بدري نوئيل يوسف ـ السويد
كنت في ضيافة صديقي الشيخ وكانت دهشتي بعدما علمت انه استدعى احفاده العشرة ليحتفل معهم وأعمارهم تتراوح بين الرابعة عشر وثلاث سنوات .
ذهب تفكيري انهم سيحتفلون بعيد ميلاد جدهم ، فقدمت له اعتذاري انني لا اعلم تاريخ ميلاده وكان من الاصول ان اقدم له هدية ، ضحك كثيرا وقال : الاحتفال يخص حقوق الاطفال ففي عام 1989 أقرّ زعماء العالم بحاجة الاطفال لحماية حقوقهم ومناصرتهم لمساعدتهم في تلبية احتياجاتهم ، لأنهم غالبا ما يحتاج الأشخاص دون الثامنة عشر إلى رعاية خاصة ، وحماية لا يحتاجها الكبار .
هذه الحقوق تتمثل بعدم التمييز والحق في الحياة والبقاء واحترام رأي الطفل ، والكرامة الإنسانية للطفل وتطويره وتنميته المنسجمة معها والرعاية الصحية والتعليم والخدمات الاجتماعية والمدنية والقانونية المتعلقة بالطفل ، والعمل من أجل مكافحة العنف ضد الأطفال وإهمالهم ، واستغلالهم فى كثير من الأعمال الشاقة التى تفوق طاقتهم.
مسكين ومظلوم الطفل العراقي حتى الاوصياء على شعبه لا يرأفون بحاله يسرقون منه الامان والراحة والسلام ، والبسمة الطاهرة من شفتيه ، خائفون من النوم في الكوخ او القصر على حد سواء يرتجف الاطفال مرعوبون من اصوات التفجيرات والعبوات الناسفة ، هؤلاء المتسلطون يسرقون منهم ما يتصدق عليهم من الخيرين الذين في قلوبهم الرحمة والشفقة اكثر من اصحاب الدار ، ولهذا قررت ان احتفل مع احفادي بأسمى وارق عيد تتجلى فيه كل معاني العظمة بالشعور الانساني للطفل .
قرع جرس الباب وهرع الشيخ مسرعا يفتح باب شقته المتواضعة مستقبلا احفاده مقدما لكل واحد منهم وردة جميلة باسم البراءة والنقاوة التي يحملها الطفل ، دخل الاطفال الى غرفة الضيوف بملابسهم الجميلة واستقبلهم بفرح وسرور وتعرفت عليهم ، فالأطفال النواة الأولى للمجتمع وإن كسبناهم كسبنا جيلًا كاملا ، وإن خسرناهم خسرنا المستقبل ، وما يترتب على ذلك من خسارة أجيال قادمة .
تحدث الشيخ عن الطفولة العراقية في بلدنا المتألمة البائسة الحزينة والأطفال يحملون كم من مشاعر الحرمان والألم النفسي ، ينمو الاطفال وهم يحملون معهم مشاريع الانحراف والعَوز التعلمي والفكري والثقافي وتحولت طفولتهم البريئة الى طفولة متوحشة .
طلب الشيخ من احفاده الوقوف ورتلوا النشيد الوطني العراقي لكي يشعروا بانتمائهم لهذا الوطن ، ثم قال : اطلب من الذين حضروا كلمة بهذه المناسبة أن يقراها .
نهض الكبير بينهم وقال : شكرا لك جدي لقد عودتنا أن نحتفل بهذا اليوم المبارك لان مدارسنا لن تتذكر يوما أن هناك يوم للطفل العالمي وله حقوق . ولدت في ظل نظام دكتاتوري طاغي وفتحت عيوني على الدمار والدم والقتل وكنت أخبئ رأسي في احضان والدتي خوفا من سقوط القنابل من الطائرات المغيرة ، اتذكر وأنا في المدرسة الابتدائية كيف كان اصدقائي يفقدون آبائهم في الحروب ونسمع من المعلم ان والد فلان استشهد وقتلته آله الحروب التي مر بها العراق ، وكان معنا طفل يتمنى أن يعود والده من الاسر بعد ما وقع اسيرا اثناء الحرب العراقية الايرانية ، ولا انسى صديقي الذي فقد والده لكونه معارض سياسي ولا يعرفون مصيره ، لو احصينا كل الاحزان والشقاء والمآسي التي مر بها الطفل العراقي ربما تحتاج الى مجلدات ، وما زال الطفل العراقي يشاهد مناظر القتل والتشرد والنزوح والهجرة من جراء العمليات العسكرية المستمرة ، وكم منهم مات متشردا من البرد والجوع ، حرموا الاطفال نعمة التعليم من الصغر في ظروف من التخلف العقائدي والعشائري ، وكم فتاة خطف واغتصبت وتزوجت قصرا نتيجة الحرب مع المجموعات المسلحة .
صفق الجميع لهذا الطفل الذي يتمتع بحيوية وطلب من الثاني أن يقرأ ما كتب نهض وقال : نتيجة لتوالي الحروب
والأزمات والصراعات الداخلية وانتشار الفساد انعكس حرمان الاطفال من التعليم وسوء التغذية والخدمات الصحية وحولهم الى متسولين على قارعة الطرق ، وفريسة سهلة للأمراض المختلفة واستغلالهم بالعمل القسري في ظل صمت المسئولين ، أطفال الامس شباب اليوم هؤلاء تربوا في فترة زمنية كانت صفارات الانذار تسمع عدة مرات باليوم وعشرات المرات يعرض التلفزيون صور من المعركة ، كانت العابهم قطع حربية بلاستكية يحفظون على ظهر قلب أناشيد المعارك الحماسية ويرتلونها أثناء العابهم الرياضية ، وحتى في رسومات الطفولة رسموا الحرب ، القائد ، الصاروخ ، الطائرة ، الدبابة . مما ادى الى زرع الخلايا الاجرامية في عقل الطفل البريء .
شاهدت على التلفزيون برنامج لأطفال عراقيون يتدافعون على سيارات النفايات دفعتهم الظروف الاقتصادية والاجتماعية السيئة للعائلة من جمع بقايا الطعام الفاسد لتناوله ، وجمع العلب والقناني الفارغة لبيعها . وبعض الاطفال الذين اصبحت منتهم التسول وهم يتفننون بهذه المهنة للحصول على لقمة العيش ، وكان معنا في الصف طالب ترك المدرسة بعد استشهاد والده في الحرب وبدأ يشتغل في سوق الخضروات يدفع عربة صغيرة ينقل ما يتسوقون الناس الى سياراتهم او بيوتهم ، وحدثنا المدرس ان بعض النساء تسقي طفلها الصغير منوم لكي ينام على الرصيف وتطلب والدته من المارة المساعدة ولا يوجد اهتمام من الحكومة بهذه الشريحة الاجتماعية الفقيرة .
صفق الجميع له وقال الشيخ : اكثر من خمسة عشر مليون طفل عراقي متأثرين بشكل مباشر نتيجة العنف والتشرد والنزوح جراء الصراعات والحرب ويعانون من أبسط الحرمان من الحقوق التي يتمتع بها اطفال الدول المتقدمة جاء هذا التحذير من قبل الامم المتحدة في تقريرها السنوي وأن 40% منهم فقط يحصلون على مياه شرب نظيفة ، وأن اكثر من 360 ألف طفل يعانون من أمراض نفسية ، وأن 50% من طلبة المدارس الابتدائية لا يرتادون مدارسهم ، ونسبة متواضعة يستخدم الأطفال في العمل من أجل الحصول على مورد رزق لإعالة أسرهم ، كما يتم بيعهم في دول الجوار ودول أخرى ، بالإضافة لزواج القاصرات .
شكر الشيخ الطفلان المتحدثان وشكر الباقين الصغار وقدم لهم هدايا عبارة عن مجموعة كتب ثقافية وقصص حسب اعمارهم ، تمنى الشيخ من مَنْ وقع مصير شعبنا بأيدهم ، أن يمحنوا الاطفال الامن والسلام لنا ولهم ، فهم ليسوا غرباء أو دخلاء على وطننا ، امنحوهم حقوقهم ، وأن تقوم المدارس أو المنظمات المدنية والآباء الاحتفال بهذه المناسبة ، أعيدوا لأطفالنا البسمة وأن تحل مشكلة الطفولة في العراق ليرحكم الله .
ودعى الشيخ احفاده لتناول الحلويات ...
2953 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع