د.عبدالقادر القيسي
ونكمل ما ذكرناه في مقالنا السابق ومدى انطباق نظرية الضرورة من عدمها ونقول:
رابعا: نظرية الضرورة والظروف الاستثنائية:
تُبرر الحكومة العراقية هذا القرار (تشكيل هيئة الحشد الشعبي الوطني) وتجاوزها للبرلمان؛ بأن الدستور في المادة 61 / تاسعا/ج ينص على "يخول رئيس مجلس الوزراء الصلاحيات اللازمة التي تمكنه من إدارة شؤون البلاد، في أثناء مدة إعلان الحرب وحالة الطوارئ، وتنظم هذه الصلاحيات بقانونٍ، بما لا يتعارض مع الدستور"، وهذا السبب غير منتج لأثاره القانونية للأسباب الاتية:
الف- حالة الطوارئ غير معلنة لأنها تأتي بموجب نص المادة 61/تاسعا/أ (الموافقة على اعلان الحرب وحالة الطوارئ بأغلبية الثلثين، بناءا على طلب مشترك من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء).
باء- ان قانون الدفاع عن السلامة الوطنية المرقم 1لسنة 2004، الخاص بحالة الطوارئ لم يتم تطبيقه، خصوصا المادة 2 منه، والتي تخص تمديد حالة الطوارئ كل ثلاثين يوم والتي اعتبرت عدم التمديد معناه انتهاء حالة الطوارئ فعليا، وهذا التمديد لم يتم منذ سنين وحالة الطوارئ في هذا القانون تتضمن اليات لم يتم اتباعها.
جيم- بعد اعلان حالة الطوارئ(من خلال تصويت البرلمان) يتم تخويل رئيس مجلس الوزراء صلاحية إدارة البلاد وتطبيق نظرية سلامة الدولة فوق القانون.
هاء- ان نظرية الضرورة والظروف الاستثنائية كنظام قانوني مستمد من منطق الواقع والضرورة الملحة، معترف به في ظل الازمات التي تمر بها الدولة وتعصف بكيانها، وان كل ماتقوم به السلطات في ظل الأزمة والخطر يعتبر سليما وقانونيا ومشروعا ولو خالف الدستور ودون اذن مسبق، وهو يقوم على أساس سلامة الشعب فوق القانون او (سلامة الدولة فوق القانون) وهو استثناء يرد على مبدأ سمو وعلو الدستور ويعطل تطبيقه جزئياً؛ لحماية الدولة والمجتمع في الاوقات الصعبة والخطرة التي تمر بها، ومنها يكون البلد بدون برلمان او هناك صعوبة في انعقاده او هناك حالة طوارئ معلنة قانونا، والمعطيات والوقائع المبسوطة في العراق تؤكد، لا وجود لأي فراغ في النظام القانوني وغياب للسلطة العامة وللمؤسسات الحكومية العراقية، جزئياً أو كلياً، وهي المنوط بها الدفاع عن الوطن، لا سيما ان البرلمان قائم وتم مباشرة اعماله في 1/7/2014 وتم انتخاب رئيس له في 15/7/2014 وكان بالإمكان طيلة هذه الأشهر ان يتم سن قانون لتشكيل هيئة الحشد الشعبي الوطني من مجلس الوزراء وارساله الى مجلس النواب لأجل تشريعه ولنكون امام عمل قانوني يتمتع بغطاء شرعي دستوري، بخاصة ان دولة العراق تتمتع بسلطة عامة تتولى ادارة الدولة وبإمكانها إدارة شؤون البلاد ومواجهة هذا الخطر، أي ليس هناك استحالة في مواجهة هذا الخطر بالطرق العادية وعن طريق المؤسسات الدستورية المختصة، وفحوى هذا الضابط أنه إذا وجدت وسيلة قانونية أو دستورية تستطيع أن تواجه المخاطر التي تهدد سلامة الدولة، فإنه يجب الرجوع في تلك الحالة إلى هذه الوسيلة، أما إذا كانت المخاطر لا تجدي معها نفعاً هذه الوسائل بحيث تصبح عاجزة عن مجابهتها، فإن الرجوع إلى نظرية الضرورة وتطبيقاتها يكون أمراً لا مناص منه، وهذا لا ينطبق وحالة دولة العراق، لاسيما ان الحكومة قد شكلت قوات الحشد الشعبي الوطني في 13/6/2014 ومضى على تشكيلها عدة شهور وتمكنت هذه القوات من رفع رايات النصر على الاثم والعدوان، واخذت عدة توصيفات ادارية ابتدأت بلجنة ثم مديرية ثم هيئة؛ كان على الحكومة ان تقوم بالمباشرة بالشكليات القانونية والدستورية المطلوب توفرها في تشكيل هكذا هيئات بداية، منها تشريع قانون لها والبرلمان عقد عشرات الجلسات وسن قوانين عديدة، وذريعة التأخير؛ بان هيئة الحشد الشعبي سيكون لها إطار تنظيمي ضمن قانون الحرس الوطني المقرر التصويت عليه لاحقاً، ان ذلك يؤكد قطعا، انتفاء مبررات ومقومات نظرية الضرورة، والضرورة تقدر بقدرها.
ونصت المادة 147 من دستور مصر على انه (إذا حدثت في غيبة مجلس الشعب ما يوجب الاسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، جاز لرئيس الجمهورية ان يصدر في شأنها قرارات يكون لها قوة القوانين…)
خامسا: المادة(110) من الدستور النافذ والواردة ضمن اختصاصات السلطات الاتحادية بالفقرة ثانيا، أعطت الحق للسلطة الاتحادية فقط (.. وضع سياسة الامن الوطني وتنفيذها بما في ذلك انشاء قوات مسلحة وادارتها لتامين حماية وضمان امن حدود العراق والدفاع عنه)، أي الصلاحية معقودة للدولة العراقية وليس للحكومة.
سادسا: الإدارة (الحكومة) ينبغي أن تلتزم بمبدأ المشروعية ليس فقط في الظروف العادية وإنما كذلك في الظروف غير العادية، ولأجل ان تتحاشى الحكومة العراقية المسؤولية الناجمة عن مخالفتها للقانون بتشكيلها هيئة الحشد الشعبي الوطني دون الرجوع للبرلمان ولحين تشريع قانون والتصويت عليه، بأن تعرض على البرلمان الإجراءات التي اتخذتها وتطلب منه أن يعفيها من المسئولية بواسطة قانون وكما حصل في فرنسا ويعرف باسم قانون التضمينات، والقضاء هو الجهة الوحيدة المختصة بالفصل في مدى ضرورة اتخاذ الاجراءات الاستثنائية ومدى التزام الادارة بضوابط وقيود نظرية الضرورة، وبذلك تكون الضرورة نظرية واقعية لا قانونية.
سابعا: ان البرلمان قد صوت على الموازنة واعتبر قوات الحشد الشعبي هيئة في وقت سابق، بدون أي قرار او امر ديواني قد صدر من مجلس الوزراء يشير الى ان قوات الحشد الشعبي هيئة، حيث نصت المادة -41- قانون موازنة 2015((تحتسب تخصيصات هيئة الحشد الشعبي بما يضمن اشراك 0,5% من عدد سكان كل محافظة عراقية وعلى مستوى الوحدة الادارية ...ويكون عمل الحشد الشعبي بالتنسيق مع الاجهزة الامنية والعسكرية ...، على ان تناقل تخصيصات الحشد الشعبي الى منظومة الحرس الوطني حال اقرار قانونه .. وعلى ان لا يكون اي تغيير بأعـداد الحشد الشـعبي الا بعد اقرار قانون الحـرس الوطني.))
((الحشد الشعبي مؤسسة عراقية ضمن منظومة الأمن الوطني، تم إقرارها من قبل مجلس الوزراء وشرعها مجلس النواب وتم تخصيص ميزانية لها ضمن الموازنة العامة للدولة))، هكذا دافع رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، في بداية الأمر عن هذه القوات، أمام منتقديها، لافتا إلى أن "الحشد مؤسسة أمنية تعبر عن التلاحم بين المدنيين والقوات العسكرية والأمنية.
وهذا كلام غير صحيح لان الحكومة حاولت من خلال تلك الخطوة الحصول على شرعية مبطنة باعتبار أن البرلمان صوت على الموازنة بشكل عام، ومن ضمنها فقرة حول مخصصات هيئة الحشد الشعبي الوطني، لكن هذا لا يلغي التجاوز الدستوري الذي ارتكبته الحكومة بتشكيل هيئة دون تصويت البرلمان عليها، لا سيما ان السيد رئيس الوزراء ومجلسه الموقر لم يضع حدودا قانونية للمؤسسات والهيئات التي تعمل معه لان هذه مهمة السلطة التشريعية ولا يمكن لومه على تشكيل هيئات او استفحال سلطة بعض المراكز او الهيئات في الدوائر التنفيذية او الاستشارية فهذه مهمة الجهة الرقابية ولا يمكن لومه وحده فقط في استخدام الحالة الاستثنائية في تشكيل الهيئات وكما يحدث في التعيين بالوكالة عندما يتحول كل تسمية لمرشح لمنصب الى معركة سياسية وطائفية وحزبية تقسم البرلمان وتثير الضغائن، ان تشكيل تلك الهيئات بدون سن قانون لها يعد خرق للدستور واحتيال على القانون.
والمستغرب؛ ان يتم ادراج مادة في الموازنة داخل فقرة الأموال المخصصة للحشد الشعبي، وعلى فرض؛ ان يتم تحويل الأموال الى الحرس الوطني في حالة اقراره، واني استغرب كيف يتم سن مادة مبنية على فرضية قد تتحقق وقد لا تتحقق؟ خصوصا ان قانون الحرس الوطني لازال يأن من الضغوط السياسية والمناكفات الحزبية.
ان الدستور مصدر الشرعية لكافة مكونات الدولة العراقية ومؤسساتها ولا يجوز لأي مؤسسة إن تتخذ من الإجراءات ما يخالف أحكام الدستور خوفا من تتحول الدولة الواحدة إلى عدة دول فهذه (دولة استخبارات وهذه دولة مخابرات وتلك دولة الشرطة الوطنية وتلك دولة الآمن الوطني وتلك دولة الحشد الوطني 00الخ) وشيء فشيء تنحسر الحريات العامة والتي هي أساس نشوء الدساتير وتعم الفوضى وتنهار دولة القانون والدستور لتنشئ دولة الظلم والاستبداد وحكم الفرد والحزب القائد واستجابة إلى هذه المخاوف فقد وضع الدستور ضمانات وقيود تحد من هذه الممارسات التي تمس حرية المواطن وحقه في الحياة، وهناك انتهاكات دستورية وقانونية لجهات لا تمتلك غطاء قانوني أو دستوري لإنشائها او تشكيلها، وبالتالي تكون كافة إجراءاتها باطلة قانوناً في حين إن هذه الجهات قد تكون مرتكبة لقسم من الانتهاكات، وهي :
قيادات العمليات التي وصلت الى اكثر من عشر قيادات، وهي مشكلة من الجيش العراقي وبالتالي واجبها لحماية سور الوطن، بعيدا عن ممارسة اي اجراء يخص الاعتقالات والتحقيق بكافة اشكاله، لان ذلك خارج اختصاصها، لكن الواقع عمليا يؤكد، بان هذه القيادات التي تعمل داخل المدن تمارس الاعتقال والتحقيق والتجاوز في بعض الاحيان على الحقوق والحريات وقد طالبت عدة مجالس محافظات بإخراج الجيش خارج المدن وايكال مهمة الامن الداخلي الى الشرطة والاجهزة الامنية، ولم يكن هناك اي تصدي حقيقي فعال من البرلمان ومؤسسات المجتمع المدني لهذا التجاوز الخطير لان هذه التشكيلات تعمل بدون غطاء قانوني او دستوري.
والجهة الأخرى التي تمارس إعمالها بدون غطاء قانوني او دستوري هو(جهاز مكافحة الإرهاب) المشكل بموجب قرار مجلس الوزراء المرقم 386 في 4/11/2008 في الجلسة المرقمة 44 الاعتيادية، وفي تصريح لاحد أعضاء جبهة التوافق في حينها ما نصه (..وهذا الجهاز يمارس أعماله منذ سنين وعين له رئيسا في 12/8/2008 بموجب الكتاب الصادر عن جهاز مكافحة الإرهاب بالرقم 2/2/806 وموقع بتاريخ 11/8/2008 من رئيس الجهاز وهذا إجراء غير قانوني إذ كيف يتم استحداث جهاز ويباشر مهامه قبل تشريع قانون له وتتم المصادقة عليه خاصة إن رئيس الجهاز بمقتضى البند الثاني من المادة (4) من مشروع قانون جهاز مكافحة الارهاب يكون بدرجة خاصة ويمارس صلاحيات الوزير المختص، وهناك اعتراض من مجلس الرئاسة على تشكيله،...) مع التذكير نحن مع انشاء جهاز فعال لمكافحة الارهاب (وكان للجهاز دور كبير في التصدي لهجمة الارهاب) وان يمارس اعماله لكن وفق القوانين مع التأكيد على احترام حقوق الانسان.
ونؤكد أخيرا: ان السلطة عندما تتحرك بلا حدود قانونية تساهم في تعقيد المشهد واثارة الشكوك في شرعية الأداء الرسمي للدولة وتفتح قنوات للفساد والخلل الإداري وتفتح باب للسيطرة الحزبية والشخصية على مفاصل الدولة، ونؤكد، بان هناك ضرورة بإنشاء مجلس اعلى للقوات المسلحة ومجلس الأمن الوطني وتشريع قانونهما، وان المجلسين سيكونا بمثابة قيادة عمليات مصغرة تناقش الأوضاع الأمنية والتحديات والمخاطر والخطط العسكرية، وتنضوي تحتهم العديد من الأجهزة الأمنية، لنضمن سلامة إجراءاتها وضمان حقوق منتسبيها.
753 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع