د.سعد العبيدي
ان النظر الى ما حصل بالموصل قبل عامين من اليوم حيث تمكنت داعش من احتلال المدينة العظيمة واستباحتها، سنجد أن ما حصل كارثة متعددة الأوجه فهي كارثة عسكرية،
اذ من غير المعقول قيام عدة آلاف لم يصلوا الى الخمسة بأي حال من الأحول وبأسلحة خفيفه وعجلات حمل عادية باحتلال المدينة متفوقين قتالياً على عدة فرق عسكرية، يزيد تعداد منتسبيها عن الستين ألف، مجهزة بأسلحة حديثة ومعدات متطورة، مدعومة بالدروع والمدفعية الثقيلة والطائرات المتعددة المهام... كارثة لم تقف حدودها عند خسارة الأسلحة والمعدات التي قدرتها بعض المصادر بحدود العشرين مليار دولار، بل ويضاف اليها ذلك الجهد العسكري المطلوب لإعادة تحريرها حيث الحاجة الى وحدات مقاتلة مدربة جيداً، والى أسلحة حديثة ومعدات لا يقل اجمالي كلفها عن العشرين مليار دولار أخرى، عدا الجهد المبذول والخسائر البشرية المحتملة.
وهي كذلك كارثة وطنية، إذ أن الصدمة دفعت وبشكل غير معقول ما يقارب المليوني مواطن موصلي لأن يكونون مشدوهين يتفرجون على خذلان عسكرهم وفوضى انسحابهم وتلك الأسلحة المتروكة معفرة بالتراب، يصفق بعضهم مرحباً بالوالي الجديدة، ويترك المكان بعضهم خوفا من القادم الجديد، ويدخل الدار غالقاً بابها بعضهم الآخر خوفاً من الحاكم الجديد، دون أي حساب لما سيسببه الاحتلال من استباحة وذل وتجهيل وتقييد... كارثة أدت الي محو الطبيعة التاريخية الوطنية للموصل يوم غابت أو غيبت عمداً تلك الآثار وأسقطت التماثيل وهدمت المعابد وفجرت الكنائس، وسرقت المحتويات، وقسمت المواطنون المقسمون أصلاً بينها منظمة ارهابية وبين أتباع آخرين على حساب الانتماء الى وطن وان كان جريح.
وهي كذلك كارثة نفسية اجتماعيه أقل ما فيها من إيذاء تلك الفتيات اللواتي اجبرن على الزواج من حيوانات بشرية بدعوى الجهاد ولم يعدن أناث، وأولئك الأبناء الذين تمردوا على آبائهم والتحقوا مع داعش بدوافع الحقد أو لأغراض الاستعراض الرجولي واشباع الغرائز وحب الذات، ولم يعودوا من الأبناء. وغالبية الأطفال الذين غيرت أحداث الاحتلال واساليب ادارة المدينة دينياً وتربوياً من نفوسهم ودفعتهم سريعاً الى عبور مرحلة الطفولة مبكراً ليكون بعضهم تلميذا لداعش وآخر متطوعاً كمقاتل وانتحاري لداعش، ويكون الآخر مرعوباً من أفعالها... كارثة ستترك آثارا نفسية سلبية (اضطرابات ما بعد الشدة) سوف يعاني منها عموم المواطنين الموصليين الذين شهدوا وعاشوا هذه المحنة وان اعتقد البعض أنها عابرة أو مؤقتة... كارثة ستدوم آثارها طويلاً وستدخل غالبية الموصليين في أتون مشاكل نفسية اجتماعية، هم وحدهم لا يستطيعون تجاوزها على المديين المتوسط والقريب.
ان مسألة الموصل كارثة بكل معنى الكلمة، طالت أهل الحدباء، وعانى منها باقي أبناء العراق. هزت أركان الدولة وهددت وحدة البلاد... كارثة سوف لن تنته بمجرد التحرير على الرغم من أهميته، بل ومن المتوقع أن تُنفتح أبواب مشاكل أخرى قد يرقى تصنيفها الى مستوى الكوارث عندما يقف المساهمون في التحرير أمام بعضهم البعض ليحددوا الاستحقاقات الناتجه عن الانتصار، لأن لبعض الأطراف أجندات مسبقة وأهداف بعيدة المدى يريدون تحقيقها بأي ثمن يكون. الأمر الذي لابد وأن يتنبه اليه أولي الأمر ويتحسبون مسبقاً.
863 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع