الخمور والحانات في العراق القديم

                                                            

                            حامد خيري الحيدر

      

    
 عرفت الخمور منذ فترة مبكرة في حياة المجتمع العراقي القديم ثم أصبحت مع مرور الزمن مادة مهمة لمائدة الطعام ومرافقة لها، كما أنها اكتسبت أهميه خاصة وذات مغزى  ديني فلسفي بعد أن تم استخدامها في الطقوس والمراسيم الدينية أو لتقديمها كقرابين للآلهة.

سميت الخمر اي النبيذ المعتق بالسومرية (كشتن)، وقد تعددت أنواعها وأثمانها وتنوعت أصنافها لوناً وذوقاً وتركيزاً وحسب مادة استخلاصها، حيث كان التمر في مقدمتها أضافة الى التين والعنب والبنجر والسفرجل، فعرف كلاً من النبيذ الابيض والاحمر.. كذلك عرفت البيرة بشكل واسع جداً فأصبحت المشروب الاول لعامة الناس وقد سميت بالسومرية (كًاش) ثم انتقلت الى الأكدية بصيغة (كاسو)، لتكون هذه التسمية الاصل في كلمة (كأس) العربية، أي الوعاء الذي يتم الاحتساء بواسطته. ويعزى السبب في ذلك الانتشار لمشروب البيرة الى توفر المادة الاولية لصناعتها وهي (الشعير)، حيث كان المحصول الاول الذي يزرع في جنوب وادي الرافدين بسبب مقاومته الكبيرة لملوحة الأرض.. وقد ذكرت النصوص المسمارية السومرية أربعين نوعاً من البيرة، يختلف كل نوع منها عن الآخر من ناحية المذاق ونسبة التخمر واللون، فكانت هناك البيرة الحادة والحلوة والخفيفة، وأيضاً كان منها الحمراء والصفراء وكذلك السوداء. كما ورد في أحد النصوص نوع لأحد الخمور يدعى (الابيض المنعش) الذي كان غالي الثمن، ومن المحتمل كثيراً أن يكون هو نفسه (العَرق) المعروف لدينا، أذ كانت عمليات التقطير معروفة منذ فترة مبكرة لدى العراقيون القدماء، واستخدمت لصناعة العطور والعقاقير وكذلك الخمور... أما الطبقات الفقيرة من المجتمع فكان خمرها يُصّنع من تنقيع الخبز أو الارز.
وكانت الحانات التي تتولى المتاجرة بالخمور والترويج لها، منتشرة بشكل واسع في المدن العراقية القديمة، وكانت تتوزع بين الحوانيت التجارية والاحياء السكنية وكذلك بين البساتين وضفاف الانهار. وما كان يميّز الحانات آنذاك أن أدارتها كانت من اختصاص النساء.. وقد سميت بائعة الخمر أو صاحبة الحانة بالسومرية (مي كشتن نا) وبالأكدية (سابيتوم)، وقد أضفت عليهن  الادبيات السومرية بعضاً من الحكمة، أذ يظهر ذلك واضحاً في نص ملحمة (كًلكًامش) والحوار البليغ بين بطلها وصاحبة الحانة (سيدوري).. كما كانت الحانات أيضاً ملاذاً لتجمعات المحتالين أو المعارضين للسلطة السياسية الحاكمة، وهنا نص قانون حمورابي في مادته المرقمة (109) على اعدام صاحبة الحانة في حال عدم تبليغها السلطات عن هؤلاء الخارجين عن القانون.  
وكان للحانات تخطيط وتصميم بنائي أستمر حتى آخر عهود العراق القديم.. يتكون من ثلاثة أقسام متوازية.. الخلفي ويتكون من قسمين أكبرهما يخصص لتخزين دنان الخمور وتصنيعها، والصغير كان بمثابة مطبخ لتهيئة الخمور قبل تقديمها، وأعداد الاطعمة المرافقة لها... وهذا القسم يطل بمدخل أو مدخلين على القسم الثاني منها والذي هو صالة أو قاعة كبيرة لجلوس الرواد تشرف بدورها بعدة مداخل أخرى على قسمها الثالث وهو عبارة عن فناء مكشوف، في الغالب كانت تغطيه سقيفة من الاخشاب أو سعف النخيل، يستخدم للجلوس صيفاً أو في الاجواء الحارة.
و قد أظهرت الاعمال الفنية كالمنحوتات والمسلات وطبعات الاختام الاسطوانية أساليب متنوعة لاحتساء الخمور منها بواسطة الكؤوس العادية من دون مقابض أو  بمقابض جانبية أو سُفلية.. كما كان هناك طريقة طريفة للاحتساء، وهي أن توضع الخمر في جرة كبيرة ذات رقبة طويلة يتم شفطها بواسطة قصبة رفيعة، وقد يتشارك في الجرة الواحدة عدة أشخاص.
 لقد كانت مشاكل المخمورين مع عوائلهم في العراق القديم هي نفسها في وقتنا الحاضر... و يتوضح ذلك من نص مسماري طريف مدون بالاكدية يعود الى فترة العصر البابلي القديم (الالف الثاني ق.م) وهو عبارة عن دعوى طلاق رفعتها أحدى النساء ضد زوجها مدعّية فيها أنه يأتيها سكراناً كل ليلة ولا يستطيع (أداء واجباته الزوجية اتجاهها)...... وبعد ما تقدم ألا يحق لنا أن نردد ما قاله شاعرنا الكبير (مظفر النواب)...
كيف لا يولد الناس في الرافدين سُكارى ... وكل ما في العراق يُقطر منه العَرق

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

962 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع