ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس –جامعة الموصل
جلال الاوقاتي قائد القوة الجوية العراقية 1958-1963 : قصة ضابط وطني وتقدمي كفوء ومخلص للوطن
منذ زمن بعيد ، وأنا أريد أن اكتب عن زعيم (عميد ) الجو الركن جلال جعفر الاوقاتي ( 1915-1958 ) قائد القوة الجوية العراقية خلال فترة حكم الزعيم عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة في العراق للفترة من 14 موز 1958 الى 8 شباط سنة 1963 .
وكما هو معروف ، فإن المؤرخ يحتاج الى معطيات تتمثل بالمصادر والمراجع وكان علي ان ابحث عن ذلك واول ما رجعت اليه ( دليل الجمهورية العراقية لسنة 1960) الذي حرره الاستاذ محمود فهمي درويش والدكتور مصطفى جواد وضدر ببغداد 1961 .
وفي مبحث (وزارة الدفاع ) و(القوة الجوية العراقية ) وجدت ان المحرران اعتذرا من القارئ لان قائد القوة الجوية لم يرسل لا سيرته ولا صورته الى المحررين المسؤولين عن هذه الوثيقة الرسمية . وهذا ما يحبط المؤرخ ويعيق تنفيذ مهمته خاصة والقاعدة الذهبية في التاريخ تقول ان لاتاريخ بلا مصادر .. لاتاريخ بلا وثائق وهذا ايضا مما لايساعده في ان يستمر في انجاز مهمته خاصة في ضوء الصعوبات الاخرى المتمثلة بالموقف السياسي السائد منه والمناوئ له ، وعدم توفر الفرصة للعودة الى ملفته التقاعدية ، ولاحتى وثائق مديرية التطوير القتالي وهيئة كتابة التاريخ العسكري في وزارة الدفاع .
عندما صدر كتاب (تاريخ القوات العراقية المسلحة ) بعدة مجلدات سنة 1988 من قبل هيئة كتابة التاريخ العسكري بمديرية التطوير القتالي بوزارة الدفاع ، كان هناك الجزء السابع عشر عن ( تأسيس القوة الجوية وتطويرها منذ 22 نيسان 1931 وحتى 22 نيسان 1988 ) . وفي الصفحة (93 ) وردت (سيرة رسمية موثقة ) للزعيم (العميد ) الطيار الركن جلال جعفر الاوقاتي مع صورة له . ومما ورد في السيرة نصا :
1. ولد في بغداد سنة 1915
2. الدورات التي دخلها :
أ. المدرسة العسكرية الدورة (12 ) وتخرج برتبة ملازم في 7 تشربن الاول –اكتوبر 1936.
ب. مدرسة الطيران – الدورة الخامسة .
ت. مدرسة معلمي الطيران في انكلترا .
3. أهم المناصب التي شغلها :
أ. آمر رف في سرب التدريب .
ب. ضابط ركن الجناح الاول .
ت. ضابط ركن في مقر أمرية القوة الجوية .
ث. معاون أمر سرب التدريب .
ج. معلم جوي أقدم في كلية القوة الجوية
ح. قائد القوة الجوية من 14 تموز 1958 الى 7 شباط 1963 .
4. الاوسمة والانواط التي منحت له :
*نوط الخدمة الفعلية .
5. تاريخ إحالته على التقاعد :
أ. أحيل على التقاعد لأسبا صحية في 9 أيار 1951 وهو برتبة مقدم طيار ركن .
ب. أعيد الى الخدمة في 14 تموز 1958 برتبة عقيد جو ركن وعين قائدا للقوة الجوية .
ج. رُفع الى زعيم جو ركن احتياط (عميد ركن إحتياط ) في 9 أيار 1959.
د. أحيل على التقاعد بموجب البيان رقم 2 لمجلس قيادة الثورة في 8 شباط 1963 .
ه. قتل صباح يوم 8 شباط 1963
في البحث عن زعيم الجو الركن جلال الاوقاتي تبرز مجموعة من المشكلات . أولها هل كان جلال الاوقاتي من الضباط الاحرار ؟وهل كان شيوعيا ؟وهل كان ولاءه للزعيم ولاء َ تاما ؟ ولماذا بقي هو والزعيم الركن احمد صالح العبدي موالين للزعيم الى آخر لحظة من حياته مع انهما كانا يختلفان معه إزاء بعض الامور ؟ .
فيما يتعلق بالموقف من الضباط الاحرار ؛ فزعيم الجو الركن جلال الاوقاتي لم يكن منتميا الى تنظيم الضباط الاحرار لكنه كان على مؤيدا له وعلى صلة وثيقة به ومن خلال (وصفي طاهر ) و(محي الدين عبد الحميد ) وهما من اعضاء التنظيم . لذلك ما ان نجحت ثورة 14 تموز 1958 حتى صدر البيان الرابع بعد ساعات قليلة وهو يحمل مرسوم تعيين قادة الفرق العسكرية الاربعة وعقيد الجو الركن جلال جعفر الاوقاتي قائدا للقوة الجوية العراقية وبقي في المنصب حتى سقوط النظام في 8 شباط 1963 .
وحول علاقته بالحزب الشيوعي ؛ فإن جلال الاوقاتي لم يكن منتميا للحزب الشيوعي ، وانما كان يساريا تقدميا دمقراطيا .ومن الطريف ان يذهب الاستاذ رفعت نافع الكناني في مقال له بموقع الحوار المتمدن بعنوان : ( العميد الطيار جلال الاوقاتي .. وموسوعة الحرة ( ويكيبيديا ) الى القول انه كان مؤمنا متدينا مواظبا على اداء الفرائض وخاصة فريضتي الصلاة والصوم وانه كثيرا ما كان يؤنب من يراه مفطرا في شهر رمضان وينصحه بإحترام الصائمين ومراعاة حرمة شهر رمضان وقد ربى اولاده على الاستقامة ، والخلق القويم .لكن هذا لم يمنعه من المجاهرة بمبادئه التقدمية وبميله للتحرر والتقدم حتى انه كان يردد خلال العهد الملكي امام الكثيرين ومنهم صديقه الطيار عمانوئيل إيشو مقولة :"كيفما كنتم يولى عليكم " . وقد ادت مواقفه اليسارية التقدمية هذه الى فصله من الجيش سنة 1954 وخلال فترة فصله اشترك في مؤتمر حركة السلم العالمي ، وبقي مفصولا حتى قيام ثورة 14 تموز 1958 التي اعادته الى الجيش وعينته قائدا للقوة الجوية العراقية .
ويشير ثابت حبيب العاني ، وهو من قادة الحركة الشيوعية في العراق ، في مذكراته الى ان الحزب الشيوي العراقي قبل ثورة 14 تموز 1958 كان على اتصالات مع الضباط الدمقراطيين ومنهم جلال الاوقاتي ، ومع الضباط القوميين ومنهم ناظم الطبقجلي .مما يؤكد – وهذا ما يقوله ولده جعفر – أنه لم يكن شيوعيا .وانما يساريا وطنيا تقدميا .
أما بالنسبة لولاءه للزعيم الركن عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة طيلة فترة حكمه 1958 -1963 فيرجع الى ايمانه بالمبادئ الوطنية والاخلاقية ، واعتزازا بالزعيم وردا لجميله في إعادته الى الجيش،وتعيينه قائدا للقوة الجوية العراقية .
ولكن هل كان جلال الاوقاتي راضيا عن تصرفات ومواقف الزعيم عبد الكريم قاسم ؟الجواب كلا .. انه وفي كثير من المناسبات لم يكن متفقا مع الزعيم وحاصة في مسألتين اولاهما إعدام الزعيم الركن ناظم الطبقجلي ورفاقه . وثانيهما موقفه من الحركة الكردية المسلحة في ايلول 1961 وضربه للاكراد . ومع هذا فقد ظل واقفا الى جنب الزعيم عبد الكريم قاسم ولم يصل الى حد التقاطع معه ولم يحدث بينهما اية حالة من الجفاء وربط مصيره به الى اخر لحظة من حياته وكان في هذا يعبر عن انضباطه العسكري وخصاله الشخصية القائمة على الاخلاص لوطنه ولمهنته ولشرفه العسكري .
وقد سمعت وقرأت للاستاذ حامد الحمداني في مقال له منشور في موقع ( الحوار المتمدن )انه قال مرة لأحد اصدقاءه ممن يأمن جانبهم :"ان الزعيم سوف يدمر نفسه ويدمر الشعب معه " .كما روى ولده الاستاذ جعفر في حوار مع قناة (الحدث ) الفضائية انه ظل مع الزعيم ليلة إعدام الطبقجلي يقنعه ويحاول ثنيه عن إعدام الطبقجلي ، لكنه فشل وعاد الى البيت . وقد بكى بكاءا مرا عندما سمع بتنفيذ الحكم صباح اليوم التالي .
ولد زعيم الجو الركن جلال جعفر الاوقاتي في سنة 1915 ( كما ورد في ملفته التقاعدية التي اعتمدتها هيئة كتابة التاريخ العسكري بمديرية التطوير القتالي بوزارة الدفاع في حين ان هناك من قال سنة 1914 ) في منطقة (الشواكة ) ، وهي من محلات بغداد العريقة من اسرة الاوقاتي الدينية العلمية المعروفة وتعلم في هذه المحلة السجايا والاخلاق الاصيلة ومنها حب الناس ، والتعفف ، والنزاهة ، والكرم ، والشجاعة ، والامانة ، والاخلاص للوطن .
بعد ان أكمل الدراسة الثانوية ، دخل الكلية العسكرية الملكية الدورة ( 12 ) ، وتخرج سنة 1934 وكان الاول على دفعته. وبين 1942-1943 التحق في لندن ليدخل دورة طيران خاصة في المملكة المتحدة وحصل على الاركان . ويعد من الرعيل الثاني للطيارين العراقيين . وقد عاد الى العراق وعمل لفترة في سلاح الجو الملكي ، وعُرف بكفاءته ووطنيته وشجاعته .
حقق للقوة الجوية العراقية الكثير من المنجزات .وكما هو معروف ، فإن القوة الجوية وبموجب اعلام ديوان وزارة الدفاع السري المرقم 306 في 23 تموز 1958 ارتبطت بعد انشاء (قيادة القوات المسلحة ) بمقر قيادة القوات المسلحة العراقية ويرأسها قائد القوة الجوية ويكون مسؤولا تجاه القائد العام للقوات المسلحة عن شؤون القوة الجوية ويحق له الاتصال بالمديريات الاخرى لوزارة الدفاع لغلرض تنفيذ واجباته .وكانت ترتبط بقيادة القوة الجوية آمريات القواعد الجوية في بغداد والحبانية والشعيبة والموصل وكركوك وجميع مؤسسات ووحدات القوة الجوية الاخرى ككلية القوة الجوية (كلية الطيران ) ومدرسة الصنائع الجوية ومدرسة تدريب الرادار وغيرها . وقد جمدت اعمال مقر آمرية الجحفل الجوي التعبوي بعد الثورة وارتبطت القواعد الجوية بمقر قيادة القوة الجوية مباشرة والغيت آمرية الجحفل الجوي التعبوي .
ويشير الاستاذ توفيق التميمي في مقال له بجريدة (التآخي ) البغدادية وفي العدد الصادر في 2 آذار –مارس سنة 2017 عن جلال الاوقاتي بعنوان : ( قربان الثورة التموزية وشهيدها الاول عميد الجو الركن جلال الاوقاتي ثالث قائد للقوة الجوية في التاريخ العراقي المعاصر ) الى ان القوة الجوية العراقية في عهد قيادة جلال الاوقاتي ، شهدت تطورات هائلة وخاصة في مجال توسيع الهيكل الاداري لها وازدياد أعداد اسرابها المقاتلة، كما شهدت القوة الجوية في عهده نقلة نوعية في تغيير العقيدة الجوية من الطيران الانكليزي لاسراب المقاتلات (الجبسي ماوث) و(اليسي ماوث )و(طائرات الفيوري النفاثة ) الى عقيدة طيارات الميك الروسية المقاتلة ميك( 15 و17 )واخرها ميك21.
وقد نشرت جريدة ( اللوموند ) الفرنسية 1994 مقالا اشارت فيه لماكان يتمتع به جلال الاوقاتي من نزاهة ، وعفة وظيفية من خلال القصة التالية : " عندما ترأس الاوقاتي وفدا عسكريا للاتحاد السوفيتي للتفاوض على شراء طائرات الميك الروسية ،رفض الاوقاتي شراء طائرات من نوعية سلاح الجو الذي زوده الروس للمصريين ايام عبدالناصر لعدم قناعاته به كطيار بنوعية الطيارات هذه وبرغم المرجعية اليسارية لافكاره ،الا انه في وظيفته كقائد عسكري كان يرجح مصالح بلاده على مصلحة الحزب والفكر والايدلوجية التي يؤمن بها ، وعندما عاد للفندق غاضبا وغير راض عن مسار المفاوضات مع الجانب الروسي ،اتصلوا به لاستئناف المفاوضات وتلبية ماراد من حيث النوع واسعار الطائرات .
وفي عهد قيادته للقوة الجوية اعيد تسليح السرب الثاني في سنة 1960 وجهز بطائرات سمتية (هليوكوبتر ) من طراز ( مي -4 ) السوقيتية الصنع ونقل الى بغداد لاغراض التدريب لكنه نقل بعد ذلك وبموجب كتاب قيادة القوة الجوية المرقم 327 في 27 كانون الثاني 1963 الى الحبانية لتصبح قاعدته الدائمة .ومن المعروف ان السرب الاول اسس في 22 نيسان 1931 في حين اسس السرب الثاني في 1 حزيران 1933 .اما السرب الثالث فأسس في 1 تشرين الاول 1934 وقد الحق الرف الملكي بغد ثورة 14 تموز 1958 بالسرب الثالث وكان يتألف من طائرتين احداهما من طراز (دوف ) والاخرى من طراز ( هرن ) . وقد تم استبدال تسليح السرب الثاني في عهد الاوقاتي وضمت طائرات (سسنا ) التابعة لهذا السرب الى السرب الثالث وتسلم السرب دفعة من طائرات (اي أن -2 ) الروسية الصنع .وفي سنة 1961 تسلم مجموعة من طائرات (اوكرانيا AN-12 ( الروسية الصنع .وفي سنة 1962 صدر أمر (سرب النقل ) فأطلق اسما جديدا لسرب المواصلات واصبح يسمى بسرب النقل .وثمة سرب رابع تأسس في 1 كانون الاول –ديسمبر 1937 واعيد تسليحه عدة مرات منها انه جهز بسرب من طائرات (فيوري ) 1952 واستمر الهكل بها الى سنة 1963 .وفي سنة 1959 اعيد تسليح السرب الخامس وجهز بطائرات (ميك -17 ) الروسية الصنع .اما طائرات (فنم ) فقد سلمت الى السرب الاول ونقل السرب بعدئذ الى كركوك حيث فتح مقره هناك في 31 اذار 1963 .وقد بدل تسليح السرب السادس بعد تسلمه طائرات (هنتر ) قبيل الثورة 1958 بقليل .لكن تسليح السرب السابع اعيد فتسلم في سنة 1960 طائرات (ميك -17 ) الروسية الصنع وبعد ان اكمل تدريبه على هذه الطائرات نقل الى كركوك لتكون قاعدته الدائمة . وقد اشترك هذا السرب في قمع الحركة الكردية المسلحة منذ 10 ايلول –سبتمبر 1961 الى 1 اذار –مارس 1964 .
وفيما يتعلق بالسرب الثامن فقد تأسس في 10 شباط –فبراير سنة 1960 بعد ان قررت ثيادة ثورة 14 تموز 1958 كسر طوق احتكار السلاح الذي فرضته بريطانيا على العراق طيلة عقود وتوجه العراق الى الاتحاد السوفيتي لاعادة تسليح القوات المسلحة ومن ضمنها القوة
وبموجب كتاب قيادة القوة الجوية المرقم (85 ) في 10 شباط 1960 . انشئ السرب الثامن في 10 شباط 1960 وسُلح بطائرات (اليوشن -28 ) التي وصلت الى القوة الجوية العراقية من الاتحاد السوفيتي السابق ،وهي قاصفات ذوات محركين نفاثين وكانت قاعدة السرب مطار الرشيد ببغداد . وفي 22 تشرين الاول –اكتوبر 1962 نقل الى قاعدة الشعيبة بالبصرة .
وتأسس السرب التاسع في 11 حزيران سنة 1961حسب كتاب قيادة القوة الجوية المرقم (304 ) في 21 ايار –مايو سنة 1961 وكان سربا مقاتلا نهاريا وسلح بطائرات من طراز ( ميك -19 ) السوفيتية الصنع واسكن قاعدة الرشيد ببغداد .واسهم ايضا في قمع الحركة المسلحة الكردية في الشمال من 1 نيسان –ابريل 1961 الى اذار –مارس 1064 .
وفي 13 كانون الاول 1962 انشئ السرب الحادي عشر وتم تسليحه بطائرات (ميك -21 .إف 13 ) الروسية الصنع وكانت قاعدته في معسكر الرشيد ببغداد وقد فتح المقر هناك يوم 18 كانون الاول 1962
ويروي ابن جلال الاوقاتي الثاني المهندس جعفر جلال الاوقاتي للاستاذ توفيق التميمي في بيته باليرموك شتاء 2014 بأن زوجته - في احدى زيارتها لاقاربها - التقت صدفة بالعقيد خليل ابراهيم الزوبعي معاون مدير الاستخبارات العسكرية بعد الثورة مباشرة ، فروى لها بعد ان عرف انها (كنة ) الاوقاتي بانه ذات يوم التقى عمها (الاوقاتي) قائلا له :" المعروف عنك يا ابا خالد بأنك يساري ،ولكن عندما كنت تفاوض الروس الشيوعيين كنت تفاوضهم بصعوبة وتحاسبهم على الفلس الواحد " ،فرد الاوقاتي على الزوبعي يقول : " ان الدينار العراقي الفائض الذي احصل عليه من المفاوضات ممكن ان نشترى به حذاء لفقير عراقي" .
وعند تسلمه القيادة كان على جلال الاوقاتي ان يختار لتسليح القوة الجوية بين العرض البريطاني للطيارات (هوكر هنتر الانكليزية) وبين (الميك الروسية) ، ففضل الاخيرة ،ليس لتناغمه مع الروس كفكر ومبادئ ،او تواطئ خفي معهم ،ولكن فضل العرض الروسي لأرجحيته الذي تتضمن برنامج تدريبي للطيارين العراقيين في موسكو ،ولان بعض اجزاء (الهوكر هنترالانكليزية ) اقل في عمرها الافتراضي من الميك، وعندما طلب الانكليز المفاوضون تفسيرا واسبابا مقنعة من الاوقاتي لتفضيله العرض الروسي عليهم ، اجابهم بهذه المقارنة واوضح لهم الاسباب بانها مهنية بحتة ، عندئذ ادركوا بأنهم يفاوضون ضابطاً وطنياً ومهنياً عالي الاحتراف وعنيد فحملوا حقائبهم وعادوا لبلادهم.
في تمام الساعة الثامنة والنصف صباحا من يوم الجمعة 8 شباط 1963 ، وبينما كان الاوقاتي خارجا من بيته مع ولده الصغير (علي ولم يكن عمره يتجاوز السنتين ) لشراء صحف الصباح والتسوق. وفي مكان قريب من داره في كرادة مريم ، وعند محل ابو طه اطلقت جماعة مسلحة بقيادة غسان عبد القادر ، وكان ينتمي الى حزب البعث ، عليه النار واردته قتيلا وكان مقتله اشارة للطيارين المؤيدين لانقلاب 8 شباط 1963 للانطلاق من قاعدة الحبانية والانقضاض على وزارة الدفاع والاستيلاء على المرسلات الاذاعية في ابي غريب واذاعة البيان الأول والبدء بالحركة واسقاط نظام حكم الزعيم عبد الكريم قاسم .
وقد تحدث ولده بتفصيل عن الحادثة .ومما قاله : أنه سمع، وأمه ، اصوات اطلاقات نارية قريبة من محل ابو طه ،ففزعت أمه لكنه طمانها بانها ربما ذلك صوت انفجار اطارات سيارة والده ( البيوك ) الامريكية فهي اطارات قديمة ومتهرئة ،ولكن ازداد قلق جعفر وامه بعدما تعالت اصوات الجيران واهالي المنطقة وهم يتجهون لمنزلهم ليرعبوهم بالخبر الصاعق لمقتل والده الذي ظل ينزف مقابل محل ابو طه .
نقلت جثته من قبل عناصر في ( الحرس القومي ) الى الطب العدلي ومن ثم اختفت ولايعرف أحد أين دفنت . ومنذ ذلك الوقت يسأل اهله عنها ولم يحصلوا على أي جواب رحمه الله وجزاه خيرا على ماقدم لوطنه .
يقول ولده جعفر :" لم افكر في تلك اللحظة العصيبة إلا باخي (علي ) الصغير الذي كان يرافق والدي ،فهرعت لمكان الحادث الاليم فوجدت اخي علي يصرخ باكيا وهو مازال في مقعد السيارة الخلفي حيث يبدو انه شهد الموقف كله" .
حمل جعفر اخيه علي عائدا للبيت وسط صراخ امه واخوته الصغار ومشاعر الجيران الحزينة بمقتل ابن محلتهم البطل الشجاع .
وبمقتله انتهت قصة ضابط عراقي كفوء ، وشجاع ، حمل هم وطنه وشعبه ، وظل حريصا عليه حتى آخر لحظة من حياته .. قصة يمكن ان تروي جانبا من مأساة شعب العراق وتعرضه لتأثيرات الصراع بين القوى السياسية المتصارعة على السلطة والنفوذ بغض النظر عن مصالح هذا البلد ومستقبله .
2952 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع