د.عبدالقادر القيسي
جميعهم يرفع شعار الوطن، ويزايد باسم الوطنية؛ والوطن لوحة واحدة لكنها تحتوي كل الألوان وتستوعبها، ويتساوى فيها الناس كافة في الحقوق والواجبات، كما يتساوون في شرب الماء واستنشاق الهواء.
يقول المرجع الشيعي(الأمين) شعرا من تأليفه: بني قومي أفيقوا لا تناموا، فأهلُكم بهم فتك الخصام، وشبّت بينهم نيران حرب نتائجُها ضحايا وانقسام، أحاطت بالديار وساكنيها فإن لم تنطفئ، بقيَ الحطامُ فيا عجبا نراها في اشتعالٍ، ونصمتُ لا يحرّكنا اضطرام، نجادل بعضنا فيمن جناها، وفي تلك القرى استعر الحِمامُ، فهبّوا يا كرامًا أنقذوها، فبعدَ الموتِ لا يُجدي الكلامُ.
ديالى تحت الانتداب المليشياوي
ان ما فعلته المليشيات في ديالى ووقوف الجيش والأجهزة الأمنية موقف المتفرج وبطريقة تشير بالدليل الى التواطؤ البائن بكافة مناحيه، ما يجعلنا امام سيادة طاغية للمليشيات على المشهد الأمني والسياسي والعسكري، وقد لاحظنا ان كافة الجرائم الطائفية في ديالى، ابتداء من بهرز وأبو صيدا ومرورا بمسجد مصعب بن عمير ومسجد سارية وقرية الهارونية وخان بني سعد وانتهاءا بجرائم المقدادية وغيرها، تنبأ بأمر خطير وتشير الى ضعف بائن وتقاطع كبير في التصريحات بين السيد القائد العام للقوات المسلحة ووزير دفاعه وقادة الشرطة، الذين من المفترض ان يكونوا جسد واحد في هكذا أزمات؛ لا ان يكون السيد القائد العام للقوات المسلحة في وادي ووزير الدفاع يعزف في وادي اخر ويترك ديالى والمقدادية في وسط اتون حرب طائفية وتهاون كبير من بعض سرايا الجيش من قيادة عمليات دجلة والشرطة مع المليشيات ويترك تلك الفواجع ويذهب الى القاهرة، وقائد عمليات دجلة يصرح بعيدا عن مجريات الوقائع الجرمية الحقيقية الشاخصة بالميدان، وقائد الشرطة يتهجم بطريقة تثير السخرية والحزن الشديد بعد حرق تسع مساجد وقتل الناس بالشوارع وحرق محلات وعدم قدرة الأجهزة الأمنية بالسيطرة على المشهد الأمني لقضاء المقدادية يخرج لنا قائد الشرطة وهو يملئ الشاشة الإعلامية، ويصف جرائم المقدادية بانها تم تهويلها إعلاميا، وتحدث تلك الجرائم في بلدان عديدة، ويتجاهل تصريحات رئيس مجلس النواب ونواب ديالى تماما ويغيبهم عن فرضية معرفتهم بشؤون محافظاتهم، والمؤسف ان يُكرم قائد شرطة ديالى رغم القتل والحرق والتهجير الذي تعرضت له المقدادية، ولم يتم تشكيل حتى لجنة تحقيقية لمعرفة من المسبب ومن المقصر، وبعدها ان تبين بان هناك جهد مبذول من قائد الشرطة في وقف نشاط المليشيات عن حرق المساجد والمحلات ونزع سلاحها، عندها يتم ترقيته، لكن والوضع كذلك فان الترقية فيها استهانة بمشاعر أهالي ديالى، وتجاهل لصيحات برلمانية من مجلس النواب وتحدى لمضامين تقارير دولية، وتلك الترقية وعدم الوقوف بجدية تجاه الجرائم المروعة وعدم نزع السلاح من المليشيات المتسيدة في قضاء المقدادية يجعل من القائد العام للقوات المسلحة متهاون في وئد تلك الجرائم، ويصبح عمل تلك المليشيات بعلم الدولة، وكما أكده رئيس مجلس النواب، والشعب والدول تصدق من؟ قائد شرطة ديالى ام وزير الدفاع ام القائد العام للقوات المسلحة؟ ام يُصدقون رئيس مجلس النواب ونواب وأهالي ديالى، لاسيما ان تصريحات قائد شرطة ديالى وقادة ومحافظ ديالى كانت عبارة عن اكاذيب وجرعة مسكنة ضد الحقائق لكنها لم تستمر، لأن الجرائم والوقائع الجنائية كانت طائفية بامتياز وعالم الصدق أوسع منطقاً من الكذب، وأسرع وصولاً الى قلوب الصادقين وعقول الشرفاء وتصورات العوام، والمؤسف ان جدول اعمال مجلس النواب خلا من مناقشة قضايا حرق المساجد والمحلات وعمليات القتل في شوارع قضاء المقدادية، ورفض مناقشة القضية، بل رفض ادلاء اتحاد القوى ببيان استنكار لجرائم المقدادية؛؛؛ لكنه يعمل بجد وحماسة منقطعة النظير في مناقشة قضايا لأفراد تعرضوا لإجراءات قانونية في دولهم(البحرين، مصر، السعودية) حيث تتوالى بيانات الشجب والاستنكار بل وصلت الى مواطنين في نيجيريا ونترك العراقيين أبناء الوطن الواحد المغدورين بلا اسناد او استنكار او عمل جدي لرفع الأذى عنهم؛ لانهم من مكون اخر، ووزير الدفاع غائب عن تلك الجرائم ويمارس عمله بعيدا عن مسرح عمليات ديالى، بل غادرها الى القاهرة، ان وزير الدفاع قد اضاع بوصلته وتشوشت الرؤيا لديه ولم تبدو الصورة واضحة عنده في اسلوب معالجة هذه الجرائم، لأن وظيفته مجرد ديكور وجدت لاستحقاقات سياسية لا علاقة لها بمبدأ الجيش سور للوطن، وهذه الجرائم الطائفية التي اكدها تقرير مجلس حقوق الانسان في جنيف، عندما اكد ان ديالى والمقدادية بالذات تتعرض الى جريمة تطهير عرقي، والتقرير الصادر من هذا المركز الدولي القانوني المحايد؛ كان صريحا وواضحا وملزم للعالم؛ لأنه وصف الجريمة بانها جريمة تطهير عرقي تتخللها منطويات إجرامية، لا تخفي على منظمات الشرعية الدولية التي لا بد أن يكون خبراؤها القانونيون قد فهموا تماما ما عنوه، والتقرير ملزم لمجلس الامن والأمم المتحدة والحكومة العراقية، وهذا التوصيف القانوني(جريمة تطهير عرقي) ستكون اثاره القانونية مؤلمة وخطيرة فهذا الوصف سيجعل الجريمة ومسرحها والفعل والفاعلين تحت طائلة المحكمة الجنائية الدولية أي نظام روما 1998، وهذا يعطي الولاية القضائية الدولية ويحمل الحكومة المسؤولية في حالة سكوتها وعدم تجاوبها وتعد شريك وفاعل، وتدويل قضية ديالى امر لا مفر منه بعد ان صدر تقرير مركز جنيف الدولي الملزم للمحكمة الجنائية الدولية وللمجتمع الدولي؛ كونه كشف جرائم ابادة بشرية وتطهيرا عرقي تحدث في ديالى، وهناك ضرورة في حالة عجز الحكومة عن اجراء التحقيقات ان تكون هناك لجنة دولية للتحقيق في تلك الجرائم خصوصا انها مستمرة منذ سنوات والجرائم وفق المعطيات المبسوطة على الأرض والوقائع تؤكد استمراريتها وعدم توقفها والجهات التي ترتكبها هي واحدة لم تتغير.
أن داعش دخلت من باب المظالم السنية والمليشيات أيضا تسيدت مفاصل الدولة العراقية تحت عنوان مظلومية الشيعة والاثنان يسعيان لتبني قصر الموت الجماعي للعراقيين، وولدتا من الدم إلى الدم ومن فوق التخلف إلى قعره ومن حضيض الكتب والفتاوى المتطرفة.
واثباتا لما تقدم؛ لم نرى يوما وزير الدفاع في الصفوف الامامية لقتال المجاميع إرهابية، ووزير الدفاع يصر دائما على ان يخرج للإعلام بقيافة عسكرية جذابة، وببدلة الطيارين، ولم يكن وزير الدفاع النرجسي المحب للتنسيق كعادته حاضرا في مسرح الجرائم الطائفية المرتكبة، رغم ان الجرائم حدثت في قاطع يقع تحت مسؤولية قيادة عمليات دجلة وهناك قائد للعمليات مسؤول عنه وزير الدفاع، لكن وزير الدفاع ووزير الداخلية ومعه القائد العام للقوات المسلحة سلموا الملف الأمني لمحافظة ديالى منذ سنوات لمليشيات، وهي مسؤولة مسؤولية مباشرة عن ذلك، ولا يحق لوزير الدفاع ان يتدخل، فقط عليه ان يكون وجه يملئ الشاشة، وبعض الأحيان نرجسيته تكون عالية عندما يصطحب معه اعلاميات، وهو حسبما شاهدناه مرات عديدة، جاهز ليرسم صورة مغايرة لأي مجزرة او مجموعة جرائم تحدث وترتكبها عناصر ميلشياتيه معروفة، فيقوم بعد ان يأتيه الايعاز بالظهور إعلاميا ووصف الجرائم بانها مخالفات بسيطة فردية ويقوم بدحض أي ادعاءات حول وجود انتهاكات وجرائم ومجازر وحرق وتفجير، ويرسم صورة للمشهد الأمني والإنساني بانها نرجسية جدا جدا وينعم بالأمن ويرفل بالهدوء، والوزير جاهز لأي مهمة من مهمات تحسين وجه الحكومة، فهو بدل ان يكون مسئولا عن أعمال وزارته والوحدات والفرق والقطعات التي تنطوي تحت مسئوليته ويحمي المواطن، اصبح كما أكده السيد أسامة النجيفي نائب رئيس الجمهورية المقال مؤخرا، عندما قال: ان وزير الدفاع لا يمتلك أي صلاحيات لوجستية او ميدانية في تحريك القطعات العسكرية وتلك طامة كبرى، قائد عمليات وقائد فرقة او لواء له صلاحية تحريك قطعاته ووزير دفاع ليس له أي صلاحية؛؛؛؛علما يمارس الوزير أعمال منصبه من خلال صفته وزيرا في الحكومة وتكون صلاحياته مستمدة من أحكام الدستور فهو يحدد الإجراءات اللازمة لتيسير وتسيير العمل في وزارته بموجب قانون الخدمة والتقاعد العسكري رقم (3) لسنة 2010 المعدل، ويشارك مع الوزراء الآخرين في الحكومة في رسم وتنفيذ السياسة العامة للحكومة، فوزير الدفاع بات واضحا لدى جميع العراقيين، أسم دون اي فعل، مجرد منصب رسي عليه بالمزايدة العلنية السياسية، ويراد منه ان يكون وجها يملئ المنصب لا المكان، ودون ان يمتلك اي صلاحيات على ارض الواقع، وهو اشبه وزير دولة بلا حقيبة إدارية ومكانته ومهامه بروتوكولية.
اننا نتفاءل خيرا بزيارة القائد العام للمقدادية وتعهده ببسط الامن ونزع السلاح، الأمر الذي يكاد يكون وافداً على أدبيات مؤسسات الدولة العراقية، فهذه الأخرى تحسب له، فيما إذا كانت النيات معقودة لتحقيق ذلك.
سيادة دولة الرئيس العبادي، نرجوك بعجالة، القضاء على سطوة المليشيات، بسيف القادة الذي يضعون فيه النقاط فوق الحروف، فالسيف أصدق أنباءا من الكتب، وأن تحاسب القتلة والمجرمين، وتبعد المتواطئين والمتخاذلين والضعفاء المترددين، وتضع الرجل المناسب في المكان المناسب، ان كان وزيرا او قائدا عسكريا أو حتى قائدا شعبيا، لكي لا تكون حرب استنزاف، الأقدام والشجاعة والعزم والحسم في اتخاذ القرار وفي حساب الفاعل والمقصر، فالمرحلة خطيرة ومستقبل وتاريخ وحاضر أمة عظيمة ووطن كبير مثل العراق بيدك أنت لا غيرك، فلا تتردد ولا تخاف من التناحر السياسي وتقاسم المصالح الموجود في قاموس السياسيين، وعكس ذلك فإننا حتما وخلال أيام سنقرأ على عراقنا السلام .
وهل هناك من يعتب على الشاعر معروف الرصافي حين قال:
لا خير في وطن يكون السيف عند جبانـه والمـال عنـد بخيلـهِ
والرأي عند طريده والعلـم عـند غريبه والحكـــم عنـد دخيلـهِ
وقـد استبـدّ قليـلـه بكثـيره ظلـمـــــــــاً وذَلّ كثـيــــرُه لقليـلـهِ
793 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع