د.سامان سوراني
الإتحاد الأوروبي و إمكانية التوصّل إلى حل للأزمة السياسية في العراق الفدرالي
من المعلوم بأن الأزمة السياسة المزمنة في العراق ليست وليدة اليوم بل هي ثمرة تراكمات و ترسبات السياسة الإتكالية العقيمة، التي أنجبت الديكتاتورية العسكرية المٶمنة بالحروب و المدافعة عن العقلية القوموية الكامنة في ظلال العتمة الفكرية المتسمة بالشوفينية تارة و بالعنصرية المقيتة تارة أخری و التي أدت الی هدم الثقة بين كيانات المجتمع العراقي المختلفة و تهشيم نوافذ المواطنة.
صحيح بأن العراق مرّت بسبب تلك السياسات العوجاء بمآسي و صعوبات تخصها مثل حرب الخليج الأولی والثانية و الإقتتال الداخلي الدموي بين جهات شيعية و سنية بعد سقوط الطاغية في بغداد والتي أستمرت لسنوات عديدة، لكننا لم نری أيّة إرادة سياسية قوية من قبل الحكومات العراقية المتعاقبة في إنهاض هذه الدولة و إعادة بناءها بعد نشر فلسفة المواطنة و تطبيق بنود الدستور الفدرالي لتتضائل الفوارق الإستراتيجية القديمة التي كانت تهتدي بها سياسات الحقبة الماضية. ما لمسناه هو هيمنة الفكر الطائفي العروبي علی مٶسسات الدولة و إحتكار السلطة من قبل رئيس الحكومة بصفته الشخصية و إنتهاج سياسة التفرّد في إصدار القرارات و إهمال نصوص الدستور و تجميد عمل المٶسسات الرقابية الأخری و توظيف بعضها كأداة مجندة لتعزف أناشيد الرضی لرئيس الحكومة و تروّج لإستيراد عدم الإستقرار و تصدير الديكتاتورية من جديد.
قبل أيام زار وفد الإتحاد الأوروبي متكون من سفراء كل من بولونيا والتشيك واسبانيا والسويد وسلوفاكيا ورومانيا وبريطانيا والمانيا واليونان وفرنسا وايطاليا وهولندا و سفيرة الإتحاد الأوروبي لدی العراق الی إقليم كوردستان لـ "يراقب من كثب" تطور الوضع المتأزم في العراق و يبحث العلاقات الثنائية والتوترات السياسية التي يعيشها العراق، كيف يصل الی معرفة السبيل في مساعدة جميع الأطراف للتوصل إلى معالجة الأزمة الحالية.
نحن نعرف بأنّ ألمانيا و بريطانيا وفرنسا تشكل القوى العظمى في الاتحاد الأوروبي وأنّ لكل دولة من تلك الدول رؤية ومصالح مختلفة في دول الشرق الأوسط و بالأخص في العراق و إن هذا الإتحاد يريد دوماً الجلوس في المقعد الخلفي فيما يتعلق بالشأن السياسي في المنطقة، لكن هذا لا يعني بأنه لا يريد أن يلعب الدور الريادي في الترويج لإقتصاد ليبرالي وتعددي يساهم في بناء الفضاء الديمقراطي و ترسيخ مبادیء الفدرالية و سيادة القانون و الديمقراطية البرلمانية الضامنة للتعايش السلمي. بكلام أخر إن جلّ إهتمامات الاتحاد الأوروبي اليوم هي اقتصادية و أمنية أكثر من كونها سياسية.
ما نريده من الإتحاد الأوروبي هو إتخاذ موقف أقوى سياسياً في المنطقة ، لأنه من الصعب فصل السياسة عن الاقتصاد كلياً.
واليوم يحظی إقليم كوردستان بجانب علاقاته مع شركات عملاقة متعددة الجنسية، التي تعتمد بالإضافة الی السياسات الإقتصادية، الی سياسات مالية و إجتماعية و أحياناً أمنية تفضي الی زيادة نفوذها الدولي، بالوضع المتقدم في علاقاته مع الإتحاد الأوروبي و هناك نوايا جديّة و رصينة من قبل الإتحاد الأوروبي لدعم الإقليم في المجالات الإقتصادية والتقنية.
ما يفرح الإتحاد الأوروبي هو طلب الأطراف السياسية العراقية من الرئيس مسعود بارزاني شخصياً، الذي ينطلق دوماً من نظرية الديبلوماسية الوقائية، تفادياً لوقوع إقتتال داخلي و تهديد الأمن والسلم في المنطقة، ليبدأ بمبادرة تاريخية ثانية و إستعداد أربيل، عاصمة إقليم كوردستان، إحتضان مٶتمر موسع لقادة الكتل السياسية العراقية نهاية شباط ٢٠١٣ لدراسة الوضع و إتخاذ الخطوات اللازمة للدخول في حوار جديّ و الوصول الی حلول سليمة لإحتواء الأزمة الراهنة. هناك ملفات ساخنة كثيرة، لكن الذي يهم الطرف الكوردستاني هو حسم النقاط الجوهرية و وضع حد لسياسة التأجيل والمماطلة المتكررة، التي تمارسها حکومة بغداد مع سبق الإصرار والترصد.
فمن حق إقليم كوردستان وضع شروط للحصول على ضمانات تنفيذ مقررات المؤتمر قبل الشروع به، إذ انه لا يريد أن يلدغ من جُحرٍ مرّتين ليتكرر ما حصل في اتفاقية اربيل بعد تنصل بغداد و هروب السيد المالكي من تنفيذ موادها. يتطلب صوغ أساس منطقي واضح للعلاقات بين الكيانات الرئيسية مبنيّ علی الشراكة الحقيقية والإحترام المتبادل، إذ لا يحتمل أن يسود السلام و الإستقرار الدائمان في العراق دون إيجاد تسوية مقبولة للنقاط الساخنة.
وختاماً: إن تعاملنا مع السلطة السياسية كمحصلة قانونية أو إجرائية للحراك الإجتماعي والنشاط الإنتاجي أو الإبداعي لكل الفاعلين الإجتماعيين في مختلف القطاعات والحقول و إخضاعها للمناقشة العمومية والمداولة العقلانية والمراجعة النقدية، شأنها شأن أي حكومة ديمقراطية فعالة، يعزز تجربتنا في الديمقراطية، فالديمقراطية ليست نموذجاً يُنقل عن بعض الدول، ولكنها هدف ينبغي أن تحققه كافة الشعوب.
الدكتور سامان سوراني
1396 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع