د.عبدالقادر القيسي
كثير من القضاة الوطنيين يسهر الليالي مؤرقاً في نومه ويجلس طوال النهار يفكر في مشكلة لا يعرف لها حلا وقد رضى بقدره بأن يحل هذه المشاكل التي تهرب الناس من حلها ويخافون من الاقتراب منها، وأخطر ما يواجه القاضي هو أن يكون الحق في الموضوع الذي ينظر فيه ليس واضحاً وضوحاً كافياً وأن الآراء قد تختلف في مكانه، هل هو مع المدعى أم مع المدعى عليه، ام المشتكي ام المشكو منه؛ وعندئذ يجد القاضي نفسه مؤرقاً لا يعرف النوم سبيله إلى عينيه، وحتى إذا نامت عيناه لم ينم قلبه المجهد حتى يجد لهذه المشكلة حلها الذى يطمئن إليه قلبه.
مما لا شك فيه أن كل مجتمع لا يزال مرتبطا مثلنا بتجارب التخلف وتجارب السياسات المتخبطة تعتوره احباطات شتى ويأس قاتل يمنعه من الأمل في غد مشرق، ولكن يتبقى له الأمل في العدل والمساواة؛ ويتردد بين شعبنا عبارة المساواة في الظلم عدل؛ ومن أجل ذلك لم يبقى أمام هذا الشعب المتعب المنهك القوى سوى التمسك بالعدل.///
ورجوعا لعنوان مقالنا، نشير الى ثلاث وقائع ولا أحسبني ازيد؛ عن تجاذبات وتدخلات متقابلة بين السلطة التنفيذي والسلطة القضائية، تشير قطعا الى ضعف كبير في الدولة العراقية؛ أهمها::::
أولا- كان المتحدث باسم مجلس القضاء الأعلى عبد الستار بيرقدار أعلن، في(23 آذار 2016)، عن إطلاق سراح الدايني بـ"عفو خاص"، مشيرا إلى أن ذلك تم بمقترح من رئاسة الوزراء وصدور مرسوم جمهوري، فيما اعتبر مكتب العبادي في 24/3/2016 تصريح بيرقدار "غير دقيق ومؤسف"، وأعرب عن "أسفه لما روجه البعض من خلط بين قضية النشر والتشهير وبين قضايا الإرهاب .. والتي ساهم فيها تصريح المتحدث باسم مجلس القضاء الأعلى الذي لم يكن موفقا وغير دقيق وسبب هذا اللبس ذو الطابع السياسي .."///
ثانيا- في الثلاثاء، (16 من اب 2016)، قال رئيس الوزراء العبادي في مؤتمر صحافي “لا أستطيع التعليق على القضاء، لكن كمواطن استغربت سرعة حسم القضية... اطلعت على الملف، وأرى انه يحتاج تكثيف النظر فيه، الاتهام الذي حدث في مجلس النواب ليس عاديًا، فقد صدر من وزير، وليس من شخص مجهول، ...وانه كان يتعيّن على القضاء “التأني في متابعة والتحقيق في الاتهامات التي وجّهها وزير الدفاع خالد العبيدي، وانه كان يجب أن يؤخذ بها على محمل الجد... والى لعب دور أكبر وعدم اصدار الأحكام بهذه السرعة”.///
ثالثا-اصدار قرارات منع سفر رئيس مجلس النواب ونواب من رئيس السلطة التنفيذية، بتعليلات قانونية واهية.///
رابعا- قال رئيس المحكمة الجنائية المركزية العراقية في بيان صحافي ان رئيس الوزراء حيدر العبادي قدم طلبا لرفع الحصانة عن النائبتين حنان الفتلاوي ورحاب العبودة بتهمة الاعتداء عليه في جلسة لمجلس النواب انعقدت في الشهر الماضي، وفي الخميس 1 أيلول/ 2016، نفى رئيس مجلس الوزراء، حيدر العبادي، تقديم طلب لرفع الحصانة عن عضوين في مجلس النواب، وأكد ان الطلب الذي تقدم به الى القضاء تضمن اتخاذ الاجراءات الاصولية بحق "التجاوزات الجرمية"، التي حصلت داخل البرلمان، واشار الحديثي، الى ان "التصريح الذي صدر عن إحدى الجهات القضائية هو امر مؤسف وجاء بطلب من أحد السياسيين وهو يجانب الواقع ويجافي الحقيقة ويزج باسم رئيس مجلس الوزراء في قضية يتحمل القضاء مسؤوليتها"، مشدداً على "ابعاد القضاء عن التجاذبات السياسية".///
استشري، لشديد الأسف، تدخل السلطة التنفيذية في القضاء والأمثلة التي سقتها في اعلاها والتي شغلت المجتمع العراقي مؤخرا، هي علامة دالة لذلك ولفترة بسيطة، والسلطة التنفيذية وأبواقها الإعلامية، لم تكل من النفخ في نار تحويل قضايا عديدة إلى مسألة كرامة وطنية وعدوان على استقلال العراق وشرف شعبه، على الرغم من دخول هذه القضايا محراب القضاء، وكان الأجدر أن ترفع السلطة التنفيذية يدها عن هذه القضايا بعد تحويلها للقضاء إن كانت حقا حريصة على استقلاله، وهو المسار السليم.///
ان الجرائم الماسة بأمن الدولة الخارجي والداخلي قد نظمتها نصوص قانون العقوبات في المواد من (156) إلى (198) من قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969، وهذه الجرائم تعد الأخطر في تأثيرها لأنها تمس مع أمن الدولة أمن المواطن وأمانه، ولست أشك لحظة في أن المساس بالقيم الأصيلة لهذا الشعب وهذا الوطن تعد من أكبر الجرائم مساسا؛ بأمن الدولة وأمن المواطن.///
وشعبنا في العراق يعرف قيمة قضاته الوطنيين وقدرهم ومن ثم لن يقبل أبدا أن يهان قاض واحد منهم، لأن المساس بالقاضي والتأثير على استقلاله وحيدته والعبث بوجدانه هو مساس بالعدالة وجريمة تمس أمنه وأمانه بل تمس أمن الوطن وأمن الحاكم الذي واجبه الوحيد تحقيق العدل بين الشعب والحفاظ على سلامة أراضي هذا الوطن.///
لذلك فكل ما يرتكب ضد القضاة اليوم هي جرائم تمس أمن الدولة والمواطن وهي مثل القنابل الموقوتة ولا يعرف موعد انفجارها أحد، فارفعوا أيديكم يا رجال السلطة التنفيذية عن القضاة، وكفوا عبثكم باستقلال القضاء. ///
ولكن في نفس الوقت نطلب من السلطة القضائية ان تتنحى جانبا من اصدار بيانات يقوم بتكذيبها رئيس السلطة التنفيذية وتقف بعدها صامتة لا ترد؛ مما يشير الى صحة ما ادعاها رئيس السلطة التنفيذية وتلك كارثة تسيء لقضائنا، ويصعب تصور أن بعض هذه البيانات والتصاريح لم يقعا تحت ضغوط سياسية وحزبية وضغوط الحرب الدعائية المستعرة التي تشنها السلطة التنفيذية والإعلام المرئي لها على القضاء.///
والآية الأكبر أن بعض بيانات السلطة القضائية إضافة لما ذكرناه في اعلاها؛ تتعامل مع بعض القضايا باعتبارات بعيدة عن الوظيفة القضائية التي يجب ان تجسد مضامين العدالة، بالمخالفة الصريحة لنص القانون، ونريد ان لا يمر من امامنا اخبار تشير الى ان هناك قضايا عديدة قدمتها السلطة التنفيذية ضد خصومها السياسيين، وزيفت الأدلة، وحكم القضاء لصالحها، وذلك يجعلنا نصعد من فريضة عدم عدالة احكام وإجراءات عديدة، وتجعلنا نسير باتجاه ان بعض أحكام القضاء ذات بصمة سياسية وان بعض القضاة باتوا من أعوان السلطة التنفيذية وذوي أصول مهنية بعيدة عن سلك القضاء، وستؤدي حتما الى تصور اخطر؛ بان بعض الاحكام القضائية والقرارات لم تكن بعيدة عن التجاذبات السياسية، وهناك من يدعي بوجود احكام صدرت تحت رداء السلطة بحكم التهديد والوعيد وإرغام المحاكم لإصدارها وبلا عدالة، وقسم منها ليست مقدسة، تخطئ وتصيب وفق اعتبارات غير شرعية، فقد يختلف القضاة في الحكم وفى تقدير الأدلة وفى الحس القضائي، والقانون ليس مدرسة واحدة، له تفسير واحد، يتبع رؤية واحدة.//
في النهاية؛ كل تلك الممارسات القليلة جعلت القضاء العراقي في بعض مفاصله يمارس سلطانه على الجهات والأشخاص الغير مرتبطة بأحزاب السلطة، وجعلت قسم من العراقيين باتوا يؤمنون بأن، لا حاجة لهم بالقضاء، لأن كبار القادة الحكوميين يوجهون الضربات تحت الحزام بقوة ويوميا وباسم القانون، ليؤكدوا ان تأسيس دولة القانون حلم وخيال، وليقولوا لنا إن القانون لا يطبق إلا على الطيبين وحسني النية، الذين يحترمونه ويثقون في سيادته.
1047 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع