زيد الحلي
ادباء وفنانون وشعراء وشرائح مختلفة من المجتمع كافة ، استضافهم "نصب الحرية" في ساحة التحرير ببغداد على مدى الأسابيع القليلة الماضية في تظاهراتهم السلمية ... استضافهم بمحبة وسعادة ، وهو الذي شاء حظه ، ان يولد في العام 1961 بولادة قيصرية، صعبة على يد جراح مبدع وطموح وأن يتنقل بين إيطاليا وفرنسا ، قبل ان تحتضنه بغداد..
زاره وقبلّه وهو مايزال في المهد، رموز العراق في ذلك الوقت : عبد الكريم قاسم ، الجواهري ، بدر شاكر السياب , د مصطفى جواد ، هاشم الخطاط البغدادي ، عبد الوهاب البياتي ، محمد بهجت الاثري ، عمو بابا ، القبانجي ، نازك الملائكة وغيرهم بالعشرات..
ولم تمض ، مدة وجيزة على ولادته ، حتى توفى الله والده ، فظل هذا الغض اليتيم يداري يتمه بالصبر الجميل ، رغم الاحداث الجسام التي عاش في إتونها ، والمتمثلة في الصراعات السياسية المريرة والثورات والانقلابات والمظاهرات والاحتجاجات وايضا الافراح والاحزان ورقصات الجوبي !
ومع نموّه وكبرّه ، ظل متواضعا ، تواضع الكبار ، واستمر يلج الليل بالنهار ، غيرآبه ببرودة الشتاء وحر الصيف .. ظل شاخصا ، بحنو ، منكبا على تسجيل تلك الاحداث بحيادية عجيبة ، كاتما غيظه للمرّ منها " وما اكثرها " مبتهجا للمفرح فيها "وما اقلها "!
أكمل اكثر من نصف قرن ... كان خلالها نعّم الحارس الامين ، ولم يغمض له جفن على الاطلاق.... هذا الرائع بكل شىّ ظل يعطى دون ان يفكر بالأخذ !
إن " نصب الحرية" إبن الـعقود الخمسة ونيف ، ما زال يستقبل المتظاهرين بألفة وحنان ، رغم انه مهدد حاليا بالانهيار في أية لحظة ، فالمعلومات ، تشير الى إن ارضية النصب اصبحت لا تقوى على حمله، نتيجة الضربات العسكرية التي طالت بغداد في 2003 وماسببته ، وتسببه سرفات الدبابات الثقيلة جدا التي تجوب مقتربات النصب وشوارع منطقة الباب الشرقي في قلب بغداد وما تحدثه من إرتجاجات ضخمة ، وايضا وجود من جار على هذا النصب ممن لم يقدروا رمزيته ، فغمروا اسسه بالمياه ولصقوا على أعمدته الرخامية الشعارات والصور . بل قام البعض بدهانها بالوان قوس قزح وهي الوان ، يأنفها حتى الاطفال .
"نصب الحرية " هز وجدان من كان سميّ نحاته الكبير جواد سليم .. وهو الشاعر جواد الحطاب فأصدر تنوعيات على النصب ، ضمها ديوان جديد في سياقه الشعري اسماه (بروفايل للريح ... رسم جانبي للمطر ) بـ 110 صفحات انيقة ، ومن قراءة لمعاني تنويعات الحطاب، تيقنت بأن الذي يستمرأ حياة الظلام والعبودية ، لايمكن أن يدرك مجد الحرية او رمزها ، وان " نصب الحرية " ليس ، لقيطا ولا إستعارة وليس سلعة تغيب وتحضر حسب الطلب ... إنه رمز عراقي إستحق العالمية بجدارة عالية.
"نصب الحرية" جامع طموحات العراقيين ، وبيتهم الاصيل ، يستحق من الفنانين والشعراء والكتاب مئات الاعمال التي تجذر رمزيته .. وقد بدأ جواد الحطاب الخطوة الاولى ... فمن يبدأ الخطوة الثانية ؟
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
1046 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع