ولاية الموصل والحقوق الكوردية بعد الحرب العالمية الأولى / الحلقة الرابعة

                                      

ولاية الموصل والحقوق الكردية بعد الحرب العالمية الأولى /ح4

                       

         

          

                                                                                

* الاهتمامات البريطانية والعراقية بولاية الموصل (الحوار البريطاني – العراقي حول ولاية الموصل 1922-1925)

إن المصالح البريطانية في ولاية الموصل كانت موضع نقاش هام، من قبل المعاصرين والمؤرخين. لخص بيتار جيبيك بشكل واضح هذا الجدال، وقدم منافذ مشوقة إلى العامل الحيوي (الاستراتيجي) في النقاش:
"... بينما أنجز مكتب الشؤون الخارجية الأدوار الرئيسية، فيما يتعلق بالوجهة الدبلوماسية للصراع فإن لعدد من الدوائر الحكومية أثراً مهماً في القضية، ومن المعقول أن يتطرق إليها من وجهت نظر مختلفة. وقد ظهر هذا الاختلاف مثلاً في شكوى اللورد كرزون، وزير الخارجية من عام 1919 إلى 1924، إذ أشار إلى تدخلات الدوائر الحكومية الأخرى في سياسته. وهي التي أكدت الأهمية الإستراتيجية، وركزت على أهمية المنطقة، من حيث كونها واقعة على خطوط المواصلات مع المستعمرات البريطانية في الشرق. وقد شاركت عدة وزارات في مشكلة ولاية الموصل في العراق كالخارجية، والحرب، ووزارة الهند، وقد ركز الذين كانوا يعملون في وزارة الحرب والبحرية على الجانب الاستراتيجي، بأن السيطرة على ولاية الموصل التي تفصلها عن تركيا طبيعياً سلاسل جبلية ...، لن تعمل فقط على تأمين بقاء العراق، كدولة، بل ستعمل على توفير حدود أكثر أمناً ضد تركيا، وما كان يخشى من الأخيرة، أنها دولة إسلامية عدوانية، قد تستعمل ولاية الموصل كنقطة انطلاق للهجوم على العراق، وفيما بعد على المصالح البريطانية في الخليج الفارسي( ).
ويظهر من قراءة المواد ذات الصلة في وزارة الطيران ووزارة الخارجية، ومكتب الهند، ووزارتي الهند، وشؤون المستعمرات أن المسؤولين البريطانيين، في الشرق الأوسط، قد قدموا تقارير عن مخاوف مبالغ فيها عن العواقب الإستراتيجية، إذا وقعت ولاية الموصل في قبضة الأتراك. فالمخابرات البريطانية في شرق تركيا وكردستان العراق مثلاً تحدثت عن السيناريوهات التي كانت كابوساً مريعاً ومرعباً وأحياناً عن حسابات غير دقيقة عن مخططات شيوعية كبيرة محتملة، لإلحاق تركيا والعراق وإيران بالاتحاد السوفيتي، عن طريق استخدام فعال للعناصر البلشفية من بين الكرد. وزعمت السلطات البريطانية أن المشروع الروسي يجري تخطيطه وتنفيذه من وآن وديار بكر، وأرضروم في جنوب شرق تركيا، وتبريز في شمال غرب إيران( ).
والمسؤولون البريطانيون الذين بالغوا في الحديث عن التهديدات البلشفية كان لهم هدفان:
أولهما: أرادوا خلق عدم ثقة بين روسيا ومصطفى كمال أتاتورك، الذي كان لا يزال متردداً في سياسته الخارجية، بين روسيا والغرب. وقد ابلغ البريطانيون مصطفى كمال عن تفاصيل المخطط الروسي المحتمل في شرق الأناضول (تركيا)، وعبر الأخير عن المرارة إزاء تلك المخططات، غير أن تركيا كانت لا تزال في حاجة إلى تحالف مؤقت مع روسيا. لأن تركيا كانت تعاني شحاً مالياً ونقصاً في السلاح. فضلاً عن كونها غير متأكدة من النوايا البريطانية لذلك، أراد مصطفى كمال استخدام قوة روسيا وسطوتها في صراعه مع بريطانيا على ولاية الموصل( ). ثانيهما: إعطاء بريطانيا الاهتمام المبالغ لموضوع الإستراتيجية للنزاع قصد منها - إلى حد بعيد - "التمويه" عن دوافعهم الحقيقة، والتي كانت هي رغبتهم في السيطرة على النفط (البترول) في ولاية الموصل، وتأكيد الاعتبارات الإستراتيجية وقد خدمت المسؤولين البريطانيين، في تفادي المزيد من الانتقادات المحلية والدولية لسياستهم.
وينبغي الإشارة هنا إلى أنه في كل مراحل قضية ولاية الموصل، كان هناك ضغط قوي على الحكومة البريطانية للانسحاب من ولاية الموصل بصورة خاصة ومن العراق بصورة عامة. وبعد انتفاضة عام 1920 العراقية المعادية لبريطانيا، عد المعارضون في بريطانيا وجزء كبير من الرأي العام البريطاني العراق، ومشكلة ولاية الموصل بصفة خاصة أعباء غير ضرورية على عاتق الإمبراطورية( ). وكانت المعارضة تخشى من أن الموقف البريطاني غير المهادن قد يجبر مصطفى كمال أتاتورك على تحالف أوثق مع روسيا البلشفية، معرضاً المصالح البريطانية في الخليج العربي للخطر( ).
ويبدو أن النفط كان عاملاً حيوياً في النزاع على ولاية الموصل، فكان لوجود المخزون البترولي في ولاية الموصل تأثير إلى حدٍ كبير في سلوك صانعي السياسة البريطانية تجاه القضية. فالمسؤولون البريطانيون المعاصرون في لندن أمثال (لورد كيرزون)، و(بونار لو)، و(سي. ماك دونالد)، و(جوزيف شمبالين)، وأولئك العاملون في الشرق الأوسط من أمثال (إست آر. لندسي) عن (أنقرة) و(بيرسي وكوكس) و(س. جي. أدموندز) عن (العراق) أنكروا بإصرار، وبإجماع، بتأثر سياستهم في النزاع على ولاية الموصل بعامل البترول( ). إلا أن دراسات حديثة، والتي اعتمدت، بنحو كبير، على الوثائق والسجلات البريطانية، قد أثبتت وجود ارتباطات دائمة وغير منفصلة بين المصالح الإمبريالية البترولية البريطانية، وموقف الحكومة في نزاع ولاية الموصل( ). وجدير بالذكر أن نفط ولاية الموصل لم يجر تطويره في أيام النزاع بعد، وحاول بعض المسؤولين التقليل من كونه مربحاً، وعلى الرغم من ذلك، فالزعماء الحكوميون البريطانيون المشتركون في النزاع كانوا على وعي تام بالمخزونات البترولية في ولاية الموصل( ). لذلك اعتقدوا أن السيطرة البريطانية على ولاية الموصل ضروري، للسيطرة على العراق. فالوجود البريطاني في العراق عُد ضرورياً لحماية مصالح شركات البترول الإنجليزية في جنوب إيران آنذاك( ).
أما فيما يتعلق بخصوص العراق فإن الاحتفاظ بمقاطعتها الشمالية في غاية الأهمية، لبقائها دولة قوية، وقد عبر الملك فيصل الأول عن هذا، بنحو صريح، في خطاب له في آذار (مارس) عام 1925 أمام لجنة تقصي الحقائق لعصبة الأمم وكما يلي:
"إن إيجاد حكومة عراقية دائمة ومتماسكة يعتمد على حفظ وضعها الراهن (Status quo) كما أعتقد أنه من غير المحتمل على الصعيد الاستراتيجي والاقتصادي معاً، أن تظل حكومة في بغداد على قيد الوجود إذا جرى فصل ولاية الموصل ... إن تجربتي ومعرفتي بالعقلية والطبيعة النفسية للشعب التركي، وطموحه التاريخي في التوسع والغزو ... جلعتني أعلن أن ولاية الموصل بالنسبة للعراق كمثل الرأس بالنسبة لباقي الجسم"( ).
إن هذا الاهتمام من قبل الملك فيصل الأول والذي كانت تشاركه في قطاعات الحكومة العراقية وكذلك الوطنيون القوميون، قد عكستها وسائل الإعلام العراقية في أثناء الأزمة( ). وكان من اعتقاد الملك فيصل الأول الراسخ وكذلك الوطنيين في بغداد أن نفط ولاية الموصل ضروري لبناء كيان اقتصادي، قابل للنمو والتطور في العراق( ). إلى جانب ذلك فقد كان من الملاحظ، سابقاً، أن جبال جنوب كردستان، والتي تعد أهم الأجزاء في ولاية الموصل، لها أهمية كبرى في توفير حدود للعراق تكون قابلة للدفاع عنها في كردستان ضد مصطفى كمال أتاتورك. وأخيراً فإن السكان الكرد المنتمين إلى المذهب السني في ولاية مصطفى كمال، وأخيراً فإن السكان الكرد المنتمين إلى المذهب السني في ولاية الموصل، لا غنى عنهم بالنسبة للملك فيصل، في مواجهة وحفظ التوازن مع الشيعة في الجنوب والوسط. فكل مسؤولي العراق والمسؤولون البريطانيون في العراق كانوا يؤكدون مراراً أن العراق إذ فصل جنوب كردستان منه سيكون 70 من سكان من المذهب الشيعي، وهذا سيجعل حكم العراق صعباً بالنسبة للملك فيصل الأول والنخبة الحاكمة معه، ذات الأغلبية السنية المطلقة( ). ولهذه الأسباب كان موقف العراق تجاه نزاع ولاية الموصل، متأثراً جزئياً، فقط بالنفط، وأما الاحتفاظ بالولاية كجزء من العراق، فهي الأهم في الحقيقة بالنسبة لمسألة بناء الدولة في العراق.

* المخاوف التركية من ولاية الموصل
يشكل الكرد الغالبية العظمى في ولاية الموصل والمقصود هنا ليس مدينة الموصل التي تشمل مدن وتوابع كركوك وأربيل والسليمانية ودهوك. ويظهر أن هذا هو السبب الأول وإن لم يكن الوحيد لإصرار تركيا المستمرة في جهدها لإعادة ولاية الموصل. وفي أثناء الحرب الوطنية للاستقلال، تمكن مصطفى كمال أتاتورك من تعبئة أغلب قبائل الكرد في شرق تركيا (الأناضول) وفي عام 1918، شاركت وحدات حميدية (القوات غير النظامية من الكرد الموالين للسلطان عبد الحميد الثاني (1876 – 1908) بمشاركة فاعلة في معارك في الشرق ضد الأرمن والروس. واعتمد مصطفى كمال على العناصر الموالية للخلافة وكذلك استغل وجود المشاعر المعادية للأرمن عند الزعامة الكردية التقليدية( ). غير أن العلاقة بين الوطنيين الأتراك والقوميين الكرد لم تكن ودية، وهذه يعود سببها إلى أيام جمعية الاتحاد والترقي. قبيل الحرب العالمية الأولى، حيث كان أفراد حزب تركيا الفتاة متورطين في تخطيط سياسة التتريك وتنفيذها في كردستان، وجرى إيقاف كل الدوريات وإغلاق النوادي الكردية( ).
وفي أثناء فترة ما بعد الحرب، مباشرة، أبلغ مصطفــــى كمال أن رجال المخابرات البريطانية في شرق تركيا (الأناضول) متورطون في تجنيد أعضاء الجمعية المعروفة باسم (جمعية كردستان من أجل النهوض والتقدم) (Ta ali Ve Terraqi Cem iat – 1) للهجوم على القوات الكمالية، وكانوا يشاركون في الاجتماع الثاني في سيفاس في عام 1919( ). ومع أنه ليست هناك أدلة قاطعة في الوثائق البريطانية أو التركية تؤيد هذه المزاعم، إلا أن الحادثة، وبدرجة ما، ساعدت على خلق عداء بين الوطنيين الأتراك والحركة القومية الكردية. ولهذا، فقد قامت القوات الكمالية باعتقال القوميين الكرد في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، في السنوات (1918 – 1920م). وفي عام 1921 أظهر القوميون الكرد أول تحدي للنظام الكمالي، عن طريق ثورة (كوجكري) التي اندلعت في إقليم درسيم في جنوب شرق تركيا، وطالبت بالحكم الذاتي. وكانت أحداث هذه الثورة قد تزامنت مع الاجتياح اليوناني لغرب تركيا. واعتقد الوطنيون الأتراك أن المخابرات البريطانية واليونانية هما المحرضتان على هذه الثورة( ). كما أدت الثورة الكردية إلى توسيع نطاق الفجوة، غير القابلة للسد، بين الكرد والقوميين الترك.
وعلى الرغم من هذا، فقد ظلت سياسة مصطفى كمال أتاتورك في البداية غير واضحة، وبنحو مقصود فيما يخص دور الكرد في تركيا الحديثة. ومن المهم هنا أن نعيد إلى الأذهان أنه وإلى وقت الذي جرى فيه إنشاء الجمهورية التركية وتبني الفكرة (الإيديولوجية) الكمالية، في عام 1923، كان مصطفى كمال قد عرض للجمهور أما ـ عن طريق الخداع أو الاقتناع ـ أن حكومته عبارة عن حركة تنويرية لحكومة إسلامية مؤلفة من الأتراك والكرد، من بقايا الدولة العثمانية، ويمكن إدراك هذا من خلال الطريقة التي جرت بها صياغة الميثاق الوطني التركي؛ وخطابات مصطفى كمال في الفترة الأولى من تأسيس الجمهورية هي مثال آخر لهذا( ). وينقل (ديفيد مكدول) عن مصطفى كمال في أيلول (سبتمبر عام 1919) جزءاً من خطابه في المجلس الوطني التركي، قائلاً:
"ما دام هناك أناس أصفياء كرماء، يتمتعون بالاحترام والإجلال، فإن الأتراك والكرد سوف يستمران في العيش جنباً إلى جنب، كأخوة حول مؤسسة الخلافة، وسيكون ذلك بمثابة العمود الحديدي غير القابل للكسر، ضد كل الأعداء الخارجيين والداخليين"( ).

* مشكلة ولاية الموصل والإدعاءات التركية بها
بعد سيطرة قوات كمال أتاتورك على مجمل الأراضي التركية، عمل جاهدا لإبطال تنفيذ بنود معاهدة سيفر عام 1920 والتي أقرت بالحقوق القومية للشعب الكردي. شاركت تركيا الكمالية في مؤتمر لوزان بسويسرا عام 1923 ونجح الوفد التركي إقناع ممثلي دول الحلفاء بالتوقيع على معاهدة لوزان عام 1923 والتي أُلغيت اتفاقية سيفر، وبذلك تم احتلال كردستان الشمالية كاملة من قبل تركيا.
بقي النزاع الحدودي بين تركيا والعراق، فقد نصت المادة الثالثة من معاهدة لوزان بهذا الصدد على مايلي: "ستتم تسوية الحدود الفاصلة بين تركيا والعراق بطريقة دولية بين الحكومتين البريطانية والتركية في غصون تسعة أشهر. وإن لم تتوصل الحكومتان إلى إتفاق خلال المدة المعينة، تُحال القضية إلى مجلس عصبة الأمم.
في الحقيقة والواقع لم يكن هذا النزاع مجرد نزاع محدد على الحدود إنما كان نزاعا على ولاية الموصل كلها أي على كردستان الجنوبية التي تسمى اليوم بكردستان العراق، وذلك بسبب النفط، وأصبح مصير الكرد العراقيين مرتبطا بهذا النزاع.

* المسألة الكوردية في تركيا
كانت كردستان قد لفتت أنظار الأتراك عندما بدأوا يفكرون بجدية توسيع رقعة دولتهم على حساب أراضي الشعوب الإسلامية المجاورة, أسوة بأراضي البلقان, وكان العثمانيون في أعقاب انتصارهم على الصفويين الفرس في وادي "جالديران" عام 1514م, هذه المعركة التي دارت رحاها بين قزلباش الشاه إسماعيل الصفوي وإنكشارية وإسباهية السلطان سليم الأول العثماني, قد فرضوا سيطرتهم على قسم كبير من كردستان (كولاية الموصل وديار بكر وماردين وأورفة وحسن كيف), كما هرع أمراء أردلان والعمادية وجزيرة إبن عمر الأكراد بتقديم الولاء للعثمانيين, وأقيمت حامية عثمانية قوية في ولاية (وا نwan  ) الكردية. وكان قانصوه الغوري يدرك تماما أن المنتصر من الجانبين في معركة جالديران 1514 سيعمل على تصفية الموقف في المشرق بالاصطدام العنيف مع المماليك, أي أن كردستان كانت تشكل نقطة تحول بالنسبة لمستقبل القوى المتصارعة في المنطقة.
جاء عقد معاهدة "زهاو" في عام 1639م لتنظيم حدود وشؤون البلدين (العثمانية والصفوية) بعد تنازل فارس عن جزء من كردستان لصالح العثمانيين . وفي عام 1746م عقدت معاهدة "كرون" بين الدولة العثمانية والفارسية مؤكدة معاهدة الحدود (زهاو) لعام 1639م والتي اعتبرت نافذة وملزمة للطرفين, ثم جاءت معاهدة "أرزروم الأولى" بينهما عام 1823م حول وضع كردستان.
وعندما سقطت الإمبراطورية العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى (1914-1918), كان كمال أتاتورك في البداية يتحدث باسم الحركتين التركية والكردية, ويؤكد في جميع خطاباته أن دولة تركيا الجديدة هي دولة الأكراد والأتراك معا. ويعتقد أنه كان مرشحا لقيادة إحدى أقوى الحركتين المذكورتين أو كلاهما معا, ولكن عندما بدأت كفة الميزان تتأرجح لصالح القومية التركية, وتغيرت الأوضاع لصالحها, وبعد أن حصل على الدعم والتأييد البريطاني, أخذ يقود الحركة القومية التركية وبدأ بتصفية الحركة القومية الكردية .
ففي 31 أيار 1925م توجه مصطفى كمال باشا بنداء إلى السكان مشيرا فيه بأن الحكومة بدأت بتسريح الجيش المرسل للقضاء على الانتفاضة الكردية بقيادة شيخ سعيد بيران. أما محاكم الاستقلال ستواصل نشاطها، وأشار في الختام الى أن القمع المتواصل بعد الانتفاضة يجب أن يذكر بالعقاب الصارم الذي ينتظر كل من يفكر بالإطاحة بالجمهورية و"عرقلة التقدم الوطني".
وفي 29 أيار 1925 م حكمت مايسمى "بمحكمة الاستقلال" في ديار بكر على (47) سبعة وأربعين شخصية كردية من المشاركين الأساسيين في الانتفاضة وعلى رأسهم " شيخ سعيد بيران" بالإعدام شنقا حتى الموت, ونفذ الحكم في اليوم التالي (30 أيار 1925م).
وأمام حبل المشنقة, قال الشيخ سعيد بيران: "أن الحياة الطبيعية تقترب من نهايتها, ولم أئسف قط عندما أضحي بنفسي في سبيل شعبي, إننا مسرورون لأن أحفادنا سوف لن يخجلوا من أمام الأعداء".
وتلت ذلك إعدام مئات المناضلين الكورد بقرارات من محاكم صورية في الولايات الكردية المختلفة.
احتلت القضية الكردية حيزا مهما في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى لقد دعي الوفد الكردي برئاسة الجنرال إحسان نوري باشا إلى مؤتمر الصلح في باريس عام 1919 م, للمشاركة حول تحديد مصير وكردستان بعد سقوط الدولة العثمانية .
وبالفعل أقرت معاهدة سيفر عام 1920م حقوق الشعب الكردي في تقرير المصير. إذ أن البنود 62, 63, 64, من هذه المعاهدة بين تركيا ودول التحالف نصت على إقامة كيان قومي كوردي. وكانت بريطانيا تفكر بتأسيس دولة كوردية في الشرق الأوسط, إلا أن بنود معاهدة سيفر التي انعقدت تحت المظلة البريطانية، ضربت عرض الحائط واستبدلت بها اتفاقية لوزان عام 1923م التي تجاهلت الحقوق الكردية (وحق تقرير مصيرهم).
إذ أن بريطانيا بدلت موقفها من المسألة الكردية لعدة اعتبارات, فمن جهة أدركت أن قيام دولة كوردية قد يؤدي الى الإخلال بتوازن القوى في الشرق الأوسط لصالح الدولة السوفيتية, ومن جهة أخرى، أخذت بريطانيا بعين الاعتبار مسألة الاعتماد على تركيا كحليف دائم ومستمر في مواجهة الثورة البلشفية في روسيا, وضرب كافة الحركات التحررية والثورية في المنطقة وتضييق الخناق على العرب.

* مؤتمر لوزان في 24 تموز  عام 1923م وشؤون ولاية الموصل
كانت محادثات لوزان إحدى الفرص التي شعر فيها الأتراك بضرورة التركيز على الوحدة التركية ـ الكردية. في مناقشة حول شؤون ولاية الموصل، في أثناء انعقاد المجلس الوطني الأعلى. وينقل (ديفيد مكدول) عن مصطفى كمال بتعابير، لا لبس فيها، عن أهداف حكومته، في الخطاب التالي:
"فليكن معلوماً، لدى الجميع، أن حدودنا الشرقية تمتد حتى السليمانية وأربيل وكركوك في ولاية الموصل. فغالبية سكان هذه الولاية من الكرد والترك لكننا لا نفرق بينهمان فالكرد والترك تربطهما روابط مشتركة، وشعبنا الذي قدم التضحيات الكبيرة في سبيل الحفاظ على حدود أراضينا المنصوص عليا في الميثاق الوطني التركي (Misak-i Milli) لن يتردد في عمل نفس الشيء في قضية ولاية الموصل( ).
فضلاً عن ذلك، فقد أخذ عصمت باشا اثنين من النواب الكرد من المجلس الوطني، ليرافقاه إلى لوزان. وأبلغ النواب الكرد المؤتمر أن الكرد والترك يشكلان عنصرين مهمين في شعب واحد، غير قابل للانقسام، وأن المزاعم الغربية أن الكرد يرغبون في الاستقلال مزاعم لا أساس لها( ).
وخلال العامين 1922 و1923 عقد المجلس الوطني الأعلى مناقشات عديدة وحيوية، حول شؤون ولاية الموصل ومارس عدد من النواب الضغط على الحكومة لإعادة ولاية الموصل بالقوة، إذا دعت الضرورة. فقد كان هناك اعتقاد راسخ مشترك بين المسؤولين والنواب الأتراك، في المجلس الوطني الأعلى، أن تركيا غير قادرة على البقاء كدولة حية نامية، بدون امتلاك ولاية الموصل. وكان ضم ولاية الموصل إلى تركيا ضرورياً جداً، في بناء علاقة شراكة بين الكرد والترك. وهذا هو الشعور الحقيقي لدى كثير من النواب الكرد والترك( ). وفي شباط (فبراير) عام 1922م، وفي محاولة لكسب تأييد الكرد في ولاية الموصل، أصدر المجلس الوطني التركي مرسوماً يدعو إلى قيام مجلس قومي كردي محلي، في جنوب شرق تركيا. وعلى الرغم من أن هذا القرار يمثل صيغة محدودة للحكم الذاتي، إلا أنه دعا إلى تشجيع استعمال اللغة الكردية( ). وفي كانون الأول عام 1923، عندما كان هناك توتر خطير بين البريطانيين والأتراك، في الحدود مع ولاية الموصل، حيث كرر مصطفى كمال منح الحكم الذاتي للكرد في خطاب له في إزمت (Izmit) قائلاً:
"وهكذا فأي إقليم ذو أغلبية كردية سوف يقوم الكرد بإدارة شؤونهم ذاتياً، ولكن فيما يتعلق بغير ذلك يجب علينا أن نعتبر الجميع أتراكاً ..."( ).
وفي كل هذه الوعود للحكم الذاتي كانت هناك شروط معلقة، وجرت صياغتها بنحو مبهم، وأخيراً لم تتخذ أية خطوة إيجابية أو عملية في شأن تنفيذها حيث كان مصطفى كمال لا يزال في حاجة إلى مساعدة الكرد له لمواجهة التحديات الخارجية، ولذلك ربما يكون عدم الوضوح والإبهام في السياسة الكردية مسألة مقصودة.
وبعد هزيمة اليونان على يدّ الأتراك والكرد (مجتمعين) وعقده معاهدة لوزان مع دولة الحلفاء، انتهج مصطفى كمال سياسة جادة في تغريب المجتمع التركي، وبناء الدولة الجديدة. وهذه الصفقة الإصلاحية عرفت باسم "التركيزم" (Turkizm) ويجب النظر إلى سياسة تركيا المتعلقة بالكرد من خلال هذا السياق. وقد أعطي الكاتب الكردي المتترك (ضياء كوك ألب)، المشهور بكونه منظر الفكر القومي التركي، تعريفاً جديداً للقومية التركية ودور الكرد فيها، في عمله المسمى المبادئ التركية (The Principles of Turksim) واقتبس الكاتب جزءاً من أقواله في هذا المجال:
"... بما أنه لا توجد علاقة بين الجنس والأثر الاجتماعي، فكذلك لا يمكن أن توجد علاقة بين الجنس والقومية أيضاً، وهي عبارة عن مجموعة الخصائص الاجتماعية ... والتضامن الاجتماعي يرتكز على الوحدة الثقافية، والتي يجري نقلها ونشرها بواسطة وسائل التعليم ... فأنا لن أتردد في الإيمان بأنني تركي وحتى إذا اكتشفت يوماً أن أجدادي جاؤوا من المناطق الكردية..."( ).
كان مصطفى كمال يرى أن البنية الاجتماعية والاقتصادية الخاصة لكردستان وكذلك كون اللغة الكردية متميزة عن التركية، يعرقلان بناء تركيا الحديثة (الغربية) والمتماسكة كشعب ولذلك تخلت الجمهورية التركية في صيف عام 1923 عن كل وعودها التظاهرية السابقة، بقبول الكرد شركاء للأتراك في الجمهورية التركية، وبدأت سياسة الدمج الكلي الجديدة بدرجة كبيرة وبالقوة. وهذه السياسة الجديدة حرمت استخدام اللغة الكردية في المحاكم وفي المدارس، وحذفت كلمة "كردستان" من كل كتب التعليم، والخرائط وطالبت بإعطاء المناصب الحكومية العليا مثل والي الولاية ومسؤولي الأقاليم، وأغلب السلطات (المناصب) الحكومية إلى الأتراك، أو الكرد الذين تخلصوا من وجود أي أثر للقومية الكردية فيهم، فضلاً عن ذلك يجري "انتخاب" النواب في الولايات الكردية حسب أوامر أنقرة. وهؤلاء يعملون على تسيير برنامج التتريك وتسهيله( ).
وكان (لعصمت باشا) رئيس الوزراء التركي آنذاك ومن أصل كردي، هذا التعليق على سياسة التتريك، في خطاب له أمام أوجاق التركي (النادي من أجل نشر الثقافة التركية في أنقرة وإشاعتها) قائلاً: نحن وطنيون بكل صراحة. والوطنية هي الرابطة الوحيدة بيننا، وفي وجه الأغلبية التركية لا يوجد لباقي العناصر أي نوع من التأثير ويجب أن نجعل كل السكان في أرضينا أتراكاً وبأي ثمن كان. وسوف نبيد كل الذين يعارضون سياسة التتريك"( ).
إن هذه التصريحات من أحد كبار المسؤولين، أحد المقربين من مصطفى كمال أتاتورك هي دلالة وواضحة على مدى قوة وسرعة اندفاع سياسة الصهر التي كانت تتبعها تركيا تجاه الكرد. وهذا عصمت باشا نفسه الذي هو من أصل كردي، الذي سيكون مهندس السياسة التركية المتعلقة بشؤون ولاية الموصل.
وبينما كانت المناقشة مستمرة حول ولاية الموصل في مؤتمر لوزان، كانت الإدارة البريطانية في ولاية الموصل تتابع سياسة رعاية القومية الكردية، وتشجيعها وهذه كانت كسياسة مضادة وجهت ضد فكرة الدعوة الإسلامية (الجامعة الإسلامية) التي كانت تروجها الحكومة التركية في أوساط الكرد في ولاية الموصل، في بداية العشرينيات وعلى الرغم من أن السياسة البريطانية - الكردية في فترة ما بعد مؤتمر لوزان كانت تتصف باللين والتسامح، فيما يتعلق بالحقوق الثقافية الكردية، ولكن استخدم الإنكليز القوة المتناهية ضد دعاة استقلال كردستان ـ العراق. إلا أن تركيا كانت تنتظر إلى أن أي إحياء للقومية الكردية عبر الحدود (داخل ولاية الموصل) يعد بمثابة عرقلة لسياسة الصهر القسري المتبعة في كردستان - تركيا. وهذا القلق من جانب تركيا عبر عنه مراسل صحيفة الغارديان البريطانية الذي قال أثناء الأزمة: "إن لدى الأتراك دافعاً واحداً قوياً للمطالبة القوية بولاية الموصل. إنهم يخشون أن تكون في ظل إدارتنا وإشرافنا المتسامح ملجأ للحركة القومية الكردية. والكرد ثاني أكبر الأقليات في داخل حدودهم"( ).
ومن الجدير بالملاحظة أن السيد (أرنولد جي توينبي)، المؤرخ البريطاني المشهور، الذي زار تركيا في عام 1925، وقابل كبار المسؤولين الأتراك، عبر عن وجود قلق مماثل لدى الأتراك قائلاً: "إن تركيا مستعدة للتخلي عن كل امتيازاتها البترولية لصالح الحكومة البريطانية، إذا سلم البريطانيون الكرد إليهم"( ). وقد أكد السيد (آر لندسي) وبعض المسؤولين البريطانيين بإلحاح أيضاً الرأي القائل بالنسبة لتركيا، فإن قضية ولاية الموصل هي قضية كردية ويرى الأتراك أن القومية الكردية، وفي ولاية الموصل، تشكل خطراً على أمن القومية التركية ومصالحها الوطنية الإستراتيجية( ).
إن المسؤولين الأتراك في ذلك الوقت لم يكونوا يخفون هذا الشعور، ويصرحون وبكل وضوح أن قضية ولاية الموصل بالنسبة لهم هي مشكلة أمنية وأن أية مسائل أخرى، مثل البترول،هي إما غير متعلقة بالأمر أو أن تكون ذات أهمية ثانوية. وفي برقية من مؤتمر لوزان 1923 قال عصمت باشا اينونو لحسين رؤوف بيك نائب رئيس الوزراء التركي: إن اللورد كيرزون مستعد لإعطاء تركيا حصة سخية من الامتيازات البترولية، في ولاية الموصل. وأضاف قائلاً: "بالنسبة لنا، فإن قضية ولاية الموصل قضية قومية؛ وأما بالنسبة لهم فهي قضية البترول"( ). ومن خطاب له أمام المجلس الوطني الأعلى في عام 1923، ألقي عصمت باشا اينونو الكردي الأصل أضواء جديدة على هذه المسألة، فقال: "... إذا كان لديهم (البريطانيين) أي مشاريع مهمة فيما يتعلق بمصلحتهم الاقتصادية فسوف أقوم بتلبية تلك المسائل، على وجه مرض، وأقدم لهم الضمانات اللازمة ... فليحتفظوا بمدينة الموصل؛ فليكن لهم البترول فإننا سنرضى أن هم قدموا لنا الحصة المماثلة لتلك التي سيقدمونها للآخرين. لكن ولاية الموصل جزء لا يتجزأ من أراضينا الوطنية"( ).
وفي 23 آذار (مارس) عام 1923، أكد نائب رئيس الوزراء أما المجلس الوطني الأعلى أن العامل الكردي ووجود الكرد في ولاية الموصل، يشكلان نقطة مهمة في مسألة ولاية الموصل. وأضاف أن البريطانيين يحاولون فصل الكرد عن الترك وهما الشعبان اللذان لهما مصير واحد( ) ... وفي المناقشة نفسها حول الموضوع نفسه، قال (أم. ذراف) نائب برلماني من ولاية أرضروم: "في (معاهدة) سيفر 1920 وعدوا (البريطانيون) الكرد بأشياء كثيرة فيما يتعلق بالدولة الكردية. غير أنهم فشلوا ... إ نهم يحاولون مرة أخرى خلق كيان كردي في ولاية الموصل، لتدمير وحدتنا الوطنية ... استطيع أن أترك لهم بترول ولاية الموصل لكن ليس الكرد ..."( ). وقد أدلى السيد سيري (Sirri) النائب عن ولاية أزمير بتصريحات أكثر وضوحاً، حول موضوع ولاية الموصل وعلاقتها بالقضية الكردية:
"فقط إن البريطانيين غير مهتمين بالأرض (ولاية الموصل) للأسباب الاقتصادية وحدها. إنهم يريدون خلق بذور شقاق وخلاف في قلب أرضنا الإسلامية وبعد خلق حكومة كردية، في ولاية الموصل، فسيعملون على تشجيع الكرد الإيرانيين للانضمام إليهم، لكن قبل ذلك فسوف يقومون بدعوة الكرد في تركيا (سكان إقليم جنوب شرق تركيا) للانضمام إلى ذلك الكيان وحينئذ، فإن تضحياتنا الكبيرة التي بذلناها منذ أيام (معاهدة سيفر) إلى هذا اليوم سوف تضيع"( ).
ومهما يكن من أمر، فإن المسؤولين الأتراك في مفاوضات مؤتمر لوزان 1923، لم يغب عن بالهم عامل البترول ولم يتجاهلوه. فقد حاولوا استخدامه كورقة مساومة؛ إما مع البريطانيين في مفاوضاتهم المباشرة، أو مع الطرف الثالث في محاولة، منهم، زرع الخلاف بين الحلفاء الغربيين وممارسة ضغط على بريطانيا. في بداية مفاوضات مؤتمر لوزان، قال (عصمت باشا للورد كيرزون): إن دولته قد خرجت من حرب مدمرة، وإننا ننظر إلى الموارد البترولية لولاية الموصل كي تكون من المقتنيات الفائقة الثمن، لتموين إعادة بناء تركيا. وهذه الحجة وكذلك حقيقة كون تركيا فقيرة ومحتاجه إلى البترول، عبر عنهما في مناسبات عديدة في مؤتمر لوزان"( ).
ومع ذلك فقد كان حرص تركيا على استخدام البترول، كورقة لمساندة ودعم مخاوفه الأمنية ودعمها، أكثر من حرصه على البترول ذاته. وفي رسالة رسمية من مؤتمر لوزان اشتكى كيرزون بمرارة قائلاً: "عصمت باشا كان يبذل مجهودات كبيرة بدون نجاح، لإقناعي أو لتهديدي أو إجباري على تسليم ولاية الموصل إلى تركيا، بما في ذلك بكل تأكيد المنطقة المحتوية على البترول ... وبعدما أدرك فشله، بعث بوكلاء له، من ورائي، وبعض من هؤلاء عديمو الضمير، تماماً، وغير أمناء لنا ... حيث دخلوا في اتصالات مع أثنين من نواب البرلمان "السيد وأطسن روترفورد، والسيد ميزوبانيت" واللذين ناقش معهما التنازلات في البترول، وكذلك مصير المنطقة التي تحت الانتداب البريطاني ..."( ). وفي تعليق على الحادثة نفسها، قال عصمت باشا لرئيس إدارة مجلس النواب: إنه حصل على معاهدة مؤقتة مع بعض أصحاب المصالح، من مستثمري البترول ذوي الصلة بحزب العمال البريطاني، وهؤلاء رجال الأعمال البريطانيين ووعدوه بأنهم سوف يمارسون ضغطاً على حكومتهم، بقبول اهتمامات تركيا الأمنية في ولاية الموصل والاعتراف بكل حدود تركيا الحديثة، كما نص عليها في الميثاق القومي( ).
ويظهر أن إستراتيجية تركيا التساومية، حول ولاية الموصل، قد بنيت إلى درجة كبيرة على الافتراض، أنه يمكن شراء الحكومة البريطانية بالبترول. وفي مناسبات عديدة في مؤتمر لوزان 1923 حاول عصمت باشا إقناع كيرزون بتسليم ولاية الموصل إلى تركيا، وفي المقابل ستتصرف تركيا حسب إرشادات خبراء النفط البريطانيين، فيما يتعلق بآبار البترول في الإقليم( ).
وعندما فشلت هذه الإستراتيجية، حاولت تركيا إشراك أطراف أخرى في النزاع. ولذلك حاولت توريط حكومة الولايات المتحدة الأمريكية عبر امتيازات شستر (Chester) والتي منحت للبنك العثماني الأمريكي الاستكشافية حق التنقيب عن البترول. غير أن هذه المناورة فشلت، لأن بريطانيا امتلكت شركة البترول التركيـــة التي كان لها امتياز في حقــــول بترول ولاية الموصل منذ عام 1914، وقد عقدت فعــــلاً صفقات مــــع أغـــلب شركات البترول الأمريكية والأوروبية، وثبت فشل امتيازات شستر Chester Concessions( ).

الفريق الركن الدكتور
عبد العزيز عبد الرحمن المفتي

للراغبين الأطلاع على الحلقة الثالثة..

http://www.algardenia.com/maqalat/13853-2014-12-02-21-58-50.html

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1308 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع