د.سعد العبيدي
انتخبت لندن قبل أيام عمدة لها. في دورة لأربع سنوات فاز فيها مرشح حزب العمال السيد صادق خان، ابن سائق الباص الرقم (٤٤)، وكان فوزه بفارق أصوات كبير على منافسه اليهودي ابن الملياردير..
انتخاب جلب الكثير من التعليقات، في غالبها عن هذا التحول والاقتناع بانتخاب الغالبية المسيحية في مدينة مسيحية لمسلم حاكماً لها في ظروف اضطراب دولي يمثل فيه التطرف الاسلامي جانباً من حرب ارهاب كونية. وهو انتخاب مع افتراض حسن النية في النوايا والنتائج والأسباب يستحق الخوض في بعض تفاصيله والمقارنة في نتائجه مع مجتمعنا العراقي بشكل عام والبغدادي على وجه الخصوص:
فلندن الكبرى يزيد تعداد نفوسها على الخمسة عشر مليون نسمة منهم ما يقارب الثمان وأربعون في المائة مسيحيون، وعشرون في المائة لا يؤمنون ولم ينتموا الى دين، وثمانية بالمائة مسلمين وأقل من اثنان بالمائة يهود. وأقل منهم سيخ وبوذيون وغيرهم، اتفقوا في أصواتهم على انتخاب السيد صادق دون أن يفتشوا في دفاترهم القديمة عن دينه، تابعوا واتبعوا برنامجه الانتخابي وبرامج حزبه، وعندما دفعت حمى الانتخاب بتناول موضوع الاسلام عاملاً للتفضيل، لم يعره الغالبية اهتماماً، واتجهوا صوب انتخابه تبعاً لقناعاتهم.
انها تجربة وطن حضاري تجاوز فيه المواطن خصوصيته الدينية والقومية، وتجربة تجانس اجتماعي فضل في مجالها المواطن، عيشاً مشتركاً على حساب الذاتية... تجربة لو قارنا نتائجها بتلك الانتخابات التي جرت في بغداد لمنصب أمين العاصمة، وتلك التي ستجري مستقبلاً وافترضنا قد رشح كردي الى هذا المنصب فهل سيحصل على أصوات من خارج المكون الكردي، ولو تجاوزنا هذا الافتراض الذي يرفع أصوات ستقول انه ومكونه يسعون للانفصال وافترضنا مسيحياً أو صابئياً فهل سيكسبان أصوات المسلمين الشيعة أو السنة؟، وهل سيسمح لهم في الترشيح أصلاً وان اجتازا اختبار الاجتثاث وحسن السير والسلوك؟.
لا، انهم لا يكسبان قطعاً الا بعض الأصوات النشاز، بل وان المتوقع وفيما اذا نجح أحدهم ووصل حافات الدعاية الانتخابية، سيجد في اليوم التالي أن مغلفاً قد ترك في بابه يحوي على رصاصة وقصاصة ورق مكتوب عليها "انسحب والا".
انه مشهد افتراضي، وقوعه محتمل جداً، وسطه نجد أنفسنا ونحن الساعين الى تفضيل ابن ملتنا الجاهل على ابن الغير المتعلم نتباكى على عراق، نخشى له التقسيم في مرحلتنا الزمنية التي نعيشها الآن، دون أن نسأل أنفسنا:
كيف لا يقسم وما زلنا ننتخب ونتظاهر ونحتج طائفياً؟.
كيف لا يقسم حتى وقتنا هذا وهناك من يتمتع بمقتل غيره طائفياً؟.
وكيف لا يقسم والمسؤول منا يفضل هذا على ذاك تبعاً لمقولة "انه من عدنا وبينا"؟.
ان هذه الأفكار وأنواع السلوك التي ننتهجها في هذا الوطن العليل، هي الأدوات الفعلية للتقسيم، واذا لم نتخلص منها، فالتقسم آت لا محالة، وسيقرأ من يأتي بعدنا عبارات أقلها قسوة:
ان جيلاً عاش وحكم في الربع الأول من الألفية الثانية هو من قسم العراق.
1068 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع