نظرية في الكتابة النضال بالقلم

                                                   

                           د.ضرغام الدباغ

نظرية في الكتابة النضال بالقلم

يواجه الكاتب، أي كاتب، في مختلف مراحل حياته، سواء في مرحلة تكون فيها الحياة السياسية والثقافية / الفكرية في المحيط مدار اهتمامه الفكري والثقافي وطنياً كان أو عالمياً، مرحلة تمر بظروف لا تتصادم فيها التناقضات بدرجة عنيفة، ولا تنطوي المنازلات الفكرية على المخاطر، ولكن في مرحلة أخرى ربما، مرحلة أخرى قد يشتد فيها النضال الوطني وتحتدم فيها التناقضات لدرجة يكون فيها تصادم الإرادات أمراً حتمياً، تحتم عليه أن يلتحم فيها مع حركة الشعب، الكاتب هو قلم ولسان الشعب الحر، المعبر عن حال أصغر فرد يرقد في قاع المجتمع، عن آلام من لا ممثل لهم. وليس بالضرورة أن يكون الكاتب منتمياً لحزب سياسي، بل أن عدم أنتماؤه السياسي، قد يمنح موقفه الثوري مصداقية أكبر، يتحدى فيها نظماً ديكتاتورية، طغيانية، أو إمبريالية، الكاتب التقدمي يقف معارضاً للحملات الدموية داخل بلاده وخارجها، للخطط العدوانية أينما كانت في العالم. يناهض أي نظام يريد فرض إرادته بقوة السلاح، ومقابل كل هذه الضجة الكبرى، والضجيج، واللهيب المستعر، مقابل كل هذا التعسف.. يرفع الكاتب قلمه الحر .... قلمه فحسب.

الكاتب هو إنسان طليعي، وبتقديري فإن الطليعي لا يستطيع أن يتبرأ من ضميره، ولا يستطيع أن يتنكر للأيدي التي رفعته، وللمئات بل ألاف الرموز الوطنية المادية منها والحسية، ثم يشبع حين يتغدى، ويتخم عندما يتعشى، ويتجشأ ويلف رأسه وينام ... هكذا غير مبال بالعمليات التي تدور من حواليه وصخبها يصم الآذان .. فهذا ليس بكاتب، بل هو متعيش مرتزق، أين هو من ضمير الطليعي الذي يهتف به بصوت عال وبصراحة تامة بما مغزاه: قف مع شعبك وإلا فأنت مع الجلاد.

الكاتب هو بهذا المعنى فنان، والفنان أو الأديب، والمثقف، وهو إنسان طليعي ولابد أن يكون تقدمياً بالضرورة، الطليعي هو منطقياً مع العملية الصاعدة، وليس مع التراجع والانكفاء، مع المسيرة المتقدمة إلى الأمام تشق عباب بحر الظلمات، هو مناهض حتمي للقمع ومصادرة الفكر، واحتقار الإنسان، فالإنسان برؤيته قيمة عليا، وهو بقلمه بريشته، بأزميله، مع المحرومين والمظلومين، وليس من المعقول أن يدافع عمن بيده سوط، أو سلاح يهرق به دماء الناس ويبدد أحلامهم في الحياة، لابد له أن يتضامن مع صيحات العذاب، لابد له أن ينفعل مع بكاء الأطفال.. لابد ... وإلا فهو فاقد لمشاعره، فهو ليس إذن بإنسان طليعي، بل هو ربما بوق بيد القوى الغاشمة. فهو مثقف مزيف، في خدمة القوى الظالمة. الكاتب هو اتحاد مقدس بين فكر صاف نقي والضمير.

في حسابات السنوات الصعبة، فالنضال الذي يعده البعض عملاً جنونياً لا محالة، ولكننا وبحسابات بسيطة ودونما كثير ذكاء، نستنتج أن عمله كان قمة في الذكاء، ليس لأنه ناصب العداء للسلطات، والسلطة هي عبارة عن تجمع للقوى التشريعية والتنفيذية، معسكر فولاذي يسيل القهر من جوانبه، لكن لأن الكاتب أختار الحق، والحق سينتصر وإن يتأخر مجيئه، فلكي تغرب مرحلة وتأتي مرحلة أخرى، هناك استحقاقات مادية يجب أن تكتمل حلقاتها... وهناك ضحايا حتماً، وهناك أبرياء سيسحقون، ولكن كيف سنصدر إدانتنا جميعاً بصوت واحد وعال ... للمجرمين .. للقتلة .. إدانة جماعية وتاريخية إلا إذا خضنا غمار المرحلة الرهيبة ودفعنا استحقاقاتها.. الكاتب هو المدع العام للمحكمة الشعبية، لابد أن يحدث هذا التغيير وأن تتكون حركة مضادة .. كيف للشعب أن يتصدى معسكر القوى الغاشمة بكل قوتها ما لم يكن هناك متملقون، قتلة، وضحايا، وعمود تراكم لابد أن يمتلئ حتى آخر قطرة منه، فيطلع الجديد النظيف، كيف يندحر الظلام إلى الأبد، ما لم يكن للشعب كتابه ومناضليه.!

الكاتب الحر ... طائر الشعب، حر الجناح يطير، مخلبه ومنقاره الفولاذي هو قلمه، قلم فحسب، الكاتب الحر هو أمل الجماهير يفتح للنور نوافذاً، يشرع الشبابيك ليدخل هواء نقي يطرد العفن. الكاتب الحر يقرر أن ينحاز إلى المظلومين والمقهورين، وأن يكون واحداً منهم، كمثقف طليعي، أتخذ موقفه هذا بقرار وجده بديهياً لأنه لم يصله دفعة واحدة، بل عبر تثقيف ذاتي طويل، ولمسيرة طويلة المدى، ولكن الكاتب الحر ينظم رفضه، ويهندس انتفاضته الداخلية، لكي تكون ناجحة خارجياً، الكاتب الطليعي ينصح: أكتب اليوم، وأكتب غداً، وأكتب كل يوم، ولكي تكتب كل يوم فإنك لن تستطيع أن تقول كل ما عندك دفعة واحدة، وإن فعلت ذلك فماذا ستفعل في الأيام والمراجل المقبلة، ثم أنك ستثير انتباه حولك، لذلك فإنك لن تستطيع أن تحول مجاميع بشرية هائلة إلى مسيرة التنوير إلا عندما تعلم ماذا تكتب وكيف تكتب، ولمن تكتب ...
الكاتب المناضل يرى صعوبات في الكتابة الموجهة ... بالطبع، ولكنه ينصح الكتاب ... أن ينتبهوا لمتاعب الكتابة، هي حرب ولابد أن تكون لك فيها أسس وقواعد ..

من هو الكاتب :
إذا اعتبرنا أن توعية الجماهير مهمة وطنية ثورية، فالكاتب هو مناضل وركن أساسي من أركان العمل الثوري وليس نادراً ما يوقد الكاتب بنفسه شعلة الحرية، التي تنتشر كالنار في الهشيم، فهو بالتالي طليعة النضال الثوري وجزء لا يتجزأ من العملية النضالية بأسرها، بل من بين أهم العناصر التي تقرر بتظافرها والاتساق بين تلك العناصر فرص نجاح المهمات النضالية في اجتياز المرحلة التاريخية بنجاح. ولابد أن تكون مهمات الكاتب ليس فقط في تحريض الجماهير على العمل الثوري فحسب، بل وتثقيفها أيضاً، وبالتعاون مع قيادة العمل الثوري على استطلاع سبل النضال، وإطلاق كشافات الأنوار، واستجلاء آفاق قد تبدو غير منظورة لعامة الجماهير، ولكن الكاتب يستحضرها، والكاتب الذي يمارس الكتابة وفق الأسس العلمية في التحليل والتنبؤ، وعمق إدراك أساليب حشد الجماهير وتعبئتها. إن مهمة الكاتب هي الدخول إلى أذهان الجماهير وإزالة ما يكتنفها من غموض، وملابسات، ويعمل على خلق الروابط المادية المحكمة بين فصائل النضال الثوري.

الكاتب بثقافته العميقة يستطيع أن يفك التشابك المعقد في أفق النضال الثوري الناجمة عن تداخل المواقع الفكرية والنضالية، وهو من بوسعه أن يزيل ما يلتبس على الجماهير فهمه من أهداق وشعارات سياسية يطرحها النضال الثوري، الكاتب الثوري العميق المثقف بثقافة حرة تقدمية، هو من يؤلف بقلمه التناغم الهاموني المطلوب والتلاحم بين النظرية والممارسة، هو من يستطيع أن يسهل طرح النظرية بشتى جوانبها وأبعادها على الجماهير، بحيث لا تبدو النظرية في واد، والممارسات في واد آخر.

الكاتب يجب أن يبدو أمام الجماهير مرجعها الثقافي الثوري، الثورة بلا ثقافة قد تنحدر إلى منزلقات خطيرة، فلا يجوز للمثقف الثوري تبرير الديكتاتورية، فيصبح بوقاً للسلطات، ولا يبرر ويستنبط الأعذار للظلم والتجاوز، وبداهة لا يجوز للمثقف أن يخادن السلطات الرجعية، أو سلطات أجنبية محتلة، فيخون ثقة شعبه، ويصبح جلاداً يذبح بقلمه كرامة بلاده،

وأخيراً فالكتابة هي عمل نضالي وقد تنطوي على مخاطر .. عليك أن تتقبلها .. من أجل من تكتب لهم. وهنا نكرر القول للكاتب الثوري : قف مع شعبك وإلا فأنت مع الجلاد.


الظروف الزمكانية للخطاب :
من البديهي، أن يكون الكاتب واعياً لمستلزمات عصره. وبذلك لابد من التأكيد أن مستلزمات عصر ما قد لا تنفع بالضرورة لعصر آخر، فهناك مستجدات حاسمة قد طرأت على الموقف، فلابد للكاتب أن يتحدث بلغة زمنه وعصره، تفوح من كتاباته روائح الخبز الطازج للناس، التحدث بلغة خشبية منقرضة يأنف الناس سماعها أو قراءتها.

ينبغي للكاتب أن يدرك بالضبط حجم ما متاح له من حريات، إذا كتب الحقيقة فهو سيخاطب الملايين، أما إذا كتب نصف الحقيقة فهو سيخاطب الآلاف، أما إذا زور الحقيقة، فلن تردد كلماته سوى الجدران الباردة الصماء.

الكاتب يبحث عن الحقيقة الطازجة، فما تحقق من شعارات، هي في حساب الجماهير، عليك أيها الكاتب أن تجد شيئاً، بصيص أمل جديد، أبحث عن ذرة رمل وقدمها للناس لتكون أفقاً جديداً، الكاتب يبحث عن قلب الأزمة، يهشم ما يحيط بها من أغلفة مزورة يمزق الستر، يجلي غوامض الأشياء، يفضح أهداف مستترة تخدع الجماهير، يسلط الضوء على الظلام ليكشف ما يدور في الخفاء، إنها لمهمة جليلة أن يتشرف المرء، رجل كان أو امرأة أن يلتحق بفيلق الكتاب أو الفنانين الأحرار.

على الكاتب أن يعلم، أن ليست خناك أطر خالدة، فلكل زمان خطابه واكتشافاته وحقائقه. فقد دفع كتاب وعلماء يوماً حياتهم، لأنهم أكدوا حقائق هي اليوم من البديهيات، كتاب ورسامي كاريكاتور، وعلماء طبيعة دفعوا يوماً حياتهم من أجل حقائق هي اليوم غدت من الثوابت. ولكن هناك حقائق كثيرة يراد لها أن تحجب،وخرافات لابد لها من المكوث، وإلا من يقود هذه الجماهير كقطيع لا بصر ولا بصيرة له، إلا الخرافة ... فلتعش الخرافة إذن ..

الكاتب سيقف ويصرخ بأعلى صوته ... الملك عار أيها الناس، صدح بالحق يوماً طفل، ولكن خرافات العصر ينبغي أن تتصدي لها الأقلام الحرة، فليصدح بالحق اليوم كاتب يقول للناس : أيها الناس، مالكم يؤكل حراماً، حقوقكم تضيع هباء، عذاباتكم يسخرون منها، اليوم لا ينبغي أن نصبح أضحوكة كما كنا لمئات السنين، الكاتب يشهر قلمه ويقول كفى ...! اليوم، وغداً وبعد الغد، وكل يوم آت ... القلم والكاتب ملك الشعب ..!

أن نعلم ونتعلم ونتفهم أمر ضروري ... ولكن ليس متأخراً ...!

لمن نوجه الخطاب ..؟
الكاتب يوجه خطابه للجماهير .. نعم، ولكن لكي يصيب خطابة الهدف في الصميم، عليه أن يعلم عدا زمن ومكان المناسبة، أي شريحة يمسها الخطاب مباشرة، فالكاتب يجب أن يكون ممتلئ علماً وثقافة فلكي يستطيع أن يخاطب المثقفين، لابد له أن يتحدث عن التناقضات الجوهرية والثانوية، لابد أن يكتب بلغة راقية لأنه يخاطب كتاباً ومثقفين طليعيين، والكاتب عندما يخاطب الجماهير الشعبية، هو يفعل ذلك والهدف هو بلورة وعي وثقافة شعبية، وتوحيد صفوفها .

وليعلم الكاتب إنه يخاطب جماهير لها فكرها وبصرها، عليه أن يتحدث وفق ما تراه وتحسه هذه الجماهير، لا وفق ما يراه هو، فيلوي عنق الحقيقة ليدخل مارداً في قنينة صغيرة، إن كتابة كهذه هي أقرب إلى التهريج منها إلى الخطاب المفيد الذي له مصداقيته بين الناس. الكاتب من هذا الصنف كم يحدث نفسه أمام المرآة، لا يستمع إليه إلا قراء من صنفه.

قد ينطوي جوهر النضال الشعبي والموقف السياسي / الاجتماعي على تعقيدات هي من سمات العصور المتقدمة، بسبب التطور الهام على الصعيد الاقتصادي في العالم، والتداخل الكثيف بين المعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لذا فعلى الكاتب (إن شاء التأثير على القراء) أن يكون ملماً بصفة دقيقة على تلك التطورات، ولسعة هذه التطورات، يستحسن أن يتخصص الكتاب في حقول شتى، فالكاتب في مجال العلوم والتكنولوجيا، ليس كالمتخصص في الشؤون الرياضية مثلاً، أو السياسية، وبالطبع سيكون من الأفضل لو تمتع الكاتب بثقافة عامة واسعة تمكنه من الخوض بكفاءة في موضوعات عديدة، سيما تلك المترابطة منها السياسة والاقتصاد، ولكن الكتاب الموسوعيين اليوم قلة بسبب الحجم الهائل الثقافة والمعرفة في مكتبة البشرية.
الكاتب الديماغوجي يحدث نفسه، ونقول له، أنك تحدث نفسك في المرآة. وللكاتب الحر نقول ...خطابك للشعب، لقواه الوطنية، لمثقفيه الشرفاء، للوطن ....!

خاطب المستوى الأدنى من المتلقين.
من الأهمية بمكان، عندما يوجه الكاتب خطاباً عاماً، يدور مضمونه حول قضية غير محددة بفئة اجتماعية أو فئة عمرية أو ثقافية معينة، عليه أن يحرص أن يتفهم خطابه جميع من يوجه لهم الخطاب.

على الكاتب أن يعلم أنه يخاطب جمهور عريض، من مختلف المستويات الثقافية، وهنا عليه أن يراعي هذا التفاوت في المستوى الثقافي والمعرفي، ويحرص على إيصال ما يريده، فالهدف هو نقل القارئ من مستوى معين إلى مستوى إدراك ووعي أعلى لقضية ما، أو لمشكلة ما.

أيها الكاتب كن قلم الجماهير، ولا تكن أديب نخبة ...!

صياغة اللغة.
يعتقد بعض الكتاب أن الأسلوب الأنيق المنمق، أو المعقد، دلالة على عمق وثقافة الكاتب، لربما في هذا بعض الصحة إذا كان الكاتب يريد أن يشار إليه بأنه كاتب فيلسوف، ولكن النتيجة هي أن بضعة أشخاص لا غير سيفهمون ما يريد قوله.

نعم بعض الأحيان تكون الفكرة ذاتها معقدة جداً، وتبسيطها قد يؤدي لتسطيحها وهذا ما يضر بمحتوى الفكرة، وفي هذه الحالة فالكاتب أو الخطيب إنما يوجه خطابه لنخبة من القراء، وهذه فكرة غير حسنة، بأعتبار أن الثقافة غذاء عام، ويبغي على الكاتب أن يعمل ويجتهد بشرح فكرته بأبسط الوسائل وإعطاء الأمثلة الواقعية، لتكون المادة التي يقدمها مقبولة من حشد واسع من الجماهير.

وثمة أمر أجده مهماً، هو معرفة وإلمام الكاتب بأكثر من لغة إلى جانب لغته الأم. فاللغة الثانية تطرح منتجات ثقافية كبيرة (بحسب أتساع تلك اللغة) وتفتح آفاق واسعة، تزيد من مدى تطلع الكاتب عمقاً وأبعاداً، ولغته ثقلاً ورصانة. واللغة الثانية تمنح لغة الكاتب الأصلية (لغته الأم) نكهة جديدة.

ليس المهم زخرف الكتابة والحرف، بل جوهر الكلام وإلى ما يرمي ...!

لا تحاول بلوغ هدفك دفعة واحدة.
معظم الناس لا يحبون الإلحاح في الوعظ، فتلك إشارة محتملة أن الواعظ يعتقد عدم معرفة المتلقين، قراء كانوا أو مستمعين بأعماق الفكرة فيحاول أن يشرحها بدرجة من التبسيط أو التعقيد، فينجح حيناً ويخفق حيناً. وإيصال الفكرة إلى المتلقين تحتاج إلى ذكاء وخبرة ومعرفة عميقة بالناس والفئات التي يخاطبها الكاتب أو الخطيب.

وبتقديري أن القضايا الفكرية، والعلمية هي بطبيعتها معقدة أحياناً، بمعنى أن شرحها غير بسيط، وبعض من هذه القضايا تستحق سنوات يقضيها المرء على مقاعد الدراسة، يتلقى فيها المعرفة على أيدي أساتذة وعلماء، فلا يتوقع في هذه الحالة أن يوصل ما يريد إيصاله في صفحات معدودة، أو بسرعة. فرفع مستوى وعي الجماهير لا يمكن أن يكون عبر جهد فردي، بل يجب أن يكون ذلك وهو عمل كبير يتحقق من خلال جهود كثيفة الكاتب الحر هو أحد الفروع التي تصب في بحر الثقافة والعلوم.

وبرأي، أن محاولة الارتقاء بثقافة الناس لا يكون بالضرورة من خلال بث الفكر السياسي والاجتماعي، بل والثقافي بصفة خاصة، من خلال إشاعة الثقافة الموسيقية الراقية والفنون التشكيلية والسبنما والمسرح، وتشجيع الفعاليات الرياضية التي تهذب خلق من يمارسها فيعتاد على تقديم الأفضل من أجل الفوز وقبول الخسارة بروح رياضية. وإذا ارتقيت بأفكار الناس، فإنك ستجعل من سائر رؤيته لشتى الموضوعات راقية.

ابلغ قراءك مئة مرة نصف الحقيقة، أفضل من أن تصدح بالحقيقة مرة واحدة فقط ....!

عن تجربتي الكتابية الشخصية أريد أن أقول:
أنا إنسان عراقي بسيط، عشت عمري كله مع الشعب، وبين الناس، وأحببتهم، وأحببت وطني كثيراً حباً ملك فؤادي، فكنت طوال عمري مخلصاً فيما آمنت ومخلصاً فيما كتبت، وقدمت كل أستطيع تقديمه لشعبي (وأنا الممنون)، وفي هذا الطريق الصعب كونت تجربتي السياسية والثقافية. وبرأي أن الكاتب الطليعي يمزج بين وظيفته ككاتب سياسي، وكمناضل، بل هو يضع على كاهل الكتاب السياسيين والفنانين والأدباء الذين ينحازون لقضايا الوطن، مهمة مقدسة، لا ينبغي أن يتملص من هذه الفئة الطليعية من الشعب. أقول لكل كاتب وأديب وفنان بصراحة تامة : قف مع شعبك وإلا فأنت مع الجلاد... وأنا على درجة عميقة من الإيمان بأن الفن والأدب للمجتمع، الأدب يخدم الجماهير وقضيتها، يجعلها بدرجة أكبر من الوضوح وليس للترفيه، كما تزعم النظريات الرجعية، أن الفن غاية بذاته.

قاتلت طويلاً بالسلاح وفد نجوت من الموت بأعجوبة مرات كثيرةـ، ولكني أقر الآن أن القتال بالكلمات أمضى، ليس لأني بلغت من العمر عتياً، ولكنها حقيقة توصلت إليها بالتجربة والقناعة.

تراكمت عندي تجربة في الكتابة الموجهة، أن الثقافة العامة هي خير وسيلة لإيصال فكرتك العامة، وهنا لا ينفع كثيراً أن تتعمق وتغوص في الفلسفة والأفكار التي تنطوي عليها فكرة سياسية معينة، ففي لحظة معينة يشبع الناس من الكلام مهما كان جميلاً ويصيبهم السأم ولا يعودون قادرين على سماع المزيد ولو نطقت درراً ..!

لا يمكن لمتلقي أن يفهم فكرة معقدة إذا كان جاهلاً لمقومات معرفية أو ثقافية بسيطة، وهناك أبواب معرفية / علمية سيصعب كثيراً شرحها أو تبسيطها، ومن تلك مثلاً موضوعات سياسية واقتصادية كأن تحاول أن تشرح نظرية التصعيد، أو السجال الاستراتيجي، أو فكرة التناقضات، وقوانين الديالكتيك، أو القضايا الديمغرافية (علم السكان) و الانتاجية في العمل، وقضايا أخرى كثيرة، ولكني توصلت لفكرة مدهشة، أن يعمد الكتاب إلى الأخذ بيد المتلقين والارتقاء بهم إلى درجات عليا من الوعي وسمو المشاعر، فتعرض أمامهم إنتاجات فنية وثقافية رائعة، وقصائد شعرية تهز وجدان الإنسان من الأعماق، أو رواية تحدث هزة في ضمير من يقرأها، فالمتلقي الذي يرتقي بمشاعره وقوة أحاسيسه، ستكون أفكاره السياسية راقية بمستوى تفكيره العام وليس بأقل من ذلك.

ليس غريباً أن نلاحظ، أن معظم دهاقنة الرجعية هم أشخاص (في الغالب الأعم) لا علاقة لهم بالثقافة، وكذلك الطغاة، فمن يؤمن بالقوة أنها مفتاح تغير القواعد في الحياة هو إنسان جاهل قبل شيئ، وبالتالي فإنه يمنح القوة المرتبة الأولى في رؤيته للحياة والمتغيرات، وبالطبع فإنه سينظر للنتائج الآنية لسياسة القوة وممارساتها الوحشية، ويصعب عليه معرفة أن هذا هو بالضبط إعلان فشل مدو لأفكاره الخاوية.

ولهذا بالضبط تروج الرجعية أفكاراً منحطة عن الثقافة والفن، زاعمين أن الفن هو للفن، وأن جودة العمل الفني يكمن في الألوان وفي فكرة كامنة في عقل الفنان وهي نتاج معاناة شخصية، على المتلقي أن يناضل من أجل الوصول إليها، وتحارب الرجعية فكرة أن الفن هو عمل موجه للجمهور بالدرجة الأولى ويخدم في المقام الأول أهداف الناس ويصلها بطرق يستخدم فيها اللون والحركة والكلمة .

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

822 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع