آرا دمبكجيان
نتيجة للمجازر التي أرتَكَبَتْها تركيا بحق الأرمن، لا زالت أعدادٌ كبيرة منهم يعيشون في مدنٍ مختلفة في تركيا بعد أنْ تحوَّلوا الى الأسلام، إمّا رغبةً للتخلُّص من القتل، أو إجباراً و قُسراً.
بدأتْ منذُ عقودٍ قليلة إيقاظُ و نهضة الشخصية الأرمنية عند هؤلاء فأضحَت المحرَّماتُ آيلةً للسقوط، أو سقطت بعضُها بالفعل. و يربطُ المختصّون في هذا المجال التغيّرات الأخيرة الى عوامل سياسية مختلفة تُعينُ هؤلاء الناس الى العودةِ الى جذورهم الأصلية.
يقول أحدُ المختصّين في "مركز دراساتِ قضايا أرمينيا الغربية" أن هذه الحركة بدأت منذ مدة طويلة متأثِّرة بصورة خاصة بالتمرُّدِ الكردي المسلَّح، فأنهيار الأتحاد السوفييتي، و الحملة التي تقودها تركيا للإنضمامِ الى الأتحاد الأوروبي.
يذكرُ أولُ دستورٍ في تركيا الكمالية في 1924 و في المادة 88 بالذات أن مواطني تركيا كافة، و من دون الأخذِ بنظرِ الأعتبار المعتقد الديني و القومية، يُعتبرون أتراكاً، فجاءت تسميةُ الأكراد بـ"أتراك الجبل" على هذا الأساس. و لأجلِ تحسينِ سمعتها فيما يتعلَّق بالحقوق المدنية و أستعداداتها للدخول الى البيئة الأوروبية و الحصول على عضوية الأتحاد الأوروبي، كان على تركيا أن تراجع و تُعَدِّلَ موادَ دستورها. و مع هذا، حتى بعدَ التغييرِ في بعضِ المواد، لا زالت عبارات مثل "المواطن التركي" و القومية التركية" تأخذان السبق في الدستور، إذ يُعْتَبَر كل مواطن في تركيا ... تركيِّاً.
و حسب معاهدة لوزان في 1923، تمَّ تعريف الأرمن و اليونانيين و السريان كتجمُّعاتٍ دينية و ليست أثنية. أما الأكراد، فترَكَتْهم المعاهدة خارج بنودها، حسب رغبة تركيا، لكونهم مسلمون يعيشون في دولة أسلامية.
و لا زالت هناك 50 مجموعة دينية و أثنية مختلفة في تركيا تتكلم بـ 36 لغة مختلفة تعتبرهم الدولة...أتراكاً، و هم ليسوا كذلك.
بعد أن سقطت هذه المحرّمات، بدأت حركات قومية تتحرك بقوة في تركيا مع التحرُّك الكردي المسلَّح، و لم يبقَ الأرمن بعيداً عن هذه الحركات. فبدأت تركيا تواجه حقيقة "المسألة الأرمنية" التي تُعتَبَر جَعْدَة في النسيج التركي أو غَضَناً سياسياً عليها أن تتعامل معه. ليست لتركيا أي مسألة سريانية أو يونانية أو يهودية، بل مسألة أرمنية تواجهها و تسبِّب معضلة جدية لها.
---------------------------
تدُلَّ الدراساتُ و الأحصائياتُ وجود ثلاثة ملايين من الأرمن المسلمين في تركيا، هاجر قسمٌ منهم الى الخارج و يوجد تقريباً 300,000 أرمني مسلم في ألمانيا وحدها هاجروا مع الجالية التركية الكبيرة اليها. و يعيش في الجزء الشرقي من تركيا، و هي أرمينيا الغربية التاريخية، 2.5 مليون أرمني مسلم يخاف نصفهم الإفصاح عن حقيقتهم، و لكنهم يحتفظون سرّاً تقاليدَهم و عاداتِهِم القومية و مراسيمهم الدينية المسيحية بعيداً عن أعين المتطفّلين. ففي الوقت نفسه، يجري التزاوج بينهم من داخلِ تجمُّعاتِهم، و هذا عامل رئيس للحفاظِ على وجودِهم و كينونتِهم منذ مائة سنة.
تذكرُ التقارير من البطريركية الأرمنية في أسطنبول عن قدومِ مجموعاتٍ من هؤلاء و يُفْصِحون عن أصلِهم و كيف أن أجدادهم تحوَّلوا الى الأسلام في أثناء المجازر التركية بحقِّهِم قبل مائة سنة و يطلبون التعمد بالعماد المسيحي ، فيعَرِّضون حياتَهم و حياة أولادِهم و مستقبَلَهم و ممتلكاتِهم الى الخطر. و لكن أعدادَهم صغيرة و هم قِلَّة نتيجة الضغوطِ عليهم و الأضطهاد الممارس ضد الأرمن الى اليوم...يذكر مدير "مركز دراسات قضايا أرمينيا الغربية" أنه في نهاية 2014 عَمَّدَ عدداً من العلويين و الأرمن المسلمين من منطقة درسيم (تونجيلي). كان أحدُهم رجلَ أعمالٍ يملك تجارته الخاصة من أربعة سنوات ففقدَها بعد أن أفْصَحَ أنه أرمني الأصل و أنضمَّ الى تجمُّع الأرمن في درسيم.
------------------------
تذكُرُ الأحصائياتُ الرسمية في تركيا وجود 37,000 عائلة أرمنية يعيشون في 17 مدينة مختلفة في البلد، و يُقَدَّرُ أعدادُهم حوالي 200,000 نسمة يعيش 50,000 -60,000 منهم في مدينة أسطنبول.
و حسب هذه الأحصائيات هناك 3,000 أرمني في مدينة موش، و لكن سكان المنطقة يضاعفون هذا الرقم. و بلغ عدد سكان مدينة فان (وان) حوالي 350,000 نسمة و نسبة الأرمن المخفيين فيها 12%، أي 40,000-42,000 شخص.
بعد الزلزال الذي ضرب مدينة فان (وان) في تشرين الأول 2011 وجدَ رجالُ الإنقاذِ أعداداً كبيرة من الكتاب المقدس و صُلباناً مختلفة الأحجام و مقتنياتٍ كنسية تحت أنقاض البيوت المهدَّمة، فكان مثاراً للعجب وجود مقدساتٍ دينية أرمنية-مسيحية في هذه المدينة ذات الأغلبية الكردية-المسلمة.
آرا دمبكجيان
968 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع