتوليتها في فقرات عديدة منها فقرة 57 :
الارتباط بالعمل الخلاصي بين مريم وابنها منذ حبلها البتولي بالمسيح إلى موته، وأول ما يظهر عندما قامت مريم مسرعة لزيارة اليصابات وحييتها بالطوبى لأنها آمنت بالخلاص الموعود، وارتكض السابق في أحشاء أمه، ويظهر بعد ذلك في الميلاد عندما أرت والدة الله فرحةً الرعاة والمجوس ابنها الوحيد، الذي لم ينتقص بتوليتها، بل كرَّسها.
أمَّا فقرة 67، فإنها تجبر البطريرك ساكو على نقل تعاليم الكنيسة، وليس أفكاره الشخصية، فتقول:
على السلطة التعليمية أن تفسر تفسيراً صحيحاً مهام العذراء، وليحرصوا على تجنب كل قول وفعل من شأنه أن يُضل الإخوة المفترقين أو غيرهم أياً كانوا حول تعليم الكنيسة الصحيح، وليذكر المؤمنين أن التقوى الحقيقية لا تقوم بالعواطف العقيمة العابرة ولا بالسذاجة الغبية الباطلة، بل تصدر عن الإيمان الحقيقي الذي يدفعنا إلى الاعتراف بأم الله.
فإذا كان غبطته يعتقد أن العذراء ليست بتولاً، فباعتقادي ليس أمامه إلاَّ أربع خيارات لا خامس لهما:
1: الاعتراف والتناول لدى أقرب كاهن كاثوليكي، أن ما قاله خطأ.حسب العقيدة الكاثوليكية.
2: أو إقناع الكنيسة الكاثوليكية بعدم المغالات باللاهوت المريمي، وتبديل عقيدتها في بتولية العذراء.
3: في حال عدم استطاعته إقناع روما، إقناع رعيته والانفصال عن روما.
4: الاستقالة، مع الاحتفاظ كفرد بآرائه الشخصية التي يجب علينا احترامها لشخص يمثل نفسهُ. (علماً إني لم أجد عقيدة لطائفة مسيحية تقول أن مريم العذراء ليست بتولاً!.
وشكراً / موفق نيسكو
1228 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع