موفق نيسكو
حوالي سنة 2500 قبل الميلاد هاجرت أقوام سامية من جنوب العراق وسكنت المنطقة الواقعة شمال العراق الحالي بين شرق وشمال نهر دجلة والزابين وعلى جانبي خط عرض 37 تقريباً، والذين سَيسُمَّون فيما بعد بالآشوريين.
كان في المنطقة شعب جبلي أقدم منهم يدعى السوبارتيون أو سوبر (Subir)، وتُسمَّى بلادهم سوبارتو، وكانت منطقتهم تشمل غرب جبال زاكروس وبلاد عيلام شرقاً إلى منابع الخابور وتل حلف وجبلة البيضا غرباً، ومن أرمينيا والأناضول شمالاً (يُعتقد أن مدينة دياربكر كانت ضمن منطقتهم) إلى الخط الواصل بين ديالى وجبال سنجار جنوباً.
كان السوبارتيون معروفين من قِبل السومريين والأكديين فقد ورد ذكرهم في نصوص قديمة منذ عصر فجر السلالات، وظهر الاسم لأول مرة في أخبار حاكم لكش أيانتم (2470 ق.م. تقريباً)، ويذكر الملك السومري حاكم مدينة آدابا (تل بسماية) لوكال آني موندو في الربع الأخير من الألف الثالثة قبل الميلاد أنه استطاع السيطرة على عدة مناطق من بينها سوبارتو في الشمال، ويرد ذكرهم في نص مسماري يتحدث عن فتوحات سرجون الأكدي (2334–2279 ق.م.)، ويتكلم النص عن قسماً من مناطقهم مثل مدينة آنشان قرب سوسة عاصمة عيلام وكركوك وغيرها، ويُحدد مساحتها "120 بيرو" (وحدة قياس مساحة تقدر 1000كم)، وقد ناصب السوبارتيون بقيادة ملكهم "أوي أولا" العداء لملك أور شولجي (2095–2048 ق.م.) مما حدا بشولجي إلى إرسال مبعوث اسمه "إيرمو" إلى السوبارتيين لتثبيت سلطانه عليهم، ويقول إيرمو في رسالته إلى شولجي "لقد عهدتَ إليّ أن اذهب إلى أرض سوبير لأجعل حدود بلادك مستقرة ولأنصح العقلاء من حاشية "أوي أولا" أن يصبحوا ضده وأجعل الشعب طيَّعاً"، ويبدو أن إيرمو لم ينجح في إخضاع السوبارتيين، مما دعا شولجي أن يتهم مبعوثه بالتقصير ومجاملة السوبارتيين إذ يكتب شولجي لإيرمو: "إذا كُنتَ تُحبني حقاً فلا تنضم إليهم، لقد أصبحتَ منفوخاً بالإطراء ولم تعد تعرف جنودك، فاحذر من السوبارتين ومن بطولتي"، ويُستفاد من نص الخطابين بين شولجي ومبعوثه بأن السوبارتيين كانوا قوة عسكرية كبيرة حيث كان يحيط بالملك السوبارتي حوالي خمسة آلاف جندي، كما كانوا أغنياء جداً حيث كان قصر ملكهم مزيناً بالذهب والفضة والعقيق، وأن ملكهم كان يجلس على كرسي يغطيه قماش فخم ويضع قدميه على طاولة من ذهب (محمد عبد اللطيف محمد علي، تاريخ العراق القديم ص227،264–266 و320–321.ومدينة آدبا سبقت مملكة ماري)، وورد اسم السوبارتيين في عهد ملك أشنونا (داداوشا) الذي يذكر أن جيش الملك الآشوري أدد الأول (1813–1781 ق.م.) جَمعَ السوبارتو وخانه، وقد قام الملك البابلي حمورابي (1792–1750 ق.م.) بغزو منطقة سوبارتو بين سنتي (36–38) من حكمه (محمد بيومي مهران، تاريخ العراق القديم ص 226)، ويرد ذكر السوبارتيين في نفس المدة عندما قام الملك الآشوري إيشمي داجان ملك أشنونا (1780–1741 ق.م.) الذي تحالف مع الكوتيين بزعامة الملكة "سيدة ناوار" وإمارة كوردا بزعامة "حمورابي ملك كوردا" واستطاع قهر قوات سوبارتو التي كانت تعادي حمورابي البابلي وحليفه ملك ماري زيمري ليم، ويخبرنا خطاب "باخدي" مدير قصر الملك زيمري ليم الموجه لسيدهُ ينبهه ويُعلِمه بأن إيشمي داجان وحمورابي ملك كوردا أمرا جيشيهما قائلين "امسكا أرض سوبارتو في أيديكما ولا تُسلِّما قوات إمداد إلى بابل"، وفيما بعد عثر على قسم من الآثار في مكتبة آشور بانيبال (668–627 ق.م.) وهي عبارة عن لوحات جغرافية تعود للعصر البابلي تُسمِّي بلادهم بلاد السوبارتيين، كما ورد اسم سوبار (Subir) في نصوص ملك الالاخ (تل العطشانة) الكنعاني دريمي (1510–1480 ق.م.)، وفي نصوص أوغاريت (شمال اللاذقية) ورد بصيغة (شبر sbr)، وتذكر المصادر التاريخية أن تغلاث فلاصر الأول (1115–1077 ق.م.) حاصر مدينة شهريش السوبارتية ولقي من السوبارتيين مقاومة شرسة (أحمد تاج الدين، الأكراد ص20)، مستنداً على تاريخ آشور القديم.، ويقول الآثاري الألماني فن أوبنهايم (1860–1946م) الذي قام بدراسة آثار شمال سوريا والعراق بين سنة (1899–1933م): إن الآثار المكتشفة التي تعود إلى 3500 سنة ق.م. تدل على أن السوبارتيين كانوا ذوي حضارة قديمة خاصة بهم، وكانت مهمة في حينها مثل أهمية حضارة بابل ومصر لاحقاً، لكنهم اضمحلوا بعد استقرار الآشوريين في المنطقة واندمجوا معهم خاصة بعد احتلال الحثيين والماتيين للمنطقة.
ويقول بعض الكُتَّاب الأكراد إن قسماً من الأكراد هم فرع من السوبارتيين ويُرجِّح قسم منهم أن أربع قبائل هي كرمانج وكوران ولور وكلهير الكردية منحدرة من السوبارتيين، ويقول سيدني سميث مدير دار الآثار العراقية (1929–1931م): إن بعض قبائل الحوريين والميتانيين في القسم الغربي من نهر دجلة ينحدرون من السوبارتيين.
أمَّا لغة السوبارتيين فكانت لغة خاصة لم يُحدد لحد الآن إن كانت من عائلة لغات الهندو أوربية أو السامية أو غيرها، وكانت منتشرة بين مناطق سامراء وكركوك وأربيل والموصل وكفري وخورماتو، ووصل منها الشيء القليل، منها كتاب فيه صلوات وترانيم دينية عُثر عليه في منطقة بوغازكوي في تركيا أرسله توشراتا ملك الماتيين (1388–1371ق.م.) إلى أمينوفيس الثالث ملك مصر (1419–1384 ق.م.)، ويعتقد قسم من الباحثين أن السوبارتيين كانت لهم ديانة خاصة تعتقد بوجود حياة أخرى بعد الموت وكانوا يكرمون الموتى بوضع أشياء الميت معه في القبر من سلاح ومؤن، ويستند الباحثون بذلك إلى القبور والكهوف القديمة التي اكتشفت في المنطقة، ويؤكد معجم الحضارات السامية أن السوبارتيين كانت لهم خصائصهم العرقية واللغوية والدينية والفنية التي زالت معالمها نتيجة للحروب واختلاط العناصر البشرية وأن الأكديين هم أول من أطلقوا عليهم اسم سوبارتو. (هنرس س. عبودي، معجم الحضارات السامية ص 499).
وكشف المنقّبون عن الآثار في مدينة زيبار العراقية عن أنقاض مدرسة تعود إلى (4000) سنة وجدت فيها لوحات لتدريس الحساب والهجاء، واكتُشفت رسائل عبارة عن صكوك وقيود ومسائل رياضية وأرصاد فلكية ونصوص تاريخية وغيرها، كما عثر العلماء على بعض الأدعية الدينية، وتُظهر تلك الوثائق أن المرأة كانت لها مكانة محترمة لدى المجتمع السوبارتي وكانت تتمتع بنوع من الحرية والاستقلال، كما دَلَّت بعض الآثار على أن بعض النسوة كنّ يعملن في الأعمال الكتابية، وتدل الوثائق التاريخية على أن هؤلاء القوم كانوا يزاولون التجارة بشكل كبير وكانت لديهم علاقات مع كثير من بلدان آسيا المجاورة، ويبدو أنه كانت لديهم جاليات تسكن في جنوب بلاد الرافدين لمزاولة الأعمال التجارية والصناعية، وتشير بعض اللوحات التي عثر عليها إلى أنهم كانوا يسجلون معاملاتهم التجارية وزبائنهم وبضائعهم وحوالاتهم مع الأقطار المجاورة، ومن ضمن البضائع التي كانوا يبيعوها الجلود والأقمشة وبعض المواد الغذائية، وكانوا يستعملون الدواب والنقل النهري في طرق نقلهم التجاري بين الشمال والجنوب عبْر دجلة والفرات وفي الجزيرة السورية عبر الفرات والخابور، وتدل هذه الأمور على أن بلاد (سوبارتو) كانت غنية، وهذا هو سبب قيام الحملات العسكرية عليها من منطقة الرافدين الجنوبية.
عند مجيء موجة الأقوام السامية من الجنوب والتي ستُسمَّى فيما بعد بالآشوريين، تَسمَّوا في البداية بالسوبارتيين، لكنهم تحاشوا إطلاق تسمية سوبارتو على أنفسهم وعلى بلادهم لأن تلك التسمية كانت تنطوي على مدلول مُهين لأنها تعني باللغة الأكدية مفهوم العبد (subrum)، وكان البابليون يطلقونها على الآشوريين من باب الانتقاص منهم، وبقي البابليون يستعملون مصطلح سوبارتو وعلى موطنهم اسم بلاد سوبارتو كمرادف لآشور والآشوريين، حتى أيام الدولة الآشورية، إذ نجد الملك البابلي مردوخ بلادان الآرامي (721–711 ق.م.) لا يُسمِّي خصمه الملك الآشوري سرجون الثاني (721–705 ق.م.) ملك الآشوريين، بل ملك السوبارتيين، ويُسمِّي جيشه بجموع السوبارتو،)، وحتى الآشوريين كانوا يُسمُّون أنفسهم سوبارتو أحياناً، مثل التقرير الذي قدَّمه أحد المنجمين الآشوريين إلى الملك الآشوري قائلاً: إذا شوهد القمر في اليوم الثلاثين من شهر نيسان فإن بلاد سوبارتو سوف تغلب قبيلة أحلامو الآرامية، ثم يضيف قائلاً: نحن السوباريين، وبقي استعمال اسم سوبارتو إلى أيام الدولة الكلدانية (612–539 ق.م.) (طه باقر مقدمة في تاريخ الحضارات ص77 و472–473)، وتأثر الآشوريون بالسوبارتيين في النواحي القومية واللغوية والدينية حتى إن بعض الآلهة السوبارتية بقيت في عبادتهم لذلك أطلقوا على أنفسهم اسم الآشوريين نسبة إلى إلههم القومي آشور الذي كان يتعبد به من قبل السوبارتيين في قلعة الشرقاط بدل الاسم الأصلي الأقدم وهو سوبارتو (شوبارتو) أو سوبر ، كما أطلقوا على عاصمتهم الأولى اسم آشور (مدينة الشرقاط حالياً)، ثم عمَّ اسم إلههم القومي آشور فأطلقوه على باقي البلاد.
لذلك فشمال العراق ليس الموطن الأول للآشوريين الذين نزحوا وقضوا على قسم من السوبارتيين وأزاحوا قسماً آخر إلى سفوح الجبال المجاورة، واندمج القسم الباقي مع الآشوريين الذين أسسوا مملكة صغيرة على نسق المدن الجنوبية التي اقتبسوا منها مدنيتهم الأولى حيث كانوا على اتصال دائم مع المدن السومرية، وربما كان السومريون في عداد من استوطنوا معهم (جيمس برستد،العصور القديمة ص152)، ومما لا شك فيه أن أقواماً سامية أخرى دخلت في التركيب القومي للآشوريين مثل البابليين والأكديين وأقوام غير سامية مثل الحثيين والماديين والكوتيين وغيرهم (ول ديورانت، قصة الحضارة ج2 ص265)، وأن الحوريين هم الذين أعطوا للآشوريين الملامح التي تميزهم عن أبناء عمهم الساميين، وأن الآشوريين أنفسهم كانوا يُسمُّون سكان مناطق الحثيين سابقاً بالحثيين (فيليب حتي، تاريخ سورية ولبنان وفلسطين، دار الثقافة ص 163– 168)، وقد أثبتت الاكتشافات الأثرية أن المدن الآشورية كانت في منشئها عبارة عن بلاد مستقلة الواحدة عن الأخرى (المطران سليمان الصائغ، تاريخ الموصل ج1 ص12)، ويقول كثير من المؤرخين إن الآشوريين هم أكديون نظراً لتشابه لغتهم مع الاكدية، كذلك يقال بالنسبة إلى احتفاظ أسماء الأعلام وألقاب الملوك الآشورية بالصيغ الأكدية القديمة، مثل ملك جميع العالم، وحتى اسم آشور كان بصيغه أكدية (ﮔاسر) (طه باقر، مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة ص 476–477)، علماً أن قسماً من ملوك بلاد آشور كانوا سوبارتيين مثل أوشبيا وكيكيا، وأكديين مثل سرجون الأكدي (2334–2279 ق.م.)، وأموريين مثل شمسي أدد الأول (1814–1782 ق.م.) وولديه أشمي وداكان (1780–1741 ق.م.). وكانت المنطقة كلها تعرف عند البابليين باسم "سوبارتو" وكانت ملكيتها مثار نزاع بين الأموريين الساميين وبين شعب غير سامي هم الميتانيون، وأقدم رؤساء كهنة أشور حملوا أسماء ميتانية، وحوالي سنة 2500 ق.م. احتل البلاد البابليون الذين جلبوا معهم العقيدة والقانون والعادات واللغة، ويُنسب إلى هؤلاء تأسيس نينوي ورحوبوت عير (تكوين 10: 11– 12) حيث يجب أن نقرأ: "وخرج إلي أشور " عوضاً عن "خرج أشور" (دائرة المعارف الكتابية ج1ص 332).
ويُعدُّ كثير من المؤرخين بداية تاريخ الآشوريين السياسي الحقيقي من العصر الوسيط وتحديداً من عهد آشور أوبالط الأول (1365–1330 ق.م) (المعجم الموسوعي للديانات والعقائد والفرق والطوائف والنحل في العالم منذ فجر التاريخ حتى العصر الحالي، د. سهيل زكار ص75)، وما قبلها هو حقبة سومرية أكدية وبابلية، حيث كانت آشور تخضع لهم ولم تكن ذات شأن كبير قبل أن يتزوج الملك البابلي الكشي بورنابورياش الثاني من ابنة الملك الآشوري أوبالط الأول موبلليت شرووا (د. عبد العزيز صالح، الشرق الأدنى القديم ص 736 يذكره باسم كارونداش والصحيح بورنابورياش)، وبدأت الدولة الآشورية بالتعاظم منذ عهد أوبالط الأول (طه باقر، مقدمة في تاريخ الحضارة القديمة ص460)، وشهرتها الحقيقية هي من العصر الآشوري الحديث (911–744 ق.م.) وبالذات السلالة السرجونية الأخيرة (744–612 ق.م.)، وبما أن الآشوريين منذ هذا العصر أصبحوا مشهورين جداً، لذلك فإن قسماً من المؤرخين يطلقون تسمية الآشوريين منذ فجر السلالات أي قبل مجيء الآشوريين عندما يتحدثون بصورة عامة غير مفصَّلة عن تاريخ المنطقة، والحقيقة أن اسم آشور لم يقترن بملوكهم قبل سنة 1454 ق.م.، بل كان اسماً عابراً وبمدد متباعدة، وأن أول تسعة وعشرين ملكاً من قائمة الملوك الآشوريين التي تبدأ بتوديا (2300 ق.م. ت) وتشمل (127) اسماً، لم يكن اسم واحد منهم آشور أو مقترن بآشور، وأول ملك اقترن اسمه بآشور هو بوزر آشور الأول1950 (ق.م. ت) الذي يحمل رقم 30، ثم دوكال (1735–1729 ق.م.) وخلَفه أبلا إيدي اللذان يحملان رقم 41 و42، ثم نيراري الأول (1528–1503 ق.م رقم 60)، بينما نرى أن اسم آشور بدأ يصبح مقترناً بأسماء ملوكها فيما بعد حيث نجد أن نصف أسماء ملوك آشور تقريباً (24 من مجموع 53) منذ عهد آشور شدوني (1454 ق.م. رقم 64) إلى آخر ملك آشور أوبالط الثاني (611–609 ق.م. رقم 117)، كان اسمهم مقترناً بآشور، ولم أضع عنوان مقالي السوبارتيين سكان بلاد آشور الأصليين، بل قبل الآشوريين، لأن التاريخ قد يكشف لنا أقوام أقدم منهم.
وبالنسبة للكتاب المقدس أقول: إن العهد القديم جُمع ودوَّن بصيغته الحالية بين القرنيين السادس والخامس قبل الميلاد، وأن كاتب العهد القديم كتب الأسماء والأقوام التي كانت منتشرة وموجودة في عصره او قريبة منها، ولم يكن هَمُّهُ الرجوع إلى الأسماء القديمة لبلاد آشور مثل سوبارتو وغيرها، وأن يعطي أسماءً مفصّلة للمناطق والأقوام القديمة، كما أن كاتب الوحي لم يأخذ بالاعتبار أن السريان سوف ينقسمون إلى عدة أقسام ويتخذون ابتدأً من القرن التاسع عشر أسماء كالآشوريين والكلدان، والتشبث بهذه الأسماء لأنها وردت في العهد القديم، ثم يتارشقوا بينهم في المواقع الالكترونية وغيرها، بل كان هَم كاتب الوحي أن يعطي معنى يوافق معرفة الناس في ذاك الزمان، لذلك ذكر بالعبري أور الكاسدين، (الكلدانيين بالعربي وترجمات كثيرة) علماً أن أقدم ذكر للكلدان في التاريخ سنة (878 ق.م. ت)، وأن أور لم تكن يوماً لا كاسدية ولا كلدانية ولا حتى بابلية بل سومرية، كما ذكر مدينة دان زمن إبراهيم (تكوين 14: 14) رغم أن المدينة كانت تُدعى حينها "لاشَم" واتخذت هذا الاسم في زمن يشوع بن نون أو بعده (يشوع 19: 47، القضاة 18: 29)، وغيرها كثير، وباختصار مثل ما نقول اليوم إن زقورة أور شُيَّدتْ قرب الناصرية، ولكن في ذلك الزمان لم تكن الناصرية موجودة، والدليل واضح جداً مع تكوين (2: 14) الذي يتحدث عن جنة عدن قبل خلق آدم وحواء، (واسم النهر الثالث حداقل وهو الجاري شرقي آشور)، فهل كان آشور موجود قبل آدم وحواء؟.
يقول قاموس الكتاب المقدس: إن الآشوريين كانوا مزيجاً من أجناس عدة قطنت البلاد في حقب مختلفة، السومريون والحوريون والميتانيون، وفي النهاية سادت العناصر السامية وخاصةً الأكديون والبابليون وامتلكوا البلاد( قاموس الكتاب المقدس ص 78)، وهناك من يَعدُّ الآشوريين بابليين هاجروا بعد أن ضاقت الأمور بهم، مستنداً على التشابه الكبير بين اللغتين الآشورية والبابلية (حامد عبد القادر: الأمم السامية، مصادرها وتاريخها ص27).
إن المقصود ببلاد آشور في تكوين (2: 14) هي ليست نفس بلاد آشور التقليدية، وإنما هي قلعة الشرقاط عاصمة الآشوريين الأولى فقط التي كانت حدود سيادة بابل العليا والتي يقع نهر دجلة شرقها، أمَّا بلاد آشور التقليدية فنهر دجلة يقع غربها وليس شرقها، وكاتب الوحي عندما سّمَّى هذه البلاد آشور لا يعني أن تسميتها منذ أقدم العصور كانت آشور.
إن اسم آشور كشخص عَلم لدلالة على آشور بن سام ورد مرتين فقط في الكتاب المقدس (تكوين 10: 22، و 1 أخ 1: 17)، وفي (تكوين 10: 22) يتكلم بوضوح وإسهاب عن ذرية أولاد سام آرام وأرفكشاد فقط، ولا يذكر إن كان لآشور ولد أصلاً، فمن هم أبناء آشور وأين انتشروا؟، وإذا كان لآشور نسل هل بقوا في المنطقة أم رحلوا إلى مكان آخر؟، لأن قسماً من الحاميين رحلوا غرباً وسكنوا مصر وحولها، وإذا كان لآشور نسل فيكون قسم منهم هم السوبارتيون قبل مجيء موجة الأقوام السامية واتخاذ اسم الآشوريين فيما بعد، ولهذا فالحديث عن نسل آشور هو استنتاجي وليس كتابي مُوَّثق أسوةً بآرام وارفكشاد، ولم يتطرق الكتاب المقدس للآشوريين القدماء إطلاقاً، وجميع ما ذُكر عن الآشوريين هو في عهد السلالة السرجونية الأخيرة وقبلها بقليل فقط، وأول ذكر للآشوريين كقوم في الكتاب المقدس هو في زمن الملك الآشوري شلمنصر الثالث (858–824 ق.م). ويُطابق هذا الأمر الآثار الآشورية التي تذكر أقدم ملك لإسرائيل عمري (876–869 ق.م.)، لذلك فإن آشور الكتاب المقدس ليس علاقة بالآشوريين، وإن اسم الآشوريين بإجماع المؤرخين تقريباً هو نسبة إلى إلههم القومي وليس لآشور بن سام.
إن اسم أرفكشاد بن سام (تكوين 10: 22–24) يرد أيضاً اسماً لمناطق أخرى قريبة من نهر الزاب شمالي شرقي نينوى، وورد هذا الاسم في المدونات الآشورية بصيغة "أرباخا" (قاموس الكتاب المقدس ص51)، ويُظن أنها مدينة كركوك، كما ورد أرفكشاد اسماً لأحد ملوك مادي التي كانت عاصمتها مدينة أحْمَتا (سفر يهودت 1: 1)، (بالفارسي هجمتانا)، وسّمَّاها اليونان أكبتا، وهي اليوم مدينة همدان الإيرانية، وليس دائماً المقصود باسم آشور في الكتاب المقدس هي بلاد آشور التقليدية ففي تك 14:2، 18:25، عد 24 :22، 24؛ مز 83 : 9، 2 مل 23 :29، مرا 5 :6 تدلّ كلمة أشور على بابل، وفي عز 6 :22 تدلّ أشور على مملكة فارس التي ورثت القوّة الأشوريّة (الأب بولس الفغالي، المحيط الجامع في الكتاب المقدس والشرق القديم ص 128 وكذلك 108و109).
إن الترجمة الصحيحة للآية 11 (تكوين 10: 8–11) (وكوش ولد نمرود الذي ابتدأ يكون جبارا في الأرض، الذي كان جبار صيد أمام الرب لذلك يقال كنمرود جبار صيد أمام الرب، وكان ابتداء مملكته بابل وارك وأكد وكلنة في ارض شنعار، 11 من تلك الأرض خرج إلى آشور وبنى نينوى ورحوبوث عير وكالح ورسن) وليس آشور، والآية تتحدث بوضوح عن نسل كوش الحامي، ولا وجود مكان لآشور فيها، ولا تعني أن شخصاً أسمه آشور خرج من بابل، بل تعني أن نمرود كان ملكاً في بابل وأرك وأكد وكلنة في أرض شنعار ، ولم يكتف بأرضه فخرج يفتح مدناً أخرى في الأرض وأصبح ملكاً عليها، ثم سُمِّيت آشور فيما بعد عندما سكنها الآشوريين، والكتاب المقدس لاحقاً يفرِّق بين أرض آشور ونمرود (ميخا 5: 6)، كما يؤكد بشكل واضح أن نمرود هو من نسل كوش بن حام وليس من نسل سام (تكوين 10: 6–12)، وقد صوَّر الكتاب المقدس الحاميين كأمم ظالمة ومقاومة لعمل الله ورمزاً للشر، لذلك عاقبهم الله باللعنة وجعلهم مستعبدين لسام الذي أعطاه البركة (تكوين 9: 25–27). وصوَّر نمرود جبار صيد أمام الرب، وحتى ابن نمرود كان شريراً مثل أبيه وصار مضرباً للمثل: وهل يُخلِّف الشرير إلاّ أشراراً. (أحمد بيش،التلمود، تقديم سهيل زكّار ص 76–104).
ويجب القول إن الكتاب المقدس من خلال انتشاره في العالم له الفضل في إعطاء شهرة واسعة للآشوريين والكلدان في التاريخ ليس على حساب حضارات بين النهرين الأخرى كالبابلية (حمورابي) والسومرية والأكدية فحسب، بل حتى على حضارات العالم الأخرى كالمصرية، فبرغم قصر الفترة الآشورية التي تحدث عنها الكتاب المقدس (858–612 ق.م.، والكلدانية 73 سنة فقط 612–539 ق.م.)، إلاَّ أنهما اشتهرتا أكثر من غيرهما خاصة قبل قرن 19، برغم عدم وجود لهما آثار فوق الأرض كالأهرامات.
هذا بالنسبة للآشوريين القدماء، أمَّا بالنسبة للسريان الشرقيين (النساطرة) فهم لا ينتمون إلى الآشوريين القدماء أصلاً، وقد سّمَّاهم الانكليز حديثاً بالآشوريين سنة 1876م وسُميت كنيستهم رسمياً في 17/ت1/1976م بالآشورية.
3171 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع