علاء الدين الأعرجي
محام/ مفكر عراقي مقيم في نيويورك
داعش المسمار الأخير في نعش الأمة العربية
العقل المجتمعي العربي الإسلامي المتخلف أصل الداء
طرحنا وفصّلنا في المؤلفات الأربعة التي صدرت في العامين الماضيين نظرية قد تكون جديدة على الفكر العربي، وطلبنا من القراء الكرام بيان رأيهم فيها. وموجز النظرية أن "العقل المجتمعي" هو سلطة قاهرة تتحكم بعقول أفراد ذلك المجتمع وبالتالي تسيطر على تصرفاتهم وآرائهم، دون أن يشعروا بوجودها، بل يعتقدون أن تصرفاتهم وآرائهم نابعة من محض إرادتهم. وتنطبق هذه النظرية على جميع المجتمعات في كل زمان ومكان. وتتجلى هذه السلطة في الأعراف والتقاليد والعادات والقيم والسلوكيات المتبعة، بل في المفاهيم والمعتقدات أو المسلّمات التي تــتجاوز أحيانا الشريعة وترقى عليها. مثلاً الأسلام يحرم إيذاء النفس. وقد حرّم المرجع الشيعي الأعلى المرحوم السيد أبو الحسن، التطبير (ضرب الجبهة بآلة حادة حزناً على مقتل الحسين (ع)في ألذكرى السنوية لاستشهاده)". وعلى الرغم من المركز الديني الكبير الذي يحتله هذا السيد المحترم، لم تمتثل تلك الفئات التي تمارس هذه الشعيرة القاسية لفتواه، بل على العكس، انتقمت منه فاغتالت نجله وهو يصلي في المسجد. ما يدل على سطوة العقل المجتمعي على أفراد المجتمع الخاضعين له بعقلهم المنفعل به.
وهناك جريمة القتل غسلاً للعار المتبعة في كثير من البلدان العربية والإسلامية، وهي مخالفة للشريعة تماماً. كذلك فكرة الاستسلام للقضاء والقدر، والاعتقاد السائد لدى عدد كبير من العرب المسلمين تقريبا، بأن هذه النكبات التي تصيبنا هي مقدرة من الله تعالى ولا مرد لها، لذلك يحب قبولها، بل عدم الوقوف بوجهها.
هذه الأعراف والمسلمات التي شكلت جزءاً كبيراً من ظاهرة تخلفنا الحضاري ،أدت إلى تقاعسنا وقعودنا عن الكفاح والعمل على تحسين أوضاعنا.
كما أدت في أقصى تجلياتها، إلى ظهور داعش وأخواتها، ما يمكن أن يضع المسمار الأخير في نعش هذه الأمة.
الإسلام والعقل المجتمعي البدوي
هذا يجرنا إلى موقف الإسلام من الأعراف التي كانت سائدة في العصر الجاهلي.
مع ظهورِ الإسلام وانتصارِه، حدثَتْ ثورةٌ حقيقيَّةٌ حاولَتْ تغييرَ معظمِ الأعرافِ والتقاليدِ والقِيَمِ والمبادئ، وبالتالي تعديل أو تغيير "العقل المجتمعيِّ" البدوي الذي كان سائدًا في العصر الجاهليّ. بَيدَ أنَّ كثيرًا من تلك القِيَمِ البدويَّة أو الجاهليَّة ظلَّ متجذراً في ذلك العقل، إمَّا ظاهرًا بوضوح، أو كامنًا يظهرُ بين الفَينةِ والفَينة.
فقد تجلَّتِ القِيَمُ العشائريَّة، مثلاً، من خلالِ ظاهرةِ الصراعِ على السلطة، بين الأمويين والهاشميين(كما يقول المؤرخ أحمد أمين في كتابه فجرالإسلام) أو في حالاتِ تفعيلِ الانتماءِ العشائريِّ أو التعصُّب القَبَليّ التي حَرَّمَها الإسلام: إذ جعلَ الذين كفروا في قلوبِهم الحميَّة حميَّةَ الجاهليَّة فأنزلَ الله سكينتَه على رسولِه وعلى المؤمنين وألزمَهم كلمة التقوى (سورة الفتح، 26)؛ وفي الحديث المنسوب إلى الرسول(ص) "ليس منَّا مَن دَعا إلى عصبيَّةٍ أو قاتلَ عصبيَّةً"، كذلك ورد أن الرسول (ص) قال في خُطبة الوداع: "إن الله أذهبَ عنكم نخوةَ الجاهليَّة وفخرَها بالآباء، كلُّكم لآدمَ وآدمَ من تراب، ليس لعربيٍّ على عَجميٍّ فضلٌ إلا بالتقوى."
ولكنَّ العقلَ المجتمعيَّ كان أقوى من التشريع ومن التعاليمِ الدينيَّة، كشأنِه في معظمِ المجتمعاتِ الأخرى، إن لم يكنْ جميعها. يقولُ أحمد أمين: "إلى أيِّ حدٍّ تأثَّر العربُ بالإسلام؟ وهل امَّحَت تعاليمُ الجاهليَّة ونزعاتُ الجاهليَّة بمُجَرَّدِ دُخولِهم في الإسلام؟ الحقّ أن ليس كذلك، وتاريخُ الأديانِ والآراءِ يأبى ذلك كلَّ الإباء ..." ("فجر الإسلام" (بيروت :دار الكتاب العربيّ، ط 11، 1975)، ص 78.)
ويواصل صاحبُ "فجر الإسلام" حديثه قائلا: "ولمَّا وَليَ الأُمويُّون الخلافة، عادتِ العصبيَّةُ إلى حالِها كما كانت في الجاهليَّة، وكان بينهم وبين بني هاشم في الإسلام كالذي كان بينهم في الجاهليَّة... وعاد النـزاعُ في الإسلام بين القَحطانيَّة والعدنانيَّة، فكان في كلِّ قُطرٍ عداءٌ وحروبٌ بين النَّوعين." ويُسهبُ أحمد أمين في ذِكرِ الحروب التي قامَت بين الأزْد وتَميم، و بين كَلب وقَيس (يمنيّين وعدنانيّين) وغيرهم بعد الإسلام. (فجر الإسلام ص79 و80 )
وهنا يَظهر الصراعُ بين عقلٍ مجتمعيٍّ تقليديٍّ قديم وعقلٍ مجتمعيٍّ تقدُّميٍّ أكثرَ حداثة. فقد جاء الإسلامُ بنظامٍ متكاملٍ وبمبادئَ جديدة، ورسمَ للحياة مُـثلاً عُليا ووسائلَ خاصَّةً لتحقيقها تختلفُ عن تلك التي كانت معروفةً في العصر الجاهليّ؛ في حين كان العقلُ المجتمعيُّ العربيُّ مشحونًا بالتراثِ القديم، ومعظمُه يحفلُ بقِيَمِ البداوة المتجذِّرة فيه.( بل قالوا إنَّــــا وجدنا آباءنا على أُمّة وإنـّــا على آثارهم مهتدون (.(سورة الزخرف، 22)
علماً أن العقل المجتمعي البدوي المتخلف ظل ينخر في صرح الحضارة العربية الإسلامية، حتى العصر الحديث، حيث وصلت بقايا شعوب تلك الحضارة إلى أدنى مستوياتها، بل إلى حدٍّ أصبحت آيلة إلى الانقراض.ولئن نمعن النظر في الحروب القائمة في بعض البلدان العربية ولاسيما في سوريا والعراق واليمن ، لأدركنا أنها حروب طائفية، ربما تعود أصولها إلى الصراع بين الأمويين
للتفصيل انطر وحمّل مجانا :
الأمُّة ُ العربيَّةُ الـمُمَزَقةُ بين البداوة المتأصلة والحضارة الزائفة
https://drive.google.com/file/d/0B7-yP9NKQgUrb2tvN3NmUjFqUms/view?usp=sharing
انظر كذلك مجانا كتاب " الأمة العربية بين الثورة والانقراض
https://drive.google.com/file/d/0B7-yP9NKQgUrR1lITUlkNmUyWjA/view?usp=sharing
علما أن جميع مؤلفاتي متوفرة على الإنترنيت مجاناً.
1005 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع