ولاية الموصل والحقوق الكردية بعد الحرب العالمية السابعة
* موقف الأكراد في ولاية الموصل
لقد كان موقف الأكراد مثل موقف العرب فقد أنكروا مطالبة تركيا (بولاية الموصل) وأكدوا على الحفاظ عليها، وقد عبروا عن آرائهم بالمذكرات والبرقيات التي قدموها إلى لجنة التحقيق وعصبة الأمم.
ففي الأول من تشرين الأول 1924 أرسلت (الجمعية الكردية في السليمانية) إلى (عصبة الأمم) مذكرة تعارض فيها المطالبة التركية في ولاية الموصل، وأنكرت وجود أية علاقة بين الأكراد والأتراك سوى الدين، فلما أصبحت تركيا لا دينية لم تبق أية رابطة على الإطلاق. وقد (شكت الجمعية الكردية في السليمانية) من تتريك أكراد تركيا وفي معاملتهم الجائرة. وقد وصفت المذكرة إعطاء (ولاية الموصل) إلى تركيا بجريمة ضد الحقوق الإنسانية عامة وضد حقوق الأكراد خاصة، وختمت المذكرة بالالتماس من (مجلس عصبة الأمم) أن يساعد على تحسين حالة الشعب الكردي المنسي والمهجور ليخدم السلم والرقي في الشرق الأدنى بالتفاهم مع مجاوريه من الأرمن والكلدان والعناصر الأخرى( ).
كما أرسلت الجمعية الكردية في السليمانية مذكرة ثانية إلى مجلس عصبة الأمم جاء فيها: ترى الجمعية الكردية واجبها أن توصل لكم صوت الأكراد في تلك البلاد النائية وإن كان هذا الصوت ضعيفا لا يسمع في العالم المتمدن إن جمعيتنا قامت في وجه الأتراك، بلاد الكرد تحررت أخيرا من مظالمهم ولم تزل قائمة بوجههم فهي لكون الجمعية الكردية في السليمانية تأسست للدفاع عن منافع القوم والشعب الكردي تعارض بشدة مطالب حكومة أنقرة في امتلاكها ولاية الموصل لأن أكثرية سكان هذه الولاية هم من الأكراد( ).
وأرسلت برقية من (كويسنجق) إلى لجنة التحقيق عند زيارتها (لأربيل) وقد جاء فيها: إن حياتنا الاقتصادية والتجارية بل الطبيعية مرتبطة بالعراق إننا من العراق ومع العراق وفي العراق ولا نريد إلا المشاركة مع حكومة وملة العراق، حياتنا حياتهم وحماتنا حماتهم وبقاؤنا بقاؤهم امتزجنا مع إخواننا العراقيين امتزاج الروح بالجسد لا نتجزأ ولا ننفصل ولا ننقسم وبالله وبعون الله بعصبة الأمم نعتصم. وقد وقعها عدد من العلماء منهم (محمد توفيق ومحمد صالح والأشراف جميل واحمد ومن التجار أمين وتوفيق ومحمود وعلي ومن العشائر بسيران سوار رئيس عشيرة بشتكالي ورشيد رئيس عشيرة آكومامند)( ).
كما قامت مظاهرات كردية وطنية في كركوك عند زيارة اللجنة للمدينة وقد أظهر المتظاهرون تمسكهم بالوحدة العراقية والتي لا يرضون بها بديلا( ).
وقد أرسلت مدينة (راوندوز) برقية إلى لجنة التحقيق الأممية وقد جاء فيها:
لقد بايعنا الأمير فيصل الأول الذي هو نسل نبينا وربطنا مقدراتنا بالعراق كل الارتباط بصورة لا ترد بأية قوة قاهرة كانت، وإذا أراد الأتراك الاستيلاء على القضاء (راوندوز) فنحن مستعدون للدفاع عنها حتى آخر درجة وعند الاضطرار نحن متهيئون للهجرة إلى أبعد نقطة في العراق، وقد وقعها احمد خورشيد من آل آغا ورئيس البلدية محمد علي ومحمد سعيد ومحمد خورشيد من العلماء وشوكت رئيس دولي هروين موير من الأشراف( ).
وقد ألقى مفتي عقرة عبد الله أفندي كلمة عند مقابلته رئيس لجنة التحقيق الأممية بحضور الخبير التركي وقد جاء فيها:
"إننا أكراد عراقيون طالبون الاستظلال بعرش الملك فيصل الأول، والعيش تحت لوائه ولا نرضى سلطة ونفوذ أي احد لأننا معاشر الأكراد العراقيين منذ قرون عديدة مربوطون بولاية الموصل فلا نعيش منفكين عن ولاية الموصل والعراق فنرجو إثبات مطالبنا هذه وهي الوحدة العراقية والاستقلال التام العاري من كل نفوذ وسلطة ولعلكم تحققون أملنا هذا بكل عدل وإنصاف"( ).
وألقى رئيس العلماء كلمة ذكر فيها: "إن الأكراد والعرب مشتركون في كل مقصد وأنهم متحدون تحت ظل العلم العراقي، وحول عرش الملك ثم قال نحن واثقون أن زملاءكم في مجلس العصبة محافظون على حقوقنا وان بلادنا مرتبطة بالجنوب ارتباطا وثيقا ونحن ننشد الاستقلال التام لبلادنا العراقية ونرفض كل طلب ينافي ذلك"( ).
وقد أرسلت برقية ثانية من (راوندوز) والى (لجنة التحقيق الأممية) أكدوا فيها أن (ولاية الموصل) جزء لا يتجزأ من العراق ويستحيل على العراق أن يعيش بدونها( ).
ونشرت جريدة المفيد مقالات بعنوان "الغاية الفاسدة" نقلا عن جريدة "زيانه وه" التي تصدر في السليمانية قالت فيه:
"ربما يقول الأتراك إننا نريد حماية هذه الأمة ونظامها وترتيبها ولكننا نقول لهم اذهبوا وفتشوا عن مربي يتعهد في تربيتكم وحامي يحمي بلادكم فأنتم أحق بالحماية من أية أمة أخرى فما كان التركي في مدرسة العالم الكبرى إلا تلميذا بسيطا لا يزال في آخر صف بين أبناء الشعوب المتمدنة"( ).
موقف مفتي السليمانية (مفتي كردستان) عبد العزيز أمين المفتي طلب الإنجليز منه إعطاء فتوى بعدم مقاتلة الاحتلال (المحتل) الإنكليزي في كردستان، فكان موقفه الرفض التام والإفتاء بأنه لا يجوز التعاون مع الإنجليز ويجب مقاومته، مما أدى ذلك عند قصف مدينة السليمانية قصف داره ومكتبته العامرة بتاريخ 19 أيار/مايو 1922 وفي 4 آذار/مارس 1923.
* تقرير لجنة التحقيق الدولية لعصبة الأمم:
على اثر تقديم تقرير لجنة التحقيق إلى عصبة الأمم ونشره استقبلته الصحافة العراقية ببعض الانتقادات.
فقد حاولت (جريدة العراق) أن ترفض رأي اللجنة بأن تركيا أكثر استقراراً من العراق فقالت أن تاريخ الإمبراطورية العثمانية يظهر انه كانت فيه ثورات دائمية وانقلابات كثيرة واستشهدت بالثورة الكردية في 1925 لكي تثبت أن تركيا الحديثة لا تختلف عن الإمبراطورية العثمانية السابقة( ).
وقالت جريدة العراق في مقال آخر انه قبل مجيء لجنة التحقيق كان العراقيون يتوسمون في رجالها الخير والإنصاف والإطلاع الواسع ولكن سرعان ما انقلبت هذه الثقة إلى ريبة شديدة. ثم هاجمت التقرير فقالت فيه سخائف الآراء، وفواسد النظريات ومعوجات النتائج يأسف لها كل من كان يتوقع من مندوبي عصبة الأمم التي تمثل صفوة العقول المتمدنة، فيحق والحالة هذه أن ينعت التقرير الأخرق. وذكرت هذه الجريدة (جريدة العراق) التي يصدرها صحفي أن اللجنة افترت على النصارى واليهود بقولهم أنهم يفضلون الحكم التركي على الحكم العراقي من دون الانتداب وأكدت أن نصارى العراق كلهم بقلب واحد يفضلون البقاء مع إخوانهم المسلمين العرب مهما كان مصيرهم، ويفضلون أن يموتوا بين إخوانهم المسلمين العراقيين ومع العرب وبيدهم من أن يعودوا إلى براثن النمر التركي الضاري الذي لا يروي دم جشعه( ).
ووصفت (جريدة العالم العربي) التقرير بأنه مليء بالغوامض والمتناقضات والمغالطات وقد عزتها إلى (الكونت بول تلكي) ليساعد أصدقاءه الأتراك( ).
ونشرت جريدة المفيد مقالات قالت فيه لو شاءت اللجنة اختصار تحقيقها وترجيح الحق الطبيعي للعراق على كل اعتبار وآهٍ آخر لما وصلت الآراء من التضارب إلى هذا الحد( ) - وقالت (جريدة العراق) انه بالرغم من احتواء التقرير للتناقضات والأغراض والسياسات المتعارضة فقد أوصى بإبقاء الأراضي المتنازعة جزءا متمما للعراق بسبب الحجج القوية المؤيدة للعراق – ولاسيما رغبات سكان (ولاية الموصل)( ). وقد ذكرت (جريدة المفيد) بأنه من غير المحتمل أن تعطى (ولاية الموصل) إلى تركيا لأن بريطانيا ستحافظ على عهودها التي قطعتها (للعرب والأكراد والآثوريين)( ).
وعقد (مجلس النواب والأعيان) جلسة مشتركة سرية بتاريخ 31 آب 1925 وقرر فيها أن يتبع نصيحة بريطانيا فعبر بالإجماع عن تصميمها على الدفاع عن ولاية الموصل ضد الأتراك ولو أدى ذلك إلى الحروب( ). وأرسلا برقية شكر إلى (إيمري) وزير المستعمرات البريطانية ومندوبها في مجلس العصبة لدفاعه عن حقوق العراق.
وقد دهش الحزب العراقي (الاستقلال) وروع عندما وجد أن بعض الصحف البريطانية تعارض في تحديد (التحالف بين بريطانيا والعراق) وقد فسر بعضهم موقف تلك الصحف أنها تتسلم مخصصات من الحكومة التركية( ).
ولقد أرسل (رؤساء المسيحيين) في ولاية الموصل برقيات إلى الملك فيصل الأول والى المندوب السامي البريطاني في العراق والى رئيس الوزارة العراقية وإلى عصبة الأمم يكررون الاعتراف بعروبتهم وكرديتهم ويحتجون وينكرون ما نشر عنهم في تقرير اللجنة عن رغبتهم في الرجوع إلى تركيا ويصرحون بأنهم عرب وأكراد ويريدون أن يعيشوا تحت العلم العراقي مع إخوانهم المسلمين ولهذا فإنهم يرجون من (عصبة الأمم) أن هذه هي رغباتهم الوطنية الحقيقية ومصلحتهم الوطنية. وقد وقع على هذه البرقيات (مطران السريان الكاثوليك ومطران السريان اليعاقبة ومطران الكلدان ونائب البطريرك وقس الأرمن وحاخام اليهود) وغيرهم من الأطباء والمحامين والقسس من المسيحيين واليهود( ).
* التعليق على قرار مجلس العصبة (عصبة الأمم)
استقبل الشعب العراقي قرار مجلس العصبة المؤرخ في 16 كانون الأول 1925 الذي أعطى (ولاية الموصل) إلى العراق بسرور وابتهاج عظيمين فأقام الولائم والأفراح وعطل الأشغال العامة. ولكن بعض العراقيين استنكر التدابير الموصى باتخاذها في بقية فقرات القرار ولاسيما الثانية الموصى فيها بتحديد أجل الانتداب على العراق لمدة خمسة وعشرين سنة( ).
فقد أرسل الملك فيصل الأول برقية إلى الملك جورج الخامس ملك بريطانيا معربا عن شكره وامتنانه من جهود بريطانيا في (إنهاء قضية الحدود العراقية التركية). وأبرق عبد المحسن السعدون رئيس الوزراء إلى كل من المستر بولدوين رئيس الوزراء البريطانية والى السكرتير العام لمجلس عصبة الأمم والمستر إيمري زير المستعمرات البريطاني يشكرهم على الجهود التي بذلها كل منهم في (إنهاء قضية الحدود العراقية التركية) حسب رغبات الشعب العراقي( ).
وأبرق (حزب الاستقلال) و(جمعية الدفاع الوطني) إلى الملك فيصل الأول ورئيس الوزارة العراقية عبد المحسن السعدون والى عصبة الأمم يشكرونهم على مساعيهم المجيدة التي بذلوها في سبيل قضية ولاية الموصل( ).
وقد أرسل رئيس بلدية الموصل ورئيس بلدية أربيل وبطريرك بابل ومطران اليعاقبة وحاخام اليهود برقيات شكر للمستر إيمري وزير المستعمرات( ).
وفي اجتماع (مجلس الأعيان) بتاريخ 20 كانون الأول 1925 قرأ رئيس وزراء العراق عبد المحسن السعدون قرار مجلس العصبة ووعد بأن تدافع حكومته عن حقوق العراق في المعاهدة المقبلة مع بريطانيا( ).
وقد قابلت (الصحف الوطنية العراقية) قرار العصبة بشيء من التحفظ ولاسيما بالنسبة للشروط المرفقة به فقد كتبت (جريدة المفيد) و(العالم العربي) مقالات كثيرة انتقدتا فيه الفقرات الثانية من القرار وعند نشر قرار العصبة أهملتا من النص ذكر جملة تحديد أجل الانتداب على العراق لمدة خمسة وعشرين سنة( ).
* القضية الكردية( ) نظرة تاريخية
الأكراد شعب أصيل يعيش في المنطقة الكردية التي عرفت باسم كردستان منذ آلاف السنين. وكما هو الحال مع أجزاء المنطقة الأخرى فلقد قسمت منطقة كردستان وأعيد تقسيمها عدة مرات وضد رغبة أبنائها الأكراد. وأخضعت إلى الحكومات والدول التي حكمت المنطقة. وكان آخر تقسيم هو ذلك الذي حصل في عام 1923 والذي جاء نتيجة (لمعاهدة لوزان) 24 تموز عام 1923م التي قسمت المنطقة على الشكل الذي نعيشه الآن، وأصبحت دولة العراق الحديث والتي وضعت تحت الانتداب البريطاني تتكون من ولايات عثمانية ثلاث هي (ولاية الموصل وولاية بغداد وولاية البصرة). وكانت ولاية الموصل وبعد الاحتلال العراق قد قسمت إلى أربعة محافظات (ألوية) هي: الموصل بأغلبية عربية عدا دهوك الكردية، وأربيل والسليمانية وكركوك بأغلبية كردية.
منذ بداية الاحتلال البريطاني أظهر أكراد السليمانية وأربيل رفضاً واضحاً له، ولأسباب مختلفة. بداية كان السبب الديني، حيث إن غالبية القيادات الكردية العشائرية والقبلية بل والشعب الكردي بصورة عامة متمسكين بالدين الإسلامي الحنيف، ولذلك وُجدت الدعوة إلى الجهاد الإسلامي وإلى جانب الدولة العثمانية المسلمة وضد المحتل الغربي استجابة كبيرة. ولما وجدت القيادات العشائرية الكردية أن القوات العثمانية قد هزمت وأن النية متجهة إلى تأسيس دولة عراقية وتقسيم المنطقة إلى دول، انتفض الأكراد مطالبين بدولتهم أسوة بالدول والشعوب الأخرى. ثم كانت هناك المحاولات الرافضة لتنامي قوة السلطة المركزية للدولة والمحاولات التي رفضت، أو التي مثلت الاحتجاج الكردي على عدم منح الأكراد حقوقهم السياسية والثقافية، واللغوية منها خاصة. الأمر الملفت للنظر في تلك الفترة أنه في الوقت الذي حرصت فيه القيادات العراقية على التفاهم والتقارب مع الشعب الكردي باعتباره جزءاً لا يتجزأ عن الشعب العراقي مع الاحتفاظ بخصوصيته، كانت الإدارة البريطانية تستخدم الورقة الكردية كأداة للتأثير والضغط على الحكومات العراقية المتعاقبة وإجبارها على توقيع المعاهدات والاتفاقات طويلة الأمد والتي تصب في مصلحة بريطانيا. بكلمة أخرى كانت الإدارة البريطانية تحرض الأكراد من جهة، وعندما كانت تحصل على ما تريد كانت ترسل القوات المسلحة والقوة الجوية الملكية البريطانية لقصف المناطق الكردية ونفي القيادات الكردية إلى خارج كردستان العراق أو إلى خارج العراق. (وفي الحقيقة فإن الدور الأجنبي السيئ ظل يؤثر في الحركة القومية الكردية وبالأسلوب نفسه ولو بطرق مختلفة على طول مسيرة الحركة).
عند بداية الحكم الوطني في العراق (عام 1921) أصرت الإدارة البريطانية على إبقاء مسألتين معلقتين، الأولى مصير ولاية الموصل والمطالبة التركية بها، والثانية انضمام المحافظات (الألوية) الكردية إلى الدولة العراقية الجديدة بشكل كامل وتحت إدارة ملك عربي هو الملك فيصل الأول. وظلت الإدارة البريطانية آنذاك تروج بأن النفوذ التركي كبير في كردستان العراق وأن الرغبة لدى الغالبية هي الانضمام إلى الدولة التركية. وبقي السبب الحقيقي غير المعلن يتمثل في رفض القيادات الوطنية العراقية الفتية توقيع معاهدة طويلة الأمد مع بريطانيا. حاول الملك فيصل أن يتحقق من هذا الأمر فأرسل وزير الداخلية آنذاك (رئيس الوزراء في ما بعد) عبد المحسن السعدون إلى السليمانية، الذي كتب له قائلاً: في اليوم الأول لزيارتي التقيت مع وجوه وتجار أبناء السليمانية الذين أخبروني بأنهم "مستعدون لحلف يمين الولاء لجلالتكم والانضمام إلى الدولة العراقية الفتية، وإنهم مستعدون لإرسال المضبطات التي تؤيد ذلك (أي تأييد الملك وولايته على العراق) والمناطق الكردية إلى بغداد أسوة بالأجزاء الأخرى من العراق. واتفقنا على فعل ذلك في اليوم التالي". كما أنه أكد للملك "أن الخطر التركي غير موجود في السليمانية" وأن الغالبية العظمى التي التقيت بها ترفض أن تكون جزءاً من الدولة التركية التي عانوا منها الكثير. ثم يقول له "ولما اجتمعنا في اليوم التالي رفض الجميع توقيع المضبطات وقالوا بالحرف الواحد، بما إننا لا نزال لا نعرف كيف نميز بين الخير والشر فإننا نوكل أمورنا إلى المندوب السامي البريطاني لكي يقرر لنا ما هو مفيد وصالح".
المهم إنه وبعد أن (وافق مجلس النـواب) علـى التوقيـع علـى المعاهـدة العراقية – البريطانية بغالبية (37) عضواً ورفض (24)، وامتناع (8) وتغيب الأغلبية الباقية، انضمت (محافظة السليمانية) إلى الدولة العراقية، وصدر قرار من مجلس عصبة الأمم بحل مشكلة ولاية الموصل المتنازع عليها مع تركيا بضمها إلى العراق (علماً بأن الغالبية من سكان ولاية الموصل العثمانية هم من الأكراد كانت قد صوتت إلى جانب البقاء ضمن الدولة العراقية في الاستفتاء الذي أجرته اللجنة التابعة لعصبة الأمم والذي نظر في النزاع ما بين العراق وتركيا حول هذه الولاية أي "ولاية الموصل"). على أن يحصل الأكراد على حقوقهم القومية (حق تقرير المصير) ضمن العراق دستوريا .... وسويت المشاكل الحدودية مع تركيا بصورة نهائية (في عام 1925) (خط بروكسل). وكان قد تم قبل ذلك إصدار بيان عراقي – بريطاني مشترك يعطي الأكراد الحق في تشكيل حكومة لهم في كردستان العراق وأن يرسلوا من يمثلهـم إلى بغداد، إلا أن هذا الاتفاق لم يطبق أو ينفذ. (بسبب تقاطعها مع المصالح البريطانية في المنطقة في ذلك الوقت).
وبحلول عام 1930 طرحت (مسألة انضمام العراق إلى عصبة الأمم كدولة مستقلة)، واستوجب الأمر توقيع معاهدة جديدة بين العراق وبريطانيا، واجهت المعارضة على بعض بنودها، وفي الوقت نفسه أثيرت اعتراضات كردية كثيرة حول الحقوق الثقافية الكردية في العراق. وتصاعد الأمر حتى وصل إلى حد (الانتفاضة الطلابية في السليمانية) وعاد الشيخ محمود الحفيد إلى الساحة ليعلن ثورة أخرى ضد ما وصف بالإهمال الواضح للحقوق القومية والثقافية الكردية وعدم إدراج هذه الحقوق أو الضمانات الكردية المطلوبة في طلب العراق للانضمام إلى (عصبة الأمم). وبعد أن تم (توقيع المعاهدة الجديدة بين بريطانيا والحكومة العراقية) وانضم العراق إلى عصبة الأمم (عام 1932) انطلقت طائرات القوة الجوية الملكية البريطانية لتفتك بمدينة السليمانية وبالمناطق الكردية الأخرى وتخمد ما أطلقت عليه "تمرداً كردياً آخر".
إن ما قيل أعلاه، والذي تكرر مرات ومرات في حقبة الحكم الملكي، وبخاصة في الفترة ما بين 1939-1946، حيث وقفت القيادات العسكرية والمدنية الوطنية العراقية ضد الدخول في الحرب إلى جانب بريطانيا (الحرب العالمية الثانية)، بل ووصل الأمر إلى التمرد على القيادة والوجود البريطاني، والحرب الدامية العراقية التي جرت بين الجيش العراقي الفتي والقوات البريطانية في عام 1941 (حركة رشيد عالي الكيلاني)، والتي انتهت باحتلال العراق مرة ثانية. يجب أن لا يفهم منه أن الحركة الوطنية القومية الكردية كانت تأتمر بالأوامر البريطانية وإنها كانت تظهر فقط عندما يطلب منها ذلك بريطانياً، كمـا يحلو للبعض القول.
لقد كان الشعور الوطني الكردي، شأنه شأن الشعور الوطني العربي، في العراق رافضاً للسياسة البريطانية، ورافضاً لتهميش دور الأحزاب الوطنية في العراق ورافضاً لمسألة عدم فسح المجال للمشاركة السياسية للأحزاب المعارضة في حكم العراق، وإن تخفيف الضغط عن هذه الحركات في بعض الأحيان، أو زيادة الضغط في أحيان أخرى إلى حدود لا تطاق، يؤدي إلى إشعال فتيل ثورات شعبية ومسلحة لا يمكن الاستهانة بدوافعها الوطنية والقومية الصادقة، وأن القسوة التي تمارس في ما بعد من قبل القوات البريطانية والحكومات العراقية المتعاقبة لدليل على التعارض الكبير ما بين قوة الاحتلال والحكومات التابعة له وهذه الحركات. علماً بأن الحركة الوطنية العراقية آنذاك، والتي كانت ممثلة بالحزب الشيوعي العراقي، والحزب الوطني الديمقراطي، وحركة الضباط الأحرار، كلها كانت حركات عمل فيها العرب والأكراد معاً من دون تميز أو تفريق.
الفريق الركن الدكتور
عبد العزيز عبد الرحمن المفتي
للراغبين الأطلاع على الحلقة السادسة..
http://www.algardenia.com/maqalat/14189-2014-12-24-07-56-47.html
798 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع