من حكايات جدتي ...الحادية والخمسين

                                                

                       بدري نوئيل بوسف

من حكايات جدتي ...الحادية والخمسين
جمالها كان نقمة عليها... !

في هذا اليوم عادت جدتي من السوق، وقد اشترت دهن حر تحمله بيدها ملفوف بورقة، والجو بارد جدا وهذا البرد يسمى برد العجوز، وقد ظهر عليها التعب، وبعد ان استراحت قليلا حول المدفئة وأخذت نفسا، قالت:العراقيات في هذا الوقت (أي تقصد الخمسينات من القرن الماضي وما قبلها)، حينما يذهبن للسوق فهن يشترين من عند العطار الدهن والمعجون ويتم وضعه فوق گاغد (ورق) وتحمله المرأة بيدها ولا تضعه بالزنبيل كي لا يختلط بالمسواگ واقل كميه كان ممكن شراؤها هي الست دراهم اي ليس الدهن الذي يقابل قيمته أي سعره ست دراهم، بل ما يعادل وزنه ست قطع نقدية قيمتها درهم، يكون حيث وزن الدهن نصف الربع للكيلوغرام اي مائة وخمسة وعشرون غرام. للعلم الدرهم يساوي خمسون فلسا والدينار الف فلس.
عند المساء حدثنا جدتي عن برد العجوز، ويطلق على موجة باردة تأتي مع نهاية فصل الشتاء، ومطلع فصل الربيع وعدد أيامها سبعة أيام فقط، تكون اربعة أيام أواخر شباط وثلاثة أيام أوائل اذار، قبل هذا البرد  يسبقه عادة ارتفاع في درجة الحرارة يكون (خادعاً)، فيظن البعض أن البرد قد انصرف إلا أنه يعاود هجمته مجدداً مصحوباً برياح شماليه، أو شماليه شرقيه محملة بالغبار والأتربة وبعض الاحيان بالمطر، وهذا الطقس يؤثر خاصة على الأطفال وكبار السن وفي نهايته تسود الرياح الجنوبية أو الجنوبية الشرقية الدافئة، ثم تعقبها نسمات الربيع فتنشط الحشرات، وتكثر أمراض الحساسية بأنواعها، ويشار إلى أن سبب تسمية هذه الفترة بـ (برد العجوز)، ما قيل إنه كانت هناك عجوزاً أحست بالدفء فجزت صوف غنمها، ثم رجع البرد، مما أدى لنفوق كل الأغنام، وقيل لأن برده يؤثر على كبار السن والعجائز دون الفتيان، وقيل لأنه يأتي في عجز الشتاء أي آخره والعامة تسميها العجوز، وقيل إن سبب التسمية يرجع لعجوز عند العرب تكهنت بعودة الشتاء لأيام قلائل، أي أنه كانت هناك عجوز كاهنة من العرب تخبر قومها ببرد سيقع أواخر فصل الشتاء، سيتلف ماشيتهم، ولكن أبناء قومها لم يصدقوها، فحدث ما حذرتهم منه فعلاً، ونفقت الماشية وغيرها، وسميت الأيام المذكورة نسبة لها (أيام العجائز)، وكذلك يوجد مقوله معروفه ايضا تتعلق بهذه المناسبة ولكن بشرط ان يتبع هذا البرد اي في اليوم السابع زخات مطر قويه يقولون عنها: (غسلت شيبتها العجوز).
نعود لقصتنا اليومية: يحكى أن رجلا تزوج امرأة آية في الجمال، فأحبها وأحبته وكانت نعم الزوجة لنعم الرجل، ومع مرور الأيام اضطر الزوج للسفر طلبا للرزق، وقبل أن يسافر أراد أن يضع امرأته في أيدٍ أمينة لأنه خاف من جلوسها وحدها في البيت فهي امرأة لا حول لها ولا قوة، فلم يجد غير أخ له من أمه وأبيه، فذهب إليه وأوصاه على زوجته وسافر ومرت الأيام، وخان هذا الأخ أخيه فراود الزوجة عن نفسها إلا أن الزوجة أبت أن تهتك عرضها وتخون زوجها فهددها أخو الزوج بالفضيحة إن لم تطيعه، فقالت له: افعل ما شئت، فإن معي ربي وعندما عاد الرجل من سفره قال له أخوه على الفور: أن امرأتك راودتني عن نفسي وأرادت خيانتك إلا أنني لم أجبها، فطلقها الزوج من غير أن يتريث ولم يستمع للمرأة وإنما صدق أخاه فانطلقت المرأة، لا ملجأ لها ولا مأوى، وفي طريقها مرت على بيت رجل عابد زاهد طرقت عليه الباب، وحكت له الحكاية، فصدقها وطلب منها أن تعمل عنده على رعاية ابنه الصغير مقابل أجر، فوافقت وفي يوم من الأيام خرج هذا العابد من المنزل، فأتى الخادم وراود المرأة عن نفسها، إلا أنها أبت فهددها الخادم بأنه سينال منها إذا لم تجبه، إلا أنها ظلت على صمودها فقام الخادم بقتل الطفل وعندما رجع العابد للمنزل قال له الخادم بأن المرأة قتلت ابنه، فغضب العابد غضبا شديدا، إلا أنه عفى عنها، وأعطاها دينارين كأجر لها، على خدمتها له في هذه المدة وأمرها بأن تخرج من المنزل، خرجت المرأة من بيت العابد وتوجهت للمدينة فرأت عددا من الرجال يضربون رجلا، فاقتربت منهم وسألت أحدهم: لمَ تضربونه ؟ فأجابها بأن هذا الرجل عليه دين فإما أن يؤديه وإما أن يكون عبدا عندهم، فسألته: وكم دينه ؟ فقال لها: إن عليه ديناران، فقالت: إذن أنا سأسدد دينه عنه، فدفعت الدينارين وأعتقت هذا الرجل فسألها الرجل الذي أعتقته: من أنت؟ روت له حكايتها فطلب منها أن يرافقها ويعملا معا ويقتسما الربح بينهما فوافقت، فقال لها: إذن فلنركب البحر ونترك هذه القرية السيئة، فوافقت وعندما وصلا للسفينة أمرها بأن تركب أولا، ثم ذهب لربان السفينة وقال لها أن هذه جاريته وهو يريد أن يبيعها، فاشتراها الربان وقبض الرجل الثمن وهرب، تحركت السفينة بحثت المرأة عن الرجل فلم تجده ورأت البحارة يتحلقون حولها ويراودونها عن نفسها فتعجبت من هذا الفعل، فأخبرها الربان بأنه قد اشتراها من سيدها ويجب أن تطيع أوامره الآن فأبت أن تعصي ربها وتهتك عرضها وهم على هذا الحال، إذ هبت عليهم عاصفة قوية أغرقت السفينة فلم ينجو من السفينة إلا هذه المرأة الصابرة ،وغرق كل البحارة، وكان حاكم المدينة في نزهة على شاطئ البحر في ذلك اليوم ورأى هبوب العاصفة مع أن الوقت ليس وقت عواصف، ثم رأى المرأة طافية على لوح من بقايا السفينة فأمر الحرس بإحضارها الى القصر ، أمر الحكم طبيبه بالاعتناء بها وعندما أفاقت، سألها عن حكايتها فأخبرته بالحكاية كاملة، منذ خيانة أخو زوجها إلى خيانة الرجل الذي أعتقته فأعجب بها الحاكم وصبرها وتزوجها، وكان يستشيرها في كل أمره فلقد كانت راجحة العقل سديدة الرأي وذاع صيتها في البلاد ومرت الأيام، وتوفي الحاكم الطيب واجتمع أعيان البلد لتعيين حاكم بدلا عن الميت، فاستقر رأيهم على هذه الزوجة الفطنة العاقلة فنصبوها حاكمة عليهم، فأمرت بوضع كرسي لها في الساحة العامة في البلد، وأمرت بجمع كل رجال المدينة وعرضهم عليها وبدأ الرجال يمرون من أمامها، فرأت زوجها فطلبت منه أن يتنحى جانبا، ثم رأت أخو زوجها فطلبت منه أن يقف بجانب أخيه، ثم رأت العابد فطلبت منه الوقوف بجانبهم، ثم رأت الخادم فطلبت منه الوقوف معهم، ثم رأت الرجل الخبيث الذي أعتقته فطلبت منه الوقوف معهم، ثم قالت لزوجها لقد خدعك أخوك فأنت بريء، أما هو فسيجلد لأنه قذفني بالباطل ثم قالت للعابد لقد خدعك خادمك فأنت بريء، أما هو فسيقتل لأنه قتل ابنك، ثم قالت للرجل الخبيث أما أنت فستحبس نتيجة خيانتك وبيعك لامرأة أنقذتك.
( كنا عدكم وجينا لو كان عندي حمل زبيب لوزعته على المستمعين).

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

2190 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع