د. محمد عياش الكبيسي
رغم أننا نغرق في بحر الطائفية منذ اندلاع ثورة الخميني، ورغم أننا خسرنا عواصم عربية عزيزة وغالية علينا تحت الزحف الطائفي، نرى بعض أقلامنا ما زالت تخاف من تهمة الانحياز الطائفي، وهم من أجل ذلك على استعداد لتشويه الحقائق وتضليل الخلائق.
هذه الأقلام تحاول أن تعمل موازنات في كل شيء ولو كان ذلك على حساب المنهجية العلمية المحايدة التي ينادون بها.في مقال على صفحة دراسات التشريع الإسلامي 15/2/2016 تناول الكاتب عقيدة النص على الإمامة عند الشيعة والتي هي أصل الأصول عندهم بلا خلاف، وإذا به يذكر إلى جنب هؤلاء أولئك الذين يزعم أنهم يقولون بالنص على إمامة أبي بكر! وأخذ يسهب بالرد على استدلالاتهم وشبهاتهم، وكأنهم طائفة موجودة بالفعل ويشكلون تحديا فكريا موازيا أو مقابلا لعقيدة الإمامة عند الشيعة! من هؤلاء؟ وماذا يمثلون في وسط أهل السنة؟ وأين هم الآن؟ كل هذا لا يهم، المهم أنه وجد ضالته ولو في قول شاذ لا يعرف قائله!
وعلى صلة بالموضوع ترى غير واحد من هؤلاء يبرز دور معاوية في تأسيس الحكم الوراثي، متناسيا أن النظام الوراثي إذا كان عندنا سياسة مختلفا فيها فعند الشيعة عقيدة متفق عليها، فالإمامة في ذرية علي ثم في ذرية الحسين حصرا، لا دخل فيها للشورى ولا لأهل الحل والعقد، وهذه عقيدة عندهم لا مجال فيها للتصحيح أو الاجتهاد، ولكننا بفضل هذه الأقلام صرنا نحن المتهمين بالنظام الوراثي وليس الشيعة!
وعلى هذا المنوال وبنموذج أقسى وأشد يكتب أحدهم على صحيفة العرب 11/1/2012 ما نصه: (للذين يرددون قضية سب الصحابة كمبرر للتكفير نقول مع إدانتنا الحاسمة لذلك إن الصحابة أنفسهم قد تقاتلوا وقتل بعضهم بعضا، والقتل أسوأ من السب)! هكذا، فالصحابة عنده قاموا بأعمال أسوأ مما يقوم به هؤلاء من طعن وسب، دون أن يحتاط لمكانة الخلفاء الراشدين وأمهات المؤمنين على الأقل، أولئك الأجلاء الذين يقصدهم هؤلاء بالطعن والقذف أكثر من غيرهم، ودون أن ينتبه إلى أن الطعن في الصحابة طعن في الدين كله، فهم الذين حفظوه ونقلوه.
كاتب آخر يجافي كل قواعد البحث والأمانة العلمية ليخلص في بحثه المنشور (العلاقة بين السنة والشيعة) ص22 إلى: (يجمع بيننا وبين إخواننا الشيعة الإمامية الإيمان بالقرآن كتابا منزلا من عند الله وأنه محفوظ.. بلا خلاف بين أحد منهم وآخر) ثم يحاول بعد هذا أن يعزو كل ما ورد من كلام صريح لعلماء الشيعة في تحريف القرآن إلى روايات غير ثابتة وموجودة عندنا وعندهم! وفي هذا تدليس شنيع لا يقول به منصف، ويكفي لبطلانه التذكير بكتاب (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب)، وغيره من الفصول المعقودة في أمهات كتبهم، ثم تسأل أي سني عن رأيه فيمن يقول بتحريف ولو كلمة واحدة من القرآن كائنا من كان.
إنه نوع آخر من تسييس المعرفة، لا تقوم به الأنظمة (الطاغوتية)، وإنما تقوم به أقلامنا (الحرة).
نعم قد نرى بعض التراجعات أو الندامات -وهذا محمود بحد ذاته- لكنه من المؤسف أن يكون بسبب التغيرات السياسية، وليس اعترافا منهجيا بالخطأ الديني والمعرفي.
1049 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع