بقلم محي الدين محمد يونس
إن معظم الأشخاص من الذين يشكون من ضعف ذاكرتهم في الحقيقة لا يحتاجون إلا إلى معرفة كيف يستطيعون الاستفادة من ذاكرتهم واستخدامها كما يجب، إن الكثير من الأشياء التي نسيناها هي في الواقع أننا لم نلتفت إليها في أول الأمر ولم نلاحظها جيداً ولم نتعلمها بصورة صحيحة ولم نحاول أو نصمم على تذكرها واستيعابها في الوهلة الأولى بالإضافة إلى تجاهلنا العوامل والعناصر الأساسية التي لها دور وتأثير في تقوية الذاكرة والتي سنأتي على ذكرها بعد تعريف القارئ الكريم بالذاكرة وكيفية عملها.
الذاكرة: هي قابلية الاحتفاظ في الذهن بالأمور والظواهر بعد استقبالها من الإدراك عن طريق إحدى الحواس.
وللذاكرة ثلاث أدوار هي:
1.استقبال وانطباع الأثر وهو المرحلة الأولى للذاكرة عند استقبال أثر الشيء أو الوقائع المدركة بطريق الحواس
2.خزن واستحضار الأثر وفي هذه المرحلة تجري إعادة تصوير أثر الشيء أو الوقائع المدركة بالحواس في الذاكرة.
3.استرجاع وتطابق الأثر ومعناه تطبيق الأثر الذي استحضر على الشيء أو الوقائع السابقة إدراكها منه.
والنسيان ظاهرة نفسية طبيعية ومفيدة في بعض الأحيان إذ أنه يوفر لنا تجاوز الذكريات المؤلمة والحزينة التي إذا ما بقيت في أذهاننا فلربما قلبت حياتنا إلى ألم دائم، ففقدان الوالدين أو الأبناء أو الحبيب أو صديق عزيز أو تعرضنا لخسارة مالية قد تجعل الدنيا سوداء في عيوننا ما لم ننساها.
ولكن إذا أصبح النسيان ظاهرة دائمة فإنه تحول إلى مرض نفسي يعبر عن حالة لا شعورية ويخلق لدى الإنسان انطباعاً مفاده أن ذاكرته أصبحت ضعيفة وهذا الادعاء في غير محله إذ لاحظنا العوامل الآتية التي تشكل أساساً للذاكرة الجيدة.
1-الانتباه:
إن أول سر من أسرار الذاكرة القوية الجيدة هو الانتباه نحو الشيء الذي نريد أن نحفظه ونتذكره بعدئذ، فكلما كان انطباع الشيء الذي في عقولنا قوياً أصبح تذكره سهلاً وسريغاً عند الحاجة لاستعادته، وقد لاحظ الفيلسوف (أرسطو) الذي لم يعرف عن فسلفة الدماغ مثلما نعرف إلا أنه لاحظ ملاحظة دقيقة جداً عندما قال: (( إن العقل يشبه لوحة من الشمع فإذا كان الطبع فيها عميقاً بالانتباه اللازم والصحيح فإننا نستطيع تذكره جيداً)) ، وهكذا يوضح لنا لماذا أن الأشخاص الكبار في السن يمكنهم أن يتذكروا أشياء أو حوادث وقعت لهم قبل خمسين أو ستين سنة ولكنهم مع ذلك ينسون أشياء قيلت لهم قبل دقائق, وسبب ذلك ليس لأن العقل لا يستطيع أن يتذكر ولكنه يعني بأن العقل في العمر الكبير لا يتقبل أو يستلم الانطباعات بمثل السهولة التي كان يقوم بها في العمر الصغير الباكر لأن الشمع قد أصبح صلباً نوعاً ما في زمن الشيخوخة ولا يمكن الطبع عليه بسهولة.
2-التركيز:
إن الكثير من مشاكل وصعوبات الذاكرة ينشأ عادة من عقلنا عندما يكون في حالة شرود ونحاول أن نعمل الانطباع في عقولنا وهذا يعني بأن الطبع غير الذاكرة الواهية الضعيفة أو التذكر غير الواضح , وإن عدم التركيز قد يصبح عادة لنا فعلينا أن نستبدله بعادة التركيز , وهناك شكوى نسمعها من معظم الناس (( إن ذاكرتي للأسماء ضعيفة)) وهذا يعني في الغالب أن الشخص قد اعتاد على سماع الأسماء بدون الانصات اللازم إليها ، وقد يكون الوجه أو طريقة البدء بالكلام أو شكل ولون لباس الناس الذين ينطبعون في ذاكرتنا، هي التي تفعل الانطباعات العميقة , وهذا الموقف بصورة اعتيادية وغير شعورية يصبح الطريقة المتبعة لنا في تعاملنا أو في علاقتنا مع الآخرين وهو موقف عدم التركيز وعدم الانتباه إلى الأسماء، وعندما نغير هذه العادة ونقوي التركيز على الأسماء فإن صعوبتنا في تذكرها ستتلاشى وتزول.
3-الترابط:
هو عامل مهم في تدريب الذاكرة الجيدة فإذا استطعنا أن نربط في عقولنا فكرة غير اعتيادية او كلمة غير مألوفة ومعروفة لدينا فإن الفكرة أو الكلمة غير المألوفة سيكون لها حظ أكبر وفرصة أقوى لتذكرها أو استعادتها فقد ترى أحد معارفك ((ربما زميلك في الدراسة)) في موقف غير اعتيادي (في المدينة) ولا تستطيع أن تتذكر اسمه وفيما بعد في موقف اعتيادي (المدرسة مثلاً) يقفز الاسم إلى ذاكرتك, وما حدث هو أن المدرسة هنا تقوم بدور (المذكر) والتواجد في المدرسة هو (منبه) التذكر و الاسترجاع يتوقف على هذه المنبهات وهي قد تكون (كلمة ، فكرة، مكان، صورة) فإذا كانت هذه المنبهات موجودة أثناء الاستقبال يكون أسهل.
4-التنظيم:
إن حشر الحقائق في الذاكرة دون الاهتمام بتنظيم المعلومات وترتيبها يؤدي إلى صعوبة استرجاعها فيما بعد ويؤيد ذلك البحث الذي قام به عالم النفس (جوردن بود) حيث قدم العالم بعض الكلمات بترتيب عشوائي إلى بعض الطلبة وقدم نفس الكلمات في شكل جدول (متسلسل) إلى مجموعة أخرى من الطلبة وأمضى كل الطلبة نفس المجال من الوقت في حفظ الكلمات، فالذين درسوا الجدول المتسلسل تمكنوا من تذكر 64% عن المادة أما الذين حالوا حفظ الكلمات بطريقة عشوائية في المتوسط 19% فقط.
5-التكرار:
إن استقبال الأمور والظواهر بشكل متكرر كلياً أو جزئياً كان انطباعها في الذاكرة أقوى من تكرارها مرة واحدة، ولو رجعنا إلى تصوير (أرسطو) للذاكرة بأنها لوحة شمع فإن كل تكرار لأي شيء أو واقعة يجعل الحفرة أو الأخدود في لوحة الشمع الطري أكثر عمقاً وأقوى طبعاً وأثراً في الذاكرة، وأن عدد مرات تكرار الشيء ليس مهماً وحده وإنما هناك عامل الوقت فهو ذو أهمية كبيرة عندما نلقي ونكرر الشيء المحفوظ للتمرن مرة واحدة كل أسبوع بدلاً من أن نكرره سبع مرات قبل أن نلقيه بفترة وجيزة.
6-الثقة بالنفس والثقة بالذاكرة
لا يمكن عمل شيء بدون الثقة بالنفس ويجب أن نتوقف عن ترديد عبارة ((لدي ذاكرة ضعيفة ولا يمكنني حفظ شيء بسهولة)) وبدلاً من ذلك اقنع نفسك بأن لديك ذاكرة قوية ونشطة وستجد نفسك مسيطراً على الموقف بتذكر المعلومات المطلوبة وخاصة إذا كانت هذه الثقة مقرونة بالتصميم والعزم على الحفظ والتذكر، كما يجب ألا يغيب عن بالنا عاملي الصحة والراحة البدنية والفكرية.
خلاصة الموضوع ....
1.إن الذاكرة ضرورية بصفة أساسية لعمليات الإدراك والتعلم والكلام والتعليل ومعظم الأنشطة الأخرى.
2.تتضمن الذاكرة عمليات ثلاث ((استقبال، تخزين، استرجاع))
3.يمكن تحسين الذاكرة بالتدريب على وسائل معينة للاستقبال والاسترجاع حيث يكون الاسترجاع أكثر سهولة إذا كانت المعلومات قد تم تنظيمها خلال الاستقبال وعندما تتشابه الظروف الداخلية (الذاتية) والظروف الخارجية أثناء عملية الاستقبال والاسترجاع.
4.ما زال العلماء يواصلون البحث عن الأسس الفسيولوجية للذاكرة وكيفية عملها بغية إيجاد العقاقير الخاصة بتقوية الذاكرة إلا أن هذه الأبحاث في بدايتها ويعتقد الخبراء أنه أمامنا سنوات طويلة قبل أن نكتشف عقاقير مضمونة الفائدة طبياً.
3146 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع