ولاية الموصل والحقوق الكردية بعد الحرب العالمية الأولى/ح21
* اعتبارات واستنتاجات حول ولاية الموصل المتنازع عليها
لا جدال في أن الحكومة التركية ستظل تتمتع بسيادتها القانونية على الإقليم المنازع عليه طالما لم تتنازل عن حقوقها فيه.
وليس للعراق حق قانوني ولا حق فتحٍ على الإقليم المنازع عليه. إذ لم تكن دولته قد رأت نور النهار عند انتهاء الأعمال العدوانية. وكما قال [اللورد بارمور] في جنيف عام [1924] "إن العراق بوجوده الواقعي لا يمكن أن يشمل إلا الجزء غير المنازع عليه من البلاد. ومهما يكن من أمر، فله الحق الأدبي ما دام وجد من العدم - أن يطلب إعطاءه حدوداً آمنة تفسح له سبل العيش سياسياً واقتصادياً وهذا عند التطبيق يفرض التزامات على تركيا التي صرحت في عدة مناسبات، بأنها ترغب في أن تترك للعرب حرية تقرير مستقبلهم السياسي.
العراق الآن يدير ولاية الموصل السابقة بمعونة بريطانيا العظمى. وبين هاتين الدولتين معاهدة تحالف اتخذ لها الانتداب زياً وقيافةً بحسب قرار مجلس عصبة الأمم المؤرخ في السابع والعشرين من أيلول عام 1924. إن هذه المعاهدة ستظل قائمة مدة أربع سنوات بعد عقد معاهدة السلام مع تركيا. فإن لم يقبل العراق عضواً في عصبة الأمم عند انتهاء مفعول المعاهدة فسيكون لمجلس العصبة أن يقرر الخطوات الأخرى بموجب المادة الثانية والعشرين من ميثاق العصبة. ومن الواجب أن نضيف هنا أن المجلس التأسيسي العراقي عندما صدق المعاهدة، أقر شرطاً تكون المعاهدة بموجبه لاغية باطلة إذ فشلت الحكومة البريطانية في المحافظة على مصالح العراق في كل ولاية الموصل.
ذكرنا هذه الحقائق لأن وجود الانتداب قد يؤثر على تسوية القضية بسبب تأثيره الهام على أحوال العراق الداخلية.
لا شك في أن قدراً كبيراً من التقدم قد تحقق في الولاية بالمقارنة مع أحوال ما قبل الحرب من الناحية السياسة والداخلية. فالأمن العام أكثر استقراراً بكثير والاصلاحات الجذرية في الخدمات الصحية والتعليم بدت واضحة. ولنورد مثالاً واحداً فيه الكفاية والغنى: إن عدد المدارس الابتدائية في ولاية الموصل قد تضاعف. وعدد الطلاب الذين يؤمونها أصبح أربع أضعاف منذ خروج الولاية عن الإدارة التركية. ومن دون انتقاص شيء من كفاءة الموظفين العراقيين ولا سيما في ميدان التعليم لا يسعنا إلا القول بأن الفضل في النجاح يعود إلى المجهود البريطاني.
على أن الحالة الداخلية في دولة العراق لا تبدو مستقرة، ولا شك في أن أولئك الذين يديرون دفة الحكم يضمرون أطيب النوايا، إلا أنهم يفتقرون إلى التجربة والحنكة السياسية. ويجابه الحكم مصاعب خطيرة بسبب التوتر القائم بين أهل السنة والشيعة وهم أغلبية في ولاية بغداد والبصرة في حين كان معظم سكان ولاية الموصل السابقة من الطائفة السنية والعلاقات بين الكرد والعرب ليست على ما يرام. وفي فترة زيارة اللجنة للبلاد لم تكن الحكومة العراقية تجرأ على إقامة إدارة لواء السليمانية وظل يدير شؤونها ضباط بريطانيون، وكان الانطباع الذي تخلف في ضمير اللجنة أن الانتداب المتسربل بثوب المعاهدة الحالية يجب أن يبقى جيلاً من الزمان على الأقل لترصين بناء الدولة الجديدة وتطويرها. وفي رأي كثير من الذين استشرناهم أن وجود الدولة بحد ذاته قد يهدد الحماية والرعاية اللّتان يوفرهمّا الآن انتداب عصبة الأمم أذا ما رفع عن البلاد بعد سنوات قلائل.
توضح الحالة هذه أن الفوائد الاقتصادية وغيرها مما ستجنيه ولاية الموصل برمتها من الاتحاد مع العراق سيحل محلها متاعب سياسية خطيرة جداً إذا رفع الانتداب. ويمكن اعتبار العراق ذا أهلية لحكم نفسه دون معونة عصبة الأمم. وفي هذه الحالة يكون من الخير لولاية الموصل أن تبقى تحت سيادة تركيا ما دام الوضع السياسي الداخلي والخارجي في تركيا أكثر استقراراً بما لا يقاس، بما يمكن أن يكونّه العراق لو ترك له الحبل على الغارب.
أن الشعور العام في المنطقة المنازع عليها يصلح دليلاً أيضاً لاتخاذ تسوية لا تلحق ضرراً بحقوق أي من الطرفين. هذه المشاعر ترجح كفة العراق نوعاً ما لو أخذت الآراء المعطاة في سائر الإقليم مجتمعة. على أن هذه الآراء كانت على درجة كبيرة من التنوع والتأثير بالظروف الآنية بحيث لا يمكن أن تؤخذ كقاعدة أساسية للحكم على ما يجب أن يكون الإطار السياسي المقبل. وعلينا أن نذكر بصورة خاصة موقف تلك المناطق التي كان رأيها العام يميل إلى العراق، فإنه لم يتقرر بالتفصيل الحقيقي الذي قررته الاعتبارات الاقتصادية والرغبة في البقاء تحت المساعدة الأجنبية المتمثلة الآن في الانتداب.
ذكر عدد كبير من أنصار العراق أنهم يفضلون تركيا عليه إذا اتجهت النية إلى إلغاء نظام الانتداب بعد فترة قصيرة.
أما الحجج الأخرى التي تقدم بها الطرفان فليست بذات وزن كبير، خلا الحجة التي بنيت على أهمية السلم الوطيد وعلاقات الصداقة بين البلاد المتجاورة. فقد ذكرنا سابقاً إن هذه الحجة توجب حلاً مبنياً على أعطاء العراق الأراضي التي تلزمه لإدامة حياته وضمان تقدمه. واللجنة تشعر على كل حال أنها ليست مؤهلة لإبداء أي رأي عن مدى الاهتمام والوزن الذي يجب أيلاء هذه الحجة نسبة إلى الحجج الأخرى. وقصارى قولنا هو أنه لو أعطيت هذه الحجة الأولوية، ولو وجد بعد ذلك أن تقسيم هذه البلاد المتنازع عليها أمر لا مفر منه فلن ينجم عن ذلك التقسيم أية صعوبة سياسية.
* ضمانات عصبة الأمم للأقليات الأثنية والدينية
عندما تقدم العراق بطلب الانضمام إلى جمعية عصبة الأمم في جنيف 1932م ، طلب من العراق تقديم تعهدات صريحة من أجل ضمان بعض حقوق الأقليات الدينية والعنصرية، وقد قدمت الحكومة هذه الضمانات:
"المادة الثانية": يمنح جميع سكان العراق حماية تامة وكاملة( ) لحياتهم وحريتهم، بدون تفريق في النسب والجنس والقومية والديانة.
"المادة الرابعة": يتضمن نظام الانتخابات تمثيلا عادلا للأقليات العنصرية, والدينية, واللغوية, في العراق.، ولا يخل الاختلاف في العنصر أو الدين بحق أي من الرعايا العراقيين في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية كالقبول في الوظائف العامة والمناصب ورتب الشرف, أو ممارسة المهن والصناعات المختلفة( ). وكذلك لا يوضع قيد ما على حرية استعمال أي من الرعايا العراقيين، لآي لغة في العلاقات الخصوصية, أو في التجارة أو في أمور الدين أو في الصحافة والنشريات من جميع الأنواع أو في الاجتماعات العامة( ). وعلى الرغم من جعل الحكومة العراقية اللغة العربية لغة رسمية, وعلى الرغم من التدابير الخاصة التي سوف تتخذها الحكومة العراقية بشأن استعمال اللغتين الكردية والتركية (تلك التدابير المنصوص عليها في المادة التاسعة من هذا التصريح) فإن الحكومة العراقية ملزمة بإعطاء الرعايا العراقيين الذين يتحدثون لغة غير اللغة الرسمية تسهيلات مناسبة لاستعمال لغتهم شفهيا أو كتابياً أمام المحاكم( ).
"المادة الخامسة": الرعايا العراقيون الذين ينتمون إلى أقليات عنصرية أو دينية أو لغوية, يتمتعون قانوناً بنفس المعاملة والأمان اللذين يتمتع بهما سائر الرعايا العراقيين. ويكون لهم بوجه خاص الحق في أن يؤسسوا ويديروا في المستقبل معاهد خيرية أو مدارس وغير ذلك من المؤسسات التهذيبية، مع حق استعمال لغتهم الخاصة, وممارسة دينهم فيها بحرية( ).
وهذه المادة الخامسة كانت وبالا على العراق والكرد معا، لأنها فتحت شرعيا باب التدخل في الشؤون الداخلية للعراق والكرد على مصراعيه، وذلك لأن الدول الاستعمارية وعلى رأسها أمريكا وانجلترا وفرنسا قد استغلت هذه المادة وقامت بإنشاء العديد من المعاهد التهذيبية والتعليمية والمدارس الكردية على نفقتها، لتستطيع من خلالها أن تحشو الثقافة الكردية بالمزايدات والمغالطات التي تجعل الكرد يقعون فريسة لهؤلاء المستعمرين. وكذلك لكي تستطيع هذه الدول بث الفرقة بين أبناء الشعب العراقي الواحد ولم تكتفِ بذلك بل استطاعت أن تبث تلك الفرقة بين الكرد أنفسهم. وكل هذا لكي تستطيع التغلغل والسيطرة على العراق اقتصادياً وسياسياً.
"المادة التاسعة": توافق الحكومة العراقية على أن تكون اللغة الرسمية في الأقضية التي يسود فيها العنصر الكردي, من ألوية الموصل وأربيل وكركوك والسليمانية هي اللغة الكردية بجانب اللغة العربية. أما في قضاء كفري وكركوك حيث قسم كبير من السكان هم من العنصر التركماني, فتكون اللغة الرسمية بجانب اللغة العربية, إما الكردية أو التركية( ). وتوافق حكومة العراق على أن يكون الموظفون في الأقضية المذكورة (ما لم تكن هناك أسباب تمنع ذلك) ملمين باللغة الكردية أو التركية حسبما تقتضي الحالة( )، وأن مقياس انتقاء الموظفين للأقضية المذكورة وان كان الكفاءة ومعرفة اللغة قبل العنصر كما هو الحال في سائر أنحاء العراق، فإن الحكومة توافق على أن ينتقي الموظفين وعلى قدر الإمكان من بين الرعايا العراقيين الذين أصلهم من تلك الأقضية( ).
إن الشرط الذي جاء في هذه المادة كان في غير صالح الكرد، ألا وهو ربط الموافقة على أن يكون الموظفون كردا ما لم تكن هناك أسباب تمنع ذلك، والمقصود أسباب تمنع تعيين هؤلاء الموظفين. ولقد استغلت بعض الحكومات العراقية المتسلطة على الشعبين الكردي والعراقي، مثل هذا الشرط لكي تحرم الكرد من هذا الحق، مما أثار كثيرا من المشاكل للكرد والعراقيين في كثير من المناطق الكردية بسبب حرمانهم من حق التعيين في الوظائف الهامة في أقضيتهم.
كما نصت المادة الأولى والعاشرة من هذا التصريح المذكور بأن الحقوق المثبتة للكرد تعتبر تعهدات ذات شأن دولي( )، حيث اعترفت بها الحكومة العراقية في تصريحها المؤرخ في 25 أيار (مايو) 1925م.
* الكرد في صك الانتداب البريطاني على العراق
كان من الطبيعي أن ينص صك الانتداب البريطاني على العراق أحكاما تتعلق بالأكراد وهم الشعب الشريك في الدولة الجديدة فيشير إليهم فيما يلي:
يتألف هذا الصك من25 مادة ومقدمة هذا نصها: (بناء على أحكام المادة 123 من معاهدة الصلح الموقع عليها في سيفر بتاريخ 10/8/1920م وبمقتضى أحكام المادة94 من هذه المعاهدة، التي بموجبها قررت الدول الكبرى، وفقاً للفقرة الرابعة من المادة الثانية والعشرين( )، الفصل الأول من ميثاق عصبة الأمم، بأن تعترف بالعراق دولة مستقلة، عليها قبول المشورة الإدارية والمعونة من فريق منتدب، إلى أن تصبح قادرة على القيام بنفسها بتصريف شؤونها - إن تحديد الحدود العراقية سوى ما هو مقرر في المعاهدة المذكورة واختيار المنتدب تتفق عليه الدول المتحالفة الكبرى، وبما أن هذه الدول قد اتفقت على اختيار صاحب الجلالة البريطانية( ) منتدبا من قبلها على العراق، فإن عصبة الأمم توافق على شروط الانتداب التالية:
المادة الأولى: يضع المنتدب في اقرب وقت على أن لا يتجاوز ذلك ثلاث سنوات من تاريخ الانتداب قانونا أساسيا للعراق، يعرض على مجلس العصبة للمصادقة عليه، وينشر بأسرع ما يمكن. وهذا القانون يُسن بعد أخذ رأي الحكومة الوطنية، ويبين هذا القانون حقوق الساكنين في البلاد ومنافعهم ورغباتهم، ويحتوي القانون على مواد تسهل تدرج العراق وتطوره إلى دولة مستقلة.
المادة الثانية: يؤمن المنتدب للجميع حرية ممارسة الشعائر الدينية بكل هيئتها وأشكالها بشرط أن تكون متفقة مع النظام العام والآداب، ولا تفضل فئة على أخرى بسبب الجنس أو الدين أو اللغة. وعلى المنتدب أن يشجع التعليم بلغات العراق القومية، ولا ينكر على فئة حقوقها، ولا يعارض في إقامة مدارسها الخاصة لتعليم أبنائها بلغاتهم الخاصة، على شرط ألا يخالف ذلك خطط التعليم التي تسنها الحكومة.
المادة السادسة عشر: لا شيء في هذا الانتداب يمنع المنتدب من إنشاء دولة مستقلة في إدارتها في المناطق الكردية، إن شاء ذلك( ).
يلاحظ أن الدولة المنتدبة وباسم عصبة الأمم لم تنص على شيء ملزم ومحدد فيما يتعلق بالشمال الكردي، بل تركت النص شبه غامض، ويحتمل عدة حلول للمستقبل، وأعطت المفوض السامي وحده حرية التصرف في المراحل القادمة وفي ضوء الأحداث المتلاحقة.
ولم تلزم مواد صك الانتداب حكومة بريطانيا المنتدبة بأية قيود ملزمة لها في سياستها إزاء العراق، فهي لا تمنعها من إعلان إنشاء دولة ذات استقلال إداري في المناطق الكردية، ولا تلزمها على ذلك، وتركت لها حرية التعامل مع هذا الموضوع في ضوء مجريات المستقبل.
* الكرد في المعاهدة البريطانية – العراقية
لقد ارتبط إبرام المعاهدة العراقية - البريطانية والتي أبرمت في العاشر من تشرين الأول (أكتوبر) 1922م( )، بالمشاكل السياسية التي يعاني منها العراق وخاصةً مشكلة ولاية الموصل، ولقد ورد في قول جعفر العسكري وزير الدفاع العراقي أن المعاهدة هي الواسطة الوحيدة التي تؤيد وحدة العراق السياسية نظرا لفقدان العراق إلى سند أو حجة تؤيد وحدته السياسية( ).
ولقد مست الاتفاقية العسكرية المسألة الكردية فيما يختص بتعهد الجانب البريطاني بمساندة العراق عسكريا للدفاع عن حدوده( ). ثم مساعدته على قمع الاضطرابات الداخلية العشائرية وغيرها. وكان المقصود بالطبع ثورات الكرد.
أما المادة الثالثة من المعاهدة فلقد نصت على ما جاء من قبل بصك الانتداب بحذافيره. ولكن من الملاحظ أن المعاهدات اللاحقة معاهدة (1927-1930) ( ) لم تنص صراحة على مضمون المادة الثالثة سابقة الذكر لكنها كانت تحمل روح المعاهدة الأولى( ).
* الكرد في بيان مجلس الوزراء العراقي لعام 1923م
حتى عام 1923م أي بعد مرور سنتين على قيام المملكة العراقية تحت تاج الملك فيصل بن الحسين لم تكن الأمور قد استقرت تماما على حال دستوري، ولا الحدود قد رسمت تماما وبقي موضوع الشمال (المنطقة الكردية) أي ولاية الموصل شبه غامض، فلا صك الانتداب نص على دمجهم مع العراق صراحة، ولا حدود المملكة الجديدة قد تحددت لها خطوط نهائية( ). وكذلك فإن المعاهدة البريطانية - العراقية لعام 1922م لم يكن فيها ما يحدد الأوضاع الإدارية والتنظيمية للمناطق الكردية في ظل الدولة الجديدة ولذلك أصدر مجلس الوزراء العراقي برئاسة عبد المحسن السعدون بياناً مقتضباً حدد فيه بعض خيوط برامج وسياسة حكومته إزاء الشمال (ولاية الموصل) في حدود ما يملك من صلاحيات. ولقد صدر هذا البيان بتاريخ16 تموز (يوليو)1923 م أي بعد إعلان المعاهدة الأولى بمدة شهرين ونصف فقط. ونص على ما يلي:
"تنويراً للرأي العام الكردي وتطميناً لحقوقه، قررنا ما يلي":
1-أن الحكومة العراقية لا تنوي أن تعين أياً من الموظفين العرب في المناطق الكردية، ما عدا الفنيين فقط.
2-أنها لا تنوي إرغام سكان المناطق الكردية على استخدام اللغة العربية في مراجعاتهم للدوائر الرسمية.
3-ستحــرص الحكومـــة العراقيـــــة على حقوق السكان والطوائف الدينية والمدنية في تلك المناطق وستحرص على أن تصان صوناً تامـاً( ).
* الكرد في البيان العراقي – البريطاني
لقد صدر هذا البيان عندما أدرك الإنجليز أن الشيخ محمود الحفيد البرزنجي بدأ يمارس نشاطه الوطني بصورة مستقلة عنهم( )، ولذلك لجأوا إلى أسلوبهم المعروف في شق صفوف الكرد، وفي 23 كانون الأول (ديسمبر) 1923م وجه (أدمونس . سي . جي) بياناً باسم الحكومة البريطانية إلى زعماء الكرد جاء فيه (تعترف الحكومتان البريطانية والعراقية بحق الكرد القاطنين ضمن الحدود العراقية في تشكيل حكومة كردية ضمن الحدود، وتأمل الحكومتان أن تتوصل مختلف العناصر الكردية وبصورة أسرع قدر الإمكان إلى اتفاق بينها حول الأشكال التي يجب أن تتخذها هذه الحكومة. وحول الحدود التي ستعمل ضمنها، وأن يرسلوا ممثلين مسؤولين عنهم إلى بغداد لبحث علاقتهم الاقتصادية والسياسة مع الحكومتين البريطانية والعراقية( ).
ومن الملاحظ أن هذا الإعلان لم يتضمن أي تعهدات محددة حول منح الكرد إدارة ذاتية ولو كانت ضمن إطار الحكم الذاتي. ويبدو أن هذه الشروط غير الواقعية المتعلقة بالاتفاق بين (مختلف العناصر الكردية) لم تلغ المفاوضات المقترحة بين الكرد والسلطات الأنجلو - عراقية فحسب بل وألغت أيضا إمكانية تشكيل الحكومة الكردية نفسها.
والواقع أن الإنجليز كانوا يهدفون من وراء هذا الإعلان (البيان) تقديم الدعم السياسي لخصوم الشيخ محمود في كوردستان العراق. وبذلك يتم توسيع هوة الشقاق وتعميقها في المعسكر الكردي، وقد حقق الإنجليز هدفهم هذا بعد ذلك( ). وكذلك من الملاحظ أن نصوص هذا الإعلان تتحدث عن تأسيس حكومة وليست دولة، فالحكومة شيء والدولة شيء آخر، وذلك هو الغموض في نصوص الاتفاقيات والمعاهدات والتصريحات البريطانية واحتمالات التأويل.
* بريطانيا تستثمر قضية ولاية الموصل
يذكر هنري دوبس المندوب السامي البريطاني حول آراء المجلس التأسيسي أثناء عرض المعاهدة الأولى بين العراق وبريطانيا لمدة خمسة وعشرين سنة للتصديق، أنه لم يصادق عليها إلا بعد أن وعدت الحكومة البريطانية بتعديل الاتفاقيات الملحقة، وعلى كل حال والقول لدوبس "كونوا على ثقة من أن بريطانيا العظمى التي قامت بمعاونة البلاد لن تبخل بإجراء كل ما يمكنها من توثيق عرى المودة بين الطرفين"( )، وهو نفس قول المستر (آمري) وزير المستعمرات أثناء وجوده في بغداد، فهو الآخر وعد رئيس الوزراء السابق ياسين الهاشمي بنفس الوعود ( ).
وخـــلال فترة الانتخابات النيابيــــة التـــي بدأت فـــــي الثانـــي والعشريــــن مــــن تشرين الثاني عام 1924م وانتهــــت في مايـــس عـــــام 1925( )، ظهرت أحــــزاب سياسية فـي العراق، - فبالإضافة إلى حزب النهضـة( ) الــــذي سمح لــــه بمزاولــــة نشاطـــه مـرة أخرى -، منها حزب الأمة( )، والاستقلال( )، والديمقراطي( )، والوطني( )، وجمعية الدفاع الوطني( )، وفي نظرة تحليلية لدور الأحزاب العراقية في تعضيد الدور الوطني لشعب العراق في مواجهة مخططات المحتل، نجد أن بعضهم قد أتخذ من هذه الحرفة وسيلة للعيش وسبيلاً للارتزاق، أوأنهم ينقلبون على حزبهم إذا ما وجدوا في غيره أكثر نفعاً، والأخطر في عمل بعض الأحزاب، أن بعضاً منها جاء بوعود بريطانية وعمل بكل قوة - من وراء الستار- على إحباط كل مسعى وحدوي لبناء جبهة تعارض مصالح بريطانيا( ).
كان المتورطون بعلاقات مشبوهة مع البريطانيين يهمسون في آذان النواب الآخرين أن بريطانيا ربما تتنازل عن الموصل لتركيا إذا لم يقبل المجلس بإبرام المعاهدة الجديدة لعام 1926( ) ، ووضعت رئيس الوزراء جعفر العسكري الذي وقعَ عليها بين خيارين: فقدان الموصل برفضه المعاهدة وبين الاحتفاظ بهذه الولاية وما فيها من نفط وغيره، وفي جلسته المنعقدة في الحادي عشر من كانون الثاني عام 1926م تم قبول المعاهدة المقترحة كما هي في الثالث عشر من كانون الثاني عام 1926م، ووضع مذكرة مطولة بسط فيها العهود التي مرت فيها قضية الموصل، والجهود التي بذلتها الحكومة العراقية لإدامة الحلف البريطاني، وقد رفعت المعاهدة والمذكرة إلى المجلس النيابي في الثامن عشر من كانون الثاني عام 1926م لإقرارها( ).
كان لوزارة عبد المحسن السعدون الثانية- التي شكلت في السادس والعشرين من حزيران عام 1925( ).- حزب سياسي له مقاعد في المجلس النيابي (ستون مقعداً من أصل ثمانية وثمانون)، ذلك هو (حزب التقدم) المعروف بموالاته للبريطانيين( )، فيما كان ( حزب الشعب) المعارض الذي يرأسه ياسين الهاشمي يرى أن الحكومة البريطانية ملزمة بالاحتفاظ بولاية الموصل للعراق لتحقيق مصالحها واستغلال معادنها ولا سيما النفط الذي تتوقف عليه حياة أسطولها في البحار، فلا داعي لتحميل كاهل الشعب العراقي أثقالاً إضافية( ). اجتمع المجلس النيابي في الحادي والعشرين من كانون الثاني عام 1926م( )، وقدم نائبان من حزب التقدم مذكرة لقبول المعاهدة( )، مما سبب هياج أعضاء حزب الشعب، طلب على أثرها عبد المحسن السعدون أن تكون الجلسة سرية، فاحتج المعارضون، وقال" يا أيها السادة إذا رفضنا أن نقر المعاهدة خسرنا الموصل، وما دام الأمر كذلك فلا بأس إذا جاملنا المندوب السامي، حيث طلب وزير المستعمرات المستر إيمري الموافقة عليها قبل أن يفتتح البرلمان البريطاني جلساته في شباط عام 1926( ). وافق على المعاهدة ثمانية وخمسون نائباً، وقاطعها عشرة، فيما كان عدد المعارضين لها ثمانية عشر نائباً، وبذلك أقرت المعاهدة بغالبية الأعضاء( ). وهو ما شكل انتقادات لاذعة لحزب التقدم ورئيسه عبد المحسن السعدون، حتى أجبر على الرد في جريدة العراق في الخامس والعشرين من كانون الثاني عام 1926م، يقول فيه أن نشر المقالات إنما يضر بسمعة البلاد( )، أما السلطات البريطانية فقد وجدت أن عليها أن تشكر السعـدون، وتلقى على أثرها كتاباً من وزير المستعمرات آيمري ليشكرهُ أولاً، وحصوله على وسام الشرف من الدرجة الأولى ولقب (سير) ثانياً ( ). ومع خيبته أمام شعب العراق وأحزابه ورجال العشائر والتهم التي لاحقته ( )، صار السعدون يعمل بجهد من أجل تحسين موارد العراق المالية ويثبت تقدمها كدولة تستحق كسب عضوية عصبة الأمم، ويعارض شروط ممثل شركة النفط الإنكليزية الفارسية (جون كادمان) خلال المفاوضات التي جرت بينهما في الأول من نيسان عام 1926( ).
أما موقف عبد المحسن السعدون مع الأكراد، فقد اعترف بالحكم الذاتي لهم عن طريق الاعتراف باللغة الكردية كلغة رسمية في المناطق الكرية، وجعل الأشخاص الذين يشغلون الوظائف الحكومية من الأكراد( ). غير أن تعامل السعدون مع نشاط الشيخ محمود الحفيد البارزاني - الذي اتخذ من قرية (ولا جير) عبر الحدود الإيرانية مقراً له – فقد تم وصفه بأنه متمرد يريد أن يفصل لواء السليمانية عن سيطرة الحكومة، حتى أجبرتهُ القوة العسكرية في تشرين الأول 1926م على ترك العراق وعدم التدخل في شؤونه السياسية( ).
استمرت وزارة السعدون تقود مجلس النواب باكثريتها الضئيلة حتى نهاية الاجتماع الاعتيادي الأول للدورة البرلمانية الأولى التي انتهت بعد تصديق المعاهدة الإنكليزية - العراقية التركية في الرابع عشر من حزيران 1926( )، وعلى أثر مشادة بين الزعيم القومي (رشيد عالي الكيلاني) رئيس مجلس النواب ووزير المالية صبيح نشأت، قدم الأول استقالته، وعمل على تشكيل كتله مستقلة داخل مجلس النواب عرفت ( بكتلة الوسط) ( )، اقتربت سياستها من سياسة حزب الشعب المعارض، مما أثر على دور وتأثير حزب التقدم في تحقيق أكثرية، وأجبرت السعدون على تقديم استقالته في الخامس من تشرين الثاني عام 1926م( ). طلب الملك فيصل الأول من جعفر العسكري العودة من لندن لتشكيل وزارة جديدة( )، وفي تفكير السفارة البريطانية في بغداد أن السعدون تحمل وزر اتهامات القوى الوطنية والدينية في معاهدتي الانتداب عام 1922 و1926، وعليها أن تنظر إلى بديل لإنجاز بقية مشاريعها وأهدافها( ).
* مدينة الموصل وأطرافها الواقعة في شرقي دجلة
تحتل مدينة الموصل الآن المقام الثاني أو الثالث بعد بغداد من حيث كثافة سكانها البالغ حوالي مليونين أو أكثر وهي تقع على جانبي نهر دجلة الذي يخترقها. وكان الشطر الغربي هو المدينة الأصلية أما حي النبي يونس (تل التوبة) فكانت تعتبر ضاحيتها الشرقية حيث كانت نهر دجلة وفراغ أرضي يفصلانه عن الموصل حتى أوائل ستينيات القرن العشرين وكانت نفوس الموصل (179646) حسب إحصاء 1957 إلا أن الفراغ المذكور أصبح تدريجياً يزول بتشييد الدور السكنية عليه إلى أن ملأت الدور ذلك الفراغ إلى ضفة نهر دجلة في ستينيات القرن العشرين وكانت محلة النبي يونس تدخل ضمن موقع وسور مدينة نينوى الآشورية ثم أنشئ حي منفصل في شمالها باسم (مدينة الزهور) وازدادت عمارتها أما الآن فإن القسم الشرقي أصبح مدينة كبيرة وابتلعت قرى كردية غير قليلة.
لا يعلم بالضبط متى بنيت مدينة الموصل وقد ذكر زينفون سنة (401 ق.م) اسم (مسيلا) بالقرب من نينوى التي كانت خربة آنذاك وقد مر بها مما يرجح أن (مسيلا) التي كانت قلعة تقع على الضفة الغربية لدجلة هي الموصل( ) قال طه باقر وفؤاد سفر في (المرشد إلى موطن الآثار والحضارة- الرحلة الثالثة ص17) بخصوص ظهور الموصل باسمها العربي هذا: (وذكرت الموصل لأول مرة في عام (640م) وتم فتحها في عهد خلافة عمر بن الخطاب عام (20هـ- 640م) وأخذت القبائل العربية تؤمُّها) وعرفت في العهد الساساني باسم (نو أردشير) أي (اردشير الجديدة).
وكان يسكنها قبل الفتح الإسلامي مسيحيون ومجوس ويهود، وفي بعض المصادر ورد (الفرس) بدل (المجوس) علماً أن لفظ (المجوس) أطلق على الزردشتيين وعلى الميترائيين (اليزيديين) أيضاً وذلك في المصادر الكنسية والعربية. أما بالنسبة لاسم (الفرس) فإن لعديد من المؤرخين القدماء لم يفرقوا بين الأكراد والفرس فذكروا الأكراد تحت اسم الفرس أو اسم (عجم) مما لا يستبعد أن يكون المقصود بالمجوس وبالفرس الأكراد أو الأكراد والفرس معاً.
وبعد الفتح الإسلامي اسكن في ولاية الموصل عدد من القبائل العربية من عرب الحجاز وعرب اليمن بصورة عامة فمنها ما رافقت جيوش الفتح ومنها ما اسكنت فيها بعيدة منها قبيلة الأزد اليمانية وقبيلة خزرج وتميم وثقيف وإياد والنمر وتغلب وقضاعة وشيبان وكندة وطي وهَمْدان عبد قيس وغيرها. ( )
لقد كانت الموصل في شتى العهود مرتبطة مباشرة بكردستان اقتصادياً أكثر من ارتباطها بالأراضي العربية في العراق وكانت سوقاً للموارد والمنتوجات العائدة للمناطق الكردية الواقعة في شمالها وهي منطقة عين سفنى وعقره ودهوك وزاخو والعمادية وكذلك منطقة سنجار فضلاً عن المنتوجات الكردية التي كانت ترد إليها من كردستان الشمالية عن طريق نهر دجلة المائي بطريق الأكلاك التي كانت ترد من دياربكر (آمد) في النهر إلى الموصل وكذا المنتوجات الكردية التي كانت تصل إلى الموصل عن طريق شرقي نهر دجلة التجاري البري وذلك قبل قيام الدولة العراقية الحديثة حيث سد الطريقان بإقامة الحدود بين العراق وتركية( ) كما أن حوالي 90% من منتوجاتها الصناعية وبضائعها كانت تصرف في المناطق الكردية ولهذا السبب الاقتصادي كانت الحكومة العراقية والطبقة البرجوازية في الموصل تعارضان تشكيل محافظة جديدة باسم محافظة دهوك مدة طويلة إلى أن شكلت سنة 1969 وأن مدينة الموصل بسبب هذا الارتباط الاقتصادي والجغرافي والسكاني أيضاً ستفقد أهميتها إذا ما فصلت عن كردستان ولسبب هذا الارتباط القوي من كون قسم غير قليل من سكانها كانوا من الأكراد- واعتبرها عدد من المؤرخين والباحثين والرحالين من مدن كردستان فقد زارها (الرحالة البريطاني Rawolf) في القرن السادس عشر وقال:
(ودخلنا مدينة الموصل بعد أن عبرنا فوق جسر من القوارب.. تقع الموصل في بلاد الكرد) ( ).
أما كاتب جلبى (حاجي خليفة) وهو مؤرخ وجغرافي وبيبلوغرافي تركي من القرن السابع عشر فقال في (جهان نما): (أن سكان الموصل أكراد يتكلمون بالعربية والتركية أيضاً( ) وقال أوليا جلبى في (سياحتنامه ج4 ص75) أن كردستان يمتد من أرضروم إلى الموصل وبغداد والبصرة وهو يقصد القسم الواقع من كردستان داخل الدولة العثمانية.
وقل (كييه) بخصوص مدن كردستان أن (مدنها الأساسية في تركيا ديار بكر، في العراق الموصل، وفي إيران أورميا). ( )
قال الرحالة الفرنسي (اوليفيه) الذي زار الموصل في نيسان 1795م أن في مدينة المصل 7-8 آلاف مسيحي ونحو ألف يهودي وخمسة وعشرين ألف مسلم من العرب وسبعة عشر إلى عشرين ألف كردي.
أما الرحالة البريطاني (جاكسون) الذي زار الموصل في 25 تموز 1797م فقال أن المدينة مكتظة بالسكان وتضم أصنافاً من مختلف الأديان ولكن معظم السكان من الكرد.أما (لسترنج) فقال في كتابه بلدان الخلافة الشرقية ص16: "أن جل أهل الموصل من الكرد"( )
وفي كتاب مشكلة الموصل ص287 قال (الدكتور فاضل حسين): إن مجلة لازي فرانسيز الفرنسية كتبت أن الموصل الواقعة على طرق الهند تحتـل مركـز عسكرياً وسياسياً واقتصادياً مهماً... ومركزاً سياسياً لكردستان.
أما (لونكريك) المفتش الإداري البريطاني في العراق فقال في كتابه (أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث ص11) ما يلي:
(كانت الموصل العاصمة الطبيعية للجزيرة وقاعدة كردستان الوسطى). وفي كتاب (مشكلة الموصل ص95) للدكتور فاضل حسين أيضاً جاء ما يلي:
(أثناء مشكلة الموصل تجادلت تركيا وبريطانيا جدالاً عنيفاً حول سكان مدينة الموصل فادعت تركيا أن غالبية سكانها أتراك ويليهم الأكراد والذين يتكلمون العربية إنما هم من أصل تركي تعلموا العربية ولم يعتبر سكان الموصل أنفسهم عرباً في يوم من الأيام. وفندتها بريطانيا واستشهدت لجنة عصبة الأمم في معركة عدد القوميات فيها بالرحالة (أولفر) الذي زار الموصل سنة 1809 وقد ذكر أولفر التقديرات الآتية عن سكان مدينة الموصل:
مسيحيون (نسطورين ويعاقبة) 7000- 8000
يهود 1000
عرب 25000
أكراد 17000- 20000
يزيديون صفر
ما عدا هذا أدخل الجغرافيون العراقيون وغيرهم الموصل وتلعفر وشرقاط أي من الخط الجغرافي الطبيعي الممتد من سنجار إلى جبال كولات وسمبار وإبراهيمية وجبل عدي حتى جبل مكحول المطل على دجلة من الغرب عند موقع (الفتحة) الواقعة في غرب كركوك بمسافة (95 كم) وهو الخط الجنوبي للمنطقة شبه الجبلية- ضمن كردستان كما سنذكره مفصلاً في فصل (حدود كردستان).
هذا من أن العرب هم الأكثرية من سكان المدينة إلا أن فيها قسماً كبيراً من الأكراد ربما يبلغون ثلث سكانها بشطريها الغربي والشرقي معاً.( ) أم القسم الشرقي منها لوحده أي الواقع في شرقي دجلة فيرى الكثيرون أن أكثرية السكان من الأكراد في الوقت الحاضر مع أن الحكومة العراقية منذ سنة 1966 وضعت خطة لإجلاء الأكراد من مدينة الموصل وكان اللواء الركن عبد العزيز العقيلي الموصلي الذي كان وزيراً للدفاع وكان ضابطاً قومياً شوفينياً له دور في تشجيع الحكومة على وضع هذه الخطة حيث قدم في ستينات القرن الماضي مذكرة إلى الحكومة بخصوص ضرورة التقليل من نفوس الأكراد في الموصل كي لا تحدث إسرائيل ثانية فأجلت (هجرت) الحكومة العراقية من السنة المذكورة حتى الآن كثيراً من الأسر الكردية من الموصل مثلما أجلت (هجرت) كثيراً من الأكراد من كركوك ومدن أخرى كردية وقد احتجت الجهات السياسية الكردية مراراً ضد ما تقوم به الحكومة من إجلاء وتهجير الأكراد من الموصل.
أما في عهد النظام السابق فقد رسمت خطة أكثر دقة في عنصريتها وأكثر شدة حتى وصل الأمر إلى عدم سماح للأكراد رسمياً من حق التملك داخل مدينة الموصل من شراء دار أو دكان أو سيارة أجرة يعمل بها وإذا أراد أحد الأكراد أن يفتح له مخبزاً كان عليه أن يجعل واحداً من العرب شريكاً له وأن تكون الإجازة الرسمية بفتحه باسم ذلك الشخص العربي وندرج هنا الوثيقة التالية التي هي عبارة عن أمر سري أصدره صدام حسين نفسه سنة 1992 يقضي بعدم السماح لأن تتحول الموصل إلى بؤرة لتجمع للأكراد وعدم التساهل في هذا الصدد لأي سبب من الأسباب وأن تطبق التعريب وتهجير الأكراد في الموصل ما طبق ذلك في محافظة ديالى وكركوك (التأميم) وقد وجه هذا الأمر الرئاسي إلى وزارة الداخلية وأجهزة الأمن والمخابرات والاستخبارات العسكرية لتنفيذه وهذا نصه ما عاد الهوامش العائدة لمعاون الشعبة الثالثة للإعلام وللمدير العام وغيرهما وتاريخ الهوامش وأرقام العدد:
"جمهورية العراق- رئاسة الجمهورية- السكرتير"
العدد 2285/ك
التاريخ 18 شوال 1412
20 نيسان 1992
وزارة الداخلية- مكتب الوزير
جهاز الأمن الخاص- مكتب مدير الجهاز
جهاز المخابرات- مكتب مدير الجهاز
مدير الأمن العامة- مكتب المدير العام
مديرية الأمن العسكري- مكتب المدير
مديرية الاستخبارات العسكرية العامة- مكتب المدير
م/ مذكرة
أمر السيد الرئيس القائد (صدام حسين) بصدد ما ورد بمذكرة مكتب الطلبة والشباب المركزي العدد 2/398 في 9/4/1992 المرفقة صورتها طياً ما يأتي:
"في كل الأحوال يجب أن لا تتحول الموصل إلى بؤرة تجمع من الأكراد بما يخل بتركيبة شعبها خللاً استراتيجياً وأن لا يجرب التساهل في هذا تحت أي ذريعة وتحت أي ضغط ولأي سبب وأن نتعامل مع الموصل طبقاً لهذا الاعتبار مع ديالى والتأميم... وأن تتصرف كل الجهات المعنية طبقاً لهذا"
للتفضل بالعلم... مع التقدير
سكرتير رئيس الجمهورية
20/4/1992
الفريق الركن الدكتور
عبد العزيز عبد الرحمن المفتي
للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة..
http://www.algardenia.com/maqalat/16105-2015-04-15-10-01-48.html
909 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع