مدينة الموصل العربية

                                          

                  مدينة الموصل العربية

   

                         بقلم/فؤاد يوسف قزانجي

 ورثت مدينة الموصل العربية،تراثا اشوريا رافدينيا قديما وتراثا مسيحيا عراقيا اصيلا. حيث قامت علي ارضها بلدة نينوي منذ العصور القديمة ،ثم اتسعت في العصر البابلي القديم ثم في العصر الاشوري حيث بنيت فيها عدة مباني ومعابد.

وفي اوائل القرن الثامن قبل الميلاد، قررالملك سنحاريب جعلها عاصمة لللامبراطورية الاشورية بدلا من دور ــ شاروكين او كلخو. وبعد ان احتل هو وابنه اسرحدون وحفيده اشوربانيبال معظم انحاء الهلال الخصيب وكذلك شمال مصر، انهارت تلك الامبراطورية ثم سقطت نينوي عاصمة الشرق نهائيا ودمرت في عام 612 قبل الميلاد.
 في القرن الرابع ق.م.، ذكر المؤرخ زينفون المرافق لحملة (العشرة الاف مقاتل اغريقي) انه وصل الي موضع في شمال العراق سماه (مسبيلا) Muspile او مشبيلا. ومن المعتقد ان هذا الاسم ماخوذ من الكلمة الاشورية مشبالو الذي يعني المدينة الخربة (نينوي) .(1)
 في القرون الميلادية الاولي، قامت حول بقايا احد الحصون الاشورية القديمة (تل قليعات) بلدة زراعية تقع علي الجانب الغربي من دجلة نمت بين اهلها المسيحية وسميت البلدة بالسريانية(حصنا عبرايا) اي الحصن العبوري حيث كان يقتضي من السكان عبور نهر دجلة اليها.


اسحاق النينوي
وتذكر التواريخ السريانية انه في القرن الرابع اقيم ديرالنبي يونان بن متي علي تلة اثرية، وقامت حول الديروفي اسفل التلة بلدة نينوي. وكانت بلدة نينوي اسقفية تابعة لمطرانية اثور اوحدياب. وفي نحو سنة 550 اشتهرفيها اسحاق النينوي بعلمه وثقافته الذي كان اسقف نينوي، وقد استمرت هذه الاسقفية حتي ابطلها يشوع بر نون اسقف نينوي وذلك في سنة 820.(2). وذكر توما المرجي وسليمان الصائغ انه حتي بداية القرن التاسع كان في البلدات التي اصبحت تسمي الموصل،العديد من المدارس السريانية من بينها مدرسة دير مار جبرائيل المعروف بالدير الاعلي علي نهر دجلة جوار حصنا عبرايا(باشطابية)، واخري في دير مار ميخائيل،ومدرسة في دير يونان(يونس) النبي بن متي، ومدرسة مار ايليا الحيري في الغرب.وكانت هذه المدارس تعلم مختلف العلوم والفلسفة واللاهوت واللغات. وفي القرن العاشرجري تشييد جامع صغيرمجاور لدير النبي يونان سمي بجامع النبي يونس بن متي .وبعد فترة هجرالرهبان الديرلاسباب لم تتضح بعد. وورد في التاريخ السعردي، ان المسيحيين من الارثوذكس التجأوا الي نينوي هربا من الملك الروماني يوليانس الجاحد(359 ــ 363). وكان معظمهم قد قدموا من مدينة آمد (ديار بكر). وفي هذا القرن ايضا تم تشييد دير مار متي او دير الشيخ متي علي جبل الفاف (مقلوب). وصار الديركرسيا اسقفيا للكنيسة الارثذوكسية ثم كرسيا مطرانيا في الربع الاخير من المئة الخامسة للميلاد. واول اساقفته مار بر سهدا الذي استشهد سنة 480. واعقب ذلك اقامة كنائس واديرة اخري مثل ديرماربهنام الشهيد الذي يعتقد انه اقيم في اواخر المئة الخامسة.وهومن اقدم القديسين العراقيين، لعله استشهد واخته سارة في الاضطهاد الاربعيني مع الاف الشهداء في الفترة (339 ــ 379). (3)
 في عام 570 شيد الراهب النسطوري ايشوعياب بر قسري في بلدة حصنا عبرايا كنيسة كبيرة وديرا كما ورد في التاريخ السعردي ايضا، واصبح دير ايشوعياب يعرف بكنيسة مار اشعيا.
 وكانت مجموعة البلدات: حصنا عبرايا ونينوي وغيرهما قد سميت في نهاية العصرالساساني ــ السرياني مدينة (نو اردشير) او (ناو ــ اردشير) من قبل الملك كسري الثاني ابرويز(590 ــ 628). والمعتقد ان تعبير ناو قد يحمل في طياته اشارة الي اسم نينوي .وخلال المعارك العديدة التي دارت قرب مدينة ناو ــ اردشيربين الفرس والرومان خاصة في عام 627 حيث تم دحر كسري الثاني من قبل الامبراطور هرقل، تحولت المد ينة الي مركز روماني لعدة سنوات، وكانت تابعة لادارة القائد انتيوخس حاكم تكريت، لبضعة سنوات ثم انسحب منها الجيش الروماني.(4)
استسلمت المدينة الي العرب المسلمين الزاحفين نحوها في عام 641 دون قتال يذكر مع الفرس،ولعل الاسقف مار(امه) النسطوري قد قدم لهم الميرة والمؤن ولربما ساعدهم في الدخول اليها.(5) وبعد استقرارهم فيها شاع اسم الموصل بينهم لأنها كانت توصل مابين الجزيرة والعراق. وفي ذلك الوقت كان معظم سكان الموصل من المسيحيين، وان كثيرا منهم تعود اصولهم الي الاشوريين والكلديين والاراميين. وكانت بقية السكان من القبائل العربية التي هاجرت الي العراق منذ القرن الثالث للميلاد وكونت مملكة الحيرة او المناذرة التي زال ملكها وتشتت اهلها في بداية القرن السابع للميلاد.كما كانت المدينة قد اتسعت لتشمل بلدات عديدة من بينها سنجاروالشركاط وباخديدا وتلكيفا وبارطلا وباطنايا وبلاوات وباحزاني والقوش وعين سفني ونمرود وخورسباد وغيرها.

اسقف الموصل
وقد تم تعيين مارن عمة جاثليقا علي كنيسة المشرق في عام 647 بالرغم من كبر سنه، اذ ادعي البعض ان اصدقاءه العرب قد عملوا علي تعيينه اعترافا منهم بالخدمات التي قدمها عند استيلائهم علي الموصل، اذ كان قد زودهم بالمؤن الضرورية. واول اسقف سمي باسقف الموصل بدلا من اسقف نينوي، كان ايشو عياب الثالث الحديابي الذي اصبح بطريكا علي كنيسة المشرق وذلك في عام 649. وصارت الموصل في عهد مروان الثاني اخر خلفاء بني امية، قاعدة اقليم الجزيرة وبني فيها الجامع العتيق. وتم تسوية طرقها، وبني حولها سوركما نصب لها جسرا وشيد لها قلعة لتحميها.وصارت عاصمة دويلة الحمدانيين خلال القرنين العاشر والحادي عشر،والتي ضمت اراضي الموصل والجزيرة ومدينة حلب. وقد اشتهرت الموصل بمنسوجاتها المسماة بالموسلين الذي وصلت شهرته الي اوربا، كما عرفت باستخدام المعادن. وكانت الموصل وما زالت مركزا زراعيا عراقيا مهما لزراعة الحنطة والشعيروالخضر والفاكهة وفيها افضل انواع الرقي في المنطقة، وكذلك عرفت بانتاج السمن والسماق والقير والفحم. احتلها المغول بعد احتلال هولاكو لبغداد في عام 1258. ثم احتلها العثمانيون في عام 1514.ودافعت الموصل عن نفسها ببسالة ضد غزوة نادر شاه لها.وقد عانت الموصل من ويلات المجاعة منها المجاعة التي حدثت في عام 1878 حيث اكل الناس خلالها الخيل والحميروغيرها،كما عانت من مجاعة اخري في نهاية الحرب العالمية الاولي وذلك في 1917 ــ 1918 حينما انسحب الجيش التركي من الموصل واخذ معه جميع ما موجود من الحنطة والشعير مخزونا في الموصل. وحاليا يشكل العرب غالبية السكان يتبعهم المسيحيون ثم اليزيدية والاكراد وغيرهم.
تعد الموصل ثالث مدينة عراقية في الاهمية بعد بغداد والبصرة،وثاني مدينة في عدد السكان . وتبعد عن بغداد حوالي 450 كم، وهي مركز محافظة نينوي، وتضم جامعة وعدة كليات ومعاهد ومراكز حضارية وبقايا مدن تاريخية مثل نينوي وكلخو ودور ــ شاروكين وتربيصو وشيبانيبا وكيسيري وغيرها.

المصادر
(1) لسترنج ،غي. بلدان الخلافة الاسلامية، ترجمة وتحرير بشير فرنسيس وكوركيس عواد. بغداد: مطبعة الرابطة،1954 ص (115 ــ 118)
(2) فييه، جان موريس. الاثار المسيحية في الموصل. ترجمة نجيب قاقو. بغداد: مطبعة الطيف، 2000.ص (11 ــ 20)
(3)عواد، كوركيس وسركيس، يعقوب. اصول اسماء مدن وقري عراقية. لندن، دار الوراق للنشر، 2009 ص(126)
(4) الحموي، شهاب الدين ابي عبدالله (ت.1224م) معجم البلدان.بيروت: المجلد الرابع (ص339 ــ 340)
(5) قاشا،سهيل.مسيحو العراق.لندن:دار الوراق،2009 ص 60 ويقول الباحث الاب قاشا ان مار امه من اهل ارزن وكان اصلا مطرانا علي مدينة جنديسابورالتي كان فيها الكثير من السريان من ذوي الاصول الارامية، ومن بينهم عددمن الاطباء.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1143 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع