قاسم محمد داود
عيوب الديمقراطية :
يقول برنارد شو "من عيوب الديمقراطية أنها تجبرك على الاستماع الى رأي الحمقى ".اما افلاطون (427-347 ق.م ) فقد أعتبر الديمقراطية كفلسفة ونظام سياسي مثيرة لاقصى درجات الاعتراض المنطقي والعقلي ، ويدلل على ذلك بالمثال التالي :
"تخيل أنك في سفينة ضخمة على متنها عدد كبير من المسافرين ،بالإضافة الى قبطان وبعض البحارة الخبراء القادرين على قيادتها الى بر الأمان .وفي الوقت نفسه قرر الركاب أن يتبعوا نظاماً ديمقراطياً في قيادة السفينة ،بحيث يتم أخذ رأي الأغلبية في كيفية توجيه الدفة ومواجهة العواصف والامواج العاتية .وتبعاً لهذا النظام الجديد تولدت بعض المعضلات التي تهدد حياة الجميع .وبينما يستطيع بعض الركاب المجيدين للبلاغة والخطابة لكنهم غير خبراء بأمور الإبحار ،ان يوجهوا معظم الركاب للتصويت على قرارات غبية ،يفشل القبطان الخبير في إدارة السفينة في اقناع الناس برأيهِ فقط لأنه لا يمتلك قدرة كافية كالآخرين على الاقناع .سفينة كهذه في الغالب سوف تهوي الى أعماق البحر أو ستظل هائمة على وجهها الى ماشاء الله وسط الأمواج والعواصف ."
هذا يعني بعكس ما تفترضه الدساتير ان من حق كل مواطن ان يكون له رأي في الشؤون السياسية بغض النظر عن قابليته العقلية وتحصيله الدراسي ،وبهذا فقد اصبح السبيل الأهم لمستقبل سياسي ناجح يكمن في قابلية المرء على اقناع المواطن الجاهل وصار فن الخطابة ذو قيمة عالية دون غيره من المهارات .
اذا ما تركنا برنارد شو وافلاطون وحططنا الرحال في الزمن الحاضر فأن الديمقراطية بشكلها الغربي يعتبرها دعاتها وصفة سحرية لشفاء كل علل المجتمعات البشرية واكسير الحياة الذي سيعيد الشعوب الى المجال الإنساني ،هكذا سوقوا لنا منتجهم هذا وبكل الطرق ،جائنا مع وسائل الاعلام ومحمولاً على الدبابات وصواريخ التوما هوك وقنابل الطائرات كوسائل لتطبيق الديمقراطية ،لايهم حتى وان هُدمت المدن وقُتل الأبرياء وتيتم الأطفال وعمت الفوضى.
رغم ان الديمقراطية تدعو لتحقيق حكم الشعب لنفسه الا ان المتتبع لمسارها التاريخي الطويل الممتد لاكثر من الفين وخمسمائة عام يجد انها انتجت الكثير من الاضرار التي عانت منها الشعوب ،فمن خلالها استطاع هتلر الذي حكم المانيا وهو بالكاد كان قد حصل على جنسيتها وقام بحربه المدمره التي ازهقت أرواح ملايين الأشخاص ودمرت المدن هو وحليفيه الإيطالي موسليني والياباني هيروهيتو،
وبأسم الديمقراطية دمّرَ آل بوش العراق ثم فرضوا عليه الحصار واحتلوه ،هذه الديمقراطية لم تكن يوماً عائقاً امام الغرب لاحتلال الشعوب الأخرى وتدمير مجتمعاتها ونهب ثرواتها تحت مختلف الذرائع والحجج ، فالغرب يعتبر الديمقراطية سلعة خاصة به وله وانه من انتجها ولم ينفذ ابداً وعوده للشعوب الأخرى بمساعدتها للوصول الى حكم ديمقراطي حقيقي بل بالعكس كان يفضل التعامل مع الدكتاتوريات التي تحقق مصالحه مقابل حمايته لها .
لم يكن افلاطون وبرنارد شو وحدهم من انتقد الديمقراطية بل تبعهم الكثير من المفكرين، ويمكن تلخيص العيوب التي قيلت في النظام الديمقراطي بما يلي :
1- عندما تحدد فترة اربع سنوات لاجراء الانتخابات و تغيير الحكومة ما يدفعها للتفكير بكيفية الفوز في الانتخابات والعمل على سياسات كسب الناخبين بدل سياسات المنفعة كما ان سرعة تبادل المراكز الرئيسية في الدولة يؤدي الى عدم الاستمرار في التزام سياسة واحدة مدة كافية لتحقيق نتائجها بالإضافة الى ان عدم استقرار الوزراء وكبار الموظفين فيمناصبهم يغري بعضهم بأستغلال نفوذه للكسب السريع على حساب المجتمع .
2- القول بتمثيل البرلمان او الرئيس المنتخب للامة كلها هو في الحقيقة من الوهم والخيال اقرب منه للواقع ،فمن ناحية تمثيل الامة نجد أن أعضاء البرلمان لا يمثلون في الواقع إلا فئة قليلة من الناخبين لان نِسبة لا يستهان بها من أصوات النخابين لا تدخل في الحسبان ،وهم الذين امتنعوا عن المشاركة في العملية الانتخابية (في بعض البلدان كانت نسبة المشاركة في الانتخابات اقل من 15%) والذين أعْطَوا أصواتهم للمرشحين الذين لم يفوزوا في الانتخابات ،بالإضافة الى الأصوات الباطلة،اما في حالة فوز المرشح الرئاسي بنسبة 51%من أصوات الناخبين فهذا يعني ان هناك 49% من الشعب لايؤيد هذا المرشح ، واذا اضفنا عليهم عدد الممتنعين عن التصويت فأن الأغلبية رافضة لهذا المرشح .اما من ناحية ممارسة شؤون السلطة داخل البرلمان فانها تتمثَّل بدورها في اقلية بسيطة من عدد النواب ،لأنَّ اجتماعات مجلس النواب تُعتبر صحيحة في الغالب اذا ما توافر حضُور الأغلبية المطلقة لعدد الأعضاء (النصف +1 )، والقرارات بدورها تصدر بالأغلبية المطلقة لعدد الحاضرين ،أي ان أكثر قرارات المجلس تصدر بموافقة ما لا يزيد على رُبع عدد أعضائه . بالإضافة الى ماسبق فأن هذه القلة الحاكمة تخلع عليها كل صفات السيادة والسمو والعصمة من الخطأ واعتبار ارادتها معياراً للحقيقة المطلقة .
3- النظام الديمقراطي هو نظام تعددي يفتقر لأي نوع من الوحدة السياسية لانه يتطلب وجود أحزاب متعارضة في الأفكار والمصالح والاتجاهات مما يعتبر أداة انقسام في البلاد وسبب لجلب الضغائن والاحقاد وتاريخ العالم الثالث بما شهد من حروب أهلية وانقسام مجتمعي خير دليل على ذلك ،كما ان النائب المرتبط بحزب لا يعمل بموجب رايه هو انما يعمل بتوجيه من حزبه حتى لو تعارض مع الصالح العام ،وبذلك يكون الرأي لمجموع الشعب ،اما في حقيقته فهو رأي قلة من الشعب تمكنت من السيطرة على الحكم ،فالحزب مهما كان عدد أعضائه فهم ليس كل الشعب .
4- الديمقراطية لاتهتم بالخبرة والاختصاص في اختيار الوزراء وكبار المسؤولين أي انها لاتضع الانسان المناسب في المكان المناسب فتجد اغلب الوزارات يديرها وزير لا يملك التخصص او الخبرة بمهام الوزارة ،حصل على المنصب فقط لكونه ينتمي للحزب الحاكم،وهذا خطر كبير اذ لا يمكن ان يؤدي العمل باتقان من لا يعرفه، واذا تولى انسان رئاسة عمل لا يحسنه لا يستطيع متابعة المرؤوسين .
5- ينتهي دور الشعب في ممارسة السيادة ففي هذا النوع من الديمقراطية عند اختيار أعضاء البرلمان وكثيراً ما شعر الناخبين بالندم لهذا الاختيار عندما يظهر النائب على حقيقته دون تزويق وتسويق الدعاية الانتخابية ،ثم يستقل البرلمان بعد ذلك بممارسة حقوق السيادة وليس للناخبين عليه من سبيل طيلة المدة النيابية ، وهذا عكس ما تقضي به الديمقراطية الحقة من انها حكم الشعب .
6-تتخذ الأحزاب والجماعات التي لا تؤمن بالتداول السلمي للسلطة من هذا الشكل من الديقراطية سبيلاً للوصول الى الحكم عن طريق استغلال المشاعر الدينية والقومية ،وتطبق بعد ذلك منهجها الخاص بالحكم ولا تسمح بأي منافسة قد تخرجها من الحكم وهنا تصبح الديمقراطية وسيلة قيام الدكتاتورية والامثلة على ذلك كثيرة .
وفي الختام فالديمقراطية مثلها مثل غيرها من النُظم والفلسفات، فيها من العيوب كما لها من الحسنات وان تطبيقها يتطلب مستوى جيد من الفهم لأهدافها من قبل افراد المجتمع من حيث انها تحقق مبادئ الحرية والعدالة والمساواة وضمان الأمن الشخصي والاجتماعي والاقتصادي وترسيخ قيم الصدق والأمانة والتعايش السلمي ومشاركة الشعب مشاركة حقيقية في اتخاذ القرارات ، واحترام المال العام والمحافظة عليه وتحترم حقوق الانسان ،وبعكس هذا تكون الديمقراطية وسيلة للدمار بدل ان تكون سبيلاً للبناء .
1137 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع