بقلم / الصقر
نشر الاستاذ اللواء محيي الدين محمد مقال بعنوان ( ربيع الهروب الجماعي للشعب الكردي في اذار 1991 ) , تطرق فيها الى فعاليات سمتيات طيران الجيش وكعادته ذكر الحقيقة وبشكل حيادي وعفوي صادفا فيما يذكره دائما كما عودنا .
حفزني المقال المذكور لاعادة ارسال حادثة كنت احد منفذيها سبق وان ارسلتها في اذار 2014 الى حبيبتنا الگاردينيا ولم تنشر بسبب كونها تتألف من حادثتين مختلفتين كان للاستاذ الشيخ جلال چرمگا الرأي الصائب لعدم نشرهما لتضمن احداهما احداث قدرها محقا لا تناسب النشر وكان ان حجبت الحادثة الثانية بشببها والتي اعتقد بانها صالحة ومناسبة لكونها تصور حالات انسانية تمثل وحدة ومحبة ابناء الوطن الواحد او ما يجمع الانسان مع اخيه الانسان من شعور المحبة رغم التباعد بسياسات وآراء الحكام .
وشكرا مقدما للاستاذ اللواء محيي الدين الذي اوحى لي اعادة ارسال المقال لكونه يقف بالصف الواحد مع احساسه النبيل في سرده الجميل الصادق في مقاله..
ظهر يوم 3 آب 1980 وخلال الايام العشرة الاخيرة من شهر رمضان كلفت بقيادة تشكيل من طائرتي الويت/ 3 و قائد الطائرة الثانية النقيب الشهيد علي خضير فرحان ( استشهد في اذار 1991 عندما كان بمنصب امر الجناح الثالث في البصرة ) ، مع تشكيل من طائرتي مي/8 بقيادة امر السرب الرابع لرائد الطيار الركن الشهيد رياض علي زمام (استشهد عام1982 عندما كان امراً لجناح طيران الجيش الرابع في العمارة ) بالتوجه الى معسكر ديانة لتنفيذ واجب يجري ايجازنا عليه هناك .
تضمن الايجاز في ديانا القيام بواجب استطلاع مسلح و تفتيش الشريط الحدودي سيدكان – لولان – وبيركمن – وخنيرة والمثلث الحدودي العراقي الايراني التركي والذي تم ترحيل سكان القرى المتواجدة هناك لاسباب عسكرية وتم اعتبارها مناطق محرمة, حيث يمنع تواجد اي شخص في الشريط الحدودي وباعماق مختلفة حسب طبيعة المتاطق ويعرض المتواجد فيها نفسه للقتل دون انذار. تم اركاب قوة محمولة في طائرتي مي8 وبصحبة احد آمري الالوية والذي كان تواجده في طائرة آمر السرب .
خلال التفتيش وبعد تجاوز قرية لولان تم التوجه نحو الشرق باتجاه قرية خنيرة المرحلة قرب الحدود الايرانية وخلال التفتيش شوهد احد الرعاة مع خيمته ومواشيه في المنطقة المحرمة فصدر لي أمر ( من قبل آمر اللواء ) تنفيذ التعليمات وقتل من يتواجد على الارض مع الحيوانات ، واستمر تشكيل طائرات مي/ 8 بتسلق الجبل للوصول الى الحدود الايرانية , لم اناقش الامر لعدم جدوى النقاش اوعزت الى الطائرة الثانية وبجملة واحدة (علي خضير افعل كما افعل) لم يسأل اويناقش لوجود تفاهم بيننا نتيجة الواجبات الكثيرة التي كنا ننفذها سوية ، اوعزت للرامي بالرمي صليتين من المدفع الرشاش 20 ملم المسلحة الطائرتين بهما بعيدا عن الخيمة وقد نفذ ما طلبته منه وكذلك فعل قائد الطائرة الثانية والغاية من ذلك تحذير الراعي بترك المنطقة( بعد ان كنت على ثقة بعدم رؤية آمر اللواء لما افعله لبعده عن المنطقة) ثم اقتربت من الراعي وافهمته بالاشارات ان يغادر المنطقة ثم تركناه، تَبٍعنا تشكيل مي/8 …وفي قمة الجبل شوهدت عجلتين وعدد من الخيم وتواجد لاشخاص عديدين قرب الحدود مع ايران علما بان الطريق الموصل للمكان كان من ايران لعدم وجود اية نياسم صالحة لسير العجلات داخل الحدود العراقية ، المنطقة تتاثر بتيارات هوائية نازلة شديدة السرعة خاصة عندما يكون الوقت عصرا وتكون السفوح داخل العراق في اشعة الشمس مما تؤدي هذه التيارات الى سحب الطائرة نحو الارض عند عدم تقدير اتجاه الريح بشكل جيد ، توجد قرب القمة خمسة برك ماء تصب الواحدة بالاخرى لتشكل بالنهاية نهر يسير نحو سفح الجبل من ناحية الحدود العراقية والجبل اجرد لا توجد به اشجار وقد سبق ان تحطمت طائرة مي /8 قرب احدى البرك عند محاولة الهبوط بها لاستطلاعها وكانت تحمل وزير الاعلام حينها الاستاذ طارق عزيز حين كان يستطلع المنطقة لبناء (تلفريك) لاستغلال المنطقة سياحيا لممارسة رياضة التزحلق على الجليد ، ولا يزال حطام الطائرة موجود وممكن مشاهدته ،تم الايعاز الى الطائرة الثانية مي/8 للنزول واعتقال المتواجدين وحرق الخيم والعجلات, وعند تقرب الطائرة للنزول فقد قائدها السيطرة عليها بسبب التيارات النازلة مما ادى الى سقوطها وانقلابها دون ان تحترق او تتحطم بشكل كامل ، وهنا كان الحدث المؤثر فقد هرع المتواجدين من الاكراد في المنطقة لانقاذ الجنود المصابين وطاقم الطائرة وابعادهم بسرعة عنها تحسباً من انفجارها ( دون ان يحسبوا ما قد يحدث لهم في حال انفجار الطائرة ) واخذوا يقدمون العلاج والماء للمصابين.
عاد قائد تشكيل المي/8 الى سيدكان وافرغ حمولة الطائرة من القوة المنقولة وعاد الى المنطقة وهبط قرب الطائرة الساقطة لالتقاط القوة والعودة بهم الى ديانة ، اتصلت بقائد الطائرة الثانية وقلت له (ما اسرع الجواب !! اقصد رعاية الباري عز وجل والهامنا في انقاذ الراعي من مصير محتوم) والذي حصل هونتيجة عملنا مع الراعي ،و بينما كان واجب القوة المنقولة حرق الخيم والعجلات واعتقال الاشخاص المتواجدين في القمة وهم الذين انقذوهم وقدمو الرعاية لهم .
عدنا الى ديانة وخلال العودة راقبت الطائرة الثانية وكانت امامي وقد هوت ولامست الارض بقوة وتمكن قائدها من معالجة الحالة بشكل صحيح واستمر بالطيران والعودة الى ديانه للتزود بالوقود ثم الى كركوك وعند النزول في المطار اخبرته بمشاهدتي لطائرته تهوي واسلوب معالجته الناجح لها اخبرته بان كل ما حدث ونجاة ركاب الطائرة ونجاته شخصياً كلها نتيجة عدم تنفيذنا لامر قتل الراعي وهي درس لنا في المستقبل لاستخدام عقولنا وانسانيتنا عند توفر الظرف الملائم عند تنفيذ الاوامر .
في اليوم التالي انتقلت لجنة (سلامة الطيران) الى منطقة الحادث للتحقيق عن سبب سقوط الطائرة وبحماية الاشخاص( الاكراد)الذين انقذو ركاب الطائرة امس وامنوا الحراسة لها ولجنة التحقيق وكانت حالة انسانية ودرس لن انساه باغتنام الفرصة لتجاوز الاوامر التي يمكن ان اتعامل معها حسب قناعتي دون المجازفة بنتائجها….استمر هذا النهج في السرب فلم يكن هناك اي اشتباك الا اذا كان مع مسلحين وان كان في المناطق المحرمة .
دفع احد اطياري السرب ثمن هذا النهج بان اصيب بيده ولا زال معاقا نتيجة محاولته التحقق من تسلح الشخص المتواجد في المنطقة المحرمة والذي عاجله باطلاق النار عليه واصابته (ولهذه الحادثة رواية سيأتي ذكرها ان شاء الله تعالى)
هذه الحادثة توضح ما كنا نصادفه خلال واجباتنا وتحملنا للمسؤولية كوننا نقرر لوحدنا ونتحمل النتائج سلبية كانت او ايجابية وهذه احدى معظلات الطيارين فلا مجال لهم للاستشارة وانما يجب سرعة اتخاذ القرار وبشكل فردي ثم التنفيذ . وتبين لنا الحادثة مدى طيبة شعبنا الكردي.
الصورة في مهبط السمتيات في قرية لولان مع قائد الفرقة ونجل الشيخ رشيد لولان وعدد من ضباط اللواء المتواجد في سيدكان
1155 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع