عباس العلوي
بحث تأريخي :الناصرية بلد الحضارات والأبداع والجمال
النـاصرية : مدينةٌ مفردةٌ في جنسها ونوعها / تناغم فيها التاريخ والجغرافيا بعشق في لوحة جميلة عجز ان يأتي بمثيلها ليونارد دافنشي ومايكل انجلو او بابلو بيكاسو لتبقى بألوانها وسحرها الفاتن عجيبة المعالم / تتباهى بها الأجيال عبر العصور !
جغرافيتها : جمعت الاضداد كلها / ففي إطار الطبوغرافيا [عاصمة الصحراء العراقية ] لكنها بذات الوقت تبقى مدينة الجاموس والطيور والماء وأشجار القصب والبردي والمضايف السومرية / أما جبايشها الخالدة < فينيسيا العراق > فهي متحف طبيعي متحرك وسفارى مائية تربط العراق بالحضارات الانسانية السابقة !
ارضها الطيبة من بوادي وفلوات ومدن وقصبات وارياف وأهوار وانهار وبحيرات نفط عملاقة وكنوز أثرية لاعدّ لها ولا حصر مازالت مدفونة قد تغيّر من تاريخ الحضارات اذا رأت النور! مفردات تشد القلوب وتخطف الابصار لايمكن ان يجتمعان إلا في هذا المكان الذي ضمّ اول مدينة عرفها الأنسان !
تأريخ ضارب في الأعماق / يضع العقل في حيرة وذهول واعجاب / فيها ولد أبو الأنبياء
< النبي إبراهيم > عام 1805 ق / وبها انطلقت حضارة [ العُبيَد ] قبل 7000 سنة / وعلى ارضها قامت الحضارة السومرية في ممالك (اور، لجش، اوروك) / وشكلت جزءا ً مهماً من الحضارات (الاكدية، البابلية ،الآشورية) / بها تأسست اول مدينة في التأريخ [ اريدو ] كما شكلت بذات الوقت مع مدينة [ نفر ] العنوان الديني للحضارات الرافدينية المتعاقبة.
ومن ابرز الشواهد الدينية زقورة اور التي تقع على مسافة 18كم شمال غرب مدينة الناصرية [ 340 كم جنوب بغداد ] ذكر المؤرخون :
انها من اقدم المعابد / مستطيلة الشكل بأرتفاع 45 م / بناها مؤسس سلالة اور الثالثة في عام 2050 ق. م / كانت الدليل الأول على اعتناق الناس آنذاك لديانات واسعة لها أهمية في حياتهم تتكون الزقورة المذكورة من طبقات ثلاث / ارتفع فوقها معبد مخصص لعبادة كبير آلهة المدينة المسمّى [ سن ] ثم أصبحت في العهد الآشوري من سبع طبقات .
في المحصلة تبقى :
[ أريدو / أور / لارسا / أوروك ] صفحات عراقية مشرقة في تأريخ الحضارات البشرية القديمة المدينة الأستثنائية في كل العصور/ حظت بأسماء عديدة اقترنت بالظرف الذي مرّت به سميت بذي القار لانها تحتوي في ارضها مادة القار لكثرة استعمال القار في أبنيتها / وليس كما يُنسب خطا ً إلى معركة ذي قار فالمعركة المذكورة أخذت اسمها من المنطقة وليس العكس / كما أطلق عليها بلاد سومر في العصور القديمة / وواسط أيام الدولة الأموية / ثم البطائح في العصر العباسي / فالمنتفق في العهد العثماني نسبة إلى المنتفق بن عامر بن عقيل بن كعيب بن ربيعة / وأخيرا الناصرية < الحالية > عام 1870 ميلادية بناها على ضفاف نهر الفرات الأمير ناصر السعدون أمير إمارة المنتفق وسميت بأسمه / وفي إيضاح اكثر
قال المؤرخون :
اتفق الوالي العثماني مدحت باشا عام 1869 مع الشيخ ناصر باشا السعدون في تحويل مشيخة المنتفق [ المتكونة من اتفاق العشائر الثلاث : بنو مالك وبنو سعيد والاجود ] الى بناء حاضرة جديدة فيها بدافع تحقيق الأمن والاستقرار سُميت بالناصرية < على اسم الشيخ ناصر > فاختير لها موقع على الفرات في تخوم بحيرة [ أبو جداحة ] بسبب وجود مكامن فسفورية كبيرة واستدعي لذلك المهندس البلجيكي < جوليوس تيلي > فخطط المدينة المقترحة تخطيطا عصريا على غرار مدن اوربا بشوارع عريضة متقاطعة عموديا كما في رقعة الشطرنج / لتكون بذلك اول مدينة عراقية حديثة تبنى على الأسلوب الغربي / ثم اقام فيها صرحا فخما للحكومة / وعيّن ناصر باشا السعدون متصرفاً على اللواء .
*******
في مدينة الحبوبي [ العالم الفقيه والأديب المقاتل ] تفاعل الشقيقان < التاريخ والجغرافيا > في معلمين كبيرين هما :
اهوار الجبايش
أو كما تكنى < فينيسيا العراق > / الجبايش جمع ومفردها جبيشة وتعني جزيرة صناعية تسبح على صفحة ماء الهور تم التحضير لها بعناية / تتكون من طبقات الطمى والقصب والبردي التي يتم تكديسها فوق بعضها حتى تصبح على شكل جزيرة عائمة تبنى عليها ديار القصب أو الصرايف / ومن خلال مدونات السومريين قبل سبعة الالاف عام / نجدها كانت واحدة من طرق العيش .
وبين الماء والطين وحقول اشجار القصب الذهبية والسطح الأزرق الرقراق / تنتشر في فصل الربيع اسراب الطيور المهاجرة ذات الألوان الجميلة الزاهية قادمة من اقاصي بقاع العالم في مكوث مؤقت ترسم من خلال طيرانها هنا وهناك نقوشا فنية رائعة المنظر بألوانها الجميلة
وبوصف جميل رائع انشد الشاعر مجيد الخيون :
ياهور الجبايش لا تسد الشط
يامجمن سمج ريجان يتلعبط
يد هله وطين / فوك الطين ومسدي
حشيش اخضر / على الصوبين والبردي
اشحلات الصيد بيك / ودفعة المردي
حلوة شيلة الفالة / لبو سراج الشعل لاله
ياهور الجبايش لاتسد الشط
سوق الشيوخ
وهي من اكثر المدن العراقية ذات الانفتاح الاجتماعي والحضري الفاعلة في حركة الابداع الفكري والادبي والفني حتى كُنيت [ بنت النجف ] ! قال المؤرخون :
هي سومرية الأصل : وكان اسمها يوم ذاك [ سوق مارو ] أي سوق الحكيم ومن اطلالها الحاضرة [ ايشان ] لأنها تأسست في مرتفع من الأرض على إحدى [ اليشن ] السومرية وكانت ساحة لتبادل البضائع المختلفة!
سُميت بسوق الشيوخ لتكون مركزا تجاريا في المنطقة / اما لفظة الشيوخ يرجع لمؤسسها حاكم امارة المنتفق الأمير ثويني السعدون / دافعه في ذلك كان اقتصاديا وسياسيا بعد ان جعلها عاصمة لأمارة المنتفق / يؤكد هذا المعنى المؤرخ يعقوب سركيس بقوله :
ان سوق الشيوخ شيدت عام 1761 م لتكون مركزا ثابتا لشيوخ المنتفق .
أشاد االعلامة مصطفى جمال الدين < ابن هذه المدينة > بتاريخها العريق :
سوق الشيوخ وكم طويت بضاعة للمجد منه وكم نشرت متاعا
كم وقفة شهد العدو بفضلها فيها تجاهد عن علاك دفاعا
وصحائف منشورة في طيها أبدى جلالك للورى وأذاعا
فرخ البط عوّام!
الناصرية كانت ومازالت مدينة الشعر والعلم والادب والفن والفكر والابداع / لا يختلف في هذه الحقيقة اثنان / أنجبت رجالاً افذاذ ساهموا في بناء الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية والفكرية للعراق المعاصر وقد تحول بعض منهم الى صاحب مدرسة في أبداعه !
في العلوم الاسلامية : الشيخ محمد باقر الناصري / حسن الناصري / أسد حيدر
في السياسة : يوسف سلمان يوسف < فهد > زعيم حزب / فؤاد الركابي زعيم حزب / معاذ عبد الرحيم < اعلامي وسياسي مخضرم > / سامي فرج < كاتب سياسي > / عبد الغني الدلي < وزير سابق > / ناجي طالب < رئيس وزراء > / نعيم حداد < رئيس برلمان > .
خبراء متميزون : احمد موسى جياد < خبير نفطي > / كامل العضاض < خبير مالي وكيل وزارة سابق > / ضياء الحسن < مهندس استشاري وخبير سابق في الأمم المتحدة > / حسن الشكرجي < خبير موسيقى > .
في الشعر والادب والفكر : صلاح نيازي / إبراهيم سبتي / إبراهيم والي / احمد الباقري / قيس لفته مراد / بلقيس حميد السنيد / كاظم الركابي / عبد الرحمن مجيد الربيعي / عبد اللطيف إطيمش / عبد الحميد الصائح / شاكر الغرباوي / عريان السيد خلف / المفكر المغيّب عزيز السيد جاسم / زامل سعيد فتاح / خالد الشطري / والشاعر الكبير مصطفى جمال الدين !
مؤرخون : شاكر الغرباوي / عقيل الناصري
أطباء كبار : الدكتور صادق غني مقيم في المانيا / الدكتور طالب النداف مقيم في السويد وابنته سفيرة السويد في الأرجنتين حالياً / الدكتور فاضل الحبيب اخصائي في جراحة القلب / الدكتور إبراهيم العظماوي مدير مستشفي اليرموك سابقا مقيم حاليا في كندا
المسرح والتلفزيون : بهجت الجبوري / فاضل خليل / كاظم العبودي / محسن العزاوي
تشكيليون كبار : كاظم الداخل مقيم في السويد حالياً / عبد الحسين جولان / جواد السنجري / كامل السيد / حيدر الجاسم
مطربون ريفيون أصحاب مدارس خاصة : حضيري أبو عزيز / داخل حسن / ناصر حكيم
مطربون آخرون : حسين نعمة / ستار جبار / صباح السهل / طالب الفراتي
أخيرا : الملحن العراقي الكبير طالب القرغولي / او كما يلقبوه [ بليغ حمدي ] العراق وهناك العشرات بل المئات من المبدعين الآخرين لاتسع هذه العجالة لذكرهم .
من طرائف مقاهي الناصرية التي أوردتها مجلة الكاردينيا :
عندما كان الزعيم عبد الكريم قاسم [ في الفوج الثاني لواء 14 ] ومقره الناصرية / كان يرتاد < مقهى حبيب > / يجلس الزعيم بهذا المقهى الواسع الكائن في وسط المدينة مع ثلة من أصدقائه المقربين / من بينهم شخص اسمه راضي فيروز / في ختام الجلوس الطويل يذهبان معاً الى [ سبتي ابو الباجة ] لتناول الطعام / وعندما اصبح الزعيم رئيسا لوزراء العراق بعد ثورة 14 تموز 1958 / استدعى عدداً من أصدقائه القدامى في المدينة من المعروفين بالنبل والأخلاق العالية لتكريمهم .
طلب الزعيم حضور [ سبتي ابو الباجة ] لتكريمه / ذهب الأخير الى وزارة الدفاع وأثناء صعوده السلّم المؤدي الى مكتب الزعيم في الطابق العلوي صادفه الزعيم نازلا من السلم / عرفه وأراد ان يداعب سبتي الذي كان نظره ضعيفاً / قال له :
انت وين رايح يا رجل ؟ / اجابه بأرتباك دون ان يعرف السائل : انا ذاهب لمقابلة " كريم " !
هكذا لفظ الأسم مجرد من الرتبه العسكرية اوالمنصب !
اجابه الزعيم بضحكة عميقة
انا كريم / عانقه وأخذه من يده الى مكتبه !
عباس العلوي
السويد 25/ 5 /2017
1111 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع