ابراهيم العريس والادب الروسي

                                                     

                                    أ.د. ضياء نافع

يوجد تعبير جميل في الغرب دخل الى  لغتنا وعالمنا العربي وهو:

– ( ارفع قبعتي لك تحية واحتراما واعجابا ),

وهذا هو بالذات التعبير الذي اريد ان استخدمه واسجله في بداية حديثي عن الصحفي اللبناني الكبير الاستاذ ابراهيم العريس , الذي اتابع – وباعجاب -  منذ زمن ليس بالقصير مقالاته الثقافية المعمقة في الادب العربي والعالمي, التي ينشرها في الصحافة العربية . هناك اختلافات وفروق بين البحث العلمي والمقالة , ولكن كتابات ابراهيم العريس تمزج بينهما ابداعيا بشكل يكاد يقترب من صيغة جديدة لدرجة اننا نستطيع – وبسهولة -  تطوير معظم مقالاته وتحويلها الى بحوث علمية رصينة لانها مكتوبة وفق خطة دقيقة ومحددة وواضحة المعالم , ولعل ابرز ما في هذه المقالات هي الروح المهنية الموضوعية التي تسود فيها , والنظرة العلمية الشاملة والمتكاملة والعميقة الى الموضوع, اضافة الى ان تلك المقالات لا تخضع للمواقف السياسية بشكل مباشر او غير مباشر , ولا تتعامل معها بسذاجة كما نجد – مع الاسف – عند بعض نقادنا وباحثينا هنا وهناك , رغم ان هذه المقالات تسير على حافات السياسة بعض الاحايين الا انها لا تسقط في مستنقعها ابدا . هذه صفات وسمات عامة لكتاباته, ولكننا لا يمكن بالطبع ان نحلل او حتى ان نتناول بشكل عام و في اطار هذه السطور مقالات ابراهيم العريس كافة , اذ انها  واسعة وشاملة بكل معنى الكلمة , ولهذا نود ان نسجل هنا فقط بعض الانطباعات الشخصية والملاحظات البسيطة بشأن  المقالات حول الادب الروسي ليس الا , التزاما بعنوان مقالتنا اولا واختصاصنا العام والدقيق ثانيا , اذ ان ابراهيم العريس كتب مقالات عديدة ومتنوعة عن بوشكين وليرمنتوف وغوغول ودستويفسكي وتولستوي وتشيخوف وغوركي وماياكوفسكي وشولوخوف وغيرهم , وتناول الظواهر الكبرى والاساسية في تاريخ الادب الروسي ومسيرته المتشعبة , وتحدث عن الرواية والقصة والمسرحية والشعر الروسي , وبالتالي لا يمكن لهذه المقالة ان تتناول تلك الجوانب كافة بلا ادنى شك, واتمنى ان تسنح لي الفرصة لاحقا لكتابة سلسلة من المقالات , تتناول كل مقالة موقف العريس وعلاقته تجاه اديب روسي واحد من هؤلاء الذين مرٌ ذكرهم اعلاه ومفاهيمه حوله, اذ عندها نستطيع التحدث بعمق ونحلل مواقفه وطروحاته كافه, ولهذا فاننا نكتفي الان بملاحظات بسيطة وعامة حول بعض مقالاته ليس الا .
 اتوقف عند مقالته عن بوشكين والتي جاءت بعنوان –  (ابنة الضابط لبوشكين ..الانسان وسط زحام التاريخ العاصف ) . عنوان جميل جدا لمقالة متميزة وغنية  بملاحظاتها الدقيقة  يشير فيها ابراهيم العريس الى ان بوشكين هو ( المجتهد الاكبر في الادب الروسي ), ويعطي ترجمة اخرى لرواية ابنة الضابط هكذا- ( ابنة النقيب في شكل اكثر حرفية ) , اي انه لم يكن مقتنعا بترجمة – ابنة الضابط رغم تثبيت هذه التسمية في عنوان مقالته تلك , وهذه هي صفة الباحث العلمي الحقيقية, الذي لا يقتنع بالشئ المنجز , والذي يجتهد بصورة دائمة ويحاول الوصول الى الافضل . نعم , انا اتفق مع العريس في ان بعض عناوين الادب الروسي لم تستقر بالعربية لحد الان , وقد سبق لي ان نشرت مقالة حول هذا الموضوع في عدة مواقع بعنوان – ( ترجمة عناوين الادب الروسي ), و رواية بوشكين – ( ابنة الضابط ) خير مثال على ذلك فقد جاءت بعدة اشكال , وترجمها المرحوم غائب طعمه فرمان ب – ( ابنة الآمر ) ضمن الاصدارات العربية للادب الروسي في الاتحاد السوفيتي آنذاك , ويعطينا العريس في مقالته هذه ترجمة جديدة وهي –  (ابنة النقيب ), وتستحق هذه الترجمة مكانها اللائق  بها ضمن الاجتهادات الاخرى  بلا ادنى شك , اذ ان بوشكين استخدم كلمة ( كابتن ) في النص الروسي , وتترجم بعض بلداننا العربية هذه الرتبة العسكرية بكلمة – ( نقيب ) فعلا , رغم ان هذه الكلمة ترتبط بعدة معان اخرى في لغتنا العربية المعاصر, وفي كل الاحوال يستحق هذا الاجتهاد الجديد لعنوان رواية بوشكين  التأمل والمناقشة  .  واود ان استمر بالحديث عن هذه المسألة المطروحة امام المترجمين العرب وكيف تعامل معها العريس واتوقف عند مقالة اخرى له بعنوان –  (معطف غوغول الذي خرج منه دستويفسكي والادب الروسي كله ), اذ كتب العريس عنوانين لنتاجين من نتاجات غوغول ,  ليست دقيقة من وجهة نظرنا , العنوان الاول هو – ( ملاحظات مجنون ) و نحن نعتقد ان الاصح هو –  ( يوميات مجنون ) او ( مذكرات مجنون ) , وقد استقرت هذه التسمية بالعربية منذ فترة طويلة نسبيا, اما العنوان الثاني فقد أبقاه العريس كما جاء بالنص الروسي عند غوغول وهو- ( نفسكي بروسبيكت ) , وهو عنوان غير مفهوم للقارئ العربي بتاتا , وقد تم ترجمة هذا العنوان  الى العربية هكذا – ( شارع او جادة نيفسكي ) , وهو الاصح على ما نظن, ولم استطع ان افهم لماذا استخدم ابراهيم العريس هذه التسمية هنا وهو الذي يتعامل مع الادب الروسي ليس عبر اللغة الروسية وانما عبر لغة وسيطة, ولم استطع ايضا ان أجد تبريرا لذلك . و نترك الان موضوعة العناوين و نتوقف قليلا عند مقالة اخرى له بعنوان ساحر وجميل فعلا وهو – ( بلاتونوف لتشيكوف – حين تخون ستبقى خائنا الى الابد ) , حيث يتناول فيها اول مسرحية كتبها تشيخوف وتاريخها الطريف , ويعرض مضمونها العام بشكل مشوٌق و موضوعي وعميق , ويتوقف عند افكارها الفلسفية, وهي مقالة رائعة بكل معنى الكلمة , وقد طالعتها باندهاش واعجاب وشغف لدرجة اضطرتني ان اغمض عيني عن كتابته لاسم المؤلف المسرحي على الطريقة الانكلو – امريكية لعدم وجود حرف الخاء لديهم , اي تشيكوف ( بالكاف ) كما يلفظونه ويكتبونه هم , وليس تشيخوف ( بالخاء ) , كما يلفظه ويكتبه الروس , وكما نلفظه ونكتبه نحن العرب منذ زمن بعيد . وكان بودي ان اتوقف هنا ايضا عند مقالتين و اتحدث قليلا عنهما, الاولى عن مكسيم غوركي والتي جاءت بعنوان – ( جامعاتي لغوركي – كيف انتحر وهذا الابداع يملأ العالم ؟ ) , اذ انها مقالة مهمة تتناول موضوعا حيويا للقارئ العربي وهو العلاقة المتبادلة بين الادباء والحكام , الا ان المجال لا يسمح بالكلام حتى بايجاز عن هذه النقطة الكبيرة و الحساسة ,  والثانية عن تولستوي بعنوان – ( الحرب والسلم – حب الحياة وسط دوامة الموت والخراب )  , وتتناول فلسفة هذا الكاتب الروسي العملاق , الا ان المجال ايضا لا يسمح حتى بعرض موجز لملامح تلك الفلسفة.
 اكرر مرة اخرى في ختام هذه السطور احترامي وتقديري لهذا الباحث الكبير وجهوده العلمية الموضوعية في خدمة القارئ العربي وتنويره بكل هذه الجوانب المجهولة للادب العالمي بشكل عام والادب الروسي بشكل خاص . ما احوج امتنا العربية الى مثل هذه النماذج الثقافية المضيئة في هذه الفترة المعتمة من تاريخنا ..

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

397 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع