د محمد غاني، أكاديمي و باحث في علم الأكسيولوجيا و الديونطولوجيا
و هل يا ترى يمكن أن يكون للدماغ صرخة؟ فإن كان؟ فكيف يتم ذلك؟ و متى؟
و ما هي بواعثه؟ كلها تساؤلات هبت فجأة و أنا أقارن رضاعة طفلي الرضيع
و حاجته الى حليب الأم بحاجة الدماغ الى الفكر و القراءة ليتم له النمو كما ينمو جسده.
من المعلوم أن نمو أعضاء الجسد سواء داخل الرحم أو خارج جسد الأم يتم كل على حدة بل و كل في مرحلة معينة حيث يظهر الرأس ابتداء من الأسبوع السابع من الحمل، و بدخول الأسبوع الثامن تتكون العينين وينمو الجزء الأوسط من الأذن و يشتغل القلب بانتظام، بالإضافة الى ظهور القدمين و اليدين، أما في الأسبوع التاسع فيبدأ عموده الفقري في أول تحركاته بل يبدأ الطفل في الركل و الرفس داخل البطن و تظهر أصابع القدمين.1.
بما أن العالم غير المرئي يبقى مجردا و بعيدا عن حواسنا الخمس يبقى نمو ذلك البعد مغفلا ، حيث لم يهتم به الانسان منذ القدم الا اضطرارا عندما اضطر للكتابة ليستطيع التواصل مع بني جنسه مثلا، و محاكاة الأشياء التي رآها خلال يومه، من خلال رسوم تصويرية فيخبرهم بما رأى، حيث تثبت الكتابات التاريخية أن الكتابات التصويرية المرسومة سابقة عن أختها الهيروغليفية الرمزية التي ترسم الأفكار المجردة . و قد كانت الحضارة المصرية القديمة أول من استعملت الرسوم للتواصل في حين كان الفينيقيون من اليونان أول من استعمل الحروف كرموز دالة على المعاني الفكرية المجردة.
من البديهي أن نلاحظ في عصرنا الراهن رضيعا فكريا و إن كبر عمره، غافلا عن إرضاع دماغه بثدي أمه الفكرية و هي الطبيعة، و شاهدنا في ذلك الأمر الالهي "اقرأ" لنبي أمي غير متعلم لا للقراءة و لا للكتابة، فما المطلوب منه قراءته؟ إنها قراءة الخطاب الالهي عبر السبورة الكونية المقصود منها الطبيعة، بالاضافة طبعا الى قراءة القرآن المنزل و تبليغه لعموم أهل الاسلام، قراءة ما كتبه قلم الحبر من قرآن حكيم، كما قراءة ما كتبه قلم القدرة على اللوح المحفوظ و تحول الى واقع في عالم الشهادة الذي نعيشه.
لا غرو أن رضاعة الطفل من ثدي أمه قد يتم بشكل طبيعي ان توفرت شروطه كما قد تعتريه عوائق تمنع الرضيع من الاستفادة من حليب أمه، إما أن يكون المولود خديجا مبتسرا ولد قبل تسعة أشهر، أو عندما يكون منغوليا لا يستطيع تنظيم عملية المص بانتظام، أو عندما تكون هناك عيوب خلقية بفم الطفل أو غير ذلك من الأمراض و العيوب التي قد تصحب المولود فتمنعه من الرضاعة بشكل صحي، فكذلك الأمر بالنسبة للرضاعة الفكرية التي قد تكون أشد صعوبة من أختها الفيزيولوجية.
حين يبتدأ الطفل في التعلم المدرسي فهو يحتاج الى مجموعة من الشروط المخصوصة و نوع من الرعاية الخاصة كاختيار الحليب الفكري المناسب لعمر الرضيع حتى يساهم في نموه و لا يتسبب في عسر هضم فكري أو ألم في البطن الفكري طبعا أو غير ذلك من الأعراض التي تعطينا مؤشرات عدم تناسب هذا الحليب الفكري للرضيع.
أما إذا توفرت شروط الرضاعة الفكرية انتظمت في بيداغوجية سليمة - كما حددها علماء القراءة كألبيرتو مانغويل في كتابه المدهش تاريخ القراءة الذي يعتبر بحق أطروحة في شغف القراءة يحاول فيه أن يقارب فيه معنى أن تكون قارئا و مم يتكون فعل القراءة الغامض- فإن نمو هذا الرضيع الفكري سيخطو خطوة خطوة الى أن يصبح طفلا فشابا و الى أن يبلغ سن الرشد الفكري فيهبه الله حكمة و علما و كذلك يجزي المحسنين.2.
الهوامش
1، انظر موقع 123اسعاف، بتصرف.
2،انظر محمد عمر تاريخ القراءة: أطروحة في شغف القراءة ، موقع حبر.
الگاردينيا: نرحب بالأستاذ الدكتور / محمد غاني من المغرب... نورتم حدائقنا يا دكتور..اهلا وسهلا بكم
857 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع