د.عبدالقادر القيسي
بسبب الأزمة المالية التي يمر بها البلد لتقليص النفقات في الموازنة العامة، لجات الحكومة لطرح مشروع قانون إجازة الخمس سنوات والذي تم رفعه سابقاً الى مجلس شورى الدولة في عام 2014 ومضمونه كان بان يأخذ الموظف إجازة اعتيادية لكن بـ 50% من الراتب الاسمي، لكن السيد رئيس الوزراء [حيدر العبادي] أكد في شهر أيلول /2016 بان الدولة وافقت على منح الموظفين إجازة لمدة خمس سنوات براتب أسمي كامل، وتعتبر خدمة مقبولة للتقاعد.
مساؤى مشروع القانون:
الف- مشروع القانون قد يحول الدولة إلى مؤسسة كبيرة للرعاية الاجتماعية فتقوم بتعيين موظفين ثم تمنحهم إجازات لخمس سنوات براتب اسمي كامل ومن دون ان يقدموا شيء للدولة.//
باء- بإعطاء الموظف إجازة خمس سنوات قد تدفعه، الى::
1)ممارسة عمل لا يتفق مع مقتضيات وظيفته، أو يظهر بمظهر من شأنه الإخلال بكرامة الوظيفة او عمل فيه زلل وشبهات، ولا يلتفت إلى أعمال وظيفته ومقتضيات تقلده لمنصب عام سابقا.
2)إذا كان ممن يتبوؤون مناصب ذات سلطة ونفوذ ومكنات ستكون مجالا لممارسته أعمال لتربحه ونفعه الشخصي بدون وجه حق، ويلقي ظلالاً من الريب على ذلك، استناداً إلى ما توفره له وظيفته من سلطات ومكنات، فيعد بذلك خروجاً على مقتضي واجباته الوظيفية، الأمر الذي يكون معه هذا الموظف مقترفاً لذنب إداري يحق معه توقيع الجزاء التأديبي عليه، لكن من سيراقبه ويجازيه تأديبيا؟؟؟؟
3)قيامه بمزاولة عملاً تجارياً، بذلك يكون قد ارتكب فعلاً محظوراً بموجب القانون؛ يستأهل مساءلته عنه ومجازاته عليه، كمن يتجه للعمل في شراء الأراضي والعقارات، وتقسيمها وبيعها او انشاء ورش او معامل بالنسبة للفنيين والمهندسين وغيرهم تتصل واعمال وظيفته واستخدامهم اسرار العمل الوظيفي في تحقيق أرباح تجارية مما يؤدي الى اثار لا تحمد عقباها.
4)ممارسته لعمل ثاني وبذا سيخالف القانون بان يجمع بين وظيفته وبين أي عمل آخر.
فمن سيقوم بمراقبته ومجازاته تأديبيا وهو بحكم الموظف، إذا ثبت توافر مصلحته الشخصية في أداء هذه الأعمال المتصلة بأعمال وظيفته، وثبت ارتكابه لذنب اداري مما ذكرناه.
5)ارتكابه خلال إجازة الخمس سنوات لفعل جنائي يعاقب عليه القانون وتعرضه للحبس الشديد اقل من مدة خمس سنوات، فكيف ستعرف دائرته عنه ذلك؟ سيما انه سيعود بعد انتهاء فترة حبسه وقبل انتهاء مدة اجازته وكأن شيء لم يكن؛ ويمارس اعماله الوظيفية، فكيف نمنع ذلك؟ وهناك خطر أكبر إذا ارتكب فعل مخل بالشرف، كيف ستعلم دائرته ذلك؟؟؟
جيم- سيولد فراغ كبير في مؤسسات الدولة، كون اغلب الموظفين سيقدمون على اجازات وبالتالي سيكون هناك شبه تعطيل لدوائر الدولة وستكون هناك ازمة جديدة، ناهيك.
دال-ان هذه الاجازات ستفتح الباب واسعا لخروج الكوادر الكفؤة للهجرة خارج العراق مما يعني إخلاء الدوائر من اصحاب الكفاءة وبالتالي زيادة خروج العملة الأجنبية والضغط على مزاد العملة.
هاء- غير مدروس، لان الإجازات قد تمنح لأي موظف بغض النظر عن الحاجة الفعلية لكفاءته وتخصصه(قد يكون نادر) والخبرات والإسرار التي يحملها(ممن يعملون في دوائر حساسة)، بخاصة عندما يكون ممن تم إعداده أو إيفاده للخارج أو انه اكتسب الخبرات المهمة أو غيرها من الحالات.
زاء- ارتجالي ولا يحرك العجلة الاقتصادية للبلد، ويحمل اثاراً ومؤشرات سلبية تشير الى ان العراق منهار اقتصادياً، ولن يحُسن المستوى المعاشي والاقتصادي وفيه مشاكل قانونية لا يمكن معها تمريره داخل البرلمان.
زاء- خطوة غير محسوبة بشكل دقيق، وسينعكس سلبا على التنمية الاقتصادية وسيفاقم من جيش العاطلين عن العمل ويزاحم فرص العاطل الاخـر عن العمل، من خلال منافسة الموظفين المجازين للعاملين بالقطاع الخاص.
حاء-منح كامل الراتب الاسمي للموظف ولمدة خمس سنوات وهو لا ينتج شيئا ولا يقدم خدمة وعند نهاية الإجازة سيكون هناك التزاما جديدا على الدولة وهو دفع الراتب التقاعدي، بالرغم من ان التوقيفات التقاعدية قد تم استيفائها من راتبه، الممنوح له دون عمل.
طاء- محاولات ترقيعيه، ولا يسهم في رفاهية الموظف ويجب دراسته من الناحية الاجتماعية ومدى انعكاسها على وضع البلد وعدم الاقتصار على الناحية المادية.
ياء-هناك أكثر من ثلاثة ملايين من العاطلين، ومنح إجازة لمدة خمس سنوات للموظف سيجعل هؤلاء مواطنين مستهلكين بدلا من ان يكونوا منتجين، ويفكرون بأشياء أكثر، وقد ينشا مشاريع يستفاد من خلالها من علاقاته أثناء الوظيفة ليحقق مزايا غير مشروعة مما يفاقم الفساد.
كاف- سيولد مشاكل اجتماعية لأن الاشخاص الذين سيمنحون إجازة سيكونون غير قادرين للقيام بدور فعال في النشاط الاقتصادي.
ومن القانونيين من يقول ان مقترح إجازة الخمس سنوات للموظفين خال من اية مخالفة قانونية، وان الخيار الذي ذهبت اليه الحكومة هو من صلاحيات السلطة التنفيذية وان لم يصدر بموجب تشريع؛ والاجراء مؤقت وليس دائمي، وان مجلس الوزراء يصدر قرارات البعض منها يستند لقانون والاخرى لا تستند، وموضوع اعطاء الاجازات او غيرها هي من صلاحية رئيس مجلس الوزراء والتي تأتي لتلافي الوضع المادي ومنهم من ادعى؛ (سلامة قرار منح الاجازات إلى الموظفين بوصفها من صلاحيات رئيس الوزراء ضمن قانون الخدمة المدنية، والوضع الحالي يتطلب اتخاذ شتى الاجراءات ضمن اطار الدستور والقانون والتي من بينها اللجوء إلى اجازات برواتب اسمية) وهذا القول خاطئ جدا لعدة أسباب، أهمها::
أولا-ان الصلاحيات في الدستور معقودة لمجلس الوزراء وليس لرئيس مجلس الوزراء والتي وردت في المادة(80) منه، وهذه الصلاحيات أيضا لا تتيح لمجلس الوزراء اصدار أي قرارات او أنظمة او تعليمات خارج حدود تنفيذ القوانين، وقوانين الخدمة المدنية نظمت موضوع الاجازات بطريقة واضحة وصريحة ولا تحتاج لتعليمات او قرارات عنوانها(رسم السياسة العامة للدولة) بخاصة، ليس هناك أي صلاحية خارج هذه النصوص.
ثانيا- لا يجوز للموظف أن ينقطع عن عمله إلا لإجازة يرخص له بها في حدود الإجازات المقررة في هذا القانون ووفقًا للضوابط والإجراءات وتصنف الإجازة وفق الراتب وأنواعها::
1) إجازة براتب. 2) إجازة بنصف راتب.
3) إجازة بدون راتب: حيث بموجب قرار (418) لسنة 1987، الذي خول الوزير أو رئيس الجهة غير مرتبطة بوزارة منح الموظف إجازة اعتيادية لمدة لا تتجاوز (2) سنتين من دون راتب إذا اقتضت الضرورة منحه هذه الإجازة ولا تحتسب خدمة فعلية إذا تمتع بها لأغراض (الخدمة والتقاعد)، وكذلك تمنح إذا مست الموظف ضرورة وليس له استحقاق فيجوز منحه (60) يوم من دون راتب، المادة (43/4) من قانون الخدمة المدنية.
ويستحق الموظف المعين في ملاك الخدمة العامة الإجازة بمختلف أنواعها، وقد وردت هذه الإجازات أغلبها في قانون الخدمة المدنية المعدل، أبرزها الإجازة الاعتيادية نظمتها المادة(43/1/ 3خدمة مدنية)، واجازة الامومة والحمل والولادة واجازة الحج واجازت العدة (م 43/7) وإجازة المصاحبة(م44/4 خدمة مدنية)، وهناك الإجازة العارضة التي نظمتها المادة (43) من قانون الخدمة المدنية، وهناك الإجازات الخاصة، الخاصة بالموظف المصاب بمرض لا يرجى شفاءه وتعد إجازته المرضية براتب تام لمدة (3) سنوات كحد أقصى، وهناك الإجازات الدراسية، ونظمتها المادة (50) قانون الخدمة المدنية وتعديلها المرقم (14) لسنة 2009، وهناك الإجازة المرضية نظمتها المادة (46 خدمة مدنية) وهناك نظام الإجازات المرضية رقم (76) لسنة 1959 حيث نظم كيفية منح الإجازات المرضية ومددها، وقانون العجز الصحي للموظفين رقم (11) لسنة 1999، الغاية منه تأمين حياة كريمة للموظفين (مدنيين وعسكرين) من الذين يعانون حالات مرضية لا تغطيها القوانين السائدة، فتضمن حقوقه في الإجازة الطويلة مدة لا تتجاوز (3) سنوات مع حقوقه عند إصابته أثناء العمل أو من جرائه سواء بإحالته على التقاعد أو منحه المكافأة.
لذا، وبحدود ما سبق تقديمه؛ ليس هناك أي صلاحية تتيح لمجلس الوزراء اتخاذ هكذا قرار بدون تشريع قانون، ولم يجز المشرع الا في حدود ضيقة عبر عنها بالحالات الاستثنائية والمبررة منح الموظف إجازة لكنها لا تتجاوز سنتين، وحتى لو تم تشريع قانون بهذه الاجازة (خمس سنوات)، فيجب مراعاة الضوابط الاتية::
الف- الوظيفة العامة تكليف وطني وخدمة اجتماعية يستهدف القائم بها المصلحة العامة وخدمة المواطنين في ضوء القواعد القانونية النافذة وأحكام الدستور النافذ، فالانتظام في أداء واجبات الوظيفة المنوطة به يسهم في أداء الخدمة العامة أو العمل الإنتاجي العام الذي تقوم عليه وبسببه الوزارة أو المصلحة أو الهيئة أو المؤسسة التي يعمل بها، فاذا انقطع الموظف او العامل عن الدوام سيؤدي الى خلل بنيوي كبير في نظام الدولة وسننسف مرتكزات ومقومات الوظيفة العامة.
باء-ان الراتب الاسمي هو مبلغ نقدي من المال يحصل عليه الموظف من وظيفته بصفة دورية في كل شهر ويكون مستحق عند مباشرته لوظيفته من دون المخصصات سواء كانت ثابتة أو غير ثابتة وكما هو موضح في الجدول الملحق بقانون رواتب موظفي الدولة رقم (22) لسنة 2008، لذا فالأجر مقابل العمل وما دام الموظف او العامل قد أدى عملاً فإنه يستحق عنه أجراً، فأساس الاستحقاق إذن هو الغرم بالغنم أو الإثراء بغير سبب، ومنح الموظف إجازة لمدة خمس سنوات براتب اسمي سنسقط هذه المبادئ العامة في الوظيفة واسس منح الراتب.
مسوغات مشروع القانون حسب ما تم تداوله::
الف- ثلث الموازنة العامة للدولة مخصصة للرواتب وبهذا القانون سيكون هناك انخفاضا بالإنفاق، وقوانين الخدمة المدنية وانضباط موظفي الدولة المرقم 14 لسنة 1991 النافذ لا يتيح للدولة، إنهاء خدمات الموظفين او الاستغناء عنهم إلا اذا كان مقترفاً لذنب إداري يحق معه توقيع الجزاء التأديبي عليه، وضمن آليات رسمها القانون، وكما انها بنفس الوقت، ان قانون التقاعد الموحد رقم 9 لسنة 2014 النافذ، لا يسمح للدولة بإحالة اعداد غفيرة من الموظفين على التقاعد قسرا، ونص على حالات للإحالة على التقاعد منها: أنه يشترط وجود خدمة تقاعدية لمدة 15 سنة لحالات و25 سنة لحالات اخرى، وبلوغ عمر المتقاعد خمسين سنة لاستحقاق الراتب التقاعدي، عدا حالات الوفاة والمرض، وغالبية الموظفين الذين تعينوا بعد الاحتلال أو أعيدوا للخدمة لا يتوفر فيهم الشرطين، مما دفع الحكومة لإيجاد مقترح قانون إجازة الخمس سنوات ولحين اجتياز الأزمة المالية.
باء- إن قانون الخدمة المدنية المرقم 24 لسنة1960 وتعديلاته والقرارات الأخرى لا تسمح بمنح الموظف إجازة بدون راتب لمدة لا تزيد عن سنتين خلال مدة الخدمة الوظيفية، ولا تحتسب لأغراض التقاعد، كونها لا تستوفى عنها التوقيفات التقاعدية.
محاسن مشروع القانون::
الف- سيخدم الموظفين من الدرجات الدنيا؛ للحصول على عمل ثاني، ويتيح فرصة جيدة لمن يرغب بالسفر للخارج وكثير منهم لديهم ظروف خاصة.
باء- سيعالج الترهل في الطواقم البشرية لدوائر الدولة، وإعادة هيكلة القطاع الحكومي للقضاء على البطالة المقنعة، وهناك موظفين بأعداد كبيرة أكثر من عبء العمل وبالتالي من يأخذ اجازة اختيارية لا يؤثر على اداء الدولة لذا هذا الاجراء جيد للطرفين الموظف والدولة.
جيم- سيؤدي لتقليل الضغط على الموازنة العامة للدولة من خلال خفض النفقات العامة التي تكمن في المخصصات التي تصل إلى نحو ثلاث أضعاف الراتب الأسمي.///
دال- يتيح للموظف للحصول على امتيازات او مؤهل علمي أو لتحسين مستواه العلمي أو المهني.
هاء- سيخفف عن بعض الحالات الانسانية وخاصة بالنسبة للنساء اللواتي بإمكانهن رعاية اطفالهن.
وكان الأفضل من الحكومة ان تقدم عرضا على الموظفين سنة اجازة براتب اسمي، او الدوام ٥٠٪ مقابل نصف راتب، او تقليص مدة الاجازة الى سنتين لتقييم مدى نجاح او فشل القرار وتبدأ تطبيقه في الدوائر التي تعاني تضخما في الكادر الوظيفي وخصوصا دوائر وشركات التمويل الذاتي الخاسرة، وعلى الحكومة التوجه نحو الاستثمارات الخاصة، سواء المحلية ام الاجنبية، سيما ان كبر حجم الاستثمارات الاجنبية يمكن ان يؤدي الى تحقيق نمو اقتصادي، على ان تصاحبه عدالة في توزيع الدخول وتوفير فرص عمل لامتصاص البطالة، وهناك ضرورة بإدخال مشغل جديد في جولات التراخيص النفطية، وفتح ميناء الفاو الكبير امام الاستثمار، وتفعيل القطاعين الصناعي والزراعي وغيرها.
1154 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع