وفيق السامرائي
منذ عشرة أعوام والعراق يتعرض لمؤامرات داخلية لتفكيكه وفق مشروع خطير، وخارجية تستهدف سلخه عن هويته، ولمنعه من النهوض بدور تاريخي. وقد بني مشروع التقسيم على قاعدة «المكونات»، أسهمت فيه الأطراف العراقية، تآمرا، أو سذاجة، أو اضطرارا.
فتطورت التسمية إلى انقسام سياسي لتشويه حالة ديموغرافية تعايش معها العراقيون منذ 1400 عام من دون أي إشكال شعبي. ففي فترة ما بعد حرب 2003 عموما وعامي 2006 و2007 تحديدا، فرضت على العراقيين حرب أهلية ضمن المناطق المميزة بلون واحد، وأهلية طائفية في المناطق المختلطة، شاركت فيها رموز من الكتل السياسية الحالية. إلا أن العراقيين الذين غادروا بلدهم قسرا - وهم من عرب الوسط والجنوب بمذاهبهم المختلفة ومن المسيحيين - بقوا على هويتهم الوطنية الكاملة، ولم تؤثر تلك الحرب على علاقاتهم، مما يدل على أصابع التوجه الطائفي السياسي من الطرفين.
غياب القراءات الصحيحة لدى معظم السياسيين، ومحاولات أطراف دينية ركوب موجة المتغيرات، والاحتقان المتولد من الشعور بالظلم، والمؤامرات الخارجية، عوامل تدفع العراق إلى منزلقات خطيرة. فعندما يبدأ السياسيون بالتحدث في المحرمات، ومنها التقسيم والحرب الأهلية، تحتم الوقائع عدم أخذ ما يقال على أنه لأغراض استهلاكية، بل يدل على مأزق تعيشه الكتل السياسية، تنتقل عدواه إلى المواطنين، فتتفاقم مشاعر المفاصلة، وتزداد التدخلات الخارجية عدوانية من طرف، واحترازية من طرف آخر، تداركا للتأثير على المعادلات الإقليمية.
طلب رئيس البرلمان عقد جلسة استثنائية يوم الأحد الماضي، وحصلت مبادرات إيجابية معقولة، وتحولت الجلسة إلى تشاورية لأن النصاب لم يكتمل بفارق صوت واحد، بينما تغيب 15 نائبا من القائمة العراقية معظمهم من العرب السنة! فهل بقي لوم على غيرهم؟ وغرقت بغداد ونائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات من هذه الشريحة، فتذرع رفاقه بعدم وجود صلاحيات لديه! فهل المال والجاه أبقياه في منصبه؟ كما أن النائب الكردي لرئيس البرلمان تحدث عن أن بعض مطالب المتظاهرين غير دستورية، بدل أن يؤكد الجوانب الدستورية منها، أي أنه لم يرتق حتى إلى طرح رئيس الوزراء نوري المالكي، الذي أقر بمشروعية قسم من المطالب.
وفي خضم الأزمة الراهنة ترتفع أصوات تنادي بتشكيل إقليم عربي سني على غرار إقليم كردستان، للتخلص من مشكلات العلاقة مع حكومة مركزية يهيمن عليها شيعة السلطة. وفي الوقت نفسه ترتفع أصوات قوية ومنطقية تتساءل عن مصير سنة بغداد البالغ عددهم نحو ثلاثة ملايين، أي ما يعادل ثلث عدد سنة عرب العراق تقريبا، وضعف نفوس محافظة الأنبار العربية السنية، في ضوء التشابك السكني غير القابل للقسمة والعزل والمفاصلة. وماذا سيكون مصير سنة محافظات البصرة وميسان وواسط الشيعية وشمال بابل؟ وكيف يمكن تسوية وضع محافظة ديالى المختلطة وبعض مناطق محافظة صلاح الدين؟ وما مصير محافظة كركوك المختلف عليها مع الكرد؟
التساؤلات المطروحة تشير إلى أن بقاء الصوت العربي السني موحدا أفضل لهم ولمستقبل العراق ككل، فالحاكم زائل، أو يزال بالطرق المشروعة، والمعادلات يمكن تعديلها بالعمل السياسي الدؤوب والمنافسات الانتخابية واختلاف مصالح الكتل الشيعية بمرور الوقت. أما الفيدرالية على مستوى المحافظات العربية فقد تكون مشروعا للحرب والتقسيم؛ لأن التعقيدات السياسية التي ظهرت بعد 2003 تفرض التفكير في طرق تنفيذ المشروع، ومدى إمكانية تصريفه سلميا من دون تهجير ملايين الناس من مدن إلى أخرى. فالتجربة الكردية تختلف كليا عن غيرها، بحكم الخصوصية الديموغرافية في محافظات الإقليم ضمن حدوده الحالية، وليس على أساس المطالب الأخرى.
لقد أحدث السياسيون انقساما سطحيا بين الشعب، يمكن أن يصل إلى العصب الحساس، لعبا على مشاعر الناس أو نتيجة الضغوط، وهم أنفسهم قادرون على التصحيح وفق برامج إصلاح شامل. وكان من المفترض عدم العزوف عن عقد المؤتمر الوطني اكتفاء بعودة هذا المسؤول أو ذاك إلى موقعه. وقد لا يكون تبادل الاتهامات الآن مفيدا، بقدر ما يؤدي إلى مزيد من التأزيم، وأي صراع يحدث، سيأخذ بعدا إقليميا خطيرا. فإنها أم المؤامرات، ولا بد من إحباطها بمعالجة حالة الشعور بالظلم من جهة الدولة، التي عليها أن تبادر بسلسلة قرارات تصالحية حاسمة، والتبصر من جهة قوى الحراك والكتل السياسية المساندة له، بما يجعل التصادم من المحرمات.
815 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع