بقلم جابر جعفر الخطاب
حــــوار مع الأخطـــل الصغيـــر ١
تحت ظلال ( الهوى والشباب) التقيته وعلى بساط القوافي المعشبة التي يفرشها لزواره وعشاق شعره فكانت كلماته الرقيقة تتدفق جداول خمر وعطر ومحبة فتسكر عشاقها وتحلق بهم في أجواء الخيال فأشعاره غابة ألحان متناسقة تجمع بين الموسيقى الشعرية والعذوبة اللفظية فهي تلحن نفسها بنفسها ولا تحتاج إلى أوتار لأنها تنسحب على أوتار القلوب كما ينساب
ضوء القمر على صفحة النهر الغافي ويتغلغل
في أمواجه الحالمة
1 – سألته : ماهي موحيات الشعر عندك؟ فأجابني
الهوى والشباب والأمل المنشودُ
توحي فتبعث ُ الشعر َ حيــّا
2 – ولكن لماذا تبدو حزينا ؟
والهوى والشباب والأمل ُ المنشود ُ
.ضاعت جميعها من يديا
3 -وكيف عرفت ذلك ؟
يشرب ُ الكأس َ ذو الحجى ويُبَقي
لغد ٍ في قرارة الكأس شيا
4 – وهل لك غــــد ٌ تنظر إليه؟
لم يكن لي غد ٌ فأفرغت ُ كأسي
ثمَ حطمتها على شفتيا
5- متى بدأت علاقتك بالخمرة
وُلِـدَ الهوى والخمرُ ليلة َ مولدي
وسيحملان ِ معي على ألواحي
6-وهل هنالك تقاليد لمجالسها
وآداب خاصة بها؟
أدب ُ الشراب إذا المدامة ُ عربدت
في كأسها أن لا تكون الصاحي
7- وهل صحيح ما زعم البعض بأنك تنوي الإقلاع عنها والتوبة منها ؟
أجابني بعصبية ظاهرة وكأن السؤال قد استفزه .
كذب َ الواشي وخاب .. من رأى الشاعرَ تاب
عمره ُ فجرٌ من الحبِ ...وليلٌ من شراب
8- ما رأيك بشعر المديح ومن يستحقه في تصورك ؟
إن كان لا بد َّ من مدح ٍ تنمقهُ
فامدح لنا الورد أو فامدح لنا القدحا
من يسرق الخبزَ إنقاذا ً لصبيته ِ
أحقُ بالعذر ممن يسرق الـمـِدَحا
9- تمتد الطبيعة إلى شعرك وتمتزج معه حتى يصبح جزءاً منها فما السر
كلمــــا غنيت ُ لحنا .. في ديـــار البلبل ِ
سرقَ اللحن َوألقاه ُ...بأذن الجــدول ِ
10 – ماهي أجمل الذكريات التي تراود مخيلتك من أيام الصبا والشباب ؟
رددي ذكرى لقانا الأولِ ِ وتساقينا كؤوس الغزل
وافتراش َ العشب عند الجــدول ِِ
11 – من أنت وماذا تقول في نفسك وشعرك ؟
أنــا طيـــف ٌمن خيــالات الليـــالـــي
من صدى الوادي ومن همس الدوالي
كم على الصحراء وشيٌ من خيالي
وعلى البحر يتيماتي الغوا لي
12 -حسادك كثيرون فكيف ترد عليهم ؟
ومعشر ٍحاولوا هدمي ولو ذكروا
لكان أكثر ما يبنون من أدبي
تركتهم في جحيم ٍ من وساوسهم
ورحت أسحب أذيالي على السحبِ
13- وما هو الوصف الذي أطلقته على بعض الحكام الأذلاء أمام أسيادهم
إذا ما ضربتَ الكلبَ يعوي وربما
تقحمَ مؤذيـهِ وعضَّ بنابــه ِ
وفي الشرق ناس ٌلو سحقت َرؤوسَهم
لما نبَسوا فليستحوا من كلابهِ
14 – في شعرك تلتقي الأديان ويتوحد الجميع في رحاب الوطن والأمة
فأنت عربي أصيل مدافع عن امة العرب
خلق الله ُفؤادي....من شعاع ٍ ودموع
قبسا من وجه طه.. ذابَ في جفني يسوع
15 – النيل قصيدة الشعراء الخالدة هل عانقت حروفك هذا النهر العريق ؟
أيها النيل يا حبيبَ الرياحين ِ
عيونُ الأزهار ِ نسجُ عيونك
املأ الشاطئين حبا وشعرا
فجناحُ الهوى شراعُ سفينك
لثمَ الدهرُ راحتيكَ وغنى
عبقريَ الألحان تحت غصونك
16 - هل وصفت العيون الجميلة وأي
شيء تركت في قلبك ؟
يا عيونا أوحت إلينا الغراما
أجنونا سقيتنا أم مداما
آية الحب أن تظلي ربيعا
لفؤادي وأن يظل هياما
17 – تحتل المرأة عرش شعرك وتتربع عليه وقد توجتها بأكاليل
خالدة من جواهر القوافي ومنحت ملكة جمال لبنان عام 1934
قصيدة هي ملكة جمال قصائدك وما زالت تطرب الأسماع حتى الآن هل تسمعنا شيئا منها ؟
الصبا والجمالُ ملك ُيديك ِ
أيُ تاج ٍ أعزُ من تاجَيك ِ
نصبَ الحُسنُ عرشهُ فسألنا
مَن تراها لهُ فدل َّ عليكِ
فاسكبي روحك الحنونَ عليهِ
كانسكاب السماءِ في عينيك ِ
قتلَ الوردُ نفسهُ حسداً منكِ
وألقى دماهُ في وجنتيك ِ
والفراشات ُ ملت الزهرَ لما ...
حدثتها الأنسام ُعن شفتيك ِ
18 – عندما بلغت ابنتك وداد العشرين من عمرها
بأي شيء خصصتها ؟
يا قطعة ً من كبدي ...فداكِ يومي وغدي
ودادُ يا أنشودتي البكرَ...ويا شعري الندي
يا قامة ً من قصبِ السـُـــكَر ِ رخصَ العُقد ِ
عشرونَ هلل يا ربيـــــعُ للصِبا وغــردِ
19 – أنت تحب الحياة في الريف وتهرب من أجواء المدن الصاخبة فما هي نصيحتك للآخرين
عودوا إلى تلك القرى فلقد
سلختكم ُعن قلبها المدن ُ
الذكرياتُ على مقادمها
الأمُ والأخواتُ والسكنُ
تردُ الصبايا بالجرار وقد
عادت على أكتافها المزن ُ
20 – هل كان شعرك يتدفق عفويا أم كنت تستحضره متى شئت ؟
صغتُ القريضَ ومالي في القريض يدٌ
يدُ الطبيعةِ فيهِ أو يدُ القدَرِ ِ
إن المواهبَ لا فضلٌ لصاحبها
كالصوتِ للطير أو كالنشر للزَهرِ
21- -أين موقعك من جغرافية الحب العربي ؟
أنا في شمال الحب قلبٌ خافقٌ..
وعلى يمين الحق طيرٌ شادي
غنيت للشرق الجريح وفي يدي
ما في سماء الشرق من أمجاد ِ
22-الوحشة والخريف ضيفان ثقيلان
في بيداء الحياة ما حالك معهما ؟
اليوم َأصبحتُ لا شمسي ولا قمري
مَن ذا يغني على عودٍ بلا وتر ِ
ما للقوافي إذا جاذبتها نفرت
رعت شبابي وخانتني على كبري
**********
الحديث مع بلبل الطبيعة الغريد يطول
والوقت يمر مسرعا دون إن نحس به والأسئلة كثيرة متشعبة تشعب عيون الجبل وهي
تغسل غضون الأرز المتدلية على السفوح
وهنا أبصرت على الطاولة القريبة منا باقة
زهر وبطاقة شعر تحمل بيتين هما مطلع
قصيدة رثاء طويلة ومؤثرة كان يزمع بعد
اللقاء أن يضعها على قبر صديقه المسلول فاعتذرت منه لتأخره عن موعده المحبب والبيتان هما ....
مات الفتى فأقيمَ في جَدَثٍ
مستوحش ِ الأرجاء منفرد ِ
وتزورهُ حينا ً فتؤنسهُ
بعضُ الطيور بصوتها الغرد ِ
المصادر: ديوان الهوى والشباب للشاعر بشارة الخوري ( الأخطل الصغير )
الصورة في شعر الأخطل الصغير للدكتور أحمد مطلوب . دار الفكر. عمان
1028 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع