سرور ميرزا محمود
الرقص" ثقافة وفن وتعبير عن انسجام وحالة تربط المشاعر والجسد بالكون في منظومة ولحن وايقاع موسيقي يجهل أسرارها الكثيرون، فليست وليداً عصرياً بل وجد بوجود الإنسان الأول وتطورت بتطور الحضارات، واختلف بمهامه وأداءه حسب اختلاف أنماط الحياة وأساليبها ومتطلباتها، عبر التاريخ ارتبطت الرقصات بالعقائد البدائية والمعتقدات والطقوس لدى السومريين والبابليين والآشوريين والمصريين القدامى،
منها رقصات شكر الآلهة وطرد الأرواح الشريرة، ومنها الرقص الجنائزي الذي تقوم به الراقصات أمام مائدة القرابين، أو في الطريق إلى المقبرة، لتسلية روح المتوفي، والبعض الآخر تعبير عن حاجات ومتطلبات حياتية وإنسانية، كما ان هناك رقص يرجع لتاريخ طويل مرتبط بحياة البادية والصحراء، حيث كانت من أهم رقصات الحرب التي تهدف الى بث الرعب في قلوب الأعداء بإطلاق أصوات وأهازيج تشبه الى حد كبير زئير الأسود او هدير الجمال أو عواء الذئاب، ونقرأ أن العرب كانوا في الجاهلية يرقصون حول الكعبة، لتتحول في العصر الحاضر لرقصات خاصة بمناسبات الاحتفال بالنصر بعد المعارك والأعراس مضاف إليها أبيات شعرية، إذن انطلق الرقص في بادئ الأمر من حالة التعبد، حيث كان البشر يرقصون طقسهم الوثني التعبدي، ظهر الرقص في العصور الوسطى كنشاط اجتماعي وطريقة للترفيه، فكان الرقص الهادئ مقصوراً على طبقة المثقفين وبلاط الملوك خاصة والرقص والايقاع السريع مقصوراً على الريفيين والطبقة العاملة، وهناك الرقص الفردي كالرقص الشرقي الذي امتد تاريخه من تركيا ومصر إلى العالم أجمع، وما زالت الأقوام تهتم بهذا الفن، الذي يعبر عن حالة ترف المجتمع، وعلى الرغم من تنكر أغلب الشرائح في المجتمع العربي للرقص الشرقي، وذمه دائمًا بأبشع الألفاظ والكلمات، حتى إن كلمة:" راقصة" هي من الكلمات المعيبة في الحياة الاجتماعية العربية، خصوصًا الراقصة الشرقية، إلا أن جل طبقات المجتمع العربي وشرائحه وفئاته، تمارس هذا الرقص سرًا وعلانية، حسيّا أو معنويّا، كما لا تخلو الليالي المهمة في الحياة الأسرية الاجتماعية العربية وهي ليالي العرس من وجود راقصة أو أكثر، فالراقصة الشرقية هي التي تعطي للعرس بهجته ولذته، وهي التي تهبه حسيته الجميلة، وهي التي تجذب أنظار الضيوف طوال أدائها لفقراتها الراقصة، فمتعة الجسد ولذته، ومتعة الأداء الحركي تقدم فقها مختلفًا للذة. اللذة التي تتابعها الحواس بشغف، وبانفعال، وبمشاركة جسدية أحيانًا في التراقص مع الراقصة من قبل الضيوف، لقد كان الرقص دائماً يعبر عن حاجة جمالية للمجتمع، قبل أن ينحرف في بعض أشكاله إلى مثير للغرائز، بعيداً عن أصل وجدانه الجمالي الحقيقي، وتكون المتعة في التأمل في إيقاعات الجسد، ففي السنين الماضية كانت العائلات المحافظة في البلاد الإسلامية تدرب الفتيات على فن العزف والرقص، ويطبق في إطار شرعي محافظ فهؤلاء الفتيات يرقصن للأزواج، وفن الرقص ليس مقصورا على النساء ، وإنما للرجال فيه نصيب عظيم، فنلاحظ رقصات المقاتلين بعد النصر في المعارك، وفي العصور الحديثة نجد فرقاً لرقص الرجال في المجتمعات المحافظة دينيا، فيما يسمى بالعراق ( الدبكات ) بأنواعها، والتي يتفنن فيها الرجال في إظهار حركات الجسد، ويستمتع المشاهدون بهذه الحركات الإيقاعية، ويتفاضل الراقصون في الأداء، ويمارسونه بوصفه طقساً للفروسية، فالذي يقود ( الدبكة) يتمتع بصفات تميزه عن بقية الراقصين.
أن العلاقة بين الرقص والسياسة ليست جديدة، بل هي علاقة موغلة القِدم في التاريخ البشرية، فالعلاقة بينهما تطل برأسها من حين إلى آخر بأشكال مختلفة، يمكن اعتبارها قصة مشوقة ومثيرة للاهتمام، أنهما يسعيان إلى إرضاء من يطلب منهما، فالسياسي يرضي سامعيه وشهوات حكامه، أما الراقصة فهي ترضي جسد وعين ومشاعر من يدفع ليتفرج على رقصها. لأن قضيتها ووظيفتها هي أن تشبع الرغبات والشهوات، والسياسي يتهرب من الحرج والاعتراض والمساءلة ويكره الامتعاض. فالراقصة عملها انقلابي على القيم والثوابت والأخلاق، والسياسي انقلابي على كل الخطوط الحمراء، إذ إن المتأمل فيها يكتشف انهما تجمع بينهما قواسم مشتركة كثيرة إلى درجة أنه يمكن القول إن الرقص هو في حقيقته <<سياسة بحركات البدن>> بينما السياسة ليست سوى <<رقص بحركات اللسان>>، كما هو واضح أي أنه لا فرق بين الراقصة والسياسي فكلهم يرقصون على طريقتهم الخاصة.. الراقصة تهز وسطها.. والسياسيين وأصحاب النفوذ في السلطة يلعبون ألسنتهم لتخرج الخطب المعسولة والوعود «المزوّقة المزيفة» عادة لإيهام جماهير الشعب بأن «كل شيء تمام» ومنحهم شعوراً واهماً بالتفاؤل والانبساط على الرغم من أن الأحوال على أرض الواقع ربما كانت كارثية، عكس الراقصة التي تؤدي عملها مع تصريح كامل بجميع ممتلكاتها، بما فيها الوجه.. وهكذا، كلنا يتذكر عنوان واحدة من أشهر روايات إحسان عبد القدوس الراقصة والسياسي، ثم عنوان فيلم مأخوذ عن الرواية، والذي يتناول صراع النفوذ والسلطة وانفراط عقد المنظومة الأخلاقية من خلال ربط رجل سلطة علاقة غير شرعية براقصة معروفة تكشف خبايا الفساد والمحسوبية في الوسط السياسي، حتى أنه يصعب تحديد أيهما أكثر فضيلة ونزاهة، الراقصة أم السياسي؟ ، كذلك الكثير شاهد أحداث فيلم "الراقصة والطبال"، التي تحكي عن راقصة مغمورة من راقصات الدرجة العاشرة تتعرف على "طبال" يعتقد بأن الإيقاع أهم من الراقصة نفسها، وبأنه مهما كانت الراقصة تتمتع بالجاذبية، فإن الطبل هو المحرك الرئيسي لها، ومن غيره لا قيمة لها ولا لرقصها.. تمضي أحداث الفيلم إلى أن تصل إلى عقد شراكة بينهما (بين الرقص والطبل طبعا)، يبدأ نجم الراقصة بالصعود لتصبح مشهورة في مجال الرقص، بينما يبدأ نجم الطبال بالأفول، ويظل مجرد طبال بفرقة موسيقية بها الكثير من العازفين والطبالين ورغم محاولات الطبال الثورة على هذا الوضع المزري، مذكرا الراقصة بأنه هو السبب في نجوميتها، وبأنها من غير (طبلته) لا تساوي شيئا، فإن كل ما تفعله الراقصة أنها تتركه يجتر أحزانه ، كان هذا التعبير رائجا جدا، هذه المقارنة ليس بمطلقه ولكن بمداوله الشائع تبدو ملائمة توصيفا لحالة شهيرة من العلاقات التي تتم عادة بين السياسيين على اختلاف مستوياتهم وانتماءاتهم من جهة وأهل الفن في جوانبه المتعلقة بالطرب والتمثيل والرقص تحديدا، من جهة أخرى.
قصة الأفلام التي تواردت الى ذهني بعد ما يحدث من متغيرات عل صعيد الاوضاع السياسية خلال الفترة السابقة والفترة الحالية للعراق، ما مدى الترابط بين ما ذكرناه والحالة في العراق هل هو ترابط جزءى ام كلي، هذه المقارنة التمهيدية تبدو ملائمة وضرورية بين يدي مناقشة أبعاد هذه الظاهرة، هذه اللوحات الراقصة المضحكة المبكية أشبه بكباريه سياسي تتنوع فيه المشاهد ، ما يحدث، هو ممارسة الرقص الجماعي أو الفردي كأسلوب للتعبير عن مواقفهم إزاء هذه الظاهرة ، ولهذا اصبح العراق بعد 2003يعيش الكابريه السياسي فبدلا من طبال واحد يجيد فن الايقاع وتوقيتاته، اصبح لدينا طبالين يحركون الايقاع بشكل مبتذل وهي الان المتتحكمة والموجهة في سياق مخططاتهم المدمرة، منهم الامريكان واسرائيل، ومنهم الايرانيين، ومنهم لهم اجندات مشبوهة على الساحة، والراقصات ذات الاجسام المكتنزة بافراط هم سياسيوا الصدفة يتبعون طبالهم، والجمهور منقسم، ومع الأسف، اضحى البعض منهم مع من يدق الطبول ويزف المسؤولين والرقص على الحبال لتلميع افعالهم وهذه الافعال قمة بالنفاق، كلهم كذابين وكلهم عارفين انهم كذابين وكلهم عارفين اننا عارفين انهم كذابين!، والبعض الآخر من هو متفرج وساكت، والبعض المتبقي من يصارع ويغلي في غياب طبال يجيد الايقاع ليحثهم نحو طريق الخلاص، فهذه الحالة من الانقسام المخزي والتشرذم السياسي التي اصبحنا فيها فاقت ذاكرتي على الفلم المصري الراقصة والطبال وكيف اصبح الخادم سيد وكيف اصبح السيد خادم وكيف ظلم العزيز واصبح الذليل عزيز، هؤلاء مايطلق عليهم بساسة العراق، لم يعد لديهم ما يخشونه فقد سرقوا البلد ودمروا حضارته وكينونته، ورغم أنهم يشتركون مع الراقصة المصرية في مهنة "الرقص" رغم أنهم يرقصون على السلاسل، بتصنع ليمنحهم شعوراً واهماً بالتفاؤل، كيف حينما يبعِد هولاء العالم والمحترف والمبدع ويأتي بأهل الثقة من الأقارب والمعارف والأصحاب، يعرفون أن هذا، سيدمر البلد وسيخرّبها وسيضعها في المجهول؟، يستخدمون الرقص كوسيلة في حياتهم لتحقيق أهداف طباليهم، استطاع الطبال أن يعلم الراقصة فن الرقص، ولكنه لم يستطع أن يزرع في داخلها الإحساس الجمالي بالرقص؛ فعادت إلى حقيقتها إلى الملاهي الليلية، وكذلك تعلم السياسين عندنا كل فنون القيادة، ولكنهم لم يستطعوا أن يكون قادة، لأنهم جهلة وسراق والقادة عادة يكونون استثنائيين، وهتا نورد حكاية حقيقية بدأ يتداولها الكثيرون،" في تعليقها الأول على خبر نجاح “الثورة” في مصر عام 1952 قالت تحية كاريوكا التي كانت ترتبط بعلاقة وثيقة بالملك فاروق آنذاك: “راح فاروق .. وجاءت فواريق”، في إشارة منها إلى “الضباط الأحرار” التي رأت أن تصرفاتهم وسلوكهم لا يختلف عما كان يقوم به الملك فاروق، وقد اختصرت كاريوكا بتلك العبارة العفوية دلالة الرأي المتبادل للعلاقة بين الجانبين دائما،عندما رحلت كاريوكا تذكر الناس واحد من أشهر تطبيقات تلك الحالة في عالمنا.. راح فاروق وجاءت فواريق! "، ومن الله التوفيق
1674 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع