ليست مجرد صورة

                                   

                      عائشة سلطان

تبدو الصورة في ظاهرها اختراعاً بسيطاً ومتواضعاً، يتم التقاطها في أقل من ثانية من الساعة، فضغطة زر لا تكاد تسمع تجمد الزمان والمكان في حيز صغير وتحبسه فيه إلى ما شاء الله، إلى أن تبهت الصورة أو تضيع ربما أو يتخلص منها صاحبها لسبب أو لآخر!

بخلاف ذلك، تظل الصورة شاهدة على شخوصها والحدث الذي تمثله، هكذا تبدو الصورة للوهلة الأولى: اختراع جميل من ضمن آلاف الاختراعات التي نتعامل معها باعتيادية تامة، وكأننا ولدنا وهي بين أيدينا، أو ولدت مع الإنسان حينما كان، بينما تقول الحكايات إن الصورة واحدة من محاولات الإنسان الحثيثة والمضنية التي بذل لأجل تحقيقها الكثير من الوقت والمال.

وقد مرت الصورة بمراحل ورافقها تطور مواز لآلة التصوير الضوئي، مازج بين علم الفيزياء والضوء وعلم الكيمياء، تقنيات مختلفة تضافرت كي تضع بين أيدي الإنسان المعاصر أشكالاً مختلفة من آلات التصوير والصور وملحقاتهما، بدءاً من الصورة التي كانت بالأبيض والأسود إلى الصور الملونة وما يتم إدخاله عليها من تغيير لا يمكن تصور مداه.

من يمكنه اليوم أن يدعي أنه يمر عليه يوم دون أن يلتقط فيه صورة أو أكثر، لقد أصبحت الصورة واحدة من وسائل الاتصال الإنساني، لذلك أصبحنا نستخدم الهاتف النقال كآلة تصوير أكثر من كونه وسيلة تواصل، كما أصبحت الصورة لغة مشتركة بين شعوب العالم، بل وأكثر من ذلك.

أصبحت الصورة خطيرة جداً إلى درجة أن أصدرت لها قوانين شرف تقنن استخدامها بطريقة أخلاقية، بحيث لا توظف ضد أي شخص، فلا يجوز اختراق خصوصية أحد بصورة مباغتة، كما لا يحق لأي كان أن يلتقط صورة لطفل ما بغرض استخدامها لأي سبب دون استئذان ولي أمره.

نعم، لم تعد الصورة شكلاً من أشكال التسلية بعد أن ثبتت خطورتها وقدرتها على اختراق أكثر الأسرار والخصوصيات خطورة.

على المستوى الفردي، فإن للصورة ذاكرة حميمة تعيد المتأمل في تفاصيلها ووجوه من فيها إلى ذكريات وأيام وأحداث مضت، يحمله الحنين إلى معاودة النظر فيها وإخراجها من محافظها القديمة، بهذه الحميمية تشكل الصورة ذاكرة فرد.

وقد تشكل أيضاً ذاكرة جماعة أو أمة، قد تقبض على لحظة تاريخية فارقة ومفصلية، بعض الصور رسمت حدوداً جديدة بين ما كان قبل التقاطها وما حدث بعد ذلك، صور تحطيم جدار برلين أنتجت عالماً آخر في أوروبا، وصورة تحطيم تمثال صدام حسين أنتجت عراقاً مختلفاً، وصورة.. وصورة.. صور كثيرة لم يعد العالم كما كان قبل التقاطها.

الصورة ليست اختراعاً بسيطاً، بل واحد من أعظم اختراعات البشرية.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1022 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع