الغد - يصيبك شعورٌ بالرعب والقلق، والرغبة في التقيؤ، من حجم الحزن المكبوت في داخلك، والذي تفجّره رواية "الكافرة"، للروائي العراقي علي بدر. وأنت تقرأ بها، تكتب (في عقلك ووجدانك) نصوصاً موازية أكثر حزناً وألماً من النص السردي الجميل الذي تقرؤه أمامك عن هذا الواقع القبيح المفضوح بحجم الإذلال والانتهاك والضياع الذي نعيش فيه!
الرواية (التي صدرت في العام 2015) تتحدث عن قصة شابة اسمها فاطمة، كانت تعيش في بلدة نائية بمنطقة سيطر عليها "متشددون إسلاميون". وبالرغم من أنّ الكاتب لا يذكر بلداً معيّناً، تاركاً الباب مفتوحاً لهذا النموذج الممكن في أيّ مكان مشابه، إلا أنّ بعض حيثيات الرواية تقنعك بأنّ الحديث هو غالباً عن العراق، ومناطق سيطرة تنظيم "داعش" فيه.
تجد هذه الفتاة نفسها في أسرة صغيرة فقيرة جداً، في منطقة فقيرة أيضاً. ويهرب والدها من الفقر إلى الانضمام لهذه الجماعات المتشددة، لردّ الاعتبار لشعوره بذاته، ونيل مكانة اجتماعية جديدة متأتية من سطوة هذا التنظيم. ثم يقوم بعملية انتحارية. قبل ذلك، تعمل فاطمة مع والدتها في خدمة منزل عام يعود للتنظيم، يضم أعداداً كبيرة من رجاله والنساء السبايا، أو تلك اللواتي أتين من أماكن أخرى برفقة أعضاء في التنظيم.
تسلّط الرواية الضوء على حالة المجتمع تحت سطوة التيار المتشدد، الذي يحمل أفكاراً مثالية تدّعي الطهورية الروحية والدينية، لكنّها مسكونة بأرواح شرهة للنساء والنزوات والشهوات. وهي تضعنا وجهاً لوجه أمام المرأة في هذه المجتمعات، والأطفال والشباب، وحالة "الأنوثة المقهورة" تحت وطأة فكر متشدد، يفهم الإسلام بوصفه ديناً بوليسياً، يقوم على التحريم والتجريم والتخوين والاتهام والقتل وسفك الدماء، بدلاً من الرحمة والتسامح والعدالة والقيم الإنسانية النبيلة؛ والمرأة بوصفها متاعاً أو شيئاً يمكن تملكه واستخدامه وتبادله، أي هي مخلوق أقل من الإنسان، وليست إنسانا له حق الاختيار والحياة. وكذلك المجتمع بوصفه موضع شكّ وغير موثوق، لا بوصفه حرّاً طليقاً يملك حق تقرير المصير!
تنتقل فاطمة إلى بروكسل عن طريق التهريب، بعدما يقوم زوجها بعملية انتحارية، وتموت والدتها. ويغتصبها المهرّب في الطريق، لكنّها في النهاية تصل إلى العالم الجديد، أوروبا، فتنتقم من ماضيها عبر التخلي عن كل شيء؛ اسمها (لتسميّ نفسها صوفي)، وتقوم بالتعرّف على جسدها عن طريق العلاقات العابرة، فلم تترك أمراً مما كانت محرومة منه إلا وانتهكته (على قاعدة فرويد المعروفة "الخرق والانتهاك" في التحليل النفسي).
تتعرّف على شاب أوروبي، وتمضي معه في قصة حب. لتكتشف، لاحقاً، بأنّ نصفه عربي، وأنّه مثلها ضحية الحرب الأهلية في بيروت، وأنّ والده الذي كان ضحية مليشيات إسلامية متطرفة، فقد والديه وشقيقاته في مجزرة، وتحوّل إلى جلاّد لا يفكّر إلاّ في الانتقام والقتل، كي يهرب من شبح شقيقته وهي غارقة في دمائها، فيقع في شبح ضحاياه الذين قتلهم، وينتهي به الأمر إلى المرض النفسي، ثم الانتحار.
تعترف صوفي في نهاية الرواية بأنّها بعد كل ما قامت به لم تستطع الهروب من أشباحها التي بقيت تطاردها، حتى بعد أن غيّرت وبدّلت كل شيء. وتنتهي الرواية عبر مشهد مفتوح، لأنّ الواقع العربي، في ظنّي، ما يزال مفتوحاً على التشدد الديني والحروب الأهلية والتطرف والانتقام ومصادرة حقوق الناس الأولية.
ليس معقولاً ولا مقبولاً أن نهرب من الاستبداد السياسي ونبحث عن طريق للتحرر منه، في ظل "الربيع العربي"، لنقع في استبداد ديني-سياسي أخطر وأسوأ. هذه هي الخلاصة التي يجب أن نفهمها جميعاً، فنحن بحاجة إلى الديمقراطية التي تستبطن الحرية بوصفها قيمة مقدسة مرتبطة بكرامة الإنسان وشعوره بآدميته!
827 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع