رسائل هادفة لمعالجة قضايا عراقية ساخنة / الحلقة 12
الخروج من مأزق العراق
عندما قررت الولايات المتحدة الأمريكية احتلال العراق، كان لابد وأن تتعاون مع إيران. لاعتقادها أن إيران تحتضن القوى المعارضة لنظام صدام حسين، دون أن تدرك أن هذه القوى ليست معارضة لنظام صدام حسين بل إنها معارضة لوجود دولة العراق، كدولة ذات سيادة وتعمل هذه القوى على ربط العراق بإيران. فالقوى المعارضة للعراق والمتواجدة في إيران كانت أمّا إيرانية بشكل كامل، أو من أصول إيرانية كانت في العراق وتم ترحيلها، وأما من الأسرى التوابين. فهذه القوى كانت إيرانية التفكير والولاء، ولبست ثوب المعارضة لإيهام الآخرين.
وتعاونت الولايات المتحدة مع هذه القوى وبخاصة مع الفصائل المسلحة ومنها فيلق بدر (9) المرتبط بجيش قدس الإيراني، بعد أن أوهم البعض بتحول بدر إلى منظمة سياسية، وهو أمر يتناقض مع الواقع، وأنه من المؤكد أن الولايات المتحدة تعرف هذه الخدعة.
واعتقدت الولايات المتحدة الأمريكية أن النفوذ الإيراني غير قادر على احتواء العراق وانه محدود وغير قادرة على احتوائه.
وبعد أن تغلغل فيلق بدر (32) ألف مقاتل وجيش القدس في القوات المسلحة، والأمن وما يتبعها من عصائب الحق وجيش حزب الله، فقد تمكن النفوذ الإيراني من السيطرة على المناصب العليا في الدولة، العسكرية والمدنية والأمنية وحتى الاقتصادية، وعندئذ أدركت الولايات المتحدة أنها في ورطة، فهي غير قادرة على مقاومة النفوذ الإيراني في العراق، وشعرت بأن جنودها البالغ عددهم (150) ألف من المقاتلين، عدا القوى المساندة لها والتي تضاعف هذا العدد، أن هذا الجيش الأمريكي أصبح رهينة في يد الإيرانيين، فالولايات المتحدة الأمريكية تملك التكنولوجيا العالية في تحطيم أي قوة في العالم، ولكنها غير قادرة على حروب برية (المشاة) الملتحمة، أو حرب الشوارع، أو مواجهة الألغام، فإذا ما أرادت إيران مواجهة الولايات المتحدة فإنها ستواجهها في العراق في شوارع بغداد والبصرة والمدن العراقية الأخرى، وأن ضربة أمريكية أو إسرائيلية على إيران فإنها ستواجه الولايات المتحدة الأمريكية في العراق وتستطيع أن تدمرها تدميرا كاملا، بفعل القوات المتواجدة في العراق والمهيأة بشكل كامل لهذه المواجهة.
وبترحيب من الولايات المتحدة الأمريكية، تمكنت إيران من السيطرة على الجيش العراقي والشرطة العراقية، وتمكنت من السيطرة على مرافق الدولة الأخرى، وتمكنت من التغلغل في المناصب المدنية المهمة من قبل ضباط يعودون لفيلق بدر وكانوا فاعلين فيه، ولم تعد الولايات المتحدة قادرة على مواجهة التغلغل الإيراني، وإنها تتعامل مع قادة هذا التغلغل بشكل جيد وتعدهم مع علمها المسبق بأن ولائهم لإيران، وأن البعض من هؤلاء يوهمون بأنهم ضد إيران ولكنهم يقولون شيئاً ويعملون العكس من ذلك.
وقد عرف الأكراد ما هي الوسائل التي يمكن بها التخلص من المليشيات والقوى السياسية المؤيدة لإيران، فعقدت مؤتمرا في عام 2004 في أربيل دعت إليه بعض البعثيين وحاورهم السيد مسعود البرزاني ووعدهم بإلغاء قانون اجتثاث البعث وعودتهم للسلطة، في الفترة التي كان فيها رئيساً للدولة في فترة مجلس الحكم، ولكنه بدلا من الإيفاء بوعده، جعل من هذا الوضع ضغطا على القوى المؤيدة لإيران بأنه سيستعين بالبعثيين، لقاء مكاسب يحصل عليها لمنطقة كردستان، وكان لو نفذ لذلك، لما كان أي تواجد للقوى المؤيدة لإيران.
صحيح أن إيران لم تبدأ القتال مع القوات الأمريكية، بسبب انشغالها بتوطيد الدولة العراقية لصالحها وتحديد السنة، ولكنها من المؤكد أنها تعد العدة لمواجهة القوات الأمريكية إذا ما حاولت هذه القوات المساس بمصالح إيران الإقليمية، وأن أول عمل ستقوم به إيران هو ليس ضرب المصالح الأمريكية في المنطقة، كما يتوهم البعض، إنما تقوم بضرب القوات الأمريكية في العراق، فحرب الشوارع تدربت عليها جميع القوات المسلحة المتواجدة في العراق، والولايات المتحدة الأمريكية غير قادرة على مواجهة هذه القوات، بعد أن تركت وحدها في المنطقة، وخاصة بريطانيا عرابة الاحتلال.
ومن هذا المنطلق فإن الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت أمام ثلاث احتمالات، الأول، التفاهم مع إيران عبر عبد العزيز الحكيم، والثاني الهروب للوراء، والانسحاب من العراق، وليحصل للعراق ما يحصل، وثالثا مقاومة إيران عسكريا من داخل العراق، وليس لها وسيلة أخرى تلجأ إليها.
وأي من هذه الاحتمالات هو مرير بحد ذاته ويخلق مشاكل تهدد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، لا في العراق فحسب، بل في المنطقة برمتها.
وإيران لم تستخدم قوتها لحد الآن ضد الولايات المتحدة، لسبب بسيط هو أن الأمور تسير لصالحها، وأن كل ما تفعله في الوقت الحاضر، هو التهيئة وإرسال أسلحة ودسها بالرمال استعدادا للقتال مع الولايات المتحدة والتخلص من خصومها من العراقيين سواء أكانوا سُنة أم شيعة، والسبب الوحيد الذي يمنع إيران من مقاتلة الولايات المتحدة في العراق، هو أن الأمور تسير كل يوم إلى صالحها فكلما تطلع الشمس تحصل إيران على موقع قدم جديد، وأنها تفضل السيطرة على العراق عن طريق الانتخابات، فهي الوسيلة التي تستطيع بموجبها إتمام القبضة على العراق، لهذا صرفت الملايين من الدولارات، وقد نجحت نجاحا كبيرا، فالديمقراطية في العراق كان أسمى فرصة قدمتها الولايات المتحدة لإيران، وستبقى إيران وأتباعها يطالبون بتطبيق الدستور الذي حقق لهم المكاسب، فإن أتباع إيران وجدوا في الدستور الملاذ الذي يسهل لهم الحصول على مراكز القوى في العراق.
لقد أخطأت الولايات المتحدة الأمريكية عندما احتلت العراق، فأرادت أن تحقق إنجازاً تفتخر به، ولكنها قدمت العراق هدية إلى إيران على طبق من ذهب، فتمكنت من تدمير العراق، ولم تتمكن من انتشاله من السيطرة الإيرانية عليه.
فالوضع الأمريكي في العراق مريرا جدا، وكل يوم يمر على العراق تحكم إيران قبضته على جزء مهم من العراق، وستجعل من ساحة العراق ساحة للمواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية عند الضرورة.
إن أي عملية تغيير في العراق والتخلص من القوى المساندة لإيران يتطلب تنظيم العلاقة بين حركة الضباط الأحرار ومجالس الصحوات والبعثيين المعتدلين والأكراد ورجال الدين المعادين للتغلغل الإيراني ومجلس عشائر العراق العربية، وأن أي عمل خارج هذه الأركان الستة لن يكون مثمراً، وغير مجدي.
إن الخروج من هذه الأزمة يتطلب عملاً مستمراً ومثمراً، ويتطلب في نجاح هذه المهمة أن تتخذ إحدى الخيارات العسكرية أو السياسية الآتية:
الخيار الأول – الحل السياسي والقانوني
في حالة عدم القدرة على تحقيق احد الاحتمالات السابقة، يطلب القيام بجهد سياسي كبير خلال الأربع سنوات الآتية:
1- أن تعمل الولايات المتحدة الأمريكية على فرض حشد دولي بعدم التعامل مع العراق ما لم يقرر حماية حقوق الإنسان وحماية السجناء وإلغاء قانون اجتثاث البعث وإعادة كافة المفصولين والمهجرين والمبعدين، إلى مناصبهم السابقة.
2- أن يقوم المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية بإصدار أمر إلقاء القبض على كل الشخصيات المؤيدة لإيران (المشكوك بولائهم للعراق)، بما فيهم مقتدى الصدر وقيادة جيش المهدي، والعديد من المسؤولين السابقين والحاليين. بتهمة ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية وسجون سرية، وجرائم ضد الإنسانية، وحجز أموالهم في الخارج، وفي البنوك العراقية، ومطالبة الحكومة العراقية بتسليمهم أن هذا العمل سوف يحقق انقلابا عليهم. ويقدم طلب إحالتهم على المحكمة أما من قبل مجلس الأمن، إذ يطلب مجلس الأمن إجراء التحقيق بحق العديد من الشخصيات المسؤولة في العراق لقيامها بارتكاب هذه الجرائم وإحالتهم على محكمة الجنايات الدولية، أو يقدم الطلب إلى المدعي العام مباشرة من قبل منظمات إنسانية ويقرر المدعي العام إحالتهم. إن استخدام هذه الوسيلة سوف يؤدي إلى هروب جميع أتباع النظام الإيراني إلى إيران. وهذه المسألة قانونية لا لبس فيها، وترضي العراقيين والمجتمع الدولي.
نقول أن استخدام هذه الطريقة انما يسهم في كسب ثقة العراقيين، فلا يشك أحد بالجرائم المرتكبة ضد العراقيين من قبل المسؤولين (خلال السبع سنوات المنصرمة).
3-قيام حركة الضباط الأحرار، بالتعاون مع الأكراد، بتولي القيادات العسكرية (الدفاع – الداخلية – الأمن الوطني – المخابرات) في العراق بشكل تدريجي (من أجل تحجيم عمل الميليشيات المتطرفة وسطوة المناوئين لإيران).
4-تنظيم مجلس الصحوات وجعلها تحت قيادة حركة الضباط الأحرار، ويجري تسليحها وتدريبها بشكل جيد.
5-العمل على فرض خطة الطوارئ بذريعة حماية الأمن، ومراقبة الحدود مع الدول المجاورة عن طريق طائرات مروحية وبمساندة من القوات الأمريكية.
6-لن تتمكن إيران من التدخل لحماية أتباعها بعد أن يتهموا بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.
الخيار الثاني – الحل العسكري المسلح
يقوم هذا الخيار على استخدام القوة المسلحة للتخلص من الهيمنة الإيرانية باتخاذ الخطوات العسكرية الآتية:
1-أن يتولى الجيش العراقي السيطرة على العراق بالتنسيق مع القوات الأمريكية والأكراد خلال فترة تمتد مدة العشر سنوات، وتشكل حكومة طوارئ، يتولى الجيش بشكل تدريجي الحد من الهيمنة الإيرانية على العراق، وضبط الحدود، وهذا لا يمكن تحقيقه إلا بعد التعاون بين ضباط الجيش العراقي السابق (حركة الضباط الأحرار) وهم (الضباط الذي يشيد سيرتهم الذاتي الوطنية والإخلاص والشجاعة وأفكارهم ضد الدكتاتورية والنهج السابق للنظام ...) مع الأكراد، بشكل أساسي وجوهري.
2-تشكل حكومة مؤقتة مصغرة لعشر وزارات أساسية وتسند الوزارات الأخرى إلى الوزراء بالوكالة، وتتكون الوزارات من قبل ضباط عسكريين متخصصين في العلوم الاقتصادية والسياسية والعلمية والتكنولوجية، وبخاصة الضباط الذين يحملون شهادات عليا.
3-وضع خطة للنهوض بالعراق يتم إعدادها قبل القيام بعملية التغيير، ويتضمنها البيان الأول، ويتم إصدار بيانات منع التجول لمدة لا تقل عن سنة كاملة يتقلص بين فترة وأخرى، ويمنع التجمع لخمس أشخاص، وتعطل الصحف والفضائيات المعارضة.
4-أن يتم الاعتراف بالسلطة الجديدة من قبل مجلس الأمن، وتقدم الدول الخمس الكبرى تأييدها ومساعداتها للسلطة الجديدة، يمنع بقرار من مجلس الأمن تدخل جميع الدول المجاورة (بالشأن العراقي الداخلي).
5-من المحتمل جدا أن تتدخل إيران عسكريا في العراق، ففي هذه الحالة ينبغي أن يتم تغيير السلطة في العراق بوجود وإشراف القوات الأمريكية في العراق والأكراد.
6-أن يعلن الجيش الأمريكي الانسحاب من العراق بمجرد أن يستتب الأمن في العراق وضمان عدم تدخل قوى أجنبية.
7-مشاركة القوى الكردية في العراق بشكل أساسي، ومساندة السلطة الجديدة عن طريق قوات البيشمركة وبالتنسيق الأمريكي بعد أن يتوقف الأكراد عن مطالبتهم بالمناطق المتنازع عليها، ولو مرحلياً.
8-تنظيم مجلس الصحوات والعشائر وجعلها تحت قيادة حركة الضباط الأحرار.
9-تحريك علماء الشيعة العرب في إصدار فتاوي بتأييد السلطة الجديدة وبخاصة (المؤيد واليعقوبي والمالكي والصرخي).
10-الاهتمام بالحصة التموينية والكهرباء والماء بشكل أساس.
الخيار الثالث – دعم المقاومة الوطنية
من الواضح أن القوى المسلحة في العراق تنتمي إلى الجهات الآتية:
أولا: المليشيات الإيرانية، وتتكون هذه المليشيات من عدد من المنظمات العسكرية المرتبطة بجيش قدس الإيراني وهي:
1-فيلق بدر (9) البالغ عددهم (32) ألف مقاتل مدرب على حرب الشوارع.
2-حزب الله – العراق.
3-عصائب الحق.
4-حركتين كرديتين هما إسلاميتين كانت ضمن أنصار الإسلام بقيادة كريكور.
5-جيش المهدي الذي سيتحرك عند التغيير وبتوجيه إيراني وجيش القدس.
ثانيا: القاعدة وتتكون من عدد من الفصائل التابعة لها الممولة من قبل بعض الممولين السعوديين والخليجيين.
ثالثا: المقاومة الوطنية المستقلة وهي ما يطلق عليها بجبهة الجهاد والتغيير بقيادة حزب البعث (عزة الدوري).
وتمكن الفصيلان الأول والثاني من مطاردة مقاومة حزب البعث وتهجير قيادته وقتلهم وتحجيم عمله.
وإذا ما أرادت الولايات المتحدة الأمريكية التخلص من المليشيات المؤيدة لإيران والقاعدة، عليها أن تقوم بمساندة المقاومة الوطنية بقيادة حزب البعث، وتقدم لها الدعم المادي والإعلامي للتخلص من المليشيات المرتبطة بإيران والقاعدة، وأن تعمل الحركة الكردية على مساندة هذه القوى وتمنح لها المأوى والمساعدة، وكما نرى أن حزب البعث هي الجهة الوحيدة التي تخلص العراق من النفوذ الإيراني.
وفي جميع الأحوال يتطلب أن تكون حركة الضباط الأحرار إلى جانب المقاومة العراقية الوطنية والقائدة لها، كما توضع تحت تصرفها محطات فضائية والدعم المالي والعسكري، كما يتطلب تعاون الصحوات في هذا الصدد.
إن بقاء الحال على ما هو عليه الآن، وإجراء إصلاحات سياسية لن يحد من التغلغل الإيراني في العراق.
ونقول أخيرا، أن أي عملية تغيير في العراق والحد من الهيمنة الإيرانية لا يمكن تحقيقها إلا بتحقيق توطيد العلاقة بين حركة الضباط الأحرار والصحوات والبعثيين المعتدلين (تاركي الأفكار البعثية القديمة) ومجالس عشائر العراق العربية والأكراد، وبعض رجال الدين الشيعة مثل المؤيد والصرخي والبغدادي والمالكي، فهذه القوى قادرة على مقاومة التغلغل الإيراني بشكل كامل.
الفريق الركن الدكتور
عبد العزيز المفتي
عمان 16 مايس 2010
للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة..
http://www.algardenia.com/maqalat/14645-2015-01-24-19-55-39.html
2840 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع