من حكايات جدتي ... الحكاية التاسعة عشر

                                         

                         بدري نوئيل يوسف

       

العجوز وصحن الدبس

حدثتنا جدتي: ان جارتنا أم البنات كانت باهرة الجمال كأنها القمر المكتمل في السماء، وجهها مستدير وردي اللون وعيناها سوداء الليل الكاحل السواد، وشعرها أصفر كأنه خيوط الذهب، تغار منها نساء المحلة ولكن مصيبتها أنها تحب شراء الحلي الذهبية وتتزين بها، وكانت تكلف اثمانها دخل العائلة المالي. أما زوجها فقد ضاقت به السبل لمنعها من شراء الحلي وطلب من جدتي أن تنصحه وترشده الى حيلة لتكف زوجته عن هذه العادة الثقيلة .
تقول جدتي: أنها حكت هذه الحكاية للزوج وأن يتعلم منها درسا، (الحكاية) قرر احد الملوك منع النساء لبس الذهب والحلي والزينة، فكانت ردة فعل النساء كبيرة حيث امتنعن عن الطاعة، وبدأ التذمر والسخط والاحتجاج، وبالغت النساء في لبس الزينة والذهب والحلي، اضطرب الملك واحتار، فأمر بعمل اجتماع لمستشاريه وبدأ النقاش واقترح أحدهم التراجع عن القرار للمصلحة العامة، وقال آخر:لا، لان التراجع مؤشر ضعف وخوف ويجب أن نظهر قوتنا، وانقسم المستشارين لمؤيدين ومعارضين .
طلب الملك احضار حكيم المدينة بعدما حضر وطرحت عليه المشكلة قال الحكيم للملك: لن يطيعك النساء إذا كنت تفكر فيما تريد أنت لا فيما يريدون هن فقال له: الملك وما العمل؟ أتراجع إذن ؟ قال الحكيم لا ولكن اصدر قرار بمنع لبس الذهب والحلي والزينة للجميلات لعدم حاجتهنّ للتجمل، واستثناءً القبيحات وكبيرات السن بلبس الزينة والذهب لحاجتهن ستر قبحهن ودمامة وجوههن.
صدر القرار وما هي إلا سويعات حتى خلعت النساء الزينة، وأخذت كل واحدة منهنّ تنظر لنفسها على أنها جميلة، لا تحتاج للزينة والحلي، عندها قال الحكيم: للملك النساء طائعين عندما فكرت بعقولهن وأدركت اهتماماتهن من نوافذ شعورهن.
سمع أبو البنات الحكاية وطار من الفرح وأوصته جدتي أنه يتعلم صياغة الكلمات مع زوجته لا شيء يخترق القلوب كلطف العبارة وبذل الابتسامة ولين الخطاب، امتثلت زوجته لكلامه أول يوم وفي اليوم الثاني عادت حلميه الى عادتها القديمة، وبدأت بالتزين بالحلي والمجوهرات، وعندما سألها زوجها لماذا عادت لبس الحلي قالت له: توقف عن شرب عرق القجغ (المهجوم) وأنا سأمتثل لطلبك، ولم تمضي دقائق حتى ارتفع الصياح بينهما وتدخلت جدتي لفك النزاع
نعود يا اطفالنا المحبوبين الى حكاية اليوم :
كان يا ما كان في غابر الأزمان، امرأة أرملة فقيرة الحال، وعندها ثلاث بنات صغار، تعمل تتعب وتشقى لإطعامهن ورعايتهن، في يوم من الأيام اقترحت البنت الصغيرة على أمها أن يساعدوها في العمل وتأمين حاجات البيت، فطلبوا من أمهم أن تأتي لهم بالصوف ليغزلوه، ويصنعوا منه ملابس تبيعها في السوق، وتشتري لهم بثمنه طعاماً، وهذا ما حصل وتعاون البنات الثلاث على حياكة الصوف حتى صنعوا منه ملابس جميلة أخذتها الأم إلى السوق، فباعتها ببعض الدراهم واشترت لأولادها بعض الحاجيات وصحناً من الدبس، وعادت به إلى البيت.
استمرت على هذا الحال عدّة أيام، وفي أحد الايام بينما كانت عائدة الام بصحن الدبس، واجهت عجوزاً نحيفاً، مقعداً، جالسا على قارعة الطريق، ذقنه طويلة، مهلهل الثياب.
قال لها العجوز: " ذبي دبسكِ واحمليني ولبيتك وديني ".
فقالت له الأم: هذا تعب بناتي الصغار فكيف أرميه وأحملك بدلاً منه ؟ وماذا سأفعل بك.
فقال لها العجوز: "ذبي دبسك واحمليني ولبيتك وديني، ومثل ما أقول لك اعملي لي أنا رزقك ما راح تندمي معي" .
أخيراً وافقت الأم ورمت صحن الدبس، وحملته على ظهرها وقالت: أمري إلى الله.
أنزلته في البيت فاستغرب بناتها قصة العجوز، واستنكروا على أمهم أن تتخلى عن صحن الدبس من أجل هذا العجوز الهفتان، وسألوا أمهم ماذا سيفعلون به ؟
فقال العجوز للمرأة: " افرشي لي فرشة ، وبالّلحاف غطيني ".
فرشت له الفراش وغطّته باللحاف، فقال لها: " الآن جيبي عصي ودقّيني ".
فرفضت المرأة في البداية لكنه ألحّ عليها، ورجاها أن تفعل ما يريد، فأتت ببعض العصي، وأخذت تدقّه مع بناتها حتى أصبح كالعجينة، فرفعوا عنه الغطاء وإذ بالعجوز تحوّل إلى كومة من الذهب. فرحت البنات والمرأة بهذه الرزق العظيم، وطلبت المرأة من ابنتها الكبيرة أن تذهب وتستعير من جارتهم الغنية (كيلة) التي يكيلون فيها الحبوب، فاستغربت جارتهم هذا الطلب، وأرادت أن تعرف ماذا سيكيلون فيها فوضعت في أسفلها قطعة علك، وعندما أعادوها لها وجدت فيها قطعة من الذهب ملتصقة بالعلك، فطار عقلها وذهبت إلى جارتها، وسألتها عن مصدر الذهب فلم تجبها، فألحّت عليها حتى اعترفت لها الجارة بكل ما حدث، فغرّها الطمع وحملت في اليوم التالي صحناً من الدبس، وجابت الشوارع حتى قابلت عجوزاً فقيراً مريضاً، فطلبت منه أن يأمرها برمي صحن الدبس وحمله إلى البيت، فحاول التملّص منها لكنها أرغمته على قول ذلك، فقال لها ما تريد فحملته إلى البيت، وقالت له أن يطلب منها أن تمدّ له الفراش وتغطّيه باللحاف، ثم أمرته أن يقول لها أن تضربه بالعصا، فأخذ يبكي ويرجوها أن ترحمه وتتركه في حال سبيله، لكنها لم ترد عليه وسحبت العصي هي وأولادها، وصاروا يضربونه وهو يصيح ويستغيث من الألم حتى همدت حركته، فرفعوا الغطاء عنه وإذا هو جثة هامدة، وكومة من اللحم المفعوس، والفراش بركة من الدم.
حضرت الشرطة فقبضت عليهم، ووضعوهم في السجن بتهمة قتل الرجل العجوز ولقوا جزاء طمعهم وحسدهم لجيرانهم.
نلتقي في حكاية جديدة .

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

3265 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع