جورجينا بهنام
لم تعرف الإبادة كمصلح قانوني، طريقها إلى الأوساط الرسمية إلا أواسط القرن العشرين عندما سعى محامٍ يهودي بولندي يدعى (رافائيل ليمكين) عام1944 لإيجاد توصيف يشير إلى جرائم القتل الجماعي المرتكبة بحق مجموعات معينة من البشر بقصد محق وجودهم كليا، لاسيما ما يتعلق بإبادة يهود أوربا في أعقاب (الهولوكوست-Holocaust)، وهو الذي وضع مصطلح (الإبادة الجماعية-genocide) جامعا بين كلمة (geno) اليونانية والتي تعني سلالة أو عرق أو قبيلة، و كلمة (cide) اللاتينية التي تعني القتل.
ليستخدم هذا التعبير لأول مرة ككلمة وصفية وليس باعتباره مصطلحا قانونيا عندما وجهت المحكمة العسكرية الدولية بألمانيا الاتهامات إلى كبار القادة النازيين بارتكاب (جرائم ضد الإنسانية). فيما بعد تكللت جهود ليمكين بالنجاح عندما أقرت الأمم المتحدة اتفاقية تجرّم الإبادة الجماعية وتعاقب مرتكبيها في كانون الأول 1948، وبموجب هذه الاتفاقية تعد (الإبادة الجماعية)* جريمة دولية تتعهد الدول الموقعة عليها بمنعها والمعاقبة عليها، بعدما كانت جريمة بلا اسم حسب تعبير ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا حينها.
تكررت هذه الجريمة عدة مرات عبر التاريخ، سواء قبل أن تحصل على اسم أم بعده، لعل أشهرها ما ارتكبته جحافل المستوطنين الجدد مع السكان الأصليين في القارتين الجديدتين أمريكا واستراليا حيث تشير بعض المصادر الى ابادة ملايين من سكان استراليا الأصليين وعشرات ملايين اخرى من الهنود الحمر، سكان الامريكتين الشمالية والجنوبية، فضلا عن تهجير مئات الملايين من الأفارقة إلى أمريكا لاستعبادهم، مات معظمهم في الطريق واستقرت جثثهم في قعر المحيط الأطلسي، لكن ضعف وسائل الاتصال حينها والغياب شبه التام للاعلام غطى على كثير من تلك الجرائم.
شهد القرن العشرين تكرارا مأساويا لهذه الجريمة البشعة كـ (الهولوكوست1933)، مجازر يوغسلافيا السابقة (1991-1995)، مذابح رواندا-1994 وتاليا مآسي دارفور 2004، لكن جريمة إبادة الأرمن والكلدان والسريان والآشوريين ومعهم اليونانيون كانت محط الأنظار هذا العام في ذكراها المئوية الاولى والتي وصفها البابا فرنسيس بـ(الإبادة الأولى في القرن الـ 20)، ما اعتبره البعض عقابا لاردوغان على داعشيته، فثارت ثائرة تركيا حد تصريح رئيس وزرائها داؤد أوغلو إن الحبر الأعظم انضم إلى (مؤامرة جبهة الشر) كما استدعت تركيا مبعوث الفاتيكان إلى أنقرة لتوضيح الامر، فضلا عن تلاوة القرآن للمرة الأولى منذ 85 عاماً داخل متحف آيا صوفيا الشهير في اسطنبول الذي كان كاتدرائية قبل أن يحول إلى مسجد ومن ثم إلى متحف، جاءت ردود الفعل التركية الغاضبة على الرغم من أن الفاتيكان كان قد اعترف بإبادة الشعب الأرمني منذ سنة 2000، عندما قال يوحنا بولس الثاني أنها كانت (مقدمة لفظائع ستتبع). وصح الرأي فيما تبع من فظائع مازالت ماثلة للعيان.
في كل ماسبق عدة نقاط مثيرة للاهتمام، لعل أولها تساؤل يطرح نفسه: لماذا جرحت هذه العبارة مشاعر أردوغان الرقيقة فيما لم تخدشها أنباء الفظائع التي ارتكبت بحق مئات الآلاف إن لم نقل ملايين من البشر كانوا رعايا الامبراطورية التي انبثقت عنها تركيا الحديثة قضوا بأبشع الطرق منهم من قتل ومنهم من سيق الى الصحراء مرحلا ليقضي جوعا وعطشا، كما أكد قنصل الولايات المتحدة في طرابزون أنه شاهد بعينيه عشرات القوارب كانت تحمـّل بالأرمن وبكثافة وتذهب حتى عرض البحر وبعد ساعات تعود فارغة من حمولتها، وآخرون قـُطـِعت رؤوسهم أو حـُرقوا أو تـُركوا طعاما للوحوش، أما الفتيات الجميلات فأخذن كسبايا وبقرت بطون الحبالى للمراهنة على جنس الجنين وعلقت النسوة عاريات على الصلبان ودفن كثيرون أحياء وغير ذلك كثير مما وثقته الصور أحيانا ومذكرات شهود العيان احيانا اخرى. وحتى لو كان الأمر كما تدعي الحكومة التركية أن الذين لقوا حتفهم كانوا ضحايا حرب أهلية واضطرابات، إذ تعترف أنقرة بحدوث فظائع لكنها تراها وقعت في سياق الحرب و لم تصدر عن نية مبيتة لإبادة المسيحيين الأرمن وأن اعداد الضحايا مبالغ فيها، ولو كان الامر هكذا ألا يستحق هؤلاء إعتذارا من دولتهم التي أضطهدوا تحت رايتها؟ ألا يستحق أحفادهم أن يجدوا لهم موطئ قدم في وطنهم الام؟ ثم أين حقوقهم وأملاكهم المصادرة ومن سيعوضهم عن الاضرار النفسية البالغة فضلا عن المادية؟ وأين هؤلاء الادعياء مما يحدث اليوم في العراق وسوريا وقد فتحوا حدودهم أمام شذاذ الافاق والمرتزقة من كل الاجناس والاصناف ليعبروا الى العراق وسوريا ويعملوا في أهلهما قتلا وفتكا وسفكا للدماء؟ آلمهم مصطلح الابادة الجماعية وما رفّ لهم جفن لملايين قضوا في العراق وسوريا وملايين آخرين مهجرون اليوم في أوطانهم أو خارجها، المحظوظون منهم وجدوا كرفانات تأويهم؟ وأعداد غير معلومة غدوا طعاما لاسماك البحر المتوسط ومن وصل منهم الى البر الآخر مازال يعدو بين الحدود او ضائعا في المخيمات..
نقطة أخرى هي في غاية الأهمية لكننا لا نلتفت إليها كثيرا: كل الزخم الإعلامي منصب على مذابح الأرمن التي رغم بشاعتها ليست الوحيدة فقد تعرضت أعداد مماثة من السريان والكلدان والآشوريين واليونان إلى تصفية عرقية مشابهة لكن، لم تفلح الى اليوم هذه الجماعات في (تسويق او ترويج) قضيتها-إن صح التعبير- في المحافل الدولية، فالواقع أننا لانحسن الدفاع عن حقوقنا ولا نجيد المطالبة بها فضلا عن عجزنا شبه التام عن استرجاع المغتصب منها، وزادنا اليومي لايزيد عن الشجب والاستنكار والادانة ولم نعرف الى الساعة طريقنا الى المحاكم الدولية لتثبيت حقوقنا في أقل تقدير، ولاندري إن كان ذلك سببه الجهل أم (قلة حيلة) أم أن الإنسان لا قيمة له عندنا، وإلا كيف نفسر استذكار مذابح الأرمن ونسيان أبناء القوميات الأخرى الذين قضوا معهم، هل سمعت أحدا ذكر في المحافل الدولية صوريا وسميل وسيدة النجاة إلا ما ندر؟ ثأرا للكساسبة قاد ملك الاردن بنفسه غارة على معاقل داعش الإرهابي الذي أحرق شهيد الأردن. فيما أغار الطيران المصري على أوكار الارهابيين في سيناء وسواها ثأرا لشهداء مصر الاقباط الـ(21) فضلا عن إعلان الحداد. فيما خسر العراق (1700) من خيرة شبابه في سبايكر وهم في رواية أخرى (4000)، وعاد وخسر آخرين في الثرثار ويخسر كل يوم آلافا يهجرونه فضلا عن تهجير قرى مسيحية بكاملها منذ ما يقارب العام ولاموقف محدد وحازم من جهة الحكومة العراقية تجاه أبنائها ومواطنيها ولاحتى عبر اعلان الحداد، أم أن كثرة الضحايا أفقدت الشهادة قيمتها؟ ألم توصل فيان دخيل صوت أبناء جلدتها الى العالم في موقف صنعها قبل أن تصنعه؟
اليوم ونحن في العام 2015 بعد مئة عام على مذابح سيفو الشهيرة، ألا نجد أنفسنا شهود عيان على كثير من المجازر والمآسي بل الابادات الجماعية المتكررة بحق عدد غير يسير من الجماعات العرقية والدينية، بل يكاد البعض يزعم أن أهل العراق يبيدون بعضهم بأيدي بعض ولاخير من هذه وسيلة لانهاك الدولة، فما تراه يكون الحل؟ هل ننتظر مئة عام أخرى لنجد من يقف بشيء من الشجاعة ليعترف بمسؤولية بلاده (الجزئية) عما حدث، فبعد مئة عام أقر الرئيس الالماني بمسؤولية جزئية أو حتى تواطؤ محتمل لبلاده في إبادة الأرمن، وأشار إلى (معلومات لمراقبين ودبلوماسيين ألمان كشفت بوضوح وجود رغبة في القضاء على الأرمن لكن تم تجاهلها) لأن ألمانيا حليفة السلطنة العثمانية لم ترغب في (تعريض علاقاتها معها) للخطر. ومثلها فعلت النمسا التي وقف برلمانها دقيقة صمت في الذكرى المئوية للإبادة الأرمنية، وهي البلد الذي كان في تلك الفترة حليفا للسلطنة العثمانية، ووصل العدد الى عشرين دولة لكن الولايات المتحدة الامريكية مازالت مترددة كالكثير من الدول التي تسعى للحفاظ على علاقاتها ومصالحها مع تركيا. وإن كان الحلم بالحماية الدولية مازال يراود أبناء الاقليات المضطهدة في العراق، فهل يُعتمد على دول احتاجت مئة عام لتقر بأن أهون شرورها أنها وقفت كشيطان أخرس تراقب وتشهد وتصمت لأن مصالحها أهم وأبقى من دماء الضحايا ولو كانوا بالملايين، فهل يعيد التاريخ نفسه؟ أم أن شجاعة الاستراليين ستعدي آخرين ليقدموا اعتذارا رسميا على غرار اعتذار رئيس وزراء استراليا (كيفن راد) عام 2008 الرسمي نيابة عن الحكومة والبرلمان والشعب الى سكان استراليا الاصليين على الاساءات والاذلال والمهانات والمذابح التى تعرضوا لها عقب وصول الانسان الأبيض إلى شواطئ القارة عام 1788.
رغم عمل جهات قانونية على ايصال مأساة الايزيديين الى المحاكم الدولية ومحاولة تعريفها كإبادة جماعية لكن ماحدث وما زال يحدث على أيدي الدواعش من جرائم بحق اطياف متنوعة من مسيحيين وايزيديين وسواهم يحتاج مزيدا من الجهد لانتزاع اعتراف دولي بهذه الجرائم وإدانة مرتكبيها وتعويض الضحايا ماديا ومعنويا ، فهل ستقوم جهات قانونية او منظمات مجتمع مدني او اي جهة ذات صلة بجمع شهادات الضحايا من المهجرين او ذوي الشهداء والمسبيات لتنظم ملفا متكاملا يرفع الى المحاكم الدولية لاعادة الحق الى اصحابه؟ إذن سؤال ملح مازال يطرح نفسه... هل بينكم ليمكين؟
*[الإبادة الجماعية] تعني ارتكاب أي عمل من الأعمال الآتية بقصد الإبادة الكلية أو الجزئية، لجماعة ما على أساس القومية أو العرق أو الجنس أو الدين، مثل:
(أ) قتل أعضاء الجماعة.
(ب) إلحاق الأذى الجسدي أو النفسي الخطير بأعضاء الجماعة.
(ج) إلحاق الأضرار بالأوضاع المعيشية للجماعة بشكل متعمد بهدف التدمير الفعلي للجماعة كليا أو جزئيا.
(د) فرض إجراءات تهدف إلى منع المواليد داخل الجماعة.
(هـ) نقل الأطفال بالإكراه من جماعة إلى أخرى.
*بالامكان العودة الى رسالة الماجستير الموسومة (المسألة الارمنية في الدولة العثمانية) إعداد نقية حناعجم وبها الكثير من المصادر الموثوقة.
جورجينا بهنام
لم تعرف الإبادة كمصلح قانوني، طريقها إلى الأوساط الرسمية إلا أواسط القرن العشرين عندما سعى محامٍ يهودي بولندي يدعى (رافائيل ليمكين) عام1944 لإيجاد توصيف يشير إلى جرائم القتل الجماعي المرتكبة بحق مجموعات معينة من البشر بقصد محق وجودهم كليا، لاسيما ما يتعلق بإبادة يهود أوربا في أعقاب (الهولوكوست-Holocaust)، وهو الذي وضع مصطلح (الإبادة الجماعية-genocide) جامعا بين كلمة (geno) اليونانية والتي تعني سلالة أو عرق أو قبيلة، و كلمة (cide) اللاتينية التي تعني القتل. ليستخدم هذا التعبير لأول مرة ككلمة وصفية وليس باعتباره مصطلحا قانونيا عندما وجهت المحكمة العسكرية الدولية بألمانيا الاتهامات إلى كبار القادة النازيين بارتكاب (جرائم ضد الإنسانية). فيما بعد تكللت جهود ليمكين بالنجاح عندما أقرت الأمم المتحدة اتفاقية تجرّم الإبادة الجماعية وتعاقب مرتكبيها في كانون الأول 1948، وبموجب هذه الاتفاقية تعد (الإبادة الجماعية)* جريمة دولية تتعهد الدول الموقعة عليها بمنعها والمعاقبة عليها، بعدما كانت جريمة بلا اسم حسب تعبير ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا حينها.
تكررت هذه الجريمة عدة مرات عبر التاريخ، سواء قبل أن تحصل على اسم أم بعده، لعل أشهرها ما ارتكبته جحافل المستوطنين الجدد مع السكان الأصليين في القارتين الجديدتين أمريكا واستراليا حيث تشير بعض المصادر الى ابادة ملايين من سكان استراليا الأصليين وعشرات ملايين اخرى من الهنود الحمر، سكان الامريكتين الشمالية والجنوبية، فضلا عن تهجير مئات الملايين من الأفارقة إلى أمريكا لاستعبادهم، مات معظمهم في الطريق واستقرت جثثهم في قعر المحيط الأطلسي، لكن ضعف وسائل الاتصال حينها والغياب شبه التام للاعلام غطى على كثير من تلك الجرائم.
شهد القرن العشرين تكرارا مأساويا لهذه الجريمة البشعة كـ (الهولوكوست1933)، مجازر يوغسلافيا السابقة (1991-1995)، مذابح رواندا-1994 وتاليا مآسي دارفور 2004، لكن جريمة إبادة الأرمن والكلدان والسريان والآشوريين ومعهم اليونانيون كانت محط الأنظار هذا العام في ذكراها المئوية الاولى والتي وصفها البابا فرنسيس بـ(الإبادة الأولى في القرن الـ 20)، ما اعتبره البعض عقابا لاردوغان على داعشيته، فثارت ثائرة تركيا حد تصريح رئيس وزرائها داؤد أوغلو إن الحبر الأعظم انضم إلى (مؤامرة جبهة الشر) كما استدعت تركيا مبعوث الفاتيكان إلى أنقرة لتوضيح الامر، فضلا عن تلاوة القرآن للمرة الأولى منذ 85 عاماً داخل متحف آيا صوفيا الشهير في اسطنبول الذي كان كاتدرائية قبل أن يحول إلى مسجد ومن ثم إلى متحف، جاءت ردود الفعل التركية الغاضبة على الرغم من أن الفاتيكان كان قد اعترف بإبادة الشعب الأرمني منذ سنة 2000، عندما قال يوحنا بولس الثاني أنها كانت (مقدمة لفظائع ستتبع). وصح الرأي فيما تبع من فظائع مازالت ماثلة للعيان.
في كل ماسبق عدة نقاط مثيرة للاهتمام، لعل أولها تساؤل يطرح نفسه: لماذا جرحت هذه العبارة مشاعر أردوغان الرقيقة فيما لم تخدشها أنباء الفظائع التي ارتكبت بحق مئات الآلاف إن لم نقل ملايين من البشر كانوا رعايا الامبراطورية التي انبثقت عنها تركيا الحديثة قضوا بأبشع الطرق منهم من قتل ومنهم من سيق الى الصحراء مرحلا ليقضي جوعا وعطشا، كما أكد قنصل الولايات المتحدة في طرابزون أنه شاهد بعينيه عشرات القوارب كانت تحمـّل بالأرمن وبكثافة وتذهب حتى عرض البحر وبعد ساعات تعود فارغة من حمولتها، وآخرون قـُطـِعت رؤوسهم أو حـُرقوا أو تـُركوا طعاما للوحوش، أما الفتيات الجميلات فأخذن كسبايا وبقرت بطون الحبالى للمراهنة على جنس الجنين وعلقت النسوة عاريات على الصلبان ودفن كثيرون أحياء وغير ذلك كثير مما وثقته الصور أحيانا ومذكرات شهود العيان احيانا اخرى. وحتى لو كان الأمر كما تدعي الحكومة التركية أن الذين لقوا حتفهم كانوا ضحايا حرب أهلية واضطرابات، إذ تعترف أنقرة بحدوث فظائع لكنها تراها وقعت في سياق الحرب و لم تصدر عن نية مبيتة لإبادة المسيحيين الأرمن وأن اعداد الضحايا مبالغ فيها، ولو كان الامر هكذا ألا يستحق هؤلاء إعتذارا من دولتهم التي أضطهدوا تحت رايتها؟ ألا يستحق أحفادهم أن يجدوا لهم موطئ قدم في وطنهم الام؟ ثم أين حقوقهم وأملاكهم المصادرة ومن سيعوضهم عن الاضرار النفسية البالغة فضلا عن المادية؟ وأين هؤلاء الادعياء مما يحدث اليوم في العراق وسوريا وقد فتحوا حدودهم أمام شذاذ الافاق والمرتزقة من كل الاجناس والاصناف ليعبروا الى العراق وسوريا ويعملوا في أهلهما قتلا وفتكا وسفكا للدماء؟ آلمهم مصطلح الابادة الجماعية وما رفّ لهم جفن لملايين قضوا في العراق وسوريا وملايين آخرين مهجرون اليوم في أوطانهم أو خارجها، المحظوظون منهم وجدوا كرفانات تأويهم؟ وأعداد غير معلومة غدوا طعاما لاسماك البحر المتوسط ومن وصل منهم الى البر الآخر مازال يعدو بين الحدود او ضائعا في المخيمات..
نقطة أخرى هي في غاية الأهمية لكننا لا نلتفت إليها كثيرا: كل الزخم الإعلامي منصب على مذابح الأرمن التي رغم بشاعتها ليست الوحيدة فقد تعرضت أعداد مماثة من السريان والكلدان والآشوريين واليونان إلى تصفية عرقية مشابهة لكن، لم تفلح الى اليوم هذه الجماعات في (تسويق او ترويج) قضيتها-إن صح التعبير- في المحافل الدولية، فالواقع أننا لانحسن الدفاع عن حقوقنا ولا نجيد المطالبة بها فضلا عن عجزنا شبه التام عن استرجاع المغتصب منها، وزادنا اليومي لايزيد عن الشجب والاستنكار والادانة ولم نعرف الى الساعة طريقنا الى المحاكم الدولية لتثبيت حقوقنا في أقل تقدير، ولاندري إن كان ذلك سببه الجهل أم (قلة حيلة) أم أن الإنسان لا قيمة له عندنا، وإلا كيف نفسر استذكار مذابح الأرمن ونسيان أبناء القوميات الأخرى الذين قضوا معهم، هل سمعت أحدا ذكر في المحافل الدولية صوريا وسميل وسيدة النجاة إلا ما ندر؟ ثأرا للكساسبة قاد ملك الاردن بنفسه غارة على معاقل داعش الإرهابي الذي أحرق شهيد الأردن. فيما أغار الطيران المصري على أوكار الارهابيين في سيناء وسواها ثأرا لشهداء مصر الاقباط الـ(21) فضلا عن إعلان الحداد. فيما خسر العراق (1700) من خيرة شبابه في سبايكر وهم في رواية أخرى (4000)، وعاد وخسر آخرين في الثرثار ويخسر كل يوم آلافا يهجرونه فضلا عن تهجير قرى مسيحية بكاملها منذ ما يقارب العام ولاموقف محدد وحازم من جهة الحكومة العراقية تجاه أبنائها ومواطنيها ولاحتى عبر اعلان الحداد، أم أن كثرة الضحايا أفقدت الشهادة قيمتها؟ ألم توصل فيان دخيل صوت أبناء جلدتها الى العالم في موقف صنعها قبل أن تصنعه؟
اليوم ونحن في العام 2015 بعد مئة عام على مذابح سيفو الشهيرة، ألا نجد أنفسنا شهود عيان على كثير من المجازر والمآسي بل الابادات الجماعية المتكررة بحق عدد غير يسير من الجماعات العرقية والدينية، بل يكاد البعض يزعم أن أهل العراق يبيدون بعضهم بأيدي بعض ولاخير من هذه وسيلة لانهاك الدولة، فما تراه يكون الحل؟ هل ننتظر مئة عام أخرى لنجد من يقف بشيء من الشجاعة ليعترف بمسؤولية بلاده (الجزئية) عما حدث، فبعد مئة عام أقر الرئيس الالماني بمسؤولية جزئية أو حتى تواطؤ محتمل لبلاده في إبادة الأرمن، وأشار إلى (معلومات لمراقبين ودبلوماسيين ألمان كشفت بوضوح وجود رغبة في القضاء على الأرمن لكن تم تجاهلها) لأن ألمانيا حليفة السلطنة العثمانية لم ترغب في (تعريض علاقاتها معها) للخطر. ومثلها فعلت النمسا التي وقف برلمانها دقيقة صمت في الذكرى المئوية للإبادة الأرمنية، وهي البلد الذي كان في تلك الفترة حليفا للسلطنة العثمانية، ووصل العدد الى عشرين دولة لكن الولايات المتحدة الامريكية مازالت مترددة كالكثير من الدول التي تسعى للحفاظ على علاقاتها ومصالحها مع تركيا. وإن كان الحلم بالحماية الدولية مازال يراود أبناء الاقليات المضطهدة في العراق، فهل يُعتمد على دول احتاجت مئة عام لتقر بأن أهون شرورها أنها وقفت كشيطان أخرس تراقب وتشهد وتصمت لأن مصالحها أهم وأبقى من دماء الضحايا ولو كانوا بالملايين، فهل يعيد التاريخ نفسه؟ أم أن شجاعة الاستراليين ستعدي آخرين ليقدموا اعتذارا رسميا على غرار اعتذار رئيس وزراء استراليا (كيفن راد) عام 2008 الرسمي نيابة عن الحكومة والبرلمان والشعب الى سكان استراليا الاصليين على الاساءات والاذلال والمهانات والمذابح التى تعرضوا لها عقب وصول الانسان الأبيض إلى شواطئ القارة عام 1788.
رغم عمل جهات قانونية على ايصال مأساة الايزيديين الى المحاكم الدولية ومحاولة تعريفها كإبادة جماعية لكن ماحدث وما زال يحدث على أيدي الدواعش من جرائم بحق اطياف متنوعة من مسيحيين وايزيديين وسواهم يحتاج مزيدا من الجهد لانتزاع اعتراف دولي بهذه الجرائم وإدانة مرتكبيها وتعويض الضحايا ماديا ومعنويا ، فهل ستقوم جهات قانونية او منظمات مجتمع مدني او اي جهة ذات صلة بجمع شهادات الضحايا من المهجرين او ذوي الشهداء والمسبيات لتنظم ملفا متكاملا يرفع الى المحاكم الدولية لاعادة الحق الى اصحابه؟ إذن سؤال ملح مازال يطرح نفسه... هل بينكم ليمكين؟
*[الإبادة الجماعية] تعني ارتكاب أي عمل من الأعمال الآتية بقصد الإبادة الكلية أو الجزئية، لجماعة ما على أساس القومية أو العرق أو الجنس أو الدين، مثل:
(أ) قتل أعضاء الجماعة.
(ب) إلحاق الأذى الجسدي أو النفسي الخطير بأعضاء الجماعة.
(ج) إلحاق الأضرار بالأوضاع المعيشية للجماعة بشكل متعمد بهدف التدمير الفعلي للجماعة كليا أو جزئيا.
(د) فرض إجراءات تهدف إلى منع المواليد داخل الجماعة.
(هـ) نقل الأطفال بالإكراه من جماعة إلى أخرى.
*بالامكان العودة الى رسالة الماجستير الموسومة (المسألة الارمنية في الدولة العثمانية) إعداد نقية حناعجم وبها الكثير من المصادر الموثوقة.
1170 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع