الدكتور رعـد البيدر
بعد توَّسُع استهداف حركة ناقلات النفط في مياه الخليج العربي كوسيلة من وسائل الضغط على قُدرات الخصم ؛ دوِّلَّت الحرب العراقية - الإيرانية نتيجة تضرُر المصالح النفطية لدول الإنتاج والاستهلاك .
وعلى أثر إصابـة الفرقاطـة الأمريكية "ستارك" وما أعقبها من احتمال تدخل دولي أوسع مما كان قائماً - عُقِدَ مؤتمر قمة الدول الصناعية في مدينة " البندقية يوم 8 حزيران / يونيو1987 . أشار البيان الختامي للمؤتمر إلى ضرورة اعتماد التفاوض السريع لوضع حد يوقف تفاقم الحرب العراقية - الإيرانية، ويؤمِّن حرية الملاحة الدولية في الخليج العربي.
رحَّبَ طرفا النزاع ببيان قمة الدول الصناعية، وطالَّبَ الرئيس الإيراني أن يُطبَّق مبدأ حرية إبحار جميع ناقلات النفط ومن ضمنها الناقلات الإيرانية، ووجه مُطالَّبة أُخرى إلى مجلس الأمن بأن يلتزم الحيادية في الإجراءات الفعلية الساعية لإنهاء الحرب.
كثَّفَ الأمين العام للأمم المتحدة مساعيه مع الدول دائمة العضوية لأعداد مشروع قرار يُنهي الحرب؛ فصدَّر القرار(598) في 20 تموز/ يوليو 1987، نُدرِّجُ نص ديباجة القرار وبنوده ال (10) التي جاءت بصيغة مطالب في نهاية المقال (*) .
رحَّبَ العراق رسمياً بالقرار وأعلن موافقته يوم 22 تموز/ يوليو1987، وأبدى وزير خارجيته استعداد بلاده للتعاون مع الأمم المتحدة، وأشترط لموافقة العراق إعلان موافقة رسمية إيرانية واضحة النص والمعنى . إلا أن إيران لم تُعلن موقف صريح من خلال مندوبها في الأمم المتحدة، الذي أعلن أن بلاده غير معارضة، وفي ذات الوقت غير موافقة على القرار كونه قراراً منحازاً للعراق. وأدانت إيران رفع أعلام سوڤيتية وأمريكية على ناقلات النفط الكويتية ومرافقتها من قبل السفن الحربية، على اعتبار أن هذا الأجراء يتنافى مع ما يتضمنه البند الخامس من القرار واعتبرت القرار ليس إلا مناورة دبلوماسية أمريكية غير قادرة على حل الأزمة بإنصاف . ثم أعلن الرئيس الإيراني ووزير خارجيته رفض إيران للقرار.
أن ما يميز القرار (598) عن سابقاته من القرارات الأممية: صدوره بالإجماع، وقد تلاقت فيه مصلحة الدولتين العُظميين الولايات المتحدة والاتحاد السوڤيتي، وأستند على نص المادتين (39،40) من ميثاق الأمم المتحدة (**). وقد أعتبره بعض المراقبين قراراً موجهاً إلى إيران لكون العراق سبق وأن قدَّم مبادرات تماثل التي أتفق عليها المجتمع الدولي بهذا القرار.
وفي نهاية تموز/ يوليو 1988 أعلن الأمين العام للأمم المتحدة استلام رسالة الرئيس الإيراني المتضمنة موافقة إيران على قرار مجلس الأمن (598) غير المشروطة بإدانة العراق، وهو شرط كانت تُصر عليه إيران فيما سبق . وفي هذا الخصوص أشارت آراء معظم المراقبين إلى أن إيران كانت مضطرة لقبول القرار بعد رفضته لفترة زادت عن السنة؛ ويكمُن سبب قبولها في اختلال ميزان القوى لصالح العراق في جميع قواطع العمليات. ويكاد لا يخلو مصدر يتناول قبول إيران بقرار وقف أطلاق النار (***) دون الإشارة إلى العبارة التي ذكرها " الخميني " أن موافقته كانت" أشد فتكاً من السُم" - وفقاً لبيان القبول الذي أذاعته أغلب الإذاعات العالمية ؛ في حين سبق له أن تعهد بمواصلة الحرب ضد العراق حتى آخر يوم في حياته، ولكنه استجاب لتوصية زعماء إيران السياسيين حسبما أوضح البيان دون الإشارة إلى تفاصيل الأسباب التي دعتهم للتوصية بإنهاء الحرب. وقال الخميني مخاطباً الإيرانيين: أن الموافقة على وقف أطلاق النار لا تعني أن المشكلة قد حُلَّت، أو انتهت؛ وألقى باللائمة على النفوذ الأمريكي في المنطقة معتبراً إياه مسبب المشاكل التي تعانيها إيران، وتوَّعد باستمرار محاربة هذا النفوذ.
وبعد إعلان موافقة إيران على قرار مجلس الأمن (598) أعلن العراق مبادرة السلام في نص خطاب ألقاه الرئيس العراقي أشار فيه إلى خلاصة تصورات العراق بكيفية إشعال فتيل الحرب من قبل إيران، وإرغام العراق على خوض غمارها من جانب الاضطرار وليس الاختيار، وتحمَّل استمرارها (8) سنوات بسبب تجاهل إيران دعوات العراق للسلام التي اعتبرتها إيران منهج ضعف عراقي، ومن ضمنها موافقة العراق على القرار (598) ورفضه من قبل إيران - في تفسير أشار له بضعف الإحساس بالمسؤولية أو انعدامها. وأشار إلى أن مجلس الشورى الإيراني قد شَرَّعَ قبل ثلاثة عشر يوماً من موافقة الخميني قانوناً جعل فيه خيار الحرب مع العراق استراتيجية دائمة، وضمَّنه الإشارة إلى أن وجهات نظر الساسة الإيرانيين بالموافقة على القرار (598) جاءت وفق ادعائهم من جانب الاضطرار المرحلي، ومن غير المرغوب لمصلحة إيران توضيح ظروفها وأسبابها.
وبناءً على رغبة عراقية في إنهاء كل ما يتعلق بالحرب واستعادة علاقات طبيعة بين البلدين رفض العراق عقد هدنة، وطالب بالجلوس إلى طاولة المفاوضات. أصدر "هاشمي رفسنجاني" توجيهاته إلى القوات المسلحة الإيرانية بإيقاف أي نشاط عسكري تجاه العراق اعتباراً من 9 آب / أغسطس 1988. وأصدر العراق في نفس اليوم "بيان البيانات" ذا الرقم (3388) تضمَّن تعبيراً عن الرغبة بالتحول من حالة الحرب إلى حالة السلام. وساد الهدوء التام جبهة القتال، وتوقفت الفعاليات القتالية للطرفين اعتباراً من 10 آب / أغسطس 1988 لحين حلول الموعد الرسمي لوقف أطلاق النار في 20 آب/ أغسطس.
رغم كسب العراق لنتائج المعارك منذ تحرير الفاو وما أعقبها من معارك؛ إلا أنه لم يُحقق أهداف الحرب- فلم يطالب باعتراف إيران بحقوقه الشرعية في شط العرب، أو بإعادة الجُزُر العربية الثلاث المحتلة " طنب الكبرى ، طنب الصغرى ، أبو موسى " ، أو تحرير الأحواز؛ لكنه وأدَ التطلع الإيراني غرباً. وتنازلت إيران عن المطالبة بتنَّحي الرئيس صدام حسين أو محاكمته. بينما تمَّسكت بضرورة التحقيق في مسؤولية بدء القتال، والمطالبة بتعويضات تدمير مدنها ومنشآتها الاقتصادية، والأضرار الأخرى الناجمة عن الحرب.
أن تحليل موقف البلدين في مرحلة نهاية الحرب يوَّضِح مدى التحول في إدارة الصراع؛ فالعراق صار مقتنعاً بعدم قدرته على هزيمة إيران هزيمة تامة. وبُنيَت موافقة إيران بقبول التوقف عن الحرب لتحفظ لها إمكانات التبرير لشعبها بعد سلسلة من الهزائم العسكرية المتوالية- أُجبرت من جرائها أن تتحول من ميادين القتال إلى طاولة المفاوضات؛ وليتوقف الجندي عن دوره الذي استطال زمناً قتالياً - أستمر ثماني سنيين دون توقف في حرب لم تشهد المنطقة لها مثيلاً من قبل. وعندها بدأت مرحلة جديدة من العلاقات تضاعف فيها دور الدبلوماسي- الذي أستمر دون انقطاع قبل الحرب، وخلالها، وبعد توقفها في بيئة علاقات ثنائية أفرزت الكثير من المُعَّرقلات، وعدم التوافق على ما يجب إنهاءه، فكان تشخيص التباعد أوضح من التقارب؛ فجعل عبارة " لا حرب و لا سلم " أكثر انطباقاً في علاقات البلدين من كونها علاقات سلمية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) إن مجلس الأمن مؤكداً قراره 582/ 1986:
وهو يشعر بقلق بالغ من استمرارا القتال بين العراق وإيران دون هوادة على الرغم من دعواته إلى وقف إطلاق النار مع وقوع مزيد من الخسائر الفادحة في الأرواح والدمار في العتاد.
وهو يأسف لبدء القتال واستمراره ، ويأسف أيضاً لإلقاء القنابل على مراكز سكانية مدنية محضة، والهجمات على سفن محايدة أو طائرات مدنية، وانتهاك القانون الإنساني الدولي، والقوانين الأخرى الخاصة بالصراع المسلح وخاصة استخدام أسلحة كيماوية، وهو الأمر الذي يتنافى مع الالتزامات التي يقضي بها بروتوكول جنيف لعام 1925.
وهو يشعر بقلق بالغ من احتمال حدوث تصعيد وتوسيع آخر للصراع. وفي ضوء إصراره على وضع نهاية لجميع الأعمال العسكرية بين إيران والعراق.
ومع اقتناعه بضرورة تحقيق تسوية شاملة وعادلة ومشرفة ودائمة بين العراق وإيران.
وبعد الاطلاع على بنود ميثاق الأمم المتحدة لا سيما تلك الخاصة بالتزام جميع الدول الأعضاء بتسوية نزاعاتها الدولية بالوسائل السلمية حتى لا يتعرض السلام والأمن الدوليين والعدل للخطر. ومع الإقرار بأنه يوجد انتهاك للسلام فيما يتعلق بالنزاع بين إيران والعراق بموجب المادتين 39، 40 من ميثاق الأمم المتحدة فإن مجلس الأمن: (**)
1ـ يطالب بأن يلتزم كل من إيران والعراق بوقف إطلاق النار على الفور، ووقف جميع الأعمال العسكرية في البر والبحر والجو، وسحب جميع قواتهما دون تأخير إلى الحدود المعترف بها دوليا كخطوة أولى لتسوية يتم التوصل إليها من خلال التفاوض.
2ـ يطلب من الأمين العام إرسال فريق من مراقبي الأمم المتحدة للتحقيق والتأكيد والإشراف على وقف إطلاق النار والانسحاب، ويطلب أيضاً من الأمين العام إجراء الترتيبات الضرورية بالتشاور مع الطرفي ثم تقديم تقرير إلى مجلس الأمن.
3ـ يحث على الإفراج عن أسرى الحرب ، وإعادتهم إلى أوطانهم دون تأخير بعد وقف العمليات الحربية وفقا لمعاهدة جنيف الثالثة الموقعة في 12 أغسطس 1948.
4ـ يدعو إيران والعراق للتعاون مع الأمين العام في تنفيذ القرار، وفي جهود الوساطة لتحقيق تسوية شاملة وعادلة ومشرفة مقبولة لكل من الجانبين لجميع القضايا المعلقة وفقا للمبادئ التي تضمنها ميثاق الأمم المتحدة.
5ـ يدعو جميع الدول الأخرى إلى ممارسة أقصى قدر من ضبط النفس والامتناع عن القيام بأي عمل من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من تصعيد وتوسيع الصراع، ومن ثم تسهيل تنفيذ القرار الحالي.
6ـ يطلب من الأمين العام استكشاف مسألة تكليف هيئة محايدة بالتشاور مع إيران والعراق ـ بالتحقيق في المسئولية عن بدء الصراع ورفع تقرير إلى مجلس الأمن في أقرب وقت ممكن.
7 ـ يعترف بحجم الضرر الذي وقع خلال الصراع، والحاجة إلى جهود لإعادة الإعمار بمساعدة دولية مناسبة فور انتهاء الحرب، ويطلب من الأمين العام في هذا الصدد أن يعين فريقا من الخبراء لدراسة مسألة إعادة الإعمار، ويرفع تقريرا إلى مجلس الأمن .
8 ـ ويطلب من الأمين العام أن يدرس بالتشاور مع إيران والعراق ومع الدول الأخرى في المنطقة إجراءات تعزيز الأمن والاستقرار في هذه المنطقة.
9ـ يطلب من الأمين العام إحاطة مجلس الأمن علما بتنفيذ هذا القرار.
10ـ يقرر الاجتماع مرة أخرى إذا دعت الضرورة للنظر في خطوات أخرى لضمان الالتزام بهذا القرار.
(**) المادة (39) (( يقرر مجلس الأمن ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به أو كان ما وقع عملاً من أعمال العدوان، ويقدم في ذلك توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير طبقاً لأحكام المادتين (41 و42 ) لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه)).
• المادة (40) (( منعاً لتفاقم الموقف، لمجلس الأمن، قبل أن يقوم بتوصياته أو يتخذ التدابير المنصوص عليها في المادة 39، أن يدعو المتنازعين للأخذ بما يراه ضرورياً أو مستحسناً من تدابير مؤقتة، ولا تخل هذه التدابير المؤقتة بحقوق المتنازعين ومطالبهم أو بمركزهم، وعلى مجلس الأمن أن يحسب لعدم أخذ المتنازعين بهذه التدابير المؤقتة حسابه )).
• المادة (41) (( لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، وله أن يطلب إلى أعضاء "الأمم المتحدة" تطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبرية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفا جزئيا أو كليا وقطع العلاقات الدبلوماسية )).
• المادة (42) (( إذا رأى مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها في المادة (41) لا تفي بالغرض أو ثبت أنها لم تف به، جاز له أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه. ويجوز أن تتناول هذه الأعمال المظاهرات والحصر والعمليات الأخرى بطريق القوات الجوية أو البحرية أو البرية التابعة لأعضاء "الأمم المتحدة")).
(***) يعتبر وقف إطلاق النار خطوة تمهيدية ؛ تتيح الفرصة للأطراف الدولية المتنازعة، والداخلة في حالة حرب، من إجراء التفاوض؛ بغية التوصل إلى تسوية سلمية للنزاع ، وقد يقترن أو يعقب وقف إطلاق النار إبرام اتفاقيات أخرى بين المتحاربين لغايات عسكرية، كاتفاقية الفصل بين القوات أو فك الاشتباك بين القوات العسكرية، كما هو الحال في اتفاقية فك الاشتباك والفصل بين القوات المصرية والإسرائيلية الموقعة في 18 كانون ثاني / يناير 1974. وتعتبر قرارات وقف إطلاق النار التي تصدر عن مجلس الأمن، إجراءات مؤقتة ــــ بطبيعتها، ولا يترتب عليها أي اثر قانوني، ولا تخل بحقوق المتنازعين أو بمراكزهم، ولا تُنهي حالة الحرب بين الأطراف المتنازعة، وتعتبر شكلا من أشكال القناعة المؤقتة ؛ التي يرتضيها الطرفان لوقف القتال ، لغرض محدود ولفترة مؤقتة ، ويستطيع كل طرف أن يعاود القتال مرة أخرى؛ إذا استنفذ فرص التسوية السلمية بأي طريقة من الطرق المتاحة، أو بعد مضي فترة طويلة دون تحقيق نتيجة حاسمة .
1158 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع