د.سعد العبيدي
إجازة في الوقت بدل الضائع: أصل الفكرة
رَنَ جرس الهاتف بنغمته العادية في ساعة متأخرة من ليل شباط، لا يدرك فؤاد فرق التوقيت ثلاث ساعات بين بغداد والسويد، أو بالأحرى لا يأبه، فهو صديق نصف قرن لم تُخَرِب الطائفية جدار صداقته، ولم تغير السنين قدرته في التخفيف من شد المناكفات، عارضاً فكرة التمتع بإجازة الى تايلند، وهناك عرض لتذاكر هي الأرخص أوائل نيسان. مؤكداً بلغة لا تخلو من المرح:
- ستُذَكرنا متعٌ وضعتها سني العمر في خلايا المكبوت، وأحَلَتْ مكانها تجليات هموم الهجرة والشتات.
قلت لم لا، وقد شاهدت نصف هذا العالم وأحلم بمشاهدة نصفه الآخر. وأدرت وجهي صوب الشباب الذين عادة ما يُدلونَ بدلوهم في مثل هكذا أمور تخص الآباء، سنن حياة واتجاهات صراع بين الأجيال، فتَرَكتُ الحبلَ لهم على غاربهِ ليدلون بما يشعرون ويريدون.
وقف الأصغر مثل خطيب جامع يئمه غلاة قائلاً:
- أوَلَا تعلم أن تايلند التي جعلتها قبلتك في الاجازة، ماخور كونه الامريكان للترفيه عن جنودهم ابان حرب فيتنام، وتركوه للعرب المسنين. قلت:
- نعم أعرف هذا، وأعرف أن بلادنا العربية باتت مواخير أفكار تهتك فيها أعراض عقولنا البكر كل يوم ألف مرة، وأعرف أيضا عدم وجود حد فاصل للإثم بين النوعين من المواخير.
رد الأوسط قائلاً:
- دعك من التكهن واشبع رغبةً في داخلك للاطلاع، أنا مثلك أسعى جاهداً للاطلاع، الفرق بيني وبينك في أني مغرم أفتش عن ذاتي في الطبيعة، أتسلق جبلاً وأخيم في غاب، وأنت تفتش عن نفسك في عقول الأقوام.
تلفتُ من حولي، تذكرت حاجتي لسماع لويذاء، الابنة البكر، تأسفت غيابها حيث تعيش عاماً وسط غابات الأمازون تفتش بين قبائل بدائية هناك عن أصل النسخ الوارد للأرواح، وكيفية انتقالها طاقة لا تفنى من انسان لآخر، وعن صحة رؤيا تظهر في جلسات التنويم المغناطيسي من أنها كانت فتاة أندلسية ماتت هناك.
وقفت الزوجة الحبيبة، ختمت أطراف النقاش بقولها:
- رُبع عمركَ قضيتهُ سفراً، وربعهُ الآخر دراسةً وبحثاً ومثله حرباً وعملاً في أكثر من مجال، وما تبقَّ من حصتي الأقل من الربع أتبرع بها لإكمال مشوارك في التفتيش عن ذاتٍ سوف لن تجدها سوى في بيتنا الهادئ هذا وان كان شقةً صغيرة، وفي كتابٍ تقرأه وجهاز حاسوب يشغلك عنا.
سأنتظر عودتك بشوق.
٤/٤/٢٠١٧
1067 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع