بقلم لواء الشرطة الحقوقي
محي الدين محمد يونس
شطارة محامي وشروط المحامي الناجح
يمكن للكثيرين أن يحصلوا على شهادة كلية القانون تجيز لهم ممارسة مهنة المحاماة ولكن هذا لا يعني بأن كل واحد من هؤلاء سوف يصبح محامياً ناجحاً , فالمهن ومنها مهنة المحاماة تعتمد على توفر جانبين أساسيين فيها وهما(الجانب الشكلي والجانب الفني).
والجانب الأول نعني به هو توفر عدد من الشروط الأساسية التي تجيز له ممارسة هذه المهنة من حيث حصوله على شهادة جامعية من كلية القانون وانتسابه إلى نقابة المحامين والتدرب على أصول ممارسة المهنة
أما الجانب الفني نقصد به كفاءة المحامي الذاتية وسعة إدراكه والتجارب التي اكتسبها في مضمار عمله ومن الوقائع العملية وبناء الاستنتاجات عليها واستخلاص الحقائق والطرق التي تمكنه من خلق القناعة لدى المحكمة في تأييد وجهة نظره في إدانة المتهم أو الإفراج عنه
هذه الحكاية ارويها عن أحد المحامين لأعزائي القراء للوقوف على مدى قوة سرعة الخاطر والتصرف بحكمة لديه لمصلحة موكله بشكل لا يستطيع خصمه أن يراها ويظهرها في الوقت المناسب من أجل النجاة به وتخليصه مما هو فيه من مشكلة عواقبها وخيمة عليه.
شك (م. ع) بسلوك زوجته (س.ح) من خلال تصرفاتها وأيقن بوجود علاقة لها بأحد الأشخاص (ف.ك) فأخذ يراقبها ويحصي خطواتها وسلوكها لغاية توصله إلى موعد لقائهما في داره عندما كان غائباً عنه ومفاجئتهما سوية ومعه البعض من أقاربه .
اكتفى الزوج بإقامة دعوى الزنا على زوجته وشريكها في الجريمة وكان قرار قاضي التحقيق بعد تدوين إفادة الزوج المشتكي والشهود يقضي بتوقيفهما واستمرا في التوقيف لمدة تقارب الشهر والنصف وكان المتهم (ف.ك) متمكن مادياً فأوكل أحد المحامين من المشهود لهم بالخبرة والشطارة.
حاول المحامي كمرحلة أولى إطلاق سراحهما بكفالة وهذا ما تحقق له وكان قبل ذلك قد خطط في ذهنه وهو الضليع في القانون والعليم بتحليل مقاصده وانتقاء ما يستفاد منه لمصلحة القضية التي يترافع فيها.
قبل إصدار قاضي التحقيق قراره بإطلاق سراح المتهمين اتفق مع المتهمة (س.ح) زوجة المشتكي على تنفيذ ما خطط له طالباً منها في يوم إطلاق سراحها مراجعة زوجها ليلاً والطلب منه إيوائها تلك الليلة لكونها من محافظة أخرى ولا تستطيع السفر إلى أهلها في هذه الليلة لبعد المسافة وكان الزوج بعد تصرف زوجته وخيانتها له قد باع أثاث منزله وسلم الدار المستأجرة لصاحبها بالرغم من محاولات الزوج طرد زوجته وطلبه منها عدم مراجعته مرة ثانية ووسمها بالخيانة والسلوك الشائن إلا أنها استمرت في الإلحاح عليه في طلب تأمين مأوى لها وسترها مما حدا به أخيراً إلى أن ينصاع لتوسلاتها وإلحاحها ويصطحبها إلى أحد الفنادق والمحامي يراقب ما يجري عن كثب وفي الخفاء.
في صباح اليوم التالي راجع المحامي مبكراً الشخص الجالس في استعلامات الفندق والموكل إليه الإدارة طالباً منه باعتباره قريباً للنزيل (م. ع) دفع مستحقات نوم النزيلين لتلك الليلة في أول الأمر اعترض هذا المناوب في استلام المبلغ إلا بعد موافقة النزيل إلا أن المحامي وبأسلوبه الخاص وشطارته في الإقناع استطاع الحصول على وصل باسميهما بالمبلغ المستحق عن مبيت الاثنين في الفندق عن تلك الليلة ولدى نزولهما ومراجعة النزيل المذكور لغرض دفع الحساب أبلغ بأن شخصاً حضر صباح هذا اليوم ادعى القرابة منهما قد سدد ما عليهما من مبلغ لصالح إدارة الفندق ولم يهتد الزوج أو يتوصل إلى هوية هذا الشخص بالرغم من سؤاله وتفكيره العميق لغاية يوم المرافعة في القضية حين تفاجأ بأقوال المحامي المنتدب للدفاع عن المتهمة زوجته وشريكها في الجريمة حينما وجه كلامه للقاضي الناظر في هذه القضية قائلاً: (( إن هذه الدعوى منقضية – منتهية- واطلب من المحكمة إيقاف السير فيها لهذا السبب )) وعندما استفسر القاضي منه عن كيفية انقضاء هذه الدعوى مستغرباً من كلام المحامي والذي أجابه قائلا:
((سيادة القاضي .... الدعوى منقضية بسبب مراجعة الزوج (م. ع) لزوجته (س.ح) وحسب أحكام الفقرة (1) من المادة 279 من قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 المعدل ))
وعندما استفسر القاضي من المشتكي: (( هل راجعت زوجتك طيلة الفترة بعد إقامتك الشكوى عليها وعلى شريكها في الجريمة))
أجاب المشتكي: (( كلا لم أراجعها)).
عندها أخرج المحامي وأبرز وصل مبيت الاثنين في الفندق في الليلة المذكورة سالفة الذكر وسلمه للقاضي هنا أدرك الزوج وتوصل إلى هوية الشخص الذي دفع أجور مبيتهما في الفندق في تلك الليلة .
استفسر القاضي من المشتكي عن أسباب إنكاره لمعاودته لزوجته بعد اطلاعه على وصل دفع أجور الفندق لتلك الليلة والمدروج فيه اسميهما.
المبررات التي أوردها المشتكي في ذكر تفاصيل مراجعة الزوجة له وتوسلها به يوم إطلاق سراحها جعلته يتعاطف معها لإيجاد مكان لإيوائها لا غير وأنه لا يعتبر ذلك مراجعة لها , هذه المبررات لم تكن كافية وغير مقنعة للمحكمة التي قررت إصدار قرار بانقضاء الدعوى وغلقها.
واستكمالاً لفائدة القارئ العزيز ندرج أدناه المواد القانونية الواردة في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل فيما يخص جريمة الزنا وبعد ذلك نعرج على ذكر الشروط التي يستحسن توفرها في المحامي الناجح مسترشدين بما ذكره الأستاذ المحامي (علي السويلم) في هذا المجال, ولكنني وقبل ذلك لا بد لي من أن أنوه إلى أن المحاماة رسالة نبيلة وسامية الأهداف والمقاصد إلا أننا نلاحظ الكثير من السادة المحامين يركزون في عملهم على الجانب المادي البحت والبحث عن كل الطرق والسبل الكفيلة بتحقيق هذه الغاية وترك القيم ومبادئ العدالة والضمير جانباً.
مواد قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل فيما يخص جريمة الزنا :
المادة 277 :
((1- تعاقب بالحبس الزوجة الزانية ومن زنا بها ويفترض علم الجاني بقيام الزوجية ما لم يثبت من جانبه أنه لم يكن في مقدوره بحال العلم بها.
2- ويعاقب بالعقوبة ذاتها الزوج اذا زنا في منزل الزوجية)) *
المادة 278:
(( 1- لا يجوز تحريك دعوى الزنا ضد أي من الزوجين أو اتخاذ أي إجراء فيها إلا بناء على شكوى الزوج الآخر, ولا تقبل الشكوى في الأحوال التالية:-
أ-إذا قدمت الشكوى بعد انقضاء ثلاثة أشهر على اليوم الذي اتصل فيه علم الشاكي بالجريمة
ب-إذا رضي الشاكي باستئناف الحياة الزوجية بالرغم من اتصال علمه بالجريمة
ت-إذا ثبت أن الزنا تم برضاء الشاكي
2- يقصد بالزواج في حكم هذه المادة من تتوافر فيه هذه الصفة وقت وقوع الجريمة ولو زالت عنه بعد ذلك ويبقى حق الزوج في تحريك دعوى الزنا الذي ترتكبه زوجته إلى انتهاء أربعة أشهر بعد طلاقها.))
المادة 279:
((1- تنقضي دعوى الزنا ويسقط الحق المدني بوفاة الزوج الشاكي أو تنازله عن محاكمة الزوج الزاني أو برضا الشاكي بالعودة إلى معاشرة الزوج الزاني قبل صدور حكم نهائي في الدعوى, ويعتبر تنازل الزوج عن محاكمة زوجته الزانية تنازلاً عن محاكمة من زنا بها ..
2- والزوج كذلك أن يمنع السير في تنفيذ الحكم الصادر على زوجته , وإذا توفي الشاكي يكون لكل من أولاده من الزوج المشكو منه أو الوصي عليهم أن يمنع السير في تنفيذ الحكم ))
المادة 280:
(( كل زوج حرض زوجته على الزنا فزنت بناء على هذا التحريض يعاقب بالحبس))
شروط المحامي الناجح:-
1- الصدق والأمانة :
إن الصدق والأمانة يفترضان بالمحامي أن يتجنب أثناء ممارسة عمله كل تشويه للحقيقة بما يتنافى وحمل الأمانة العلمية والأدبية . وأن لا يدع سبيلاً أمام رغبته في ربح الدعاوى إلى استعمال وسائل تتنافى والأخلاق.
إنما لا يعيب المحامي أن يعتمد أقوال موكله ، ولكن عليه أولاً أن يحاول استجلاء الحقيقة كاملة من موكله ثم يخبره بكل صراحة عن موقفه من الدعوى ونسبة نجاحها . فإذا ما ظهر من الموكل نية في استعمال وسائل غير مشروعة أو منافية للأخلاق ، يجب على المحامي إرشاده وإخباره بموقفه المنافي للأخلاق ويجب عليه أن لا يتردد في التخلي عن الدعوى إذا ظهر من الموكل إصراراً على استعمال هذه الوسائل ( وهذا ما قضت به المادة /82/ من النظام الداخلي لقانون المحاماة ( .
2-النزاهة :
يفترض بالمحامي أن يتحلى بالنزاهة أثناء قيامه بممارسة مهنته ، والنزاهة تستوجب عدم قيام المحامي بالأعمال التي تخل بالإدارة القضائية كاستخدام الرشوة التي تضع المحامي أمام المساءلة القانونية ناهيك عن المساءلة الأخلاقية ، من خلال كسب دعوى غير مشروعة إضافة إلى إفساد الجهاز القضائي ( المادة /87/ المرجع السابق ) . فالمحامي رجل قانون ومن باب أولى أن يتوخى احترام القانون والنظام .
3- الشرف والاستقامة :
على المحامي أن لا ينحرف ولا يشذ عن السلوك القويم والأخلاق ، بل يجب عليه أن يكون مثالاً يحتذى به . فأول واجبات المحامي في التمسك بالشرف والاستقامة هو عدم الإساءة إلى مركز موكله القانوني من خلال الاتصال بالخصم دون علم الموكل وموافقته ( نص المادة /91 / المرجع السابق)
أو تقديم المساعدة أو المشورة الحقوقية لخصم الموكل ( نص المادة / 70 / من قانون تنظيم المهنة) .
4- اللباقة و الأدب :
يتوجب على المحامي أن يلتزم اللباقة والأدب في جميع أعماله وخاصة في المحكمة خلال كلامه وحركاته وأسلوب مخاطبته القضاة أو الخصوم ، وأن تكون عباراته مهذبة وموزونة وعليه أن يتجنب العبارات المبتذلة ، فكلامه يحتسب عليه .
وإذا جاءه أحد المتقاضين بعد أن يكون قد ترك مكتب محام زميل له ، فعليه أن يستوضحه عن أسباب هذا الترك وأن يخبر الزميل المذكور ويسأله عما إذا كان قد قبض أتعابه من الموكل ... قبل قبول الوكالة (هذا ما قضت به المادة / 101 / من النظام الداخلي)
5- الدماثة :
يجب على المحامي أن يتحلى بالصبر ودماثة الخلق ، وأن لا يضن بسمعه على صوت بائس فيواسيه ويقف إلى جانبه ، كي يبعث الطمأنينة في نفس طالب العون ويزرع الثقة فيها من جديد ، فيشعر بالراحة من كلام المحامي وبفضل مراجعته له.
وقد سمى بييرو كالاماندري مهنتي الطب والمحاماة ( بالحرف الخيرية ) ، بسبب ممارسة الأطباء والمحامون طقوساً من التضامن الاجتماعي في مواساة البؤساء
*تم تعديل الفقرة رقم 2 من المادة 277 من قبل برلمان إقليم كردستان العراق وتم فيه مساواة الزوج بالزوجة من حيث مكان ارتكاب الجريمة.
857 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع