د.سعد العبيدي
العراق وسبل مواجهة جيل الارهاب الثالث
وان كانت مؤشرات السياسة والقدرة والنفوذ، تدفع الى التوقع بأن داعش الجيل الثاني للإرهاب بعد القاعدة جيله الأول، ستنتهي في العراق ومن ثم في سوريا، لكن نهايتها المتوقعة غير البعيدة عن الآن تضعنا نحن العراقيين أمام سؤال حتمي ألا وهو:
هل بنهاية داعش سنبدأ مرحلة انفراج أمني واستقرار يؤهلنا للشروع في البناء الجدي الصحيح، أم أن النهاية ستكون بطريقة أو بمعطيات قادرة على تأسيس جيل جديد من الارهاب بتسميات أخرى وايديولوجيات أخرى ترتبط أيضا بالتطرف الفكري الاسلامي؟.
إن الاجابة على هذا السؤال منطقياً تحتم النظرة الى بعض المتغيرات ذات الصلة بالموضوع، نظرة واقعية وبضوئها يمكن القول أن العالم الغربي الأقوى في تحديد ورسم السياسة في منطقتنا (أحد أقطاب معادلة انتاج الاحداث ووسائل الضغط والتأثير) وان أعلن توجهه لمحاربة داعش والقضاء عليها وهو جاد فيما يقول، لكنه ومن جانب آخر لم يتجاوز استراتيجيته في استمرار بقاء المنطقة التي من بينها العراق بؤرة توتر، لتحقيق أهداف بعيدة ذات صلة بالتوازن والنفوذ والاقتصاد والنفط والبقاء الاسرائيلي الآمن، الى حين يغير أبناء المنطقة نهج تفكيرهم الثوري المتطرف في التعامل مع تلك الأهداف وغيرها القريب منها، ويقبلوا الواقع المنتج ويقتربوا من العالم الآخر في العيش والتفكير والتحضر ويتعاملوا معه برؤيا المصالح المتبادلة وبهدوء. والى أن يتحقق هذا سيبقى التوتر أداة ضغط على أبناء المنطقة، محتمل بقدر عالٍ، وسيبقى انتاج جيل ارهاب جديد محتمل أيضاً.
لكن إنتاج التوتر أو الاستقرار من أية جهة في العالم، ومهما بلغت من الامكانيات وقوة التأثير لا يأتي سهلاً ولا يتحقق عن طريق الأوامر والرغبات وبعض التحركات، بل ومن خلال التفاعل مع عوامل أخرى بينها أو أهمها البيئة الاجتماعية المحلية (القطب الثاني من المعادلة)، وبصددها نرى أن الأفكار الطائفية المتطرفة التي أسس عليها الدواعش في اجتياحهم مناطق من العراق لم تتغير كثيراً، وما تبقى منها له القدرة النفسية على انتاج أجيال أخرى بدوافع الانتقام والعدوان، وما تركته داعش من فهم خاطئ للدين وأحقاد عند البعض من أهل تلك المناطق فيها الكثير من الأفكار غير المتوافقة مع معطيات الاعتدال اللازمة لمجتمع عراقي مستقر. ووجودها أعلى سطح الذاكرة القريبة يجعلها من بين عوامل انتاج الارهاب بأجيال ثالثة وربما رابعة وباحتمالات ليست قليلة.
وفي الجانب المقابل من المجتمع العراقي، لم يتغير المواطنون بالقدر الكافي للاستيعاب والتسامح والتواد والمشاركة في العيش والحكم والتعاون لتفكيك التطرف، وهذه عوامل مضافة ترجح انتاج أجيال أخرى من الارهاب.
ومع هذا فان العراق القطب الثاني في المعادلة لم يخسر فرص الحيلولة دون انتاج الجيل الثالث، والوقت مازال متاحاً لأن يمنع حصوله باقتدار أذا ما تحركت الحكومة والأبناء معاً، تحركاً سريعاً لتبديد مشاعر الحيف والعدوان عند أبناء المناطق المذكورة، والتخفيف من شدة الانفعالات والأفكار السلبية في العقول، والشروع من جانبهما بالتسامح والمبادرة في اعطاء الجانب الآخر في معادلة التوازن المحلي أكثر من استحقاقاته، والاقتراب التفاهمي من الغرب، وارساء قواعد صحيحة للديمقراطية.
عندها فقط ستطوى صفحة الارهاب وسيتحقق النماء، وسنتذوَّق طعم الاستقرار المفقود منذ العام ١٩٥٨.
1712 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع