د.رعد العنبكي
ابو الطيب المتنبي...
هو احمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجفي ابو الطيب الكندي الكوفي المولد ولد سنة (303ه-915م )نسب الى قبيلة كندة نتيجة لولادته فيها في الكوفه ولا ينتمي لهم...
عاش افضل ايام حياته واكثرها عطاء في بلاط سيف الدوله الحمداني في حلب وكان من اعضم شعراء العرب واكثرهم تمكنا باللغة العربية واعلمهم بقواعدها ومفرداتها وله مكانة سامية
لم تتح مثلها لغيره من شعراء العربيه فيوصف بانه نادرة زمانه واعجوبة عصره وظل شعره الى الان مصدر الهام ووحي للشعراء والادباء وهو شاعر حكيم واحد مفاخر الادب العربي وتدور معظم قصائده حول مدح الملوك ويقولون عنه بانه شاعر اناني ويظهر ذلك في اشعاره قال الشعر صبيا فنظم اول اشعاره وعمره( 9 ) سنوات اشتهر بحدة الذكاء واجتهاده وظهرت موهبته الشعريه باكرا
صاحب كبرياء وشجاع وطموح ومحب للمغامرات وكان في شعره يعتز بعروبته وتشاؤم وافتخار بنفسه افضل شعره في الحكمة وفلسفة الحياة ووصف المعارك اذ جاء بصياغة قويه محكمه انه شاعر مبدع عملاق غزير الانتاج يعد بحق مفخرة للادب العربي فهو صاحب الامثال السائره والحكم البالغه والمعاني المبتكره وجد الطريق امامه اثناء تنقله مهيئا لموهبته الفائقه لدى الامراء والحكام اذ تدور معظم قصائده حول مدحهم
لكن شعره لايقوم على التكلف والصيغه لتفجر احاسيسه وامتلاكه ناحية اللغه والبيان مما اضفى عليه لونا من الجمال والعذوبه
ترك تراثا عظيما من الشعر القوي الواضح يضم (326 ) قصيده تمثل عنوانا لسيرة حياته صور فيها الحياة في القرن الرابع الهجري اوضح تصوير ويستدل منها كيف جرت الحكمة على لسانه لاسيما في قصائده الاخيره التي بداء فيها وكاءنه يودع الدنيا عندما قال : ابلى الهوى بدني
شهدت الفترة التي نشاء فيها ابو الطيب تفكك الدوله العباسيه وتناثر الدويلات الاسلاميه التي قامت على انقاضها فقد كانت فترة نضج حضاري وتصدع سياسي وتوتر وصراع عاشها العرب والمسلمون فالخلافة في بغداد انحسرت هيبتها
والسلطان الفعلي في ايدي الوزراء وقادة الجيش ومعظمهم من غير العرب ثم ظهرت الدويلات والاءمارات المتصارعه في بلاد الشام وتعرضت الحدود لغزوات الروم والصراع المستمرعلى الثغور الاسلاميه ثم ظهرت الحركات الدمويه في العراق
كحركة القرامطه لقد كان لكل وزير ولكل امير في الكيانات السياسيه المتنافسه مجلس يجمع فيه الشعراء والعلماء ويتخذ منهم وسيلة دعاية وتفاخرفي هذا العالم المضطرب كانت نشاءة شاعرنا ابي الطيب المتنبي فوعى بذكائه الفطري وطاقته المتفتحه حقيقة مايجري حوله فاءخذ باسباب الثقافة مستغلا شغفه في القراءة والحفظ فكان له شاءن مستقبل الايام اثمر عن عبقريه في الشعر العربي كان في هذه الفتره يبحث عن شئ يلح عليه في ذهنه اعلن عنه في شعره تلميحا وتصريحا حتى اشفق عليه بعض اصدفائه وحذروه من مغبة امره حذره ابو عبد الله معاذ بن اسماعيل في ( دهوك ) فلم يسمع له الى ان انتهى به الامر الى السجن
المتنبي وسيف الدولة الحمداني :
اتصل بسيف الدوله بن حمدان امير وصاحب ( حلب ) سنة (337ه- 949م ) وكان في سن متقاربه وعرض عليه ان يمد حه بشعره فاءجازه سيف الدوله ان يفعل واصبح المتنبي من شعراء بلاط سيف الدوله
واجازه سيف الدوله على قصائده بالجوائز الكثيره وقربه اليه فكان من اخلص خلصائه وكان بينهما موده واحترام وخاض معه المعارك ضد الروم وتعد ( سيفياته ) اصفى شعره غير ان المتنبي حافظ على عادته في افراد الجزء الاكبر من قصيدته
لنفسه وتقديمه اياها على ممدوحه فكان ان حدثت بينه وبين سيف الدوله فجوة وسعاها كارهوه وكانوا كثرا في بلاط سيف الدوله
ازداد ابو الطيب اندفاعا وكبرياء وعاش مكرما مميزا عن غيره من الشعراء في (حلب ) وهو لا يرى انه نال بعض حقه ومن حوله يظن انه حصل على اكثر من حقه وظل يحس بالظماء الى الحياة والمجد الذي لايستطيع هو نفسه ان يتصور
حدوده وهو مطمئن انه يحقق طموحه في ظل ( امارة حلب العربيه ) واميرها الذي يشاركه طموحه
خيبة الامل وجرح الكبرياء :
احس باءن صديقه بداء يتغير عليه وكانت الهمسات تنقل اليه عن سيف الدوله باءنه غير راض وعنه الى سيف الدوله باءشياء لاترضي الامير وبداءت المسافة تتسع بين الشاعر والامير حتى بداء يشعر باءن فردوسه الذي لاح له بريقه عند سيف الدولة لم يحقق السعادة اتي نشدها وبعد تسعة سنوات ونصف في بلاط سيف الدوله جفاه الامير وزدادت جفوته له بفضل كارهي المتنبي انكسرت العلاقه الوثيقه التي كانت تربط سيف الدوله والمتنبي
فارق ابو الطيب سيف الدوله وهو غير كاره له وانما كره الجو الذي ملئه حساده ومنافسوه من حاشية الامير وبقية الصله بينهما بالرسائل اتي تبادلاها حين عاد ابو الطيب الى الكوفه ورحل الى ( مصر ) ولم يرق له ( كافور ) فغادرها في يوم عيد
وقال قصيدته المشهوره التي ضمنها من مرارة على ( كافور ) وحاشيته والتي مطلعها :
عيد باية حال عدت ياعيد بما مضى ام لامر منك تجديد
اما الاحبة فالبيداء دونهم فليت دونك بيدا دونها بيد
اذا اردت كميت اللون صافية وجدتها وحبيب النفس مفقود
ماذا اردت من الدنيا واعجبه اني لما انا شاك منه محسود
وقال في معاناة الزمن :
صحب الناس قبلنا ذا الزمان وعاناهم من شاءنه ماعنانا
وقولو بغصة كلهم منه وان سر بعضهم احيانا
ربما تحسن الصنيع لياليه ولكن تكدر الاحسانا
وكاءنما لم يرض فينا بريب الدهر حتى اعانه من اعانا
كلما انبت الزمان قناة ركب المرء في القناة سنانا
ومراد النفوس اصغر من ان نتعادى فبه وان نتفانى
غير ان الفتى يلاقي المنايا كالحات ولا يلاقي الهوانا
واذا لم يكن من الموت بد فمن العجز ان تكون جبانا
كل مالم يكن من الصعب في الانفس سهل فيها اذا هو كانا
شعره وخصائصه الفنيه :
شعر المتنبي كان صورة صادقه لعصره وحياته فهو يحدثك عما كان في عصره من ثورات واضطرابات ويدلل على ما كان به من مذاهب واراء ونضج العلم والفلسفه كما يمثل شهره حياته المضطربه فذكر فيه طموحه وعلمه وعقله
وشجاعته وسخطه ورضاه وحرصه على المال كما تجلت القوه في معانبه واخيلته والفاظه وعباراته وقد تميز خياله بالقوه والخصابه فكانت القاظه جزله وعباراته رصينه تلائم قوة روحه وقوة معانيه وخصب اخيلته وهو ينطلق في عباراته انطلاقا ولايعني فيها كثيرا بالمحسنات والصناعه ويعتبر شاعر العرب الاكبر عبر العصور
اغراضه الشعريه :
من قصائده في مدح سيف الدوله
على قدر العزم تاءتي العزائم وتاءتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم
وقفت وما في الموت شك لواقف كاءنك في جفن الردى وهو نائم
تمر بك الابطال كلمى هزيمة ووجهك وضاح وثغرك باسم
تجاوزت مقدار الشجاعة والنهى الى قول قوم انت بالغيب عالم
الوصف :
اجاد المتنبي وصف المعارك والحروب البارزه التي دارت في عصره كما انه وصف الطبيعه واخلاق الناس ونوازعهم النفسيه :
انا الذي نظر الاعمى الى ادبي واسمعت كلماتي من به صمم
انام ملئ جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصم
وجاهل مده في جهله ضحكي حتى اتته يد فراسة وفم
اذا رايت نيوب الليث بارزة فلا تظنن ان الليث يبتسم
ومهجة مهجتي من هم صاحبها ادركته بجواد ظهره حرم
ومرهف سرت بين الجحفلين به حتى ضربت وموج الموت يلتطم
الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم
الحكمه :
اشتهر المتنبي بالحكمه وذهب كثير من اقواله مجرى الامثال لانه يتصل بالنفس الانسانيه ويردد نوازعها والامها ومن حكمته ونظراته في الحياة :
صحب الناس قبلنا والزمان وعناهم من شاءنه ما عنانا
وتولو ابغضه كلهم منه وان سر بعضهم احيانا
وكذلك يقول :
خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به في طلعت البد ر ما يغنيك عن زحل
والمهجر اقتل لي مما اراقبه انا الغريق فما خوفي من البلل
مقتله :
كان المتنبي قد هجا ضبة بن يزيد الاسدي :
ما انصف القوم ضبة وامه الطرطبه
وانما قلت ما قلت رحمه لا محبه
ولما كان المتنبي عائدا االى الكوفه وكان معه ابنه محسد وغلامه مفلح لقيه فاتك بن ابي جهل الاسدي وهو خال ضبه واقتتل الفريقان ولما ظفر به فاتك
اراد الهرب فقال له ابنه ( اتهرب وانت القائل : الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم )
فرد عليه المتنبي بقوله ( قتلتني قتلك الله )
حيث رجع لملاقات فاتك فقتله فاتك
وهكذا انتهت حياة شاعرنا العبقري الفيلسوف والشجاع والحكيم
والى لقاء قادم مع شاعر من شعرائنا الكرام
والشكر كل الشكر موصول الى استاذنا الشيخ جلال چرمگا والاستاذه الكريمة ايمان البستاني المحترمين
ودمتم في رعاية الله وحفظة
اخوكم المخلص
الدكتور رعد العنبكي
1037 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع