رسائل هادفة لمعالجة قضايا عراقية ساخنة / الحلقة الخامسة عشر

                                      

    رسائل هادفة لمعالجة قضايا عراقية ساخنة/ح15

     

     

تنفيذ خطة فرض القانون
بصيغ وآليات خرق القانون

لقد شاعت في السنوات المنصرمة ثقافة انتهاك حقوق المواطنين عامة والمشتبه بهم خاصة تحت ذرائع مكافحة الإرهاب، ولكن بصيغ وآليات غير قانونية، مثلت إهداراً صارخاً لحقوق الإنسان وحريته وكرامته، بدوافع ظاهرها فرض القانون، وجوهرها ثقافة الثأر والعنصرية والطائفية والحزبية الضيقة، من خلال استباحة حرمات المواطنين بالمداهمات والاعتقالات المنهجية سبع سنوات متتالية دون هوادة طالت مئات الألوف من العراقيين الأبرياء، مما اقتضى تسليط الضوء على تلك الخروقات التي أقضت مضاجع العراقيين الذين كابدوا الامتهان تحت ذريعة التحرير البائس وعلى وفق المحاور الآتية:
المحور الأول: تفتيش الأشخاص والأماكن
لقد أكدت المادة (18/ثانياً) من الدستور على حرمة المساكن وعدم جواز دخولها أو تفتيشها إلا بقرار قضائي ووفقاً للقانون، وهو ما أكدته المادتان (72 و73) من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971 المعدل بعدم جواز تفتيش أي شخص أو دخول أو تفتيش منزله أو أي محل أو مكان تحت حيازته إلا بناءاً على قرار قضائي، شريطة أن يقوم بالتفتيش قاضي التحقيق أو المحقق أو أعضاء الضبط القضائي الذين حددتهم المادة (39) الأصولية بضباط ومفوضي الشرطة وتحت رقابة قاضي التحقيق، وقد رسمت المادة (82) الأصولية صيغة تنفيذ التفتيش بأن يجري بحضور المتهم وصاحب المنزل أو المحل وبحضور شاهدين من أعيان المنطقة مع مختار المحلة على أن ينظم القائم بالتفتيش محضراً يدون فيه إجراءاته، وزمان التفتيش ومكانه والأشياء المضبوطة وأوصافها وأسماء الموجودين في المكان، ويوقع المحضر من قبل المتهم وصاحب المكان والشخص الذي جرى تفتيشه والحاضرون من المختار والشاهدين والقائم بالتفتيش وعناصر المفرزة، على أن يسلم صاحب الدار أو المتهم أو عائلته صورة من المحضر المذكور، مع مراعاة حرمة المكان وحقوق الإنسان أثناء إجراء عملية التفتيش، وفي حالة كان أمر التفتيش خارج منطقة اختصاص القاضي مصدر الأمر يجب مراجعة قاضي التحقيق المختص مكانياً وأن يعمل بتوجيهه (م85) الأصولية.
في معرض ما تقدم بيانه من آليات قانونية كان على مجلس النواب ومجلس القضاء الأعلى ووزارة حقوق الإنسان التصدي لآلاف الخروقات والانتهاكات لحقوق المواطنين التي يعرض القليل منها على شاشات الفضائيات صباح مساء يومياً، وإحالة المذنبين على القضاء بموجب أحكام المادة (326) من قانون العقوبات التي فرضت عقوبة الحبس التي تصل إلى خمس سنوات لمن يخالف القانون.
المحور الثاني: القبض على المتهمين وتوقيفهم
لقد حرمت المادة (37/ب) من الدستور والمادة (92) الأصولية القبض على أي شخص أو توقيفه إلا بمقتضى أمر صادر من قاضي أو محكمة مختصة، وفي الأحوال التي يجيز فيها القانون ذلك، وإذا اقتضى تنفيذ أمر القبض خارج منطقة اختصاص القاضي الذي أصدره فعلى المكلف بتنفيذه أن يقدمه إلى القاضي الذي ينفذ الأمر في منطقته لغرض الحصول على الإذن بالتنفيذ (م100) الأصولية، وفي حالة كون الشخص المقبوض عليه متهماً بجريمة معاقب عليها بالحبس مدة تزيد على ثلاث سنوات أو السجن المؤقت أو المؤبد فللقاضي أن يأمر بتوقيفه مدة لا تزيد على خمسة عشر يوما في كل مرة، أو يقرر إطلاق سراحه بكفالة، أما إذا كانا لشخص المقبوض عليه متهماً بجريمة معاقب عليها بالإعدام فيجب على قاضي التحقيق توقيفه وتمديد هذا التوقيف كلما اقتضت ذلك ضرورة التحقيق، بشرط أن لا تزيد هذه المدة على ستة أشهر، وإذا اقتضى تمديد التوقيف أكثر من ذلك فعلى قاضي التحقيق المختص عرض الأمر على محكمة الجنايات المختصة لتأذن له بتمديد التوقيف مدة مناسبة على أن لا يزيد بأية حال من الأحوال مجموع مدد التوقيف على ربع الحد الأقصى للعقوبة المتهم بها المقبوض عليه، أو تقرر إطلاق سراحه بكفالة تنفيذاً لأحكام المادة (109) الأصولية.
ومع وضوح النصوص القانونية أعلاه كشفت زيارات نائب رئيس الجمهورية الدكتور طارق الهاشمي والنائب المرحوم حارث العبيدي والنائبة شذى العبوسي، فضلاً عما تعرضهُ وسائل الإعلام المرئي والمقروء والمسموع عن آلاف المقبوض عليهم بدون أوامر قضائية، وذلك ما وجد تأكيده في المادة (3) من قانون العفو العام رقم (19) لسنة (2008) الذي قدم مشروعه مجلس الوزراء متضمناً اعترافاً صريحاً من الحكومة بوجود معتقلين وموقوفين في السجون العراقية والأمريكية مضى على قسم منهم أكثر من ستة أشهر ولم تعرض أوراقهم على قاضي التحقيق، ووجود موقوفين مضى عليهم في السجون أكثر من سنة ولم يحالوا إلى المحاكم المختصة، فضلاً عن وجود آلاف الموقوفين مضى على توقيفهم مدداً ناهزت عدة سنوات متجاوزين أحكام المادة (119) الأصولية التي منعت أن تزيد مجموع مدد التوقيف على ربع الحد الأقصى للعقوبة المتهم بها الموقوف.
لقد كان على مجلس النواب ومجلس القضاء الأعلى ووزارة حقوق الإنسان بحكم مسؤولياتهم الرقابية على أعمال الجهات ذات العلاقة، التصدي لتلك الخروقات والانتهاكات لحقوق الإنسان وتفعيل المواد (329، 330، 331) من قانون العقوبات التي قضت بعقوبة الحبس لمدة تصل إلى خمس سنوات على كل موظف أخل بواجبات وظيفته بقصد الإضرار بمصلحة المتهمين لأي سبب كان أو عطل تنفيذ النصوص القانونية.
المحور الثالث: الصيغة القانونية لاستجواب المتهمين
لقد أوجبت المادة (123) الأصولية استجواب المتهمين وتدوين أقوالهم خلال (24) ساعة من حضورهم أو القبض عليهم وإحاطتهم علماً بالتهمة المنسوبة إليهم، مع ملاحظة أن المتهمين لا يحلفون اليمين عند تدوين إفادتهم، كما لا يجبرون على الإجابة على الأسئلة التي توجه إليهم، وذلك بما اصطلح على تسميته فقهاً بحق المتهمين في الصمت، ولا يعد صمتهم دليلاً ضدهم عملاً بحكم المادة (126) الأصولية.
وقد حرص المشرع بالمادة (128/ب) الأصولية على إلزام قاضي التحقيق بتدوين أقوال المتهم بنفسه متى تضمنت إفادته إقراراً بارتكابه الجريمة، وليس هذا فحسب وإنما أوجب بتلاوتها عليه بعد الفراغ من تدوينها، وإذا رغب المتهم بتدوين إفادته بخط يده فعلى القاضي أن يمكنه من تدوينها على أن يتم ذلك بحضوره، ثم يوقعها القاضي والمتهم بعد أن يثبت ذلك في المحضر، وقد جاء الدستور لعام (2005) ليؤكد بالمادة (19/ثالث عشر) على عرض أوراق التحقيق الابتدائي على القاضي المختص لتدوين أقوال المتهم خلال مدة لا تتجاوز أربعاً وعشرين ساعة من حين القبض عليه، ولا يجوز تمديدها إلا مرة واحدة للمدة ذاتها، وكان على مجلس النواب ومجلس القضاء الأعلى ووزارة حقوق الإنسان تفعيل المادتين (330، 331) من قانون العقوبات اللتان نصتا على عقوبة الحبس لمدة تصل إلى خمس سنوات على كل موظف امتنع عن أداء عمل من أعمال وظيفته أو أخل بواجباته بقصد الإضرار بمصلحة المتهمين لأي سبب كان.
المحور الرابع: تعذيب المتهمين
لقد حرمت المادة (37/أولاً) من الدستور والمادة (127) الأصولية جميع أنواع التعذيب النفسي والجسدي وأية وسيلة غير مشروعة للتأثير على المتهم للحصول على إقراره، ويعتبر من الوسائل غير المشروعة التهديد بالإيذاء والإغراء والوعد والوعيد والتأثير النفسي واستعمال المخدرات والمسكرات والعقاقير والمعاملة غير الإنسانية ومثالها إيداع المتهم في معتقلات سرية أو تحت الأرض أو في أماكن رطبة أو لا تصلها الشمس والتهوية أو ضيقة المساحة بحيث يتعذر توفر أماكن كافية لنوم المتهمين أو عدم توفر حمامات ومرافق صحية كافية أو عدم توفر أفرشة مناسبة للنوم أو عدم توفر الطعام اللازم لتغذيتهم أو مستلزمات طبية لعلاجهم وفقاً للمعايير التي نصت عليها قوانين المؤسسات الإصلاحية وأكدتها المادة (19/ثاني عشر) من الدستور العراقي بشمول الموقوفين والمحكومين بالرعاية الصحية اللازمة، ولا عبرة بأي اعتراف انتزع بأي من الوسائل غير المشروعة المتقدم بيانها.
ومرة أخرى فإن مجلس النواب ومجلس القضاء الأعلى ووزارة حقوق الإنسان معنيون بملاحقة الموظفين الذين يعمدون إلى تعذيب المتهمين أو يأمرون بتعذيبهم لغرض إحالتهم للقضاء وفقاً لأحكام المادة (333) من قانون العقوبات التي قضت بعقوبة السجن التي تصل إلى خمسة عشر سنة لكل موظف ارتكب جريمة التعذيب أو أمر بارتكابها، ويحكم بعقوبة التعذيب على استعمال القوة أو حتى التهديد باستعمالها.
المحور الخامس: الاختصاص المكاني للتحقيق مع المتهمين
قضت المادة (53) الأصولية تحديد اختصاص التحقيق مع المتهمين بالمكان الذي وقعت فيه الجريمة كلها أو جزءاً منها، كما يحدد الاختصاص بالمكان الذي وجد المجني عليه فيه، أو وجد المال الذي ارتكبت الجريمة بشأنه بعد نقله إليه بواسطة مرتكبها أو شخص عالم بها، وإذا تبين للقاضي أنه غير مختص للتحقيق في الجريمة فإنه ملزم بإحالتها إلى قاضي التحقيق المختص حيث مكان ارتكاب الجريمة، وفي الحالة التي تم فيها نقل المتهمين من محافظة نينوى إلى بغداد خلافاً لأحكام المادة المذكورة أعلاه، فإن الموظف الذي أمر بذلك قد أخل بواجبات وظيفته وعطل تنفيذ النصوص القانونية، مما يجعل فعله ينطبق وأحكام المادتين (329، 330) من قانون العقوبات التي تفرض عقوبة الحبس التي تصل إلى خمس سنوات، وفي حالة ادعاء المسؤولين عن تلك الجرائم أنهم بصدد تنفيذ أوامر القيادة العليا فإن هذا الادعاء لا يعفيهم من المسائلة القانونية، لأن أوامر القيادة أياً كانت مستوياتها لا تكون ملزمة بالتنفيذ إلا إذا كانت تلك الأوامر موافقة للقانون، أما إذا كانت مخالفة له فعلى المسؤولين الامتناع عن تنفيذها، لأن القانون فوق الجميع، وأن شروط الأمر الإداري يجب أن يكون صادراً من موظف مختص قانوناً بإصداره وفق القانون، وأن يصدر إلى موظف مختص بتنفيذه، وأن يصدر مكتوباً بصيغة واضحة، وبناءاً عليه فمتى صدر الأمر خلاف القانون فإن تنفيذه من المرؤوس لا يعفي الرئيس الذي أصدره والمرؤوس الذي نفذه من المسائلة القانونية المنصوص عليها بالمواد (329و 330، 331) من قانون العقوبات، ولابد من تفعيل القاعدة الفقهية العالمية (طاعة القانون أولى من طاعة الرئيس) لأن القانون هو الضمانة الوحيدة لحماية الموظف من المسائلة عندما يجد الجد وتحرك الدعاوي سواءاً من مجلس النواب أو من هيئة الادعاء العام أو من وزارة حقوق الإنسان أو من المتضرر أو ذويه الذين من حقهم تحريك الدعوى ضد منتهكي حقوقهم للمطالبة بفرض العقاب عليهم وطلب التعويض المالي عن الضرر الأدبي والمادي والجسدي الذي لحق بهم، ولو تم ذلك لتحقق الردع الخاص للمسيئين والردع العام لغيرهم حتى يكونوا عبرة لهم بأنهم لن يفلتوا من الجزاء مهما طال الزمان خاصة وأن التشريعات الجزائية العراقية لا تأخذ بالتقادم في إسقاط العقوبة.
المحور السادس: إيداع الموقوفين في المعتقلات السرية
لقد حرمت المادة (19/ثاني عشر/ب) من الدستور التوقيف أو الحبس في غير الأماكن المخصصة لذلك وفقاً لقانون المؤسسة الإصلاحية المشمولة بالرعاية الصحية والاجتماعية الخاضعة لسلطات الدولة، وعليه واستناداً لمفهوم المخالفة فإن كل توقيف أو اعتقال ينفذ بحق المتهمين في غير تلك الأماكن التابعة لوزارة العدل، ومن أمثلتها مقرات الوحدات العسكرية ومقرات الشرطة الوطنية أو مقار وزارات الدفاع والداخلية والأمن الوطني أو المخابرات أو الاستخبارات العسكرية أو مديرية مكافحة الإرهاب أو غيرها من المعتقلات غير الخاضعة لسلطات وزارة العدل، يعد خروجاً صريحاً على منطوق المادة أعلاه، ويتوجب على مجلس النواب ومجلس القضاء الأعلى ووزارة حقوق الإنسان طلب إحالة مرتكبي هذه الجريمة وفقاً لحكم المادتين (329، 330) من قانون العقوبات التي تفرض عقوبة الحبس التي تصل إلى خمس سنوات لإخلالهم بواجبات وظيفتهم وتعطيلهم تنفيذ النصوص القانونية.
نخلص مما تقدم أن النصوص الدستورية والقانونية توفر ضمانات ممتازة لحقوق الإنسان عموماً بما فيهم المتهمين خصوصاً، ولكن للأسف الشديد فإن الأجهزة التنفيذية تنتهك تلك النصوص تحت ذرائع مكافحة الإرهاب وفرض القانون ولكن بصيغ وممارسات غير قانونية، وبفعل الأغلبية النيابية التي تمالئ الحكومة فإن مجلس النواب كان مشلولاً تماماً عن ممارسة دوره الرقابي ومسائلة الحكومة على تلك الخروقات القانونية، كما أن مجلس القضاء الأعلى المسؤول من خلال محاكم التحقيق وهيئات الادعاء العام عن الضمانات القانونية للمتهمين لم يأخذ دوره الكافي لتفعيل تلك الضمانات خلال السنوات المنصرمة، مما أتاح للأجهزة التنفيذية استمرار ممارستها لانتهاكات حقوق الإنسان عامة والمتهمين خاصة.

الفريق الركن
الدكتور عبد العزيز المفتي
20 حزيران 2010

للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة:

http://www.algardenia.com/maqalat/15079-2015-02-21-17-26-37.html

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

928 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع